عنوان الفتوى : الأشعري.. وأتباعه الحقيقيون
فضيلة الشيخ أنا لدي بعض التشويش في أمور العقيدة وتوحيد الأسماء والصفات بين العقيدة الأشعرية وبين العقيدة السلفية , وبعد أن اعتقدت العقيدة السلفية ظهرت لي بعض الشبه وأود أن تجيبوني عن أسئلتي هذه هل صحيح أن ابن تيمية رحمه الله قال في حديث النزول مشبها ( كنزولي هذا ) ونزل درجة من درجات المنبر هل صحيح أن ابن تيمية رحمه الله قال في حديث الاستواء أن معناه الجلوس ؟! وقال ( كجلوسي هذا ) وهل يجوز إثبات صفة لله لم يصف الله بها نفسه (الجلوس). هل صحيح قول الأشاعرة أنهم هم أهل السنة والجماعة وأنه لم يشذ عن عقيدتهم من السلف الصالح إلا ابن تيمية وتلاميذه ومحمد بن عبد الوهاب. هل يصح ما ينسبه الأشاعرة لأنفسهم من أن الله قد مدحهم في القرآن في قوله تعالى :{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ مَن يَرْتَدَّ مِنكُمْ عَن دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَلاَ يَخَافُونَ لَوْمَةَ لآئِمٍ ذَلِكَ فَضْلُ اللّهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَاءُ وَاللّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ } لما نزلت هذه الآية الكريمة أشار النبي عليه الصلاة و السلام إلى الصحابي الجليل أبي موسى الأشعري رضي الله عنه فقال:" هم قوم هذا" . وأن أبا الحسن الأشعري هو من سلالة أبي موسى الأشعري الذي أشار إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم عند نزول الآية. أما الشبهة الأخيرة فهي قول الأشاعرة فيما رواه الإمام أحمد و الحاكم بسند صحيح : لتفتحن القسطنطينية فلنعم الأمير أميرها ولنعم الجيش ذلك الجيش، و لقد فتحت القسطنطينية بعد ثمانمائة عام فتحها السلطان المجاهد محمد الفاتح رحمه الله وأن السلطان محمد الفاتح كان أشعريا؟؟ وجزاكم الله خيرا، وعذرا للإطالة.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فإن المسلم ينطلق في أموره الاعتقادية والتعبدية مما ثبت له من نصوص الوحيين ومن فهم الصحابة والتابعين ومن تبعهم بإحسان لتلك النصوص، ويسأل الله الهدى للحق كلما وجد خلافا، فقد ثبت عن عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا قام من الليل افتتح صلاته: اللهم رب جبريل وميكائيل وإسرافيل فاطر السموات والأرض عالم الغيب والشهادة أنت تحكم بين عبادك فيما كانوا فيه يختلفون، اهدني لما اختلف فيه من الحق بإذنك إنك تهدي من تشاء إلى صراط مستقيم. رواه مسلم.
ولا ينبغي أن تتخلخل عقيدة المسلم بسبب طعن الناس في بعض العلماء، فإن العلماء يبتلون بالأذى والتهم كما يبتلى الأنبياء، فمن كان عنده علم وأمكنه الرد عليهم تعين ذلك عليه، ومن لم يكن عنده علم كاف لذلك شغل نفسه بتدبر ومطالعة نصوص الوحيين وأعرض عن طعون الناس وكلام بعضهم في بعض.
وأما شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله فقد مدحه بعض أهل العلم بأنه عالم شديد الاتباع للحق يدور مع الأدلة حيث دارت، وقد وصفه الذهبي بأنه فريد العصر علما ومعرفة وذكاء وحفظا وكرما وزهدا وفرط شجاعة... وقد بسطنا الكلام في المسائل التي ذكرتها في الفتوى رقم: 41473، فراجعها.
وأما صفات الله فهي توقيفية ولا يوصف الله إلا بما ثبت وصفه به في الوحي.
وأما الأشاعرة فهم طائفة من هذه الأمة تنتسب إلى الإمام أبي الحسن الأشعري، وقد ذكر ابن كثير والزبيدي وغيرهما أن الأشعري كانت حياته على ثلاث مراحل، كان معتزليا ثم أصبح متكلما كلابيا، ثم رجع في آخر حياته إلى مذهب أهل السنة والجماعة، وألف في مذهب أهل السنة، وكتبه الموجودة بين أيدينا تشهد بذلك، فراجع كتابه الإبانة ورسالته إلى أهل الثغر ومقالات الإسلاميين.
وبناء عليه فأتباع الأشعري حقيقة هم من تبعوا منهجه الذي مات عليه ودونه في كتبه.
أما من تمسك بمنهجه الوسط في تأويل الصفات وما أشبه ذلك فقد خالف الصواب.
وأما حديث أبي موسى في نزول الآية فقد حمله أهل العلم على أن المراد بقومه أهل اليمن، ويؤيد ذلك الواقع، فقد جاء المسلون من اليمن واشتركوا مع المجاهدين في الفتوحات الإسلامية، ويدل لهذا المعنى ما رواه البيهقي وابن عساكر عن أبي موسى أنه صلى الله عليه وسلم قال: قومك يا أبا موسى أهل اليمن.
وأما حديث فتح القسطنطينية فمختلف في ثبوته، فقد صححه الذهبي وخالفه الألباني فضعفه وكذلك الأرناؤوط، وحتى لو ثبت الحديث فإنه إنما يدل على فضل الأمير وجنوده المجاهدين معه، وأفضل أعمالهم ومناقبهم هي جهادهم وفتوحاتهم.
ومن المعلوم أن الأمراء في العصور الوسطى لم يكونوا علماء محققين في القضايا الخلافية بين الفرق الإسلامية حتى يوزن بهم الحق، فالواجب أن يعرف الرجال بالحق ولا يعرف الحق بالرجال، فيؤثر عن الإمام علي رضي الله عنه أنه قال: إن الحق لا يعرف بالرجال، اعرف الحق تعرف أهله.
وراجع الفتاوى ذات الأرقام التالية: 7022، 4118، 31871، 5719، 15695، 6009، 23074.
والله أعلم.