عنوان الفتوى : تكفل الله بحفظ القرآن
موضوع سؤالي حول جمع القرآن الكريم .صحيح البخاري ( كتاب فضائل القرآن ) باب جمع القرآن حدثنا موسى حدثنا إبراهيم حدثنا ابن شهاب أن أنس بن مالك حدثه : (أن حذيفة بن اليمان قدم على عثمان وكان يغازي أهل الشام في فتح إرمينية وأذربيجان مع أهل العراق فأفزع حذيفة اختلافهم في القراءة فقال حذيفة لعثمان يا أمير المؤمنين أدرك هذه الأمة قبل أن يختلفوا في الكتاب اختلاف اليهود والنصارى فأرسل عثمان إلى حفصة أن أرسلي إلينا بالصحف ننسخها في المصاحف ثم نردها إليك فأرسلت بها حفصة إلى عثمان فأمر زيد بن ثابت وعبد الله بن الزبير وسعيد بن العاص وعبد الرحمن بن الحارث بن هشام فنسخوها في المصاحف وقال عثمان للرهط القرشيين الثلاثة إذا اختلفتم أنتم وزيد بن ثابت في شيء من القرآن فاكتبوه بلسان قريش فإنما نزل بلسانهم، ففعلوا حتى إذا نسخوا الصحف في المصاحف رد عثمان الصحف إلى حفصة وأرسل إلى كل أفق بمصحف مما نسخوا وأمر بما سواه من القرآن في كل صحيفة أو مصحف أن يحرق قال ابن شهاب وأخبرني خارجة بن زيد بن ثابت سمع زيد بن ثابت قال فقدت آية من الأحزاب حين نسخنا المصحف قد كنت أسمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ بها فالتمسناها فوجدناها مع خزيمة بن ثابت الأنصاري من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه، فألحقناها في سورتها في المصحف).
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فقبل الجواب عما سألت نريد أولاً: أن ننبهك إلى أن صحابة رسول الله صلى لله عليه وسلم هم خير هذه الأمة وأفضلها وأبرها، وقد أثنى الله تعالى عليهم أحسن الثناء، وأثنى عليهم رسوله صلى الله عليه وسلم. قال الله تعالى: وَالسَّابِقُونَ الأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُم بِإِحْسَانٍ رَّضِيَ اللّهُ عَنْهُمْ وَرَضُواْ عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ.{سورة التوبة: 100}
وقال النبي صلى الله عليه وسلم: لا تسبوا أصحابي، فلو أن أحدكم أنفق مثل أحد ذهبا ما بلغ مد أحدهم ولا نصيفه. أخرجه البخاري عن أبي سعيد، ومسلم عن أبي هريرة وأبي سعيد رضي الله عنهما.
وقال أيضا: خيرأمتي قرني، ثم الذين يلونهم. كما في الصحيحين عن عمران بن حصين. فهذا القدر قد ذكرناه لما ذكرته من أن ما في الحديث الشريف يدل على عدم دقة الرعيل الأول في جمع القرآن، وإهمالهم ما عهد إليهم به من حفظ القران الكريم.
وأما زيد بن ثابت رضي الله عنه فيكفيه فضلا أنه قد اختير لجمع القران. روى البخاري وغيره أنه رضي الله عنه قال -لما كلف بهذه المهمة النبيلة الصعبة من طرف أبي بكر-: فو الله لو كلفني نقل جبل من الجبال ما كان أثقل علي مما أمرني به من جمع القران....
وأما قولك: ماذا لو كان قد مات خزيمة الأنصاري رضي الله عنه قبل تولي عثمان رضي الله عنه الخلافة؟ وهل كان سيبقى القرآن ناقصا إلى الآن؟
وطرحك احتمال أن يكون الرعيل الأول قد أهملوا ما عهد إليهم من حفظ القران الكريم.. فجوابه أن الله تعالى هو الذي تكفل بحفظ القرآن، قال تعالى : إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ. {الحجر:9} ولم يكل ذلك إلينا كما فعل بأهل الكتاب. فقد ذكر العيني في شرحه للبخاري أن بعض علماء النصارى سأل محمد بن الوضاح، فقال: ما بال كتابكم معشر المسلمين لا زيادة فيه ولا نقصان وكتابنا بخلا ف ذلك؟ فقال: لأن الله وكل حفظ كتابكم إليكم. فقال: استحفظو من كتاب الله، فلما وكله إلى مخلوق دخله الخرم والنقصان، وقال في كتابنا : إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ. {الحجر:9} . فتولى الله حفظه فلا سبيل إلى الزيادة فيه والنقصان.
ومن هذا تعلم أن خزيمة ما كان ليموت قبل خلافة عثمان. علما بأن الآية الكريمة كانت محفوظة لدى الصحابة، كما جاء صريحا في نص الحديث. وفي هذا أيضا رد على ما طرحته من احتمال فقد الآية عند أم المؤمنين حفصة، أو فقد آيات أخرى عندها.
وأما السؤال عما إذا كان الخليفة الراشد عثمان بن عفان رضي الله عنه قد رد الصحف إلى أم المؤمنين بدون أن يضيف ما فقد منها، فذلك ما لم نجد فيه نقلا، وبالتالي فلا نملك له جوابا قاطعا، ولكن الغالب على الظن أن زيداً أضافها إن لم تكن موجوة أصلا فهو من جمع المصحف الأم الذي كان موجودا عند حفصة وذلك بأمر من أبي بكر رضي الله عنه إبان كان خليفة.