أرشيف الاستشارات

عنوان الاستشارة : تزين الرجل لامرأته .. نظرة شرعية

مدة قراءة السؤال : دقيقة واحدة

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
أنا صاحبة الاستشارة رقم: (276945).

عملت بنصيحتكم ولكن بقيت مسألة المظهر لم أستطع حلها، فقد أرسلت له عدة إيميلات وأهديت له كتباً تتحدث عن ذلك، وكيف أن الرسول صلى الله عليه وسلم وصحابته كانوا يهتمون بذلك، ولكنه لم يفهم مقصودي ولم أر أي تحسن:
أريد مساعدتكم، هل يمكنكم كتابة استشارة تحث الزوج على الاهتمام بالملبس الحسن والاعتناء باللحية؛ لأنني عندما أخرج معه يصيبني شيء من الخجل، ثم إذا رجعت إلى البيت ندمت على هذا الشعور؟
زوجي إنسان رائع، ينقصه فقط هذا الأمر، وأنا متأكدة من أنه إذا اهتم بهذا الأمر فإن حبي له سينمو، فلا تبخلوا علي.
جزاكم المولى خيراً.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

مدة قراءة الإجابة : 14 دقائق

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ Bintoeloema حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

فإنه ليسرنا أن نرحب بك للمرة الثانية في موقعك استشارات الشبكة الإسلامية، فأهلاً وسهلاً ومرحباً بك - ابنتي العزيزة - ونسأله تبارك وتعالى أن ييسر أمرك وأن يشرح صدرك وأن يجمعك بزوجك على خير وأن يجمع بينكما على خير، وأن يجعل حياتكما حياة سعيدة طيبة هنيئة مباركة، وكم يسعدنا تواصلك معنا في أي وقت وفي أي موضوع.

بخصوص ما ورد برسالتك فنسأل الله تبارك وتعالى أن يجمع بينكما على خير، وأن يجعل منكما ذرية صالحة، وأن يجعلك عوناً لزوجك على طاعته، وأن يجعله عوناً لك على طاعته، إنه جواد كريم.

من الحقوق التي رعاها الإسلام ضرورة مراعاة المشاعر فيما بين الزوجين، وأقصد بمراعاة المشاعر أن الواحد منا إذا عرف أن امرأته تحب أشياء بعينها فلا مانع أن يحرص عليها حتى تزداد المحبة بينهما، وكذلك أيضاً الزوجة إذا علمت أن زوجها يحب أشياء بعينها فتحرص أن توفرها له فإن ذلك يجعلها عزيزة على نفسه غالية عنده، وعثمان -رضي الله تعالى عنه- أمير المؤمنين عندما تزوج بامرأته الأخيرة ودخل بها في ليلة عرسه قالت له: على رسلك يا أمير المؤمنين، ثم طلبت منه أن يدلها على الأشياء التي يُحبها حتى تفعلها، وأن يدلها على الأشياء التي لا يحبها حتى لا تفعلها، فأخبرها عثمان - رضي الله تعالى عنه - بما يحب ويكره؛ ولذلك ظلت معه في خير حال حتى استشهد - عليه رحمة الله تعالى ورضوانه – وهذا أمر يحبذه العلماء، وينصون عليه، بل ويحثون عليه حثّاً أكيداً.

إنني أشرح نفسي لامرأتي وأبيِّن لها ما أحب وما أكره، وهي بالتالي أيضاً تفعل نفس الشيء، ونتوسط في الأمر فيما بيننا، قد أكون أنا أريد أشياء فيها نوع من الغرابة، إذن هي تجتهد في تنفيذ ما يمكن تنفيذه، وأنا أقبل منها ما استطاعت أن تقوم به، وكذلك هي نفس الشيء؛ لأن الله تبارك وتعالى قال: (( وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ ))[البقرة:228]، فكما أن للرجل حقوقا فإن للمرأة حقوقاً أيضاً حتى في الزينة والجمال، فإن ابن عباس -رضي الله تعالى عنهما- كان يقول: (إني لأتزين لامرأتي كما تتزين لي)، وكان يدهن – أي يدهن شعره بالدهن – وكان يطيب نفسه، وكان يفرق شعره؛ ولذلك عندما سأله بعض الصحابة - رضي الله عنهم – عن ذلك: قال أين تجد ذلك؟ قال: في كتاب الله تعالى: (( وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ ))[البقرة:228].

