أرشيف الاستشارات

عنوان الاستشارة : نصيحة لفتاة في تفكيرها بالهرب من المنزل لقسوة أبيها وحرمانها من الحنان

مدة قراءة السؤال : 5 دقائق

أنا فتاة أبلغ من العمر 19 عاماً، أعيش في ظروف قاسية للغاية، ليس منذ هذه الأيام بل من يوم أن ولدت، فأنا لدي أب لا تعرف الرحمة والحنان طريقاً إلى قلبه، فكلما تذكرت طفولتي كم كانت تعيسة وحزينة؛ فأنا لم أشعر بحنان الأب يوماً حتى إنه لم يضمني إلى صدره يوماً، بل إني أتذكر معاملته القاسية وضربه لي حتى إنه كان دائم الإهانة لي داخل البيت وخارجه! كما أنه كان يتعمد الإساءة لي أمام أصدقائه وأقاربه، وكان يظن بذلك أن هذا من الرجولة، لم أجد منه إلا الصوت العالي والوحشية، وهذا يخالف طبيعتي حيث شهد لي الجميع أني إنسانة رقيقة المشاعر والإحساس.
وإني دائماً أتذكر لوالدي كلمات عندما تخطر ببالي أشعر منها بدوار، وهي:
1- سوف أحرمك من كل شيء!
2- سوف ترين مني أياماً سوداء، سوف أجعلك تكرهين العيشة!
3- أنا لم أكن أريدكم من البداية، أنا لم أكن أريد أطفالاً بل الحمل هذا جاء خطأ!
وغيرها كثير وكثير، ومع حرمانه لنا من الحنان أنا وشقيقتي الأكبر مني بعام واحد والتي هربت وتركت البيت منذ 3سنوات، لم يكن الحرمان من الحنان فحسب، بل كان الحرمان من كل شيء يمكن تخيله.

أما أمي فإنها لها عذرها فهي التي تعولنا نحن جميعاً، فإن أبي لا يعمل، وهو مع ذلك المتحكم في المال الذي تكسبه أمي، من السهل عنده أن ينفق أي مبلغ في أي شيء إلا علينا، كانت أمي تخرج من العمل من الساعة الثامنة، وتعود في الرابعة، كانت تأتي إلى البيت متعبة، لم يكن لديها الوقت الكافي الذي تمنحه لنا أنا وأختي، ولكن هي أيضاً لم تضمني إلى صدرها يوماً ولم تمسح لي دمعه في يوم، وهذا ما أدى بي إلى البحث عن الحضن الدافئ والبحث عن الحب وتلك المعاني التي أفتقدها.

وفي كل مرة كنت أخرج من كل تجربة بصدمة، كنت أظن أني بعد أن أنهي دراستي الثانوية وأذهب إلى الجامعة أن الحياة سوف تبتسم لي، وأن أعيش بعيدة في بلد آخر بعيداً عن والدي، وهذا ما حدث بالفعل، وفي خلال أربعة أشهر قضيتها في الترم الأول من السنة الأولى ما كنت أتحدث إليهم في التليفون إلا مجبرة على ذلك، وما سافرت خلال تلك المدة إلى بلدي لرؤيتهم، بل إني كنت أعيش في فترة من الصفاء الروحي والنفسي.

وفجأة حدث ما لم أكن أتوقع، فإن أمي وأبي جعلوني أترك الجامعة مجبرة على ذلك لأنهم لا يريدون صرف المزيد من المال على دراستي، وأخذوني بالغصب وأرجعوني إلى البلد، بعد أن رجعت أحسست أن الدنيا بعد أن كانت منورة وأنا بعيدة عنهم أظلمت ظلاماً دامساً وأظلمت من جديد كما كانت طول العمر، بل المرة هذه كانت أشد على نفسي، وكان الظلام حالكاً.
لم أقف في هذه المرة موقف المتفرج؛ فإن من ذاق طعم الراحة يوماً من الصعب عليه أن يعود لما كان فيه من الشقاء، فأصبحت أفكر في الهروب وترك المنزل وأن أذهب إلى أي بلد وأعيش فيها وأعمل وأصرف على نفسي، إلا أني كنت أخاف من هذه الفكرة، وأصبحت أحس أني مريضة نفسياً حيث إني ما أكاد أسمع صوته العالي إلا ويحدث لي صداع شديد ولا أشعر بأعصاب أطرافي وأحس بدوار وأني أريد القيء وزغللة في العين وضيق في التنفس، وأريد أن أبكي بحرقة فلا أستطيع، كما أني أصبحت وحيدة، أميل إلى الوحدة، لا أريد أن يكون لي اختلاط بالناس، أنا لم أعد أتحمل الخوف والقسوة والحزن وتعب الأعصاب، ووجدت أن الحل الوحيد الذي سوف يخرجني مما أنا فيه هو الهروب من المنزل وأعيش كما كنت أعيش وأنا في أيام الكلية.

كل ما أبحث عنه في هذه الدنيا هو الخلاص من عذاب الروح وعذاب النفس، أنا تعبانة جداً، ولا أدري ما الحل السليم ولا أدري ماذا أفعل! لا أدري كيف أتخلص مما أنا فيه ومن الماضي الذي يطاردني، أرجو الإفادة سريعاً قبل أن أفعل ما ليس في صالحي.
وجزاكم الله كل خير.

