عنوان الفتوى : هل الإشراف على المنتدى أفضل أم قراءة القرآن وفعل الطاعات ؟

مدة قراءة السؤال : دقيقة واحدة

نحن مشرفات بمنتدى نسائي ولكن يدخله الرجال بحدود ولأقسام معينة ونجلس بحكم هذا العمل الإشرافي الساعات الطوال نحذف ونعدل ونرتب المواضيع والمنتدى توجهه ولله الحمد إسلامي وهدفه سليم ، ولكن هل هذا الوقت الذي نقضيه من الدعوة إلى الله ؟ وهل الجلوس لقراءة القرآن أو فعل الطاعات أفضل من هذا الإشراف ؟

مدة قراءة الإجابة : 10 دقائق

الحمد لله.


الدعوة إلى الله تعالى من أجل الأعمال الصالحة ، والقربات النافعة ، والطاعات المتعدّية لنفع الآخرين ، ولهذا كان القائم عليها والمنشغل بها سائرا على سبيل الأنبياء والمرسلين ، كما قال تعالى : ( قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ ) يوسف/108 ، وقال سبحانه : ( وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ ) فصلت/33 .
وقد جاء في الترغيب في القيام بأمر الدعوة نصوص كثيرة من الكتاب والسنة ، منها قوله صلى الله عليه وسلم : ( مَنْ دَعَا إِلَى هُدًى كَانَ لَهُ مِنْ الْأَجْرِ مِثْلُ أُجُورِ مَنْ تَبِعَهُ ، لَا يَنْقُصُ ذَلِكَ مِنْ أُجُورِهِمْ شَيْئًا ) رواه مسلم (2674).
وقوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ وَأَهْلَ السَّمَوَاتِ وَالْأَرَضِينَ حَتَّى النَّمْلَةَ فِي جُحْرِهَا وَحَتَّى الْحُوتَ لَيُصَلُّونَ عَلَى مُعَلِّمِ النَّاسِ الْخَيْرَ ) رواه الترمذي (2685) وصححه الألباني في صحيح الترمذي .
والدعوة إلى الله لها وسائلها المتنوعة ، وطرقها الكثيرة ، كالكلام المباشر ، في الخطب والمواعظ والمحاضرات ، وعبر الأشرطة ، والكتابة عبر الرسائل ، والنشرات ، وفي المنتديات .
ومن ذلك : إنشاء المنتديات النافعة ، والإشراف عليها ، وتوجيه أهلها ، والتعليق على ما مقالاتهم ومشاركاتهم ، فكل ذلك من وسائل الدعوة إلى الله تعالى ، وتعليم الناس الخير .
بل هذه المنتديات أصبحت وسيلة رائدة في التوجيه ، والإصلاح ، والدعوة والاحتساب ، وللقائمين عليها أجر عظيم على قدر نياتهم وأعمالهم ، وبذلهم وعطائهم .
وعليه ؛ فينبغي أن تحتسبي الوقت الذي تقضينه في متابعة هذه المشاركات والتعليق عليها وتوجيه أصحابها ، لكن مع الحذر من أن يشغلك هذا عما هو أهم وأنفع ، كالقيام بمسئولية الزوج والأولاد ، وتحصيل العلم الشرعي ، والمحافظة على قراءة القرآن والأوراد ، فإن بعض الناس ينشغل بمتابعة المنتديات عن أعمال أهم ، وقربات أعظم ، والفقه هو معرفة الأولويات ، وتقديم الأهم على المهم .
وما أجمل أن يضرب الإنسان في كل غنيمة بسهم ، فيكون له حظ من هذا ومن هذا ، يهتم بما ينفع نفسه وما ينفع غيره ، يسعى في الارتقاء بنفسه علما وعملا ، ويبذل من وقته في نفع الآخرين ودعوتهم وإصلاحهم ، فلا يشغله حق عن حق ، ولا يصرفه خير عن خير ، وبهذا يجعل الله لكلامه تأثيرا ، ولنصحه فائدة ، لأنه قرن القول بالعمل ، وكان شعاره : ( وَمَا أُرِيدُ أَنْ أُخَالِفَكُمْ إِلَى مَا أَنْهَاكُمْ عَنْهُ إِنْ أُرِيدُ إِلَّا الْإِصْلَاحَ مَا اسْتَطَعْتُ وَمَا تَوْفِيقِي إِلَّا بِاللَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ ) هود/88 .
والنفس تحتاج إلى فقه في التعامل معها ، فيغتنم الإنسان فترة إقبالها وحضورها ، فتارة يكون ذلك بقراءة القرآن ، والإكثار من النوافل ، وتارة بحضور مجالس العلم ومطالعة كتبه ، وتارة بدخول المنتدى والإشراف عليه ، فأفضل العبادة ما صادف حضور النفس وإقبالها وانشراحها ، ووافق وقت الحاجة إليها .
ولابن القيم رحمه الله كلام نافع جدا في المفاضلة بين العبادات ، نورد شيئا منه ، فمن ذلك قوله رحمه الله : " وكذلك حال القلب ، فكل حال كان أقرب إلى المقصود الذي خلق له فهو أشرف مما دونه ، وكذلك الأعمال ، فكل عمل كان أقرب إلى تحصيل هذا المقصود كان أفضل من غيره ، ولهذا كانت الصلاة والجهاد من أفضل الأعمال وأفضلها لقرب إفضائها إلى المقصود ، وهكذا يجب أن يكون ، فإنه كلما كان الشيء أقرب إلى الغاية كان أفضل من البعيد عنها ، فالعمل المعد للقلب المهيئ له لمعرفة الله وأسمائه وصفاته ومحبته وخوفه ورجائه أفضل مما ليس كذلك . وإذا اشتركت عدة أعمال في هذا الإفضاء فأفضلها أقربها إلى هذا المفضى ، ولهذا اشتركت الطاعات في هذا الإفضاء فكانت مطلوبة لله ، واشتركت المعاصي في حجب القلب وقطعه عن هذه الغاية فكانت منهيا عنها ، وتأثير الطاعات والمعاصي بحسب درجاتها . وها هنا أمر ينبغي التفطن له وهو أنه قد يكون العمل المعين أفضل منه في حق غيره .
