أرشيف الاستشارات
عنوان الاستشارة : دواء الوساوس للحامل
مشكلتي بدأت من 9 أشهر تقريباً بوسواس الخوف من الموت، تعبت مع هذا الوسواس ثم قاومته إلى أن شفيت منه -ولله الحمد- ثم بدأ وسواس آخر بأفكار عنف مع طفلي، علماً بأنه لا توجد عندي قبل أية أفكار عنف، بل على العكس تماماً، حتى أني معروفة بأني مسالمة ولا أحب المشاكل، ولا أعلم ما الذي جرى لي، ثم جاء وسواس الجنون من شهر تقريباً قلب حالي رأساً على عقب لدرجة الوهم، أحياناً كان عندي طفل ثالث غير أطفالي.
علماً بأني متأكدة تماماً أنه ليس لدي إلا طفلان، وأحياناً تأتي أية وساوس في كل شيء حتى أني عندما أفكر في زوجي مثلاً أقول في نفسي: من هو، وإذا فكرت في أي شيء أقول: ما هو، علماً أني أدرك تماماً ما هو الذي أفكر فيه، ولكن لا أستطيع التخلص من هذا التفكير، وإذا حاولت التجاهل أتحسن قليلاً ثم تعود حليمة لعادتها القديمة، أرجوكم ساعدوني فلا أحد يعلم بعد الله بحالي إلا أنتم، أسئلتي: هل أنا مجنونة أم هي مجرد وساوس؟ وهل تنصحوني بمراجعة الطبيب النفسي أم أكتفي بمحاولة التجاهل لعل الله ينقذني، علماً بأني حامل بالشهر الخامس؟ وهل الأدوية النفسية تؤثر على الحمل؟
أنتظر ردكم بفارغ الصبر وجزاكم الله خيراً.
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ فرج الله حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
فنسأل الله تعالى أن يفرج كرب جميع المسلمين وأن يجعلنا وإياكم من أهل العفو والعافية.
فبعد تدارسي لحالتك أستطيع أن أقول لك إنك تعانين من الوساوس القهرية، وهي - الحمد لله - في معظمها وساوس فكرية، بمعنى أنها مرتبطة بأفكار ولا توجد بينها طقوس وسواسية وكذلك ليس لديك الفعل الوسواسي.
والوساوس بصفة عامة تعرف بأنها أفكار أو أفعال أو طقوس أو اعتقادات أو مخاوف أو اجترارات تفرض نفسها على الإنسان، ويحاول الإنسان أن يتخلص منها ويؤمن بسخفها، ولكن يجد صعوبة في مقاومتها والتخلص منها، ويسبب ذلك له القلق والتوتر وربما يأتيه نوع من الاكتئاب الثانوي، والوساوس أيضاً بصفة عامة هي تشخص تحت أمراض القلق النفسي.
أنت قد تكلمت عن شخصيتك قبل أن تنتابك هذه الوساوس، وذكرت أنك إنسانة مسالمة ولا تحبين المشاكل، وهذا أمر طيب، وحقيقة الشخصيات التي تصاب بالوساوس معظمها ترجع لأشخاص مسالمين وطيبين وحساسين وضميريين لدرجة كبيرة، ويحبون الخير للآخرين، ويتجنبون المشاكل كما ذكرت، وقلَّ ما تجد إنساناً مصاب بوساوس قهرية في ساحة الجريمة والمخالفات، بمعنى أن أصحاب الوساوس يعتبرون من أصحاب القيم الفاضلة والقيم العالية...هذه إذن هي الخلفية لشخصية الإنسان الوسواسي في معظم الأحيان.
