عنوان الفتوى : الطلاق ظلمًا لا يبرر إساءة الظن بالإسلام
أنا امرأة تطلقت من زوجي لسوء خلقه ومعاملته، ثم تزوجت بآخر متزوج، وله أولاد، ورغم أنه كان يعجز عن سد حاجتي في المعاشرة، إلا أنني لم أشكُ من ذلك، ورضيت به، وتركت عملي لأجله، وكنت محبة لأولاده، كل ذلك من أجل أن أعيش معه في احترام وحسن معاملة، وفجأة يطلقني بلا سبب إلا إرضاءً لزوجته الأخرى، وهذا صدمني كثيرًا حتى جعلني أسيء الظن في الإسلام الذي أباح له الطلاق، لأن في ذلك تشويهًا لسمعتي بين الناس، مما جعلهم ينظرون إلي أنني امرأة لا تعاشر، سيئة الأخلاق، فأريد حلاً لمشكلتي.
الحمد لله وصلى الله وسلم على محمد وعلى آله وصحبه وبعد:
فلا يجوز للمرأة أن تسيء الظن بدين الإسلام، بحجة أنها قد ظلمت من زوجها وطلقها، وأن الإسلام هو الذي شرع له ذلك، وعليها أن تعلم أن إساءة الظن بالإسلام تعني إساءة الظن بالله الذي شرع هذا الدين، وبرسوله الذي جاء به، ولا شك أن ذلك يعتبر من الكفر البواح المخرج من الملة.
فعليك أن تستغفري الله من ذلك، وتجددي التوبة، ولا تكوني ممن قال الله فيهم: وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَعْبُدُ اللَّهَ عَلَى حَرْفٍ فَإِنْ أَصَابَهُ خَيْرٌ اطْمَأَنَّ بِهِ وَإِنْ أَصَابَتْهُ فِتْنَةٌ انْقَلَبَ عَلَى وَجْهِهِ خَسِرَ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةَ ذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ {الحج:11}.
ولتعلمي أن الله جل جلاله قد شرع لنا أحكاماً كفيلة بتحقيق مصالحنا كافة، في جميع أمورنا على وجه التمام، ولا ريب أن حفظ الرابطة الزوجية يعد من أعظم ما أولاه الشارع الحكيم عنايته، وصرف له رعايته، لتجتمع الأسرة المسلمة سعيدة في كنف شرع الله.
فشرع لها أحكامًا ترسي دعائمها، وتقيم بنيانها، وتحفظها من الانهيار، ومما شرعه في ذلك، تحريم ظلم الزوج لزوجته، وأمره بحسن عشرتها، والإحسان إليها. فقال سبحانه: وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ{البقرة:228}، وقال سبحانه وتعالى: وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ {النساء:19}، وقال صلى الله عليه وسلم:استوصوا بالنساء خيرًا. رواه ابن ماجه، وقال أيضًا: لا يفرك مؤمن مؤمنة، إن كره منها خلقًا رضي منها خلقًا آخر. رواه مسلم.
لكن هذه الرابطة بين الزوجين قد ينتابها شيء من الشقاق والنشوز، فيصبح اجتماعهما ظلمًا لهما، أو ظلمًا لأحدهما، فلذلك شرع الله الطلاق كآخر حل لتلك المشاكل.
والطلاق من غير حاجة مكروه، عند عامة أهل العلم؛ بل منهم من جزم بتحريمه، كالإمام أحمد في رواية عنه، معللًا ذلك بأن فيه إضرارًا بالزوج والزوجة، وإعدامًا للمصلحة الحاصلة لهما من غير حاجة إلى ذلك، فكان حرامًا لذلك السبب، كإتلاف المال. والنبي صلى الله عليه وسلم يقول: لا ضرر ولا ضرار. رواه أحمد وابن ماجه.
فعلى الزوج أن يحرص على بقاء عقد الزوجية، ويتقي الله في زوجته التي ضحت من أجله، ولا يفرط فيها لطلب زوجته الأخرى؛ فإنه يحرم على المرأة أن تطلب طلاق ضرتها.
وإذا كان بالإمكان تدارك الأمر والرجعة، فينبغي له ذلك، فإن تعذر إرجاعها، فعلى المرأة أن تطرد من رأسها هاجس أن الناس ينظرون إليها نظرة ازدراء، بل عليها أن تكون قوية صابرة في مواجهة المجتمع بسلوكها المستقيم، وأخلاقها الفاضلة، حتى تبين لهم أن طلاقها لا يدل على عيب فيها، وإنما نتج عن ظروف خارجة عن إرادتها.
وإذا استمرت على ذلك، فستجد من يتفهم أمرها، ويدرك حقيقة أخلاقها، وستتضح الحقيقة لمن حولها، ولو بعد حين.
والله أعلم.