فالغنى الذي بلغ له مال كثير ونفسه لا تسمح ببذل شيء منه فصدقته وإيثاره أفضل له من قيام الليل وصيام النهار نافلة .
والشجاع الشديد الذى يهاب العدو سطوته ، وقوفه في الصف ساعة وجهاده أعداء الله أفضل من الحج والصوم والصدقة والتطوع . والعالم الذى قد عرف السنة والحلال والحرام وطرق الخير والشر ، مخالطته للناس وتعليمهم ونصحهم في دينهم أفضل من اعتزاله وتفريغ وقته للصلاة وقراءة القرآن والتسبيح " انتهى من "عدة الصابرين" ص (93).
وقال أيضا :
" إن أفضل العبادة العمل على مرضاة الرب في كل وقت بما هو مقتضى ذلك الوقت ووظيفته، فأفضل العبادات في وقت الجهاد: الجهاد ، وإن آل إلى ترك الأوراد من صلاة الليل وصيام النهار ، بل ومن ترك إتمام صلاة الفرض كما في حالة الأمن .
والأفضل في وقت حضور الضيف مثلا : القيام بحقه والاشتغال به عن الورد المستحب ، وكذلك في أداء حق الزوجة والأهل .
والأفضل في أوقات السحر : الاشتغال بالصلاة والقرآن والدعاء والذكر والاستغفار .
والأفضل في وقت استرشاد الطالب وتعليم الجاهل : الإقبال على تعليمه والاشتغال به .
والأفضل في أوقات الأذان : ترك ما هو فيه من ورده والاشتغال بإجابة المؤذن .
والأفضل في أوقات الصلوات الخمس : الجد والنصح في إيقاعها على أكمل الوجوه والمبادرة إليها في أول الوقت ، والخروج إلى الجامع وإن بعُد كان أفضل .
والأفضل في أوقات ضرورة المحتاج إلى المساعدة بالجاه أو البدن أو المال : الاشتغال بمساعدته وإغاثة لهفته وإيثار ذلك على أورادك وخلوتك .
والأفضل في وقت قراءة القرآن : جمعية القلب والهمة على تدبره وتفهمه حتى كأن الله تعالى يخاطبك به ، فتجمع قلبك على فهمه وتدبره والعزم على تنفيذ أوامره أعظم من جمعية قلب من جاءه كتاب من السلطان على ذلك .
والأفضل في وقت الوقوف بعرفة : الاجتهاد في التضرع والدعاء والذكر دون الصوم المضعف عن ذلك .
والأفضل في أيام عشر ذي الحجة : الإكثار من التعبد ، لا سيما التكبير والتهليل والتحميد فهو أفضل من الجهاد غير المتعين .
والأفضل في العشر الأخير من رمضان : لزوم المسجد فيه والخلوة والاعتكاف دون التصدي لمخالطة الناس والاشتغال بهم حتى إنه أفضل من الإقبال على تعليمهم العلم وإقرائهم القرآن عند كثير من العلماء …
وهؤلاء هم أهل التعبد المطلق ، والأصناف قبلهم أهل التعبد المقيد ( وهم الذين غلب عليهم عبادة معينة ، كقيام الليل أو قراءة القرآن أو الصيام ) فمتى خرج أحدهم عن النوع الذي تعلق به من العبادة وفارقه يرى نفسه كأنه قد نقص وترك عبادته فهو يعبد الله على وجه واحد ، وصاحب التعبد المطلق ليس له غرض في تعبد بعينه يؤثره على غيره ، بل غرضه تتبع مرضاة الله تعالى أين كانت .
فمدار تعبده عليها ، فهو لا يزال متنقلا في منازل العبودية كلما رفعت له منزلة عمل على سيره إليها واشتغل بها حتى تلوح له منزلة أخرى ، فهذا دأبه في السير حتى ينتهي سيره ، فإن رأيت العلماء رأيته معهم ، وإن رأيت العباد رأيته معهم ، وإن رأيت المجاهدين رأيته معهم ، وإن رأيت الذاكرين رأيته معهم ، وإن رأيت المتصدقين المحسنين رأيته معهم ، وإن رأيت أرباب الجمعية وعكوف القلب على الله رأيته معهم ، فهذا هو العبد المطلق الذي لم تملكه الرسوم ، ولم تقيده القيود ، ولم يكن عمله على مراد نفسه وما فيه لذتها وراحتها من العبادات ، بل هو على مراد ربه ولو كانت راحة نفسه ولذتها في سواه ، فهذا هو المتحقق ب (إياك نعبد وإياك نستعين) حقا ، القائم بهما صدقا " انتهى من "مدارج السالكين" (1/88).
وخلاصة الجواب : أن الإشراف على هذا المنتدى هو من الدعوة إلى الله تعالى ، فلا ينبغي تركه ، ولكن ينبغي أن ينظّم المسلم وقته ، فللدعوة إلى الله وقت ، ولقراءة القرآن وقت ، وللصلاة وقت ، وللأهل والأسرة وقت ، وهكذا ، فيعطي كل ذي حق حقه
نسأل الله تعالى لنا ولك التوفيق والسداد .
والله أعلم .

أسئلة متعلقة أخري
لا يوجود محتوي حاليا مرتبط مع هذا المحتوي...