عنوان الفتوى : الانتساب إلى الجماعات الإسلامية مشروع بهذه الضوابط
السلام عليكم ورحمة الله وبركاتهكثرت في عصرنا الحالي الفرق والجماعات وكثرت الأسماء والمسميات والفرق في المجتمع الاسلامي، فمنهم من يقول أنا سلفي وأنت إخواني والآخر من جماعة التبليغ وذاك من جماعة الدعوة والتبليغ وغير ذلك من الأسماء ، ويقول البعض أنا سلفي من الفرقة الناجية والفرق الأخرى ضالة. وهذا ما فرق إخواننا المسلمين وجعل بينهم البغض والحقد والصراعات في أمور كثيرة.إذن هل يجوز التصريح بهذه الأسماء في المجتمع الإسلامي. وفقكم الله وبارك الله فيكم .
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فالأصل في هذه الأسماء أنها مشروعة في نفسها إذا لا دلالة فيها على معنى باطل، والانتساب إليها في معنى الانتساب إلى المذاهب الفقهية من الحنفية والمالكية والشافعية والحنابلة، فهذه المذاهب الفقهية مدارس في فروع الدين، وتلك مدارس في مناهج التغيير، وبذل السبل المشروعة والمتاحة في فرض الحل الإسلامي على المجتمعات الإسلامية، فهي وإن اختلفت مسالكها إلا أن الهدف منها يظل هدفاً واحداً، وهو: تحكيم شرع الله في شتى مناحي الحياة، لكن لابد من التنبه إلى أمور ثلاثة:
الأول: نبذ التعصب: فكما أن التعصب في المذاهب الفقهية مذموم، فكذلك التعصب في المدارس الفكرية مذموم أيضاً، بل لو قيل: إن التعصب في شأن المناهج قد يكون أشد ضرراً على الأمة من التعصب للمذاهب لكان ذلك القول صواباً، لأن المناهج قد تصطدم - في بعض المراحل - إذا اشتد تعصب أصحاب كل منهج له، وإذا اصطدمت - على ذلك النحو -فإن الآثار قد تكون مدمرة، بخلاف ما إذا اختلف تابعا مذهبين في فرع، فإن أثر الاختلاف بينهما سيكون محدودا، إذ يمكن لكل منهما أن يعمل بالفرع على وفق ما يراه، دون أن يبذل كل منهما ما في وسعه لحمل الآخر على الأخذ بوجهة نظره هو، وحيث ذكرنا المدارس المنهجية فإننا نعني بهذه المدارس ما ذكرت في سؤالك من: سلفيين وإخوان وتبليغيين (كمناهج في التغيير) لا أولئك الذين يقوضون بنيان الإسلام وينسفون أحكامه بدعوى التجديد.
الثاني: عدم امتحان الناس بهذه الأسماء، وعدم عقد الولاء والبراء عليها.
يقول شيخ الإسلام ابن تيمية: (بل الأسماء التي يسوغ التسمي بها مثل انتساب الناس إلى إمام كالحنفي والمالكي والشافعي والحنبلي، أو إلى شيخ كالقادري والعدوي ونحوهم... فلا يجوز لأحدٍ أن يمتحن الناس بها، ولا يوالي بهذه الأسماء ولا يعادي عليها، بل أكرم الخلق عند الله أتقاهم من أي طائفةٍ كان، وأولياء الله - الذين هم أولياؤه - هم الذين آمنوا وكانوا يتقون... وقد جعل الله فيها - أي في نصوص الكتاب والسنة - عباده المؤمنين بعضهم أولياء بعض، وجعلهم إخوة، وجعلهم متناصرين متراحمين متعاطفين، وأمرهم سبحانه بالائتلاف ونهاهم عن التفرق والاختلاف، فقال: (وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعاً وَلا تَفَرَّقُوا) [آل عمران:103].
وقال تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعاً لَسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ إِنَّمَا أَمْرُهُمْ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ يُنَبِّئُهُمْ بِمَا كَانُوا يَفْعَلُونَ) [الأنعام:159].
فكيف يجوز لأمة محمد بعد هذا أن تفترق وتختلف، حتى يوالي طائفة ويعادي طائفة أخرى بالظن والهوى بلا برهان من الله تعالى، وقد برأ الله نبيه ممن كان هكذا، فهذا فعل أهل البدع كالخوارج الذين فارقوا جماعة المسلمين، واستحلوا دماء من خالفهم.
وأما أهل السنة والجماعة فهم معتصمون بحبل الله، وأقل ما في ذلك أن يفضل الرجل من يوافقه على هواه، وإن كان غيره أتقى لله منه، وإنما الواجب أن يقدم من قدمه الله ورسوله، ويؤخر من أخره الله ورسوله، ويحب ما أحبه الله ورسوله، ويبغض ما أبغضه الله ورسوله، وينهى عما نهى الله عنه ورسوله، وأن يرضى بما رضي الله به ورسوله، وأن يكون المسلمون يداً واحدة). انتهى من مجموع الفتاوى ج 3/415-420.
وهو كلام غاية في الجمال، وبيان هدي الإسلام في مثل هذا الاختلاف، ولو طبقه أفراد الحركات الإسلامية اليوم لكانت أبعد ما تكون عن التشرذم والتفرق، فليس الخطر في الأسماء السائغة شرعاً، وإنما الخطر في الممارسة الخاطئة للانتماء، وراجع الجواب رقم:
4321.
الثالث : التنبه إلى أن هذه الجماعات وإن اتفقت في الهدف والمقصد ، وهو تحكيم شرع الله في شتى مناحي الحياة ، إلا أن بينها من الخلاف في بعض مسائل الاعتقاد والعمل ما يوجب على المسلم أن يكون على بصيرة في التعامل معها ، وأن لا يقبل إلا ما وافق الكتاب والسنة ، وأن يعتصم بفهم سلف الأمة ، فإن الخير كله في اتباع من سلف ، والشر في ابتداع من خلف.
والله أعلم.