أرشيف الاستشارات

عنوان الاستشارة : ابني الصغير لا يفارق أمه من الخوف

مدة قراءة السؤال : دقيقتان

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وأتقدم لكم بخالص الشكر والامتنان على الخدمة التي تقدمونها، أسأل الله أن يثيبكم خير الجزاء، وبعد:

لي طفل عمره الآن ثماني سنوات، وهو في الصف الثاني الابتدائي، ويعاني من الخوف وخصوصاً في الليل، فهو لا يستطيع أن يبقى في الغرفة وحده، على العكس من أخته، وفي النهار لا يستطيع دخول البيت وحده، ولا ينام إلا بالقرب من والدته، وإذا دخل الحمام يجب أن يبقى الباب مفتوحاً لأنه يخاف، وإذا سمع صوتاً عالياً يرعب.

وهو في المدرسة ليس جسوراً وليس اجتماعياً، بل إنه ميال للانطواء، وهو حساس جداً، ويشعر بالألم من أي نقد أو مضايقة أو سخرية، ولكنه ربما يخجل من الرد، وأما تحصيله الدراسي فهو ممتاز.

وفي البيت يحب مشاهدة أفلام الكرتون بشغف، ويتميز بكثرة الأسئلة، وأسئلته غير منتهية، فالإجابة على السؤال تولد سؤالاً آخر ... وهكذا، حتى أننا نشعر بالانزعاج من كثرة الأسئلة، وله أسئلة كثيرة عن الحياة والموت.

وحالة الخوف التي يمر بها مزعجة لنا، لكننا لم نشعره أننا نعلم ذلك ولم نصارحه بذلك، إلا أن أخته أحياناً تقوم بالتهكم والسخرية منه، ونلاحظ أنه يشعر بالانكسار من كلام أخته، فما توجيهكم؟!

ولكم جزيل الشكر.

مدة قراءة الإجابة : 9 دقائق

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ Khaled حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

فالخوف لدى الأطفال يعتبر من الأشياء الطبيعية المرتبطة بمراحل التطور والتكوين النفسي لدى الطفل، فعلى سبيل المثال الخوف من الظلام والخوف من الحيوانات وهكذا، ولكن بالطبع هذا الأمر نسبي، وإذا كان بالشدة المعيقة ولا يتناسب مع عمر الطفل أو لا يتناسب مع محيطه وبيئته، ففي هذه الحالة تكون الحالة غير طبيعية، ولكن إن شاء الله يمكن أن يتم علاجها وتداركها.

فبعض الأطفال الذين لديهم مقدرات معرفية محدودة - أي أن يكون الطفل محدود الذكاء بعض الشيء - هم عرضة للمخاوف وكثيري الالتصاق بالأبوين أو أي شخص آخر يكونون قد تعودوا عليه ويحسون بالطمأنينة في وجوده، فهذا والحمد لله لا ينطبق على هذا الطفل، حيث أن مستوى تحصيله الدراسي ممتاز، وهذا يدل بالطبع على تفوقه ومقدراته المعرفية الممتازة.

والسبب الآخر ويعتبر من الأسباب القوية والذي ربما يكون ينطبق على هذا الطفل هو أن الطفل قد يكون تعود أو قد تمت تنشئته بصورة خاصة أحس فيها بالتميز، وكانت تلبى طلباته بصورة مستمرة، وأتيحت له الفرصة بأن يكون دائماً مقترناً وملتصقاً بأمه أو الوالدين بصفة عامة، ويكون دائماً في رفقة الآخرين، فهذا أيضاً يولد بعض هذا النوع من المخاوف.

وأنا أقول ذلك حقيقةً وأنا معتذر، لأني لا أود أن أنتقد أي منهج تربوي للإخوة الأفاضل، ولكن أعرف أن هذا الأمر حاصل وواقع، وهو ليس من سوء التربية أو دليل على الجهل، ولكنه يحدث بصورة لا شعورية، فكثيراً ما يميز الطفل الأول، وكثيراً ما يميز الولد على البنات أو البنت على الأولاد أو الطفل الأخير أو الطفل الذي لديه إعاقة، أو ما نسميه بالطفل الخاص بصفة عامة.