مدة قراءة الإجابة : 4 دقائق

بسم الله الرحمن الرحيم.
الأخت الفاضلة/ منى حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

فنسأل الله العظيم أن يصلح الأحوال، وأن يرزقنا السداد والرشاد، وأن يلهمنا رشدنا ويعيذنا من شرور أنفسنا.

فإن الخطأ لا يعالج بمثله، وعلاج الشر بالشر إضافة شرٍ إلى شر، والإنسان وهبه الله العقل فلا يقدم على تصرف حتى يتفكر في العواقب والآثار، وقد صبرت الكثير وسوف يكون الفرج بعون الله قريباً، وأحسن من قال:

بالصبر تبلغ ما تريد ... وبالتقوى يلين لك الحديد

والفتاة لا يليق لها أن تهرب من عشها الآمن وترمي نفسها في بحيرة الحياة العاتية الأمواج؛ لأنه ربما يكون الثمن هو عرضها وعفتها وسمعتها، ومن هنا منعت الشريعة المرأة من السفر بغير محرم ولو كان ذلك لأشرف المقاصد ولأطهر البقاع؛ فكيف إذا كان الخروج بلا هدف ودون تحديد للوجهة، مع عدم وجود محرم؟!

ولا شك أن هذا الأب مخطئ في تصرفاته وكذلك الأم في سكوتها على ممارساته وعدم حرصها على تعويض جرعة العطف المعدومة، وأرجو أن يكون في محارمك من يعين على علاج هذه المشكلات عن طريق التأثير والضغط على هذا الأب، وأرجو أن تكثري من اللجوء إلى من يجيب المضطر إذا دعاه ويكشف السوء، واحرصي على ذكره وشكره وحسن عبادته، فإنه سبحانه يدافع عن الذين آمنوا، ويحفظ من يطيعه وينجي من يتَّقيه ويؤيد من يتوكل عليه، وإذا أصلح الإنسان ما بينه وبين ربه أصلح الله ما بينه وبين الخلق.

ولستُ أدري إلى أين هربت شقيقتك؟ وما هو رد الفعل الحاصل من قبل والديك والأسرة؟ ولكني أذكرك بأن الإنسان يؤجر على صبره على والديه ورغبته في نيل رضاهما، ومهما كانت قسوة الوالد فإنه أب ينبغي أن نعرف له فضله ونلتمس له العذر، فإن لم نجد له عذراً قلنا: ربما كان له عذر لا نعرفه، ولا أظن أن عاقلاً سليماً يتفوه أمام الناس بمثل تلك العبارات ويعامل بناته بالقسوة ويسمعهنَّ الإهانات، ولكن الدنيا دار ابتلاء، و(عجباً لأمر المؤمن؛ إن أمره كله له خير وليس ذلك لأحد إلا للمؤمن: إن أصابته سراء شكر فكان خيراً له، وإن أصابته ضراء صبر فكان خيراً له)، و(( إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ ))[الزمر:10]، وإذا تذكر المسلم لذة الثواب نسي ما يجد من آلام وأتعاب، ومن يتصبر يصبره الله.

كما أرجو أن تعلمي أن الدنيا مليئة بأهل المصائب؛ فهذه يضايقها أبوها، وتلك يظلمها زوجها، وثالثة يأتيها الأذى من أخيها، وفي النظر لأهل البلاء عزاء، والمؤمن يرضى بقضاء الله وقدره، وبذلك ينال السعادة؛ لأن الدنيا كلها مصائب. قال الشاعر:

جُبلت على كدر وأنت تريدها .. ... .. صفواً من الأكدار والأقذار
ومكلف الأيام ضد طباعها .. ... .. متطلب في الماء جذوة نار

فلا تفكري في الهروب من المنزل، واشغلي نفسك بذكر الله وطاعته، واعلمي أن حال من تهرب من بيتها إلى المجهول كحال من قال فيه الشاعر:

والمستجير بعمر عند كربته .. ... .. كالمستجير من الرمضاء بالنار

نسأل الله أن يبدل خوفك أمناً، وحزنك رضاً وسعادة، وأن يلهمنا رشدنا ويعيذنا من شرور أنفسنا.
والله الموفق.

أسئلة متعلقة أخري شوهد التاريخ
تشتت عائلتي وإهمال أبي ما الحل..وما توجيهكم؟ 853 الخميس 16-07-2020 06:01 صـ
أبي يظلمنا جميعاً، كيف التعامل معه؟ 1011 الأحد 28-06-2020 01:47 مـ
كيف نتعامل مع والدنا القاسي؟ 2418 الأربعاء 17-06-2020 02:31 صـ
أبي ينوي الزواج بأخرى في وقت مرض أمي التي هي في أمس الحاجة له! 1401 الاثنين 18-05-2020 06:42 صـ
أبي يعاملني بقسوة من أجل المال.. ماذا أفعل؟ 623 الأربعاء 13-05-2020 02:15 صـ