الوساوس التي تعانين منها هي وساوس في الأفكار وليست في الأفعال، وموضوع التنقل ما بين فكرة وسواسية إلى أخرى هذا أيضاً من طبيعة الوساوس القهرية، وقد ربط البعض هذه الظاهرة بأن التغيرات الكيميائية التي تحدث في الدماغ خاصة في منطقة تعرف بنواة كوديتCaudate وهي في وسط الدماغ، هذه المنطقة تتأثر في بعض الأحيان بضعف أو عدم انتظام مادة كيميائية تعرف باسم (سيروتونين Serotonin)، ولا أحد يعرف لماذا يحدث هذا التأرجح أو عدم الانتظام في إفراز هذه المادة، وحين يضطرب إفراز هذه المادة تأتي النوبات الوسواسية بهذه الصورة التي تعانين منها، وحين يستقر الوضع الكيميائي لهذه المادة تختفي الأعراض أو تقل على الأقل.
هذه هي النظرية البيولوجية بالنسبة للوساوس، وتوجد بالطبع نظريات كثيرة منها (النظرية التحليلية) والتي تتحدث عن اضطراب في مراحل التطور الأولى، وهنالك نظرية سلوكية تتحدث عن الوساوس أنها نوع من السلوك المكتسب، وهذه النظرية بالطبع أيضاً لها اعتبارها، والكثير من الناس اختلط عليه أمر الشيطان ووسوسته، ووسوسة الشيطان في رأيي موجودة ولكن هي دائماً في أمور العقيدة وتنفر الإنسان من عقيدته أكثر مما تتسلط عليه فكرياً.
عموماً هذا أمر طويل جدّاً ويتطلب البحث وكثرت فيه الآراء، وبصفة عامة العلاج يتمثل في أن يتفهم الإنسان طبيعة هذه العلة، فقط قصدت أن أشرح لك بعض الخلفيات وأتمنى أن يكون ذلك مفيداً لك أيضاً.
ثانياً: ينبغي تتأكدي تماماً أن الوساوس يمكن أن تزول ويمكن أن تنتهي.
ثالثاً: الوساوس - إن شاء الله تعالى – ليست دليلا على ضعف شخصيتك أو قلة إيمانك أو أي عيب في تكوينك النفسي، وأؤكد لك تماماً أنك لست مجنونة ولا توجد أي إشارات تدل أنك مصابة بأي نوع من المرض الذهاني أو المرض العقلي، فأنت مستبصرة وعلى إدراك كامل بالواقع وتستطيعين أن تميزي الأمور بصورة واضحة.
هذه أفكار متسلطة عليك، وأنت تؤمني بسخفها وتؤمني بسوئها، ولكنها هي فارضة نفسها عليك.
هذا النوع من الوساوس – الوساوس المتغيرة والمتنقلة وذات الطابع الفكري – تستجيب بصورة ممتازة للعلاج الدوائي أكثر من العلاجات الأخرى، ولا شك أن العلاجات الأخرى - وهي التجاهل وتحقير فكرة الوساوس ومقاومتها واستبدالها بفكرة أخرى وعدم الانشغال بالوساوس – هي أيضاً علاجات مهمة ومطلوبة وتدعم العلاج الدوائي، فأرجو مخلصاً أن تهتمي بجانب التجاهل وأن تحقري الوساوس وأنت - الحمد لله - لديك الخبرة الجيدة في هذا.
بالنسبة للعلاج الدوائي - فالحمد لله - توجد أربعة أو خمسة أدوية متميزة جدّاً لعلاج الوساوس، وأنت - الحمد لله - الآن في مرحلة تجعلنا مطمئنين تماماً؛ لأن فترة تكوين وتخليق الأجنة تكون خلال الأربعة أشهر الأولى، فأنت - الحمد لله - قد تعديت وتخطيت هذه المرحلة، وعموماً الدواء الذي سوف أصفه لك والذي يسمى علمياً باسم (فلوكستين Fluoxetine)، ويسمى تجارياً باسم (بروزاك Prozac)، هو من أسلم الأدوية حتى في أثناء فترة الحمل الأولى.
