عنوان الفتوى : تفنيد شبهات ودفاع عن ابن تيمية رحمه الله
السلام عليكم كان ابن تيمية يخطب الجمعة في الجامع الأموي، وقال أثناء كلامه إنّ الله ينزل إلى سماء الدنيا كنزولي هذا، ونزل من درجة المنبر... 2- ويقول ابن تيمية: (ولو قد شاء الله لاستقرّ على ظهر بعوضة فاستقلّت به بقدرته ولطف ربوبيته، فكيف على عرش عظيم!!)، هل هذا صحيح عن شيخ الإسلام؟
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد: فما ذكر أولاً عن شيخ الإسلام قصة مختلقة ذكرها ابن بطوطة في رحلته المشهورة، حيث زعم أنه شاهد ابن تيمية على منبر الجامع بدمشق يعظ الناس، ويشبه نزول الله إلى السماء الدنيا بنزوله من درجة المنبر، وقد قرر كثير من أهل العلم أن هذه قصة مختلقة لأن دخول ابن بطوطة إلى دمشق كان في التاسع من شهر رمضان عام ست وعشرين وسبعمائة هجرية، وكان سجن ابن تيمية في قلعة دمشق أوائل شعبان من هذا العام إلى أن توفاه الله ليلة الاثنين لعشرين من ذي القعدة عام ثمان وعشرين وسبعمائة هجرية، فكيف رآه ابن بطوطة يعظ على منبر الجامع وسمع منه، ثم إن حادثة مثل هذه الحادثة تحدث على المنبر في مكان مشهور ومن عالم مشهور ومحسود وله أعداء كثر، ويقول ما لا يسع الناس السكوت عنه، ثم ينفرد بنقل هذه الحادثة- التي تتوافر جميع أسباب نقلها وتواترها- شخص واحد كابن بطوطة أمر يدل على عدم صدق هذا النقل. وقد نبه الحافظ ابن حجر إلى أن ابن بطوطة -رحمه الله- لم يكتب تفصيل رحلته، وإنما الذي كتبها وجمعها أبو عبد الله بن جزي الكلبي وهو من نمَّقها، وكان الإمام البلقيني يتهمه بالكذب والوضع. أما ما ذكر ثانياً عن شيخ الإسلام، فليس من كلامه رحمه الله، لكنه نقله في نقض التأسيس عن الدارمي -رحمه الله- في رده على بشر المريسي، ولعل من المناسب أن ننقل بعض كلام ابن تيمية الذي قاله -رحمه الله- في نقض التأسيس: قال عثمان بن سعيد الدرامي في نقضه على المريسي وصاحبه: وأعجب من هذا كله قياسك الله بقياس العرش ومقداره ووزنه من صغير أو كبير، وزعمت كالصبيان العميان أن الله أكبر من العرش أو أصغر منه أو مثله، فإن كان الله أصغر فقد صيرتم العرش أعظم منه، وإن كان أكبر من العرش فقد ادعيتم فيه فضلاً عن العرش، وإن كان مثله إذا ضم إلى العرش السموات والأرض كانت أكبر، مع خرافات تكلم بها وترهات يلعب بها وضلالات يضل بها، لو كان من يعمل لله لقطع قشرة لسانه، والخيبة لقوم هذا فقيههم والمنظور إليه مع التمييز كله وهذا النظر وكل هذه الجهالات والضلالات. فيقال لهذا البقباق النفاج: إن الله أعظم من كل شيء وأكبر من كل خلق، ولم يحمله العرش عظما ولا قوة، ولا حملة العرش حملوه بقوتهم ولا استقلوا بعرشه، ولكنهم حملوه بقدرته، وقد بلغنا أنهم حين حملوا العرش وفوقه الجبار في عزته وبهائه ضعفوا عن حمله واستكانوا وجثوا على ركبهم حتى لقنوا لا حول ولا قوة إلا بالله، فاستقلوا به بقدرة الله وإرادته، ولولا ذلك ما استقل به العرش ولا الحملة ولا السموات ولا الأرض ولا من فيهن، ولو قد شاء لاستقر على ظهر بعوضة فاستقلت به بقدرته ولطف ربوبيته، فكيف على عرش عظيم أكبر من السموات والأرض، وكيف تنكر أيها النفاج أن عرشه يقله والعرش أكبر من السموات السبع والأرضين السبع، ولو كان العرش في السموات والأرضين ما وسعته ولكنه فوق السماء السابعة، فكيف تنكر هذا وأنت تزعم أن الله في الأرض في جميع أمكنتها والأرض دون العرش في العظمة والسعة، فكيف تقله الأرض في دعواك ولا يقله العرش الذي هو أعظم منها وأوسع. وواضح من هذا النقل أن الدارمي -رحمه الله- أراد من ذلك الكلام أن الله تعالى غير محتاج إلى العرش، ولا غيره، بل هو سبحانه غني عن العالمين وما سواه فقير إليه، وهو سبحانه فوق العرش، كما دل الكتاب والسنة والأثر والإجماع من الصحابة والتابعين وأئمة الإسلام قبل جهم والمريسي وأضرابهما من أهل البدع والضلال. والله أعلم.