وهناك أسباب أخرى أيضاً قد تؤدي إلى مثل هذه المخاوف، وهو أن هذا الطفل ربما تعرض لموقف مخيف، فالكثير من الناس يلجئون إلى ترهيب وتخويف الأطفال كنوع من التربية أو أسلوب من الأساليب التي تكون ضابطاً وناهياً لهم عن القيام بأفعال معينة، وهذا بالطبع يعتبر من المناهج الخاطئة ويؤدي إلى هذا النوع من المخاوف، وهناك بعض الأطفال الوديعين الطيبين الذين ربما توقعهم الظروف في الاختلاط بأطفال بآخرين، يكون الطفل قوياً وشرساً أو أكبر سنّاً من الطفل المقصود، وهذا بالطبع يؤدي إلى نوع من توليد الرهبة لدى الطفل، وربما يحدث أيضاً في بعض رياض الأطفال وفي بعض المدارس أن يحبط الطفل ويعنف، وهذا بالطبع أيضاً يؤدي إلى المخاوف، ونقول ذلك بحذر لأنه نادر الحدوث.

والعلاج حقيقةً يقوم على مبدأ أن تحفظ مساحة نفسية وجغرافية ما بين الطفل ومن حوله، وربما تسألني كيفية التطبيق، هي ليست صعبة فالأمر يقوم على التدرج، فيمكن أن نبدأ بأن نطلب من الطفل إحضار شيء ما يكون على مسافة بعيدة ما من مكان جلوس الوالد أو الوالدة، ويكون هذا الشيء محبباً إليه، فهذا نوع من التدريب التدريجي جداً، وبعد ذلك يطلب منه إحضار شيء على مسافة أبعد مثلاً، ثم يطلب منه أن يغلق الحمام ويطلب منه أن ينير الحمام، وبعد بذلك يقوم بقفل مفتاح الإضاءة، فكل هذا يؤدي إلى نوع من التدريب لدى الطفل، أي يقوم بفتح الإنارة ثم بعد ذلك يقوم بإغلاق الإنارة، هذا يعطيه نوع من التواصل والضوء والظلام، وهذا بالطبع سوف يولد لديه نوع من التعود.

والطفل أيضاً يُحتاج أن يُترك في الغرفة وحده بعض الشيء، لا تكون الغرفة بعيدة من الآخرين ويكون الباب مفتوحاً، وربما يحتج وربما يصرح ولكن حتى لو بقي خمس دقائق هذا شيء يعتبر أمراً معقولاً، وبعدها سوف تصير عشر دقائق وبعدها نصف ساعة وساعة وهكذا، فهذا الأمر يقوم على هذا التدريب السلوكي، ويجب أن لا نستعجل النتائج، فالتغيير قد يحصل بعد شهرين أو ثلاثة أو ستة، ولكن في نهاية المطاف إذا طبق الوالدين هذا المنهج السلوكي بتصميم وحزم، فسوف يؤدي إلى نتائج مبهرة جداً.

والمشكلة هو أن لا نصبر أو أن نستجيب لاستنجادات الطفل وصراخة، وهذا قد يولد عاطفة أو وجداناً لدى الوالدة فتقوم بالاستجابة له وإرجاعه وحضنه، وهذا بالطبع سوف يجعله يطالب بالمزيد بصورة شعورية أو لا شعورية، ولابد أيضاً من أن يحفز الطفل حين يقوم بأي عمل إيجابي، فعلى سبيل المثال حين أطفأ الإضاءة في الحمام وكان هنالك ظلام فيكافأ ويقال له: ما شاء الله ممتاز، أنت لا تخاف وهكذا، ويمكن أيضاً أن تستعمل معه طريقة النجوم، وهو لا زال في هذه السن التي تستجيب لمثل هذا النوع من العمل والعلاج السلوكي، حيث توضع في غرفته لوحة يكافئ بنجوم اثنين أو ثلاثة لأي عمل إيجابي يقوم به، خاصةً فيما يتعلق بالجلوس لوحده وعلاج المخاوف، وإذا أخطأ لا يعنف كثيراً ولكن تسحب منه نجمة أو نجمتين، ويكون هناك اتفاق مع الطفل أنه في نهاية الأسبوع أنه سوف تستبدل حصيلته من النجوم بمبلغ معين يكون أمراً بسيطاً ويكون محفزاً للطفل، فهذه هي المبادئ الأساسية جداً للتربية السلوكية وإزالة المخاوف.

