أرشيف الاستشارات
عنوان الاستشارة : مدى تحكم الموصلات العصبية في شخصية الإنسان
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
أتناول دواء البروزاك الذي نصحتموني به منذ شهرين، وأنا في وضع أحسن وأفضل بكثير من قبل ولله الحمد، وقد لاحظت أن شخصيتي أصبحت أقوى، وزادت ثقتي بنفسي وأصبح عندي دافعية نحو العمل ولله الحمد، فهل الموصلات العصبية في المخ هي التي تتحكم في شخصية الإنسان وثقته بنفسه ودافعيته وحسن تصرفه ومشاعره وذكائه؟ وما هي وظائفها؟ وهل يمكن أن نعتبر الاكتئاب مرضاً عضوياً نفسياً يؤثر على هذه الموصلات العصبية الهامة جداً للإنسان بشكل سلبي؟!
أرجو الإجابة بالتفصيل، لأنني أعتقد أن هذا الموضوع مهم أن يفهمه ويعرفه الناس، وشكراً لكم مقدماً على مجهودكم الرائع.
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ حسن حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
فإن الحالات النفسية يُعتقد أنها ناشئة من أسباب بيولوجية وأسباب نفسية وأسباب اجتماعية، هذه الأسباب تتضافر مع بعضها البعض لتُخرج لنا ما يمكن أن نسميه بحالة نفسية، أو حتى حالة عقلية أو ذهانية، وبالطبع يكون تأثير هذه المفردات المختلفة متفاوتة ما بين إنسان وآخر، بمعنى أن أحد الناس قد يكون المكون البيولوجي أو العضوي أو الأساسي، وتجد شخصاً آخر قد يكون السبب النفسي هو الأكثر مساهمة في إصابته بحالته، ولا شك أن نظرية وجود استعداد داخلي لدى الناس للإصابة بهذه الحالات النفسية هو أيضاً أمر مهم ولا يمكن أن نتجاهله.
من الناحية النفسية والتشريحية يمكن أن نقسّم مخ الإنسان وعقله إلى ثلاث تقسيمات: الجزء الأول هو ما يسمى بالمخ البدائي أو مخ الزواحف، وهذا يوجد في أسف المخ من الناحية التشريحية، وهو يتحكم في الغرائز من أكل وشرب ومعاشرة جنسية وكل ما له علاقة ببقاء الإنسان، وهذا الجزء يتساوى فيه الإنسان والحيوان، لذا سماه البعض بعقل أو مخ الزواحف، ووجد هذا الجزء من المخ أهمية كبيرة، حيث إن مركز التشجيع أو التحفيز أو الإثارة يُوجد في هذا الجزء، ولذا نجد الذين يدمنون المخدرات مثلاً حينما يتعاطى المخدر لأول مرة يقوم هذا الجزء من المخ بإفراز مادة تسمى بالدوبامين - وتفرز من مناطق أخرى في المخ - وهذه المادة هي المادة المحفزة، وعلى ضوء هذا التفاعل وزيادة إفراز هذه المادة يتم تخزين هذه المعلومة وتشفيرها في هذا المخ البدائي، ولذا يطالب الإنسان المزيد من هذه المخدرات، وقد يكون للعقل الواعي أو المنضبط مساهمة ضعيفة في التحكم، لذا قد ينغمس الإنسان في ملذاته وغرائزه من هذا النوع.
الجزء الثاني من المخ هو الذي يتحكم في العواطف والوجدان، وهذا أكثر تطوراً لدى الإنسان بالطبع من الحيوان.
أما الجزء الثالث في المخ فهو الجزء الذي يتحكم في المقدرات المعرفية العليا كالتفكير والاستنباط.
نأتي بعد ذلك ونقول إن الموصلات أو الناقلات العصبية في المخ تلعب دوراً كبيراً في الإصابة بأمراض القلق والتوتر، وحتى الثقة بالنفس، والدافعية مقترنة اقتراناً كبيراً بوضع الإنسان الوجداني، وقد وُجد أن اضطراب إفراز هذه المواد أو عدم انتظام الإفراز، أو وجود ما يمكن أن نسميه بنوع من التكاسل أو التبلد من جانب الأعصاب الطرفية التي تفرز هذه المواد، هو الذي يؤدي -أو على الأقل- يساهم في حدوث هذه الحالات النفسية والعقلية، وذلك تضافراً مع العوامل الأخرى، نفسية كانت أو اجتماعية.
لا نستطيع أن نقول إن الموصلات العصبية لوحدها هي التي تحدد كل شيء، إنما هي تساهم مساهمة فعالة في هذا الأمر، والموصلات العصبية كثيرة وكثيرة جدّاً، ووظائفها تتحكم في كل شيء: النوم، الأكل، الشعور بالشبع، التفكير المستقبلي، الإحساس بالألم، الغثيان، كل هذه الوظائف البيولوجية تلعب الموصلات العصبية فيها دوراً هاماً ودقيقاً، ويجب أن نذكر ذلك مع شيء من التحفظ؛ لأن دورها لم يُحدد بصورة كاملة بالنسبة لبعض وظائف الجسد، ولكنها قطعاً تلعب دوراً مهماً وضرورياً، وهذه هي وظائفها.
