عنوان الفتوى: حديث طويل مكذوب في سياق قصة موت النبي صلى الله عليه وسلم
أفيدونا عن صحة الحديث المروي في "مجمع الزوائد ومنبع الفوائد" عن جابر في قوله : ( إذا جاء نصر الله والفتح ورأيت الناس يدخلون في دين الله أفواجاً فسبح بحمد ربك واستغفره إنه كان تواباً ) قال : لما نزلت على محمد صلى الله عليه وسلم قال : " يا جبريل نفسي قد نعيت " . قال جبريل عليه السلام : ( وللآخرة خير لك من الأولى ولسوف يعطيك ربك فترضى ) ، فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بلالاً أن ينادي بـ ( الصلاة جامعة ) ، فاجتمع المهاجرون والأنصار ، ثم صلى بهم عليه الصلاة والسلام ، ثم صعد المنبر ، فحمد الله عز وجل ، وأثنى عليه ، ثم خطب خطبة وجلت منها القلوب ، وبكت منها العيون ، ثم قال : أيها الناس ! أي نبي كنت لكم ؟ قالوا : جزاك الله من نبي خيراً ، كنت لنا كالأب الرحيم ، وكالأخ الناصح الشفيق ، أديت رسالات الله عز وجل ، وأبلغتنا وحيه ، ودعوت إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة ، فجزاك الله عنا أفضل ما جازى نبياً عن أمته ..... ، فذكر الحديث بطوله ) .
الحمد لله
هذا الحديث الطويل يرويه الإمام الطبراني في "المعجم الكبير" (3/58) وعنه أبو نعيم
في "حلية الأولياء" (4/74) ومن طريقه ابن الجوزي في "الموضوعات" (1/295)
قال : حدثنا محمد بن أحمد بن البراء ثنا عبد المنعم بن إدريس بن سنان عن أبيه عن
وهب بن منبه : عن جابر بن عبد الله وعبد الله بن عباس رضي الله عنهما به .
قال الهيثمي بعد إيراده هذا الحديث (8/605) :
" رواه الطبراني ، وفيه عبد المنعم بن إدريس : وهو كذاب وضاع "
انتهى
.
وقال ابن الجوزي في "الموضوعات" (1/301) :
" هذا حديث موضوع محال ، كافأ الله من وضعه ، وقبَّح من يشين الشريعة بمثل هذا
التخليط البارد ، والكلام الذى لا يليق بالرسول صلى الله عليه وسلم ولا بالصحابة .
والمتهم به عبد المنعم بن إدريس : قال أحمد بن حنبل : كان يكذب على وهب . وقال يحيى
: كذاب خبيث . وقال ابن المدينى وأبو داود : ليس بثقة . وقال ابن حبان : لا يحل
الاحتجاج به . وقال الدارقطني : هو وأبوه متروكان ."
انتهى
.
وكذا ذكره في الموضوعات السيوطي في "اللآلئ
المصنوعة" (1/257) وابن عراق في "تنزيه الشريعة" (1/330) والشوكاني في "الفوائد
المجموعة" (324)
وقد احتوى هذا الحديث المكذوب جملا من الأمور :
1- فيه ذكر قصة وفاته صلى الله عليه وسلم واستئذان ملك الموت عليه ، وذكر تفاصيل
غير ثابتة في تلك الحادثة العظيمة ، ومن المعلوم لدى أهل العلم أن قصة وفاة النبي
صلى الله عليه وسلم من أكثر المواضيع التي كذب فيها الكذابون ، وتناقل الناس فيها
أشياء لا تثبت .
يقول الحافظ ابن كثير رحمه الله "البداية والنهاية" (5/256) :
" وقد ذكر الواقدي وغيره في الوفاة أخبارًا كثيرةً فيها نكارات وغرابة شديدة ،
أضربنا عن أكثرها صفحا لضعف أسانيدها ، ونكارة متونها ، ولا سِيَّما ما يورده كثير
من القُصَّاص المتأخرين وغيرهم ، فكثير منه موضوع لا محالة ، وفي الأحاديث الصحيحة
والحسنة المروية في الكتب المشهورة غُنيةٌ عن الأكاذيب وما لا يعرف سنده ، والله
أعلم " انتهى
.
ولم يصح في استئذان ملك الموت على النبي صلى الله عليه وسلم لقبض روحه أي حديث وأي
خبر ، وكل ما ورد في ذلك إما منكر أو موضوع ، وانظر جواب السؤال رقم (71400)
2- أما قصة طلب عكاشة القصاص من رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقد جاء ما يشبهها
من طريق صحيح ؛ لكن فيها أن الذي طلب القصاص هو أسيد بن حضير رضي الله عنه ، فقد
روى عبد الرحمن بن أبي ليلى عَنْ أُسَيْدِ بْنِ حُضَيْرٍ قَالَ :
( بَيْنَمَا هُوَ – يعني أسيد بن حضير - يُحَدِّثُ الْقَوْمَ - وَكَانَ فِيهِ
مِزَاحٌ - بَيْنَا يُضْحِكُهُمْ ، فَطَعَنَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ فِي خَاصِرَتِهِ بِعُودٍ . فَقَالَ : أَصْبِرْنِي . فَقَالَ : اصْطَبِرْ
. قَالَ : إِنَّ عَلَيْكَ قَمِيصًا وَلَيْسَ عَلَيَّ قَمِيصٌ . فَرَفَعَ النَّبِيُّ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ قَمِيصِهِ ، فَاحْتَضَنَهُ وَجَعَلَ
يُقَبِّلُ كَشْحَهُ ، قَالَ : إِنَّمَا أَرَدْتُ هَذَا يَا رَسُولَ اللَّهِ )
رواه أبو داود (5224) ومن طريقه البيهقي في
"السنن الكبرى" (7/102) ، ورواه الطبراني في "المعجم الكبير" (1/205) والحاكم في
"المستدرك" (3/327) وابن عساكر في "تاريخ دمشق" (9/76) .
وهذا الحديث سنده صحيح ، صححه الحاكم وكذا الذهبي ، وصححه الألباني في صحيح أبي
داود .
جاء في "عون المعبود" (14/90) :
" ( فطعنه النبي صلى الله عليه و سلم ) أي ضربه على سبيل المزاح ( فقال ) أي أسيد (
أصبرني ) أي : أقدرني ومكني من استيفاء القصاص حتى أطعن في خاصرتك كما طعنت في
خاصرتي . ( اصطبر ) أي : استوف القصاص .
( فاحتضنه ) أي اعتنقه وأخذه في حضنه وهو ما دون الإبط إلى الكشح .
( وجعل يقبل كشحه ) هو ما بين الخاصرة إلى الضلع الأقصر من أضلاع الجنب .
( قال إنما أردت هذا ) أي : ما أردت بقولي أصبرني إلا هذا التقبيل ، وما أردت حقيقة
القصاص " انتهى
.
3- وفي الحديث جمل منكرة شنيعة :
منها : ( فإن أول من يصلي علي الرب عز وجل من فوق عرشه ) وهل يصلي الله على الناس
صلاة الجنازة ؟! هذا من شنيع كذب الوضاعين .
ومنها قوله : ( فلما بلغ الروح الركبتين قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : أوه .
فلما بلغ الروح السرة نادى النبي صلى الله عليه وسلم : واكرباه . فلما بلغ الروح
إلى الثندؤة نادى النبي صلى الله عليه وسلم : يا جبريل ! ما أشد مرارة الموت )
ووجه النكارة أن فيه إشعارا بتسخط النبي صلى الله عليه وسلم وجزعه عند الموت ،
وحاشاه من ذلك .
ومنها قوله : ( فكبرنا بتكبير جبريل عليه السلام ، وصلينا على رسول الله صلى الله
عليه وسلم بصلاة جبريل عليه السلام ) ولا يعرف أن الملائكة تؤم المسلمين وتصلي بهم
، إنما هذا من منكر ما يرويه الرواة المتهمون .
والله أعلم .
أسئلة متعلقة أخري |
---|
حديث طويل مكذوب في سياق قصة موت النبي صلى الله عليه وسلم |