ولا مانع أيضاً من أن يُذهب بالطفل إلى حديقة الحيوان ويرى الأسود ويرى النمور، ويرى هذه الحيوانات، فهذا أيضاً يؤدي إلى نوع من التطبع التلقائي وعدم الخوف.

وأرجو أيضاً أن يُبذل الجهد في تربية الطفل على الأطر التي تقوي من شخصيته وتجعل فيه نوعاً من الاعتمادية على الذات، هذا يقوم بأن يقوم الطفل بأداء واجباته بنفسه، فعلى سبيل المثال نعلمه بأن يرتب سريره في الصباح ودولاب ملابسه وكيفية العناية بالملابس، وأن لا يعتمد على الآخرين، وكيفية أن يستقبل الضيف وأن يجيب على التليفون، وهذه نعتبرها بسيطة ولكن من الناحية التربية ذات قيمة علاجية بسيطة.

وبالنسبة لتكرار الأسئلة والسؤال عن الحياة والموت فهي تكثر عند الأطفال، وقد رأى العلماء أنها نوع من الطقوس الوسواسية لدى الطفل، فالطفل دائماً يحاول أن يستكشف، فتجد الطفل يجلس على مقربة شديدة من الأشياء على سبيل المثال؛ لأنه يعتقد أنه حين يقترب أكثر سوف يتحصل على تفاصيل أكثر للصورة أو الشيء الذي هو قريب منه.

فهذه كلها نوع من الأمور الوسواسية وأنا أعتقد أن هذه تعالج بالتجاهل، والتجاهل المعقول هو أن لا ننهاه ولكن لا نجيب عن كل شيء يقوله، أو أن نلفت نظره إلى أمر آخر، نقول له: تعال وانظر في كراسة المدرسة، حل هذا الواجب واعمل هذا الشيء واحفظ هذه الصورة، ولا مانع من أن يفهم الطفل عن الحياة والموت باللغة التي يفهمها وحسب مرحلته العمرية، ويعطى أمثلة بالشجر على سبيل المثال، فالشجرة حين تكون حية تكون خضراء، وحين تموت تكون يابسة، وهكذا الإنسان.

فهذه الأمور تشرح للطفل بصورة بسيطة، ودائماً يجب أن نعطيه الأمل في الحياة وهكذا.

وأرى أن هذه هي المبادئ التربوية العامة التي تساعد في إزالة المخاوف عن الأطفال وتقوي شخصياتهم.

وفي بعض الحالات قد نعطي بعض الأدوية، وأنا شخصياً لا أفضل أن تعطى الأدوية للأطفال، ولكن من عمر ست سنوات وما فوق يمكن أن تعطى بعض الأدوية، فهناك عقار يعرف باسم تفرانيل، وهو دواء جيد، وهو في الأصل لعلاج الاكتئاب، ويستعمل في الأطفال في المخاوف والتبول اللاإرادي، وجرعته هي 10 مليجرام فقط ليلاً، ويستمر الطفل على هذه الجرعة لمدة شهرين أو ثلاثة، فهذا يمكن أن يجرب، ولكن في رأيي يجب أن لا يكون هو المنهج العلاجي الأول أو المنهج العلاجي المفضل بالرغم من سلامة هذا الدواء.

فهذا هو الذي أرجوه، وأرجو أن تتاح فرصة لهذا الطفل بأن يختلط مع أقرانه بصورة أفضل فالطفل يتعلم من الطفل، والطفل يأخذ من محيط الأطفال أكثر مما يأخذ من محيط الكبار، خاصةً إذا كانت مجموعة الأطفال هي من المجموعة ذات السلوك الطيب والمواهب المتعددة، ولا شك أن ذلك يساعد في بناء شخصيته وكينونته ويقلل من مخاوفه.

أسأل الله أن يحفظه وأن يزيل عنه هذا الخوف.

وبالله التوفيق.

أسئلة متعلقة أخري شوهد التاريخ
طفلتي تقول في الليل وتبكي، وتخلع ملابسها، فما المشكلة؟ 4491 الأحد 23-12-2018 06:45 صـ