وكما أني أريد من امرأتي أن تكون وردة جميلة حسنة المنظر، طيبة الرائحة، فإن امرأتي تريد مني ذلك أيضاً، وهذا من العوامل التي تؤدي إلى تقوية أواصر المحبة والمودة بين الزوجين، وهذا أيضاً أمر فيه نوع من الوقاية لها، فإنها إن وجدت زوجها يهتم بمظهره ويهتم بمخبره وهيأته فإن ذلك يدعوها ألا تنظر إلى غيره، وكذلك المرأة، فالمرأة التي تهمل التزين لزوجها والاهتمام به تدفعه بطريقة مباشرة أو غير مباشرة أن ينظر إلى غيرها، وغالب الخيانات الزوجية التي تحدث تكون من هذا الباب، امرأة تهمل الاهتمام بنفسها، فلا تهتم لا برائحة ولا تهتم بمظهر، ولا تهتم بملابس ولا غيرها، فيرى زوجها أنها امرأة مهملة فيبحث عن من هي أجمل منها فينظر إلى الحرام وقد يقع فيه والعياذ بالله.

نفس الشيء أيضاً يحدث للمرأة وإن كان بصورة أخف أو أقل، فإن المرأة تتمنى أن يكون زوجها قمراً بين الرجال حتى لا تنظر إلى غيره أبداً، وترى أنه أجمل الرجال قطعاً؛ ولذلك قصة الخلع التي وردت في عهد النبي عليه الصلاة والسلام أول خُلع في الإسلام كان سببه هذا الأمر، امرأة وقفت بقدر الله تعالى تنظر من باب دارها فوجدت أن زوجها قادم مع مجموعة من الرجال فنظرت إليه فوجدته أنه أقبحهم منظراً، وأن فيه صفات لا توجد في غيره، من عدم الراحة لمنظره فكرهت منه ذلك، فأتت النبي عليه الصلاة والسلام وقالت: إنه رجل على دين وخلق وغير ذلك ولكني أكره الدنية في ديني، فأخبرت النبي عليه الصلاة والسلام ما حدث وأنها أصبحت تكره أن تنظر إليه؛ ولذلك النبي عليه الصلاة والسلام نادى على زوجها وأمره أن يخلعها على أن ترد إليه الحديقة التي هي الصداق، قال: (خذ حديقتك وطلقها تطليقة).

إذن فالأصل فيها -بارك الله فيكما- وهذا الكلام عام لكل زوجين متزوجين أو سيتزوجان ضرورة مراعاة هذا الجانب، أن تراعي المرأة مشاعر زوجها، وأن تكون له فعلاً وردة حسنة المظهر طيبة الرائحة؛ لأنها بذلك ستكفيه عن النظر إلى غيرها قطعاً ويحرص الزوج أن يكون أيضاً كذلك، أن يكون على رائحة طيبة وعلى حال طيب، وأن يكون حسن المظهر حتى يحفظ امرأته من النظر إلى غيره.

هذا الكلام أقوله حدث بين عالم الصحابة؛ لأن بعض الأخوة والأخوات يظن ويقول -يا أخي- امرأتي ملتزمة أو الأخت تقول زوجي ملتزم يصوم النهار ويقوم الليل، حتى وإن كان يصوم ويقوم فإن هذه حقوق عامة؛ لأن الخلع حدث بين الصحابة، (( وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ ))[البقرة:228] حدث أيضاً بين الصحابة رضي الله عنهم وهذا الصحابي الذي كان يتزين لامرأته كما تتزين له، هذا ابن عباس حبر الأمة وترجمان القرآن، هل نحن أكثر منهم ديانة، إذن مستحيل قطعاً وهذا الكلام بلا خلاف بين أهل العلم، لا يوجد في الأمة بعد جيل الصحابة أحد أفضل من الصحابة مطلقاً، وكان هذا حالهم.
النبي عليه الصلاة والسلام يقول: (كونوا في الناس شامة)، كونوا كالوردة، المسلم يتميز بحسن مظهره وطيب ريحه؛ ولذلك قال أنس رضي الله عنه يقول: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا مر من طريق ومررت بعده بنصف يوم لقلت من هنا مر عليه النبي صلى الله عليه وسلم) من شدة طيب ريحه الذي كان يتركه عليه الصلاة والسلام في الطرقات التي يمشي بها، هذا رسول الله رغم أن عرقه كان مسكاً، وكان الصحابة - رضي الله عنهم – بعضهم يجمع عرق النبي في قارورة ليتطيب منه أو يتبرك به - صلوات الله وسلامه عليه – ورغم ذلك كان صلى الله عليه وسلم يتطيب، وكان يستعمل الدهون – أي الطيب – الذي هو عبارة عن الدهون؛ لأن أيامهم لم يكن هناك البرفانات أو غيرها، (فكنا إذا نظرنا إلى طرف ثوب النبي وجدنا أثر طيبٍ في ثوبه صلوات الله وسلامه عليه).

