أرشيف الاستشارات

عنوان الاستشارة : كيفية التفريق بين نية الطلاق ووسواس الطلاق

مدة قراءة السؤال : دقيقتان

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
أنا رجل عاقد على فتاة (مخطوبين) ولم يحصل دخول بعد، وقد ابتليت بوسواس الطلاق، بحيث أن التفكير في هذا الشيء لا يفارق خيالي أبداً مهما حاولت.

توجهت لطبيب نفسي منذ 4 أشهر فقال: إن هذا مرض نفسي يدعى (الوسواس القهري) فوصف لي دواءً (Salipax) ولكنني لا أحس إلا بتحسن بسيط.

كلما تفوهت بكلمة أجد لها تأويلاً لكي تبدو طلاقاً! كلما اختلفت مع خطيبتي لأي سبب تكون الفكرة في رأسي، وأنا لا أستطيع حقاً أن أميز بين ما هو نية الطلاق وبين هذه الوساوس التي تخطر في بالي عند معظم الألفاظ.

فهل الوسواس القهري يؤثر في طريقة تفكيري؟ وهل يؤثر في قراراتي؟ وهل هذا هو السبب الذي جعل العلماء يفتون بأن طلاق الموسوس لا يقع؟ أم أنني مجنون؟ أم هل هذه طريقة تفكيري الاعتيادية، أم ماذا؟ والله إني في حيرة عظيمة!

كنت مرة أفكر في تصرف لزوجتي وأخذتني الوساوس التي أوغرت صدري على زوجتي، وكنت حينها إذا تنحنحت أجد حرف القاف من كلمة طالق التي تتردد في رأسي تتوافق مع بلع ريقي!

فحصل أنني بسبب الأفكار التي في رأسي أن تنحنحت وأحسست بحرف القاف مع بلع ريقي كما ذكرت، وفزعت كثيراً بعدها وتعوذت بالله من الشيطان الرجيم.

فهل هذا طلاق أم هذا بسبب الوسواس؟ كيف لي أن أميز؟ أريد مساعدتكم بعد الله تعالى.

بارك الله فيكم.

مدة قراءة الإجابة : 11 دقائق

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ علي حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

فإنك قد بينت حقيقة الأمر الواقع لك بصورة جلية، فالذي لديك هو وسوسة في شأن الطلاق وبعبارة أخرى: يظل الخوف قائماً في نفسك من أن يصدر منك أي فعل أو قول فيؤدي إلى طلاقك من زوجتك، فهي وإن لم تدخل بها بعد إلا أنها زوجتك شرعاً لأنك قد عقدت عليها العقد الشرعي.. فهذا هو حقيقة الواقع لك، حتى إنك الآن ليقع في نفسك سؤال: هل لو تردد في نفسي أنني سأطلقها هل تُطَلَّق زوجتي؟ هل هذا الذي صدر مني عندما غضبت منها وفكرت في طلاقها هل هذا يعتبر طلاقاً؟ هل عندما أبلع ريقي ويصدر حرف القاف أو حرف الطاء فهل سوف تطلق؟ ها أنا أقول لصاحبي: لا تطلق تلك العبارة فإنها سيئة فهل يعتبر ذلك طلاقاً لزوجتي؟ فمجرد مرور حروف الطاء واللام والقاف على نفسك يجعلك تفزع وتشعر بالخوف من أن يكون قد وقع الطلاق وأدى ذلك إلى طلاقك من زوجتك.. فهذا هو الوصف القائم لك يا أخي.

فإن قلت: لماذا يقع لي؟ فالجواب: إنك قد خشيت على نفسك حتى سألت: هل أنا مجنون؟ والجواب: كلا ..إنك لست بمجنون ولله الحمد ولست أيضاً بالذي لديك الاختلال العقلي بل أنت سليم معافى، ولكن قد دخل عليك وسواس شديد في أمر الطلاق، وهذا يمكن دفعه - بإذن الله عز وجل – بوقفتين اثنتين فإن حققتهما فستخر لله ساجداً شاكراً أنك قد برئت وشفيت تماماً، وإنا - وقبل أن نذكرهما - واثقون أنك - بإذن الله عز وجل – لن تجد بعدها أي ضرر ولا أي وسوسة إذا قمت حقّاً بالعمل بهما، فدونك بإذنِ الله شفاءً من هذه الوسوسة حتى تجد بعد ذلك انشراحاً في نفسك وتجد أنه لا التفات إلى كل هذا الذي يقع لك.

