عنوان الفتوى : تهافت القول بحلية بيع آلة الغناء وشرائها

مدة قراءة السؤال : 3 دقائق

فضيلة الشيخ ما حكم من يستدل بهذا القول على جواز الغناء: فإن الغناء في مواضعه جائز والذي يقصد به فائدة مباحة حلال، وسماعه مباح، وبهذا يكون منفعة شرعية يجوز بيع آلته وشراؤها لأنها متقومة. ومثال الغناء الحلال: 1 - تغني النساء لأطفالهن وتسليتهن. 2 - تغني أصحاب الأعمال وأرباب المهن أثناء العمل للتخفيف عن متاعبهم والتعاون بينهم. 3 - والتغني في الفرح إشهارا له. 4 - والتغني في الأعياد إظهارا للسرور. 5 - والتغني للتنشيط للجهاد. وهكذا في كل عمل طاعة حتى تنشط النفس وتنهض بحملها. والغناء ما هو إلا كلام حسنه حسن وقبيحه قبيح، فإذا عرض له ما يخرجه عن دائرة الحلال كأن يهيج الشهوة أو يدعو إلى فسق أو ينبه إلى الشر أو اتخذ ملهاة عن الطاعات، كان غير حلال. فهو حلال في ذاته وإنما عرض ما يخرجه عن دائرة الحلال. وعلى هذا تحمل أحاديث النهي عنه. والدليل على حله: 1 - ما رواه البخاري ومسلم وغيرهما عن عائشة، رضي الله عنها، أن أبا بكر دخل عليها وعندها جاريتان تغنيان وتضربان بالدف، ورسول الله صلى الله عليه وسلم مسجى بثوبه فانتهرهما أبو بكر، فكشف رسول الله صلى الله عليه وسلم وجهه وقال: (دعهما يا أبا بكر فإنها أيام عيد). ولو كان فيه نهي لمنعهما النبي صلى الله عليه وسلم. ومن استدل بسكوت النبي صلى الله عليه وسلم على قول أبي بكر: أمزمار الشيطان في بيت رسول الله؟ فالجواب عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم أيضاً لم يأمرهما بالانصراف والسكوت. 2 - ما رواه الإمام أحمد والترمذي بإسناد صحيح أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج في بعض مغازيه فلما انصرف جاءته جارية سوداء فقالت: يا رسول الله إني كنت نذرت إن ردك الله سالما أن أضرب بين يديك بالدف وأتغنى. قال: (إن كنت نذرت فاضربي). فجعلت تضرب. صححه الألباني. 3 - ما صح عن جماعة كثيرين من الصحابة والتابعين أنهم كانوا يسمعون الغناء والضرب على المعازف. فمن الصحابة: عبد الله بن الزبير، وعبد الله بن جعفر وغيرهما. ومن التابعين: عمر بن عبد العزيز، وشريح القاضي، وعبد العزيز بن مسلمة، مفتي المدينة وغيرهم. 4- أن الغناء في الجاهلية كان بالشعر ومعظم شعراء الغزل بل وأشهرهم كعمر بن أبي ربيعة يستدل الفقهاء والنحويون بشعرهم ويعتمدونه في مسائل اللغة ، فكيف يعتمدون على شيء محرم؟

مدة قراءة الإجابة : 3 دقائق

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:

فقد بينا من قبل أن الغناء أنواع، وأن منه ما يحل وما يحرم. ولك أن تراجع في تفصيل ما يحل من الغناء وما يحرم فتوانا رقم: 987.

ومن ذلك يتبين لك أن ما ذُكر من أمثلة الغناء الحلال: كتغني النساء لأطفالهن وتسليتهن، وتغني أصحاب الأعمال وأرباب المهن أثناء العمل للتخفيف عن متاعبهم والتعاون بينهم، والتغني في الفرح إشهارا له، والتغني في الأعياد إظهارا للسرور، والتغني للتنشيط للجهاد... أنها أمثلة من الغناء مباحة إذا لم تصحبها مزاميز، ولم تؤد إلى محرم.

وأما الاستدلال بحلية الغناء على إباحة بيع آلة الغناء وشرائها... فإنه مجانب للصواب تماما؛ لأن جميع ما ورد من الأدلة المقبولة ليس فيه ما يثبت حلية آلات الغناء، وقد بينا في الفتوى التي أشرنا إليها أن أهل العلم قد استثنوا الضرب بالدف، فأباحه كثير منهم للنساء في الأعياد ونحوها.

وأما ما ذكره من أنه قد صح عن جماعة كثيرين من الصحابة والتابعين أنهم كانوا يسمعون الغناء والضرب على المعازف. وأن من الصحابة: عبد الله بن الزبير، وعبد الله بن جعفر وغيرهما. ومن التابعين: عمر بن عبد العزيز، وشريح القاضي، وعبد العزيز بن مسلمة مفتي المدينة وغيرهم... فإنه على تقدير صحته مرجوح إذا ما قورن بما ثبت في صحيح البخاري وغيره أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ليكونن أقوام من أمتي يستحلون الحر والحرير والخمر والمعازف.

وما حكي من إجماع على تحريم استماع المعازف، وممن حكى الإجماع على ذلك: الإمام القرطبي وابن الصلاح وابن رجب وابن القيم وابن حجر الهيتمي...

وإذا تقرر ذلك علمت بطلان القول بحلية بيع آلة الغناء وشرائها.

وأما قوله: إن الغناء في الجاهلية كان بالشعر ومعظم شعراء الغزل بل وأشهرهم كعمر بن أبي ربيعة يستدل الفقهاء والنحويون بشعرهم ويعتمدونه في مسائل اللغة، فكيف يعتمدون على شيء محرم؟ فجوابه من جهةٍ، أن هذا الأمر لا علاقة له بحلية الغناء أو تحريمه. ومن جهة أخرى فإنه لا أحد ينكر أن الشعر العربي يعتبر مصدرا أساسيا من مصادر اللغة العربية. والاستدلال به في المعجم اللغوي، أو الصيغ الصرفية والأوزان، أو القواعد النحوية، أو غير ذلك مما يتعلق بأمر اللغة ليس فيه من حرج، ولا علاقة له بالأحكام الشرعية.

والله أعلم.