هذا كله يدل على اهتمام النبي صلى الله عليه وسلم بذلك، بل إن النبي صلى الله عليه وسلم كان يستاك خصيصاً قبل الدخول إلى بيته، على باب بيته يستاك عليه الصلاة والسلام لعله أن يقبِّل امرأة من نسائه، فكان يكره أن يكون له رائحة كريهة، فكان يحرص على نظافة فمه وعلى نظافة أسنانه وعلى طيب ريحه، وكان عليه الصلاة والسلام يستعمل الركوة -وهي عبارة عن إناء صغير به ماء- فكان يمشط شعره فيه صلى الله عليه وسلم وكان يطيب هيئته، وكان يعدل من شعره، وكان يتجمل في ثيابه -صلوات الله وسلامه عليه-، هذا لأهله ولغيره، وكانت له بردة خاصة، أي عباءة جميلة يستعملها في استقبال الضيوف وفي صلاة الجمع والأعياد؛ لأنه كان يقول: (إن الله يحب أن يرى أثر نعمته على عبده).

فالتجمل مطلوب شرعاً، بل إن النبي قال عليه الصلاة والسلام: (إن الله جميل يحب الجمال)، فإذن نحن مطالبون بذلك بصفة عامة، وبصفة خاصة في داخل بيوتنا، أن تكون المرأة دائماً بعد أن تنتهي من إعداد طعامها وطعام زوجها وأولادها لابد أن تتجمل وأن تتزين بأطيب ما تكون الزينة، حتى ينظر إليها زوجها فينشرح صدره لمنظرها وتطيب في نفسه صورتها، ويشعر بأنه ليس في حاجة أن ينظر إلى غيرها؛ لأن الله قد حباه نعمة طيبة وصورة حسنة وامرأة مطيعة.

نفس الشيء هذا أيضاً بالنسبة للمرأة وكذلك بالنسبة للرجل، فإن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول: (من كان له شعرٌ فليكرمه) سواء كان هذا شعر اللحية أو شعر الرأس – تمشيط؛ ولذلك عن عطاء بن يسار - رضي الله تعالى عنه – أنه قال: (أتى رجل النبي صلى الله عليه وسلم ثائر الرأس واللحية، فأشار إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم كأنه يأمره بإصلاح شعره ولحيته ففعل، ثم رجع، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: أليس ذلك خيراً من أن يأتي أحدكم ثائر الرأس كأنه شيطان). هذا الحديث رواه مالك.

وعن أبي قتادة رضي الله تعالى عنه كانت له جمة، والجمة عبارة عن الشعر الكبير كان يربي شعره على عادة العرب؛ لأن هذه كانت عادة العرب قبل الإسلام، والنبي - عليه الصلاة والسلام – كانت جمته إلى أذنيه أو إلى منكبيه – فأبو قتادة - رضي الله عنه – كانت له جُمة ضخمة، فسأل النبي صلى الله عليه وسلم فأمره أن يحسن إليها وأن يترجل كل يوم، أمره أن يمشط رأسه كل يوم، رغم أننا نعرف أن الأمور كانت بدائية، وأن مسألة الزينة ومسألة الطيب ومسألة حتى المشط كانت أشياء بدائية جدّاً، وكان الشعر كثيفا؛ لأنه كانت له جمة كبيرة معروفة بين الصحابة، فكان شعره كثيفاً جدّاً، وكان شعره غليظاً، ورغم ذلك أمره النبي صلى الله عليه وسلم أن يترجل كل يوم، وهذه رواية مالك.

وفي الموطأ بلفظ: (قلت يا رسول الله: إن لي جمة أفأرجِّلها؟ قال: نعم وأكرمها)، فكان أبو قتادة ربما دهنها في اليوم مرتين من أجل قوله صلى الله عليه وسلم: (وأكرمها).