فأول ذلك أن تعلم أن الله عز وجل إنما يؤاخذ عباده بنواياهم ومقاصدهم ثم أعمالهم، فها هو رجل عن يمينك جالس يتكلم مع زوجته فأراد أن يقول لها: (أنت طيبة) فصدرت منه بالخطأ فقال لها: (أنت طالق) فهل تُطلق منه؟ والصواب المقطوع به: أنها لا تطلق؛ لأن هذا من خطأ اللسان الذي يغفره الله جل وعلا ولا يترتب عليه حكم، قال تعالى: (( وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُمْ بِهِ وَلَكِنْ مَا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا ))[الأحزاب:5].
وإليك صورة أخرى تجلي لك حقيقة الأمر:

ها هو رجلٌ قد فقد متاعه وفقد راحلته - ناقته التي يسير عليها في السفر - وتحمل متاعه، فإذا به ييأس من وجودها فيضع رأسه تحت ظل شجرة ينتظر الموت، فيستيقظ فإذا بدابته أمامه، فيمسك بخطامها – أي بحبلها – ويقول من شدة الفرح: (اللهم أنت عبدي وأنا ربك.. أخطأ من شدة الفرح).

فما تقول في هذا؟ هل يكفر؟ والجواب: إنه لا يكفر؛ لأنه أراد أن يشكر الله فسبق لسانه بكلمة الخطأ غير مقصوده، مع أن الإنسان لو قصد هذه العبارة وعلم معناها فإنه يخرج من دين الله عز وجل. وهذا هو الذي بينه - صلوات الله وسلامه عليه – في الحديث المتفق على صحته وقد سُقنا لك محل المثال منه.

فثبت بهذا أنك لو قدر أن صدرت منك هذه اللفظة بحروفها الثلاثة فلا اعتبار لذلك طالما أنك بحمدِ الله لم تعزم على نية الطلاق.

فإن قلت: وما أدراني أني عازم، فإني قد أوسوس هل عزمت أم لا؟ فالجواب: أنك في هذه الحالة لا يلتفت إلى أمر إيقاع الطلاق؛ لأن من أراد الطلاق فإنه ينوي أنه سوف يفارق زوجته وحينئذ يطلقها.

وأما مجرد أن تُجرى الكلمات على لسانه فهذا أمر لا يقع به طلاق - بإذن الله عز وجل – إن كان وقع بطريق الخطأ. ولو قدر أنك حدثت نفسك بطلاق زوجتك وقلت في نفسك: سأطلقها فإن هذا أيضاً لا يقع به الطلاق.

إذن فهذا هو العلم الذي هو شفاؤك فقد قال صلى الله عليه وسلم: (إنما شفاء العيِّ السؤال)، فمن كان غير عالم بالحكم الشرعي فها هو شفاؤه ودواؤه، فقد ظهر لك الآن أن كل هذه الأمور لا التفات لها، فكيف يؤاخذك الله بأن تبلع ريقك فيصدر منك حرف القاف أو الطاء فتطلق زوجتك والله جل وعلا لا يكلف نفساً إلا وسعها، وهذا من نزغ الشيطان.

فبهذه الوقفة تتضح لك عموم الأحكام، فزوجتك هي زوجتك، لم تُطلق منك حتى ولو أخطأت بغير قصد كما أشرنا فقلت لها أنت طالق وأنت تريد مثلاً أن تقول لها: (أنت طيبة)، ولو أن رجلاً قيد زوجته مثلاً وهو يداعبها ويلاعبها مثلاً ثم فكَّها وقال لها (أنت طالق) ويقصد: أنك قد أُطلقت من الحبل، لم تكن طالقاً طالما أنه لم ينوي بذلك طلاقاً. فاعرف هذا يا أخي فإنه نافعك، وقد عرفت بهذا الدواء.

فإن قلت: فقد حصل لي المقصود وعرفت الحكم الشرعي في هذا فما هي الوقفة الثانية؟

والجواب: أنها طرد وساوس الشيطان وعدم الالتفات إليها تماماً، فمتى ورد عليك وسوسة الشيطان بأن زوجتك الآن قد حرمت عليك وأنك الآن لو جامعتها لكنت مرتكباً للزنا وربما كان أولادك بعد ذلك من الحرام، فلا تلتفت إلى كل هذه الوساوس واطرحها من وراء ظهرك واكتف بأن تستعيذ بالله من شر الشيطان الرجيم، قال تعالى: (( وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ ))[فصلت:36]. وانته من هذا التفكير ولا تسترسل فيه، وسر في حياتك بصورة عادية، فإن هذا الأمر يشق عليك، وأنت وإن لم تصرح وإن لم تشر إلى كيفية علاقتك بزوجتك إلا أن هذا ينغص عليك، فما أن تسمع صوتها حتى تشعر بالغصة في حلقك خوفاً من أن تكون قد طُلقت منك وخوفاً من أن تفقدها أيضاً في المستقبل، فاعرف هذا يا أخي فإنه شفاؤك وأنت بحمدِ الله لا تحتاج إلى أكثر من هذا القدر.

مضافاً إلى ذلك أن تكون حريصاً على القرب من ربك وعلى اللجوء إليه وعلى صحبة الأخيار الفضلاء مع ممارسة الرياضة اللطيفة كرياضة المشي التي تروح عن نفسك ومع إشغال نفسك تماماً عن التفكير بهذه الوساوس، ومتى شعرت بورودها عليك فلتستغث بالله جل وعلا واستعذ بالله منها، ولو أنك تصدقت فأمر حسن لتعود نفسك على مقاومة هذه الوساوس بطاعة الله جل وعلا، فإن الصدقة مطلوبة في كل الأوقات، أو تصلي ركعتين أو نحو ذلك من الأعمال الصالحة.