حينما أتحدث عن مرض الاكتئاب ربما تتضح الصورة أكثر، ومرض الاكتئاب هنالك عدة نظريات حوله، والنظرية المحترمة هي النظرية البيولوجية النفسية الاجتماعية، أي أن هذه العوامل كلها تتفاعل مع بعضها البعض لتؤدي ما يسمى بالاكتئاب، واختلفت المدارس في ذلك، فهنالك مدرسة تميل أكثر للأثر البيولوجي، وهنالك مدرسة تميل أكثر للعامل النفسي، وهنالك مدارس تميل إلى العامل الاجتماعي.
في السابق كانت المدارسة النفسية هي الأقوى، مثل المدرسة التحليلية الفرويدية والمدرسة السلوكية وهكذا، ولكن في الآونة الأخيرة نستطيع أن نقول أن المدرسة البيولوجية أيضاً أصبح لها وجودها وقد برزت بصورة واضحة، وهذا يستند على أن الأدوية النفسية الحديثة تفيد كثيراً في علاج الاكتئاب النفسي، وهذه الأدوية تعمل من خلال الموصلات أو الناقلات العصبية، ولا شك في ذلك.
توجد نظريات أخرى مثل النظرية السلوكية التي يتزعمها العالِم السلوكي (آرون بك) تقول: إن الاكتئاب لا يأتينا إلا نتيجة لمشاعرنا السالبة، بمعنى أن التغير المعرفي السالب، الإنسان الذي يفكر في ماضيه بصورة سالبة جدّاً والذي يرى أن حاضره لا معنى له وأن مستقبله ميئوس منه، هذا الفكر يأتي للإنسان لأسباب غير معروفة، وهذا يؤدي إلى التغيرات البيولوجية في الموصلات العصبية، ومن ثم يحدث الاكتئاب النفسي، هذه هي نظرية (آرون بك) ودار حولها بعض الخلاف، ولكنها نظرية محترمة جدّاً، ولذا يعتبر العلاج السلوكي المعرفي علاجاً ضرورياً في حالات الاكتئاب، ويكون أكثر فائدة بالطبع إذا أُعطي مع العلاج الدوائي.
هذا هو الموقف العلمي، وأعتقد أن التطورات المستقبلية سوف تُوضح الكثير، ونسأل الله تعالى أن يتمكن العلماء من تحديد الخارطة الجينية لكل إنسان، لأنها سوف تحل الكثير من الألغاز الغير واضحة.
إذن أقول لك إن الحكمة تقتضي الآن أن نقتنع بأن الأمراض النفسية – خاصة الاكتئاب – لها مكوّن بيولوجي عضوي، ولها مكون نفسي، ولها مكون أيضاً اجتماعي.
لا نستطيع أن نقول إن الاكتئاب النفسي مرض عضوي بحت، فإن هذا قد يكون فيه شيء من عدم الإنصاف والدقة، ولكن نقول إن العوامل العضوية تلعب دوراً كبيراً في الإصابة بالاكتئاب النفسي، وذلك من خلال التغيرات التي تحدث على مستوى الناقلات والموصلات العصبية، هذا التغير الذي نشاهده في هذه الناقلات ربما يكون هو السبب في الاكتئاب، أو ربما يكون هذا التغير قد نتج من الاكتئاب ثم بعد ذلك استمر وأدخل الإنسان في هذه الحلقة المفرغة.
وختاماً: نشكرك على تواصلك مع إسلام ويب، ونسأل الله أن ينفع بنا جميعاً، وأنا سعيد أن أسمع أن الله قد منَّ عليك بهذا التحسن، فنسأل الله لك المزيد، ونسأله تعالى أن يعافيك ويشفيك وأن يحفظك.
وبالله التوفيق.
أسئلة متعلقة أخري | شوهد | التاريخ |
---|---|---|
كيف أعود للحياة الطبيعية وأستمتع بها؟ | 1202 | الأحد 16-08-2020 05:54 صـ |
لم أعد أشعر بطعم الحياة بعد أن فقدت صديقي في حادث سير! | 780 | الأحد 16-08-2020 01:41 صـ |
أعاني من اكتئاب وعوارض مصاحبة له، فما الحل؟ | 1068 | الأربعاء 12-08-2020 04:53 صـ |
الاكتئاب والإحباط دمر حياتي.. فأرجوكم أرشدوني! | 854 | الأحد 09-08-2020 05:09 صـ |
مرض الرهاب الاجتماعي هل يمكن أن ينتقل للأبناء بالوراثة؟ | 1367 | الأربعاء 22-07-2020 02:11 صـ |