ولذلك أقول لكل زوج كريم يريد أن تظل محبته في قلب أهله: كن رجلاً جميل المنظر، حسن الطيب، طيب الرائحة، هذه سنة نبيك - عليه الصلاة والسلام – وكان النبي صلى الله عليه وسلم كالقمر ليلة التمام، ورغم ذلك كان يتجمل لأهله، وهذا ابن عباس - رضي الله تعالى عنهما – كما ذكرت آنفاً يقول: (إني لأتجمل لامرأتي كما تتجمل لي)، وهذا من مقومات الدين، خاصة عندما يكون المسلم في بلاد الكفر، والناس هناك لا يعرفون عن الإسلام شيئاً، فعندما يرون الإنسان وهو في حالة رثة وفي حالة مزرية وفي صورة مقززة ينفرون من الإسلام بسببه، بعض الناس قد يظن أن هذا من الزهد ولكن الزهد في القلب وليس في الثوب، كما قال عبد الله بن المبارك – عليه رحمة الله تعالى ورضوانه –: الزهد في القلب وليس في الثوب، والمنظر الذي يؤدي إلى نفرة الناس من الإسلام مذموم شرعاً؛ لأنه ينفر الناس من دين الله تعالى، أما أن يكون الإنسان طيب الرائحة حسن المنظر يهتم بشعره في رأسه ولحيته، ويكون منظره متناسقاً، وشكله طيباً، فهذا هو الدين وهذا هو الإسلام، خاصة إذا كنا نعيش في بلاد نرى أن أهلها يهتمون بهذه الأشياء، فنحن ينبغي أن نكون أحسن منهم؛ لأن الله تبارك وتعالى جعلنا خير الأمم.

فينبغي علينا أن نحسن عرض بضاعة الله تعالى على عباد الله، سواء كانت في الرائحة، وسواء كانت في النظافة؛ لأننا نتنظف أكثر منهم، ومن المفروض أن نتطيب أكثر منهم، وأن تكون رائحتنا أطيب، وأن يكون منظرنا أجمل، هذه هي سنة النبي الكريم عليه الصلاة والسلام وهي أمور حث عليها الإسلام، خاصة في داخل البيت، فإن الرجل مطالب في بيته أيضاً أن يتجمل لامرأته، كما أنه مطالب في خارج بيته أن يتجمل لعامة الناس حتى يكون صورة حسنة لدين الله تعالى؛ ولذلك النبي يقول عليه الصلاة والسلام: (لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم بالسواك عند كل وضوء) وفي رواية: (عند كل صلاة)، ويقول صلى الله عليه وسلم: (السواك مطهرة للفم مرضاة للرب)، و(كان النبي عليه الصلاة والسلام لا يرد الطيب إذا أتاه من أي أحد، ويقول: إنه طيب الرائحة خفيف المحمل)، فهذه كلها أمور تدعونا إلى ضرورة أن نكون في صورة حسنة جميلة ورائعة، وخلاف ذلك فإنه ليس من السنة في شيء؛ لأن خير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم وهذا هو رسول الله في هديه وسمته، ومن أراد الزيادة فليراجع كتاب (زاد المعاد في هدي خير العباد) صلى الله عليه وسلم ليتعرف على مقدرا النظافة والتطيب الذي كان عليه الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم.

مع تمنياتي للجميع بالتوفيق، وأسأل الله لنا ولكم الهداية والرشاد، والتوفيق والسداد، إنه جواد كريم.

والله ولي التوفيق.

أسئلة متعلقة أخري شوهد التاريخ
أصبحت أتجاهل زوجي بعد إهماله لي ولأولادي، فهل أنا مخطئة؟ 4192 الاثنين 20-07-2020 02:41 صـ
كيف أجعل زوجي يشعر بحاجتي؟ 3268 الأربعاء 08-07-2020 05:31 صـ
أعاني من الوحدة والاحتياج العاطفي لانشغال زوجي الدائم، أفيدوني. 6752 الاثنين 06-07-2020 02:24 صـ
زوجي لا يطلبني للفراش، ويحدثني عن صفات زميلته في العمل، أريد الانفصال عنه. 3598 الأحد 28-06-2020 02:05 صـ
أعاني من إهمال زوجي لي، كيف أتصرف معه؟ 3802 الثلاثاء 28-04-2020 04:44 صـ