فاعرف هذا فإنه شفاؤك على وجه التمام، ونحن نبشرك بأنك سليم معافى ولكن قد دخل عليك كيد من الشيطان الرجيم ووسوسة النفس الأمارة بالسوء، وأعد الكتابة إلى الشبكة الإسلامية بعد أسبوع مع ذكر عامة النتائج التي توصلت إليها لنمدك بمزيد من الإرشاد والتوجيه، مع التكرم بالإشارة إلى رقم هذه الاستشارة.

ونسأل الله عز وجل لك التوفيق والسداد، وأن يشرح صدرك، وأن ييسر أمرك، وأن يبارك لك في زوجتك ويبارك لها فيك، وأن يجعلكم من عباد الله الصالحين، وأن يوفقكم لما يحبه ويرضاه، وأن يزيدكم من فضله وأن يفتح عليكم من بركاته ورحماته.
وبالله التوفيق.

انتهت إجابة المستشار الشرعي الشيخ / أحمد الهنداوي ـ ويليها إجابة المستشار النفسي الدكتور / محمد عبد العليم.
ــــــــــــــــــــــــــ

كما أفاد الشيخ الهنداوي حفظه الله فإن الوساوس من هذا النوع لا توقع الطلاق مطلقاً، فالوساوس هي في الأصل فكرة سخيفة والإنسان يؤمن بسخفها ويحاول التخلص منها ولكن يجد صعوبة في ذلك، وبجانب ما ذكره لك الشيخ الهنداوي ـ حفظه الله ـ أرجو اتباع الآتي:

1- القيام بالتحليل السلوكي المعرفي لهذه الأفكار؛ وهذا يعني أن تحاضر نفسك بدقة وتأمل وتركز على أن هذه الأفكار حقيرة وسخيفة وليست صحيحة.

2- ربط هذه الأفكار باستجابات مضادة، على سبيل المثال تأمل في فكرة الطلاق التي تأتيك وقم في نفس اللحظة بالضرب على يدك بشدة حتى تحس بالألم بشدة، فقد وجد أن ربط الفكرة بالألم سوف يضعفها، كرر هذا التمرين عدة مرات.

3- حين تأتيك الفكرة قم بالعض على لسانك حين تحس بالألم كرر ذلك عدة مرات.

4- حين تأتيك الفكرة وتكون لوحدك ارفع صوتك بالاستعاذة من الشيطان الرجيم (أعوذ بالله من الشيطان الرجيم) أو (أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم من همزه ونفخه ونفثه).

5- هنالك دراسات ولي أيضاً بفضل الله تعالى تجارب مع حالات مماثلة قمت بوصف بعض الأدوية لهؤلاء الإخوة وكانت النتائج العلاجية رائعة جداً، وهذا من فضل الله تعالى ـ وعليه أرجو أن تبدأ في تناول العقار الذي يعرف باسم فافرين فهو دواء فعال جداً لعلاج الوساوس القهرية من هذا النوع، خاصة إذا قمت بتطبيق التمارين السلوكية السابقة.

ابدأ الفافرين بجرعة 50 مليجرام ليلاً بعد الأكل لمدة أسبوعين ثم ارفع الجرعة بنفس هذه الجرعة كل أسبوعين حتى تصل إلى جرعة 200 مليجرام في اليوم، يمكن أن تتناولها كجرعة واحدة ليلاً أو بمعدل 100 مليجرام صباحاً، و100 مليجرام ليلاً.

استمر على هذه الجرعة لمدة ستة أشهر ثم خفض الجرعة إلى 100 مليجرام ليلاً، واستمر على هذه الجرعة الوقائية لمدة سنة ثم بعد ذلك خفضها إلى 50 مليجرام ليلاً لمدة شهرين ثم توقف عن تناول الدواء، هذا الدواء من الأدوية الفعالة والسليمة جداً، وهنالك أدوية مشابهة جداً منها بروزاك وزولفت.

أسأل الله تعالى أن يشفيك وأن يجمع بينك وبين زوجتك على خير.

وبالله التوفيق.


أسئلة متعلقة أخري شوهد التاريخ
وساوس الطهارة والصلاة، كيف أتخلص منها وأعود لحياتي الطبيعية؟ 1707 الخميس 16-07-2020 03:13 صـ
زوجتي مريضة نفسيًا وترفض الذهاب للطبيب، فماذا أفعل معها؟ 1132 الأربعاء 15-07-2020 04:37 صـ
وساوس الشيطان حول استجابة الدعاء، كيف أحاربها؟ 1581 الخميس 16-07-2020 02:48 صـ
أعاني من الوساوس في الدين 1168 الأحد 05-07-2020 05:27 صـ
هلع ووسوسة من الأمراض، فهل من علاج؟ 2685 الثلاثاء 09-06-2020 06:38 صـ