إذن هذا الدواء دواء ممتاز ومتميز وسليم جدّاً، وعليه أرجو أن تبدئي في تناوله، وجرعة البداية هي كبسولة واحدة (عشرون مليجراما) في اليوم، ويفضل تناوله بعد تناول الطعام، وهذا يسهل هضم هذا الدواء ويقلل من فرص حدوث أي نوع من سوء الهضم؛ لأن هذه الأدوية ربما تؤدي إلى عسر في الهضم في الأيام الأولى فقط من بداية العلاج، ولكن تناوله بعد تناول الأكل يجعل هذا العرض غير موجود - إن شاء الله تعالى - .
تناوليه – كما ذكرنا – بجرعة كبسولة واحدة لمدة شهر، ثم بعد ذلك ارفعي الجرعة إلى كبسولتين لمدة شهرين، وهنا بالطبع تكونين قد قضيت الشهر الثامن للحمل، بعد ذلك خفضي الجرعة إلى كبسولة واحدة في اليوم، واستمري عليها حتى الولادة، وبعد ذلك يمكنك التوقف عن الدواء.
وإذا عاودتك الأعراض فلا مانع من أن تبدئي في تناول الدواء مرة أخرى، ولكن يجب أن تكون الجرعة كبسولة واحدة يوماً بعد يوم، وذلك – بالرغم من أن البروزاك عقار سليم نسبياً بالنسبة لإرضاع الطفل، ولكننا لمزيد من التحوط لا ننصح ولا نفضل كثيراً استعمال الأدوية بجرعات كبيرة في فترة الرضاعة خاصة في الثلاثة أشهر الأولى؛ لأن الكبد لدى الطفل تكون لازلت غير ناضجة وقد لا تتحمل الأدوية، ولكن البروزاك بهذه الجرعة - إن شاء الله تعالى – لن يؤثر على الطفل مطلقاً، وأنا أعتقد – وبإذن الله تعالى – أنك لن تحتاجي للعلاج مرة أخرى، فالفترة التي سوف تتناولين فيها الدواء وهي حوالي أربعة أشهر سوف تكون كافية، ولكن إذا عاودتك الأعراض يجب أن تتقبلي ذلك وأن تستقبليه؛ لأن الوساوس القهرية أيضاً في بعض الأحيان من طبيعتها أن تعاود الإنسان من وقت لآخر، وإن كان يُعلم أنها - إن شاء الله تعالى – تختفي مع تقدم العمر.
وعليك بالإصرار على تحقير هذه الوساوس ورفضها وعدم قبولها، وإن شاء الله أحسبك دائماً تستعيذي بالله من الشيطان الرجيم ومن هذه الوساوس ومن غيرها مما قد يصيب الإنسان ويضره.
يبقى سؤالك: هل تنصحون بمراجعة الطبيب النفسي؟ أقول: هذا بالطبع لا مانع فربما يكون أمراً جيداً ومقبولاً، ولكن عموماً قد زودتك بالمعلومات التي أراها ضرورية لعلاج الوسواس القهرية.
أسأل الله لك العافية والصحة وأن يتم حملك على خير وبركة وأن ترزقي الذرية الصالحة، وتأكدي أن هذه الحالة حالة بسيطة جدّاً.
وبالله التوفيق.
أسئلة متعلقة أخري | شوهد | التاريخ |
---|---|---|
وسواس الموت سبب لي العديد من الأمراض، فكيف أتخلص منه؟ | 2863 | الثلاثاء 21-07-2020 03:16 صـ |
الخوف من الموت، كيف أتخلص منه؟ | 2789 | الأحد 19-07-2020 07:11 صـ |
كرهت حياتي والناس كرهوني بسبب تبلد مشاعري.. أريد حلا | 1083 | الخميس 16-07-2020 02:42 صـ |
فكرة الموت وذكريات طفولتي لا تفارقني، أرجو المساعدة. | 2125 | الثلاثاء 14-07-2020 02:54 صـ |
أشعر بعدة أعراض ولا أعرف هل هي نفسية أم جسدية أو روحية؟ | 1569 | الأربعاء 15-07-2020 03:36 صـ |