تعريف المسؤولية
مدة
قراءة المادة :
10 دقائق
.
تعريف المسؤوليةإن الباحث عن المراد بالمسؤولية في الكتب التي تعرضت للحديث عنها يجد تعريفات متعددة متباينة العبارات، يقتصر كل تعريف منها على بيان زاوية خاصة من زوايا المسؤولية.
وإليك بعضاً منها:
1.
ومن التعريفات التي وردت لكلمة المسؤولية ما جاء في معجم المنجد في اللغة بأن المسؤولية: "ما يكون به الإنسان مسؤولاً ومطالباً عن أمور أو أفعال أتاها"[1].
2.
أو هي: "أن يتحمل الإنسان نتائج الأفعال المحرمة التي يأتيها مختاراً وهو مدرك لمعانيها ونتائجها"[2].
3.
وعرفتها المجتمع اللغة العربية بالقاهرة بأن المسؤولية هي "هي شعور الإنسان بالتزامة أخلاقياً بنتائج أعماله الإدارية فيحاسب عليها إن خيراً وإن شراً"[3].
4.
وقال مقداد يالجن تعني المسؤولية «تحمل الشخص نتيجة التزاماته وقراراته واختياراته العلمية من الناحية الإيجابية والسلبية أمام الله في الدرجة الأولى، وأمام ضميره في الدرجة الثانية، وأمام المجتمع في الدرجة الثالثة»[4].
5.
وجاء في موسوعة نظرة النعيم: "بأن المسؤولية حالة يكون فيها الإنسان صالحاً للمؤاخذة على أعماله وملزماً بتبعاتها المختلفة"[5].
6.
وقد عرفها الدكتور عبد الله دراز[6] بقوله: "المسؤولية هي كون الفرد مكلفاً بأن يقوم ببعض الأشياء وبأن يقدم عنها حساباً إلى غيره"[7].
7.
وعرفها مصطفى الصبري بأنها "لياقة الإنسان لما يلقاه في الدنيا والآخرة من جاء عمله"[8].
8.
وعرفها الدكتور أحمد بن عبد العزيز "بأنها أهلية الشخص أن يكون مطالباً شرعاً بامتثال المأمورات، واجتناب المنهيات، ومحاسباً عليها"[9].
9.
وجاء تعريفه في المعجم الوسيط بأنها: "حالة أو صفة من يسأل عن أمرٍ تقع عليه تبعته".
يقال: أنا بريء من مسؤولية هذا العمل أي من تبعته.
وتطلق (أخلاقياً) على: الالتزام الشخص بما يصدر عنه قولا أو عملا.
وتطلق (قانونياً) على: الالتزام بإصلاح الخطأ الواقع على الغير طبقاً لقانون[10].
وغير ذلك من التعريفات التي تتناول جهة خاصة أو طرف خاص من أطراف المسؤولية.
ولذلك إذا أردنا أن نتعرف على المعنى الجامع للمسؤولية يجدرنا أن نضع بجوارها الكلمات القرآنية التي تتطابق معها، وهذه الكلمات هي (الخلافة) و(التكليف) و(الأمانة).
فمن المشاهد أن هذه الألف قد وردت في القرآن الكريم في ما يلزم الله تعالى به عباده ويكلفهم به من أوامر ونواهي، فإذا انضمت هذه الألفاظ مع بعضها لأسفرت عن المعنى الجامع للمسؤولية.
ونورد الآن فيما يلي تفسير هذه الكلمات من كتب التفاسير حتى يتضح لنا المعنى:
1.
قال تعالى: ﴿ وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لَا تَعْلَمُونَ ﴾[11]، أي إني جاعل (أقواماً يخلف بعضهم بعضاً)[12] في القيام بإمضاء الأحكام والأوامر[13].
2.
وقال تعالى: ﴿ لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ ﴾[14]، في الآية نص على تكليف العباد بالأوامر والأعمال التي في وسع المكلف، وفي مقتضى إدراكه، فللنفس ما كسبت من خير، وعليها ما اكتسبت من شر.
3.
وقال تعالى:﴿ إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا ﴾[15].
ذكر ابن كثير[16] في تفسير الأمانة عدة أقوال، تدور كلها على الفرائض والطاعات، ثم قال "وكل هذا الأقوال لا تنافي بينها، بل هي راجحة إلى أنها التكليف وقبول الأوامر والنواهي بشرطها، وهو أنه إذا قام بذلك أثيب، وإن تركها عوقب، فقبلها الإنسان على ضعفه وجهله وظلمه إلا من وفقه الله"[17].
وهكذا قد تناول القرآن هذه الكلمات الثلاثة، بحيث لا تقبل الانفصام، وتدل على المسؤولية بطريق اللزوم.
ومما يساندنا في كون هذه الألفاظ تلتقي مع بعضها وتنتظم لتعطينا معنى واحد جامعاً للمسؤولية، قول العقاد[18] في بيان المراد بالأمانة في قوله تعالى: ﴿ عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ ﴾ يقول: "وردت كلمة الأمانة والأمانات في خمسة مواضع من القرآن الكريم وكلها بالمعنى الذي يفيد التبعة والعهد والمسؤولية"[19].
وكل ما تقدم يوضح ويبين بأن معنى المسؤولية مع معنى الخلافة والتكليف والأمانة، ويبدو جليا أن بين هذه القضايا قاسماً مشتركاً، طرفاه الطلب والحساب: طلب أوامر الله تعالى والمحاسبة عليها، فمن قام بها أثيب، ومن تركها عوقب، وهذا هو المعنى المسؤولية كما تقدم.
وبعد هذا نستطيع الآن بأن نضع تعريفاً جامعاً لكل أطراف المسؤولية وأبعادها، إذن المسؤولية في معناها الجامع الشامل تعني:
"الاستعداد الفطري الذي جبل الله تعالى عليه الإنسان ليصلح للقيام برعاية ما كلفه به من أمور تتعلق بدينه ودنياه، فإن وفى ما عليه من الرعاية حصل له الثواب، وإن فرط فيها حصل له العقاب".
[1] المنجد في اللغة والأعلام، ص: 316، دار المشرق، بيروت.
ط: الأربعون 2003م.
[2] التشريع الجنائي مقارنا بالقانون الوضعي، عبد القادر عودة، 1/ 392، ط: دار العروبة.
[3] المعجم الفلسفي، إعداد مجمع اللغة العربية بالقاهرة، ط سنة 1979م الهيئة العامة لشؤون المطابع الأميرية.
[4] التربية الأخلاقية الإسلامية.
لمقدار يالجن، ص: 331، ط1، مكتبة الخانجي بالقاهرة، 1977م.
[5] موسوعة نضرة النعيم في مكارم أخلاق الرسول صلى الله عليه وسلم بإشراف د.
صالح بن عبد الله الحميد 8/ 2400 دار الوسيلة للنشر والتوزيع.
الطبعة الأولى 1418هـ.
[6] هو الدكتور محمد عبد الله دراز ولد سنة 1894 الميلادي في قرية (محلة دياي) بمصر بمحافظة كفر الشيخ، كان يعرف اللغات المتعددة وحصل على الدكتوراه من جامعة السربون بفرنسا وله مؤلفات كثيرة منها: الأخلاق في القرآن، الدين، النبأ العظيم، المسؤولية في الإسلام توفي سنة 1958.
انظر كتاب الدين لعبد الله دراز ص 7 – 8.
[7] دستور الأخلاق.
لدكتور عبد الله دراز.
ص: 136.
تعريف وتحقيق وتعليق الدكتور عبد الصبور الشاهين ط: الرابعة، 1402هـ - 1982م، مؤسسة الرسالة بيروت.
[8] موقف البشر تحت سلطان القدر للشيخ مصطفى صبري، ص: 171 ط: 1 سنة 1352هـ.
المطبعة السلفية بالقاهرة.
[9] المسؤولية الخلقية والجزاء عليها.
لدكتور أحمد بن عبدالعزيز الحليبي.
ص: 71.
مكتبة الرشد بالرياض، ط: الأولى 1417هـ/ 1994م.
[10] المعجم الوسيط.
1/ 411.
[11] سورة البقرة.
آية 30.
[12] تفسير القرآن العظيم، لإمام ابن كثير، ص: 109، دار ابن حزم، بيروت.
الطبعة الأولى 1420هـ.
[13] الجامع لأحكام القرآن، لإمام القرطبي، 1/ 263، دار إحياء التراث العربي، بيروت.
ط: 1405هـ.
[14] سورة البقرة.
آية 286.
[15] سورة الأحزاب.
آية 72.
[16] هو عماد الدين أبو الفداء إسماعيل بن عمر بن كثير الدمشقي ولد سنة 701هـ حافظ مؤرخ فقيه مفسر وله مؤلفات كثيرة منها: البداية والنهاية، تفسير القرآن العظيم، توفي سنة 774هـ انظر طبقات الحفاظ 533 – 534 والنجوم الزاهرة 11/ 123.
[17] تفسير القرآن العظيم، لإمام ابن كثير، ص: 1529.
(المرجع السابق).
[18] هو عباس محمود العقاد شاعراً، أديباً ونقاداً، ولد سنة 1889م في أسوان بمصر، وله مؤلفات كثيرة منها: عبقرية محمد صلى الله عليه وسلم، عبقرية الصديق رضي الله عنه، الله، الإنسان في القرآن وغير ذلك.
توفي سنة 1964هـ بالقاهرة و دفن في أسوان.
[19] الإنسان في القرآن، لعباس محمود العقاد، ص: 34، ط: دار الهلال.