عنوان الفتوى : الدعاء المطلق لا يشترط فيه الورود في السنة
سمعت أحد الجهلة يدعو ومما قال في دعائه : " رب لا تكلني إلى أحد ، وتحوجني إلى أحد ، واغنني عن كل أحد ، يا من له المستند ، وعليه المعتمد ، هو الواحد الفرد الصمد ، لا شريك له ولا ولد . اللهم ردني من الضلال إلى الرشد ، وجنبني من كل خطيئة ونكد " فما رأي فضيلتكم في هذا الدعاء ؟
الحمد لله.
ينبغي أن تفرق – أخي السائل – بين نوعين من الدعاء :
النوع الأول : الدعاء المُقَيَّد : نعني به المرتبط بزمان أو مكان أو عبادة ، أو جاء الشرع بتقييده بعدد أو فضيلة ونحو ذلك من القيود ، كالأدعية الواردة في استفتاح الصلاة ، وأذكار الصباح والمساء ، وأدعية النوم ، والطعام ، ونحوها .
فهذا النوع يجب التقيُّدُ فيه بما جاء في الشرع الحكيم ، من غير زيادة ولا نقصان ، ولا يجوز ابتداع شيء من الأدعية لتحل محل ما ورد في السنة .
وهذا ما علمه النبي صلى الله عليه وسلم البراء بن عازب رضي الله عنه حين قال له :
( إِذَا أَتَيْتَ مَضْجَعَكَ فَتَوَضَّأْ وُضُوءَكَ لِلصَّلاَةِ ، ثُمَّ اضْطَجِعْ عَلَى شِقِّكَ الأَيْمَنِ ، ثُمَّ قُلْ : اللَّهُمَّ أَسْلَمْتُ وَجْهِي إِلَيْكَ ، وَفَوَّضْتُ أَمْرِي إِلَيْكَ ، وَأَلْجَأْتُ ظَهْرِي إِلَيْكَ ، رَغْبَةً وَرَهْبَةً إِلَيْكَ ، لاَ مَلْجَأَ وَلاَ مَنْجَا مِنْكَ إِلاَّ إِلَيْكَ ، اللَّهُمَّ آمَنْتُ بِكِتَابِكَ الَّذِي أَنْزَلْتَ ، وَبِنَبِيِّكَ الَّذِي أَرْسَلْتَ .
فَإِنْ مُتَّ مِنْ لَيْلَتِكَ فَأَنْتَ عَلَى الْفِطْرَةِ ، وَاجْعَلْهُنَّ آخِرَ مَا تَتَكَلَّمُ بِهِ .
قَالَ : فَرَدَّدْتُهَا عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَلَمَّا بَلَغْتُ : اللَّهُمَّ آمَنْتُ بِكِتَابِكَ الَّذِي أَنْزَلْتَ ، قُلْتُ : وَرَسُولِكَ . قَالَ : " لاَ ، وَنَبِيِّكَ الَّذِي أَرْسَلْتَ " )
رواه البخاري (247) ومسلم (2710)
يقول العلامة المعلمي رحمه الله في كتابه "العبادة" (ص/524) :
" وما أخسر صفقة من يَدَعِ الأدعيةَ الثابتة في كتاب الله عز وجل أو في سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم فلا يكاد يدعو بها ، ثم يعمد إلى غيرها فيتحراه ويواظب عليه ، أليس هذا من الظلم والعدوان ؟! " انتهى .
أما النوع الثاني : فهو الدعاء المطلق : وهو سؤال الله الحاجات العامة والخاصة ، والتوجه إليه سبحانه بما يحتاجه المرء وما يريده ، كالدعاء في السجود ، وفي ثلث الليل الآخر ، وفي يوم عرفة ونحوه .
فمثل هذه الأدعية لا يُشترط فيها الثبوت ولا الورود ، بل يكفي أن تكون كلماتُ الدعاء كلماتٍ شرعيةً صحيحةً ، ليس فيها تعدٍّ ولا تجاوز ، وليس فيها دعاء بإثم أو قطيعة رحم .
جاء في "فتاوى اللجنة الدائمة" (24/203-204) :
" باب الأدعية واسع ، فليدع العبد ربه بما يحتاجه مما لا إثم فيه .
أما الأدعية والأذكار المأثورة : فالأصل فيها التوقيف من جهة الصيغة والعدد ، فينبغي للمسلم أن يراعي ذلك ، ويحافظ عليه ، فلا يزيد في العدد المحدد ، ولا في الصيغة ، ولا ينقص من ذلك ولا يحرف فيه " انتهى .
وفيها أيضا (24/275) :
" الأدعية الواردة في الكتاب والسنة هي التي يشرع التزامها والعناية بها وحفظها ونشرها ، أما غيرها من الأدعية التي ينشئها سائر الناس فليست كذلك ؛ لأن أحسن أحوالها كونها مباحة ، وقد تحتوي على عبارات موهمة ، أو غير صحيحة " انتهى باختصار .
والذي يظهر أن الدعاء الوارد في السؤال هو من الدعاء المطلق ، وبالنظر في كلماته وجمله يظهر أيضا أنه دعاء جائز لا حرج فيه ، ولا يظهر لنا فيه مخالفة شرعية ، بل كلماته سليمة صحيحة ، فلا ينبغي لك إنكاره ولا وسم الداعي به بالجهل .
وانظر جواب السؤال رقم (21561) ، (75058)
والله أعلم .