لمصلحة من إذلال السوريين؟
مدة
قراءة المادة :
5 دقائق
.
أثار فيديو تم بثه على مواقع التواصل الاجتماعي لمذيعة على قناة فضائية مصرية وهي توزع مساعدات على لاجئين سوريين، ثورة غضب عارمة جراء التعليقات التي كانت المذيعة تقولها أثناء توزيع المساعدات وقد اتُهمت المذيعة من قبل أطراف عديدة وعلى نطاق واسع بأنها ذهبت إلى اللاجئين من أجل استغلال حاجتهم لتنفيذ أجندة سياسية وفكرية محددة ووضح ذلك جلياً في تعليقاتها التي كان فيها إهانة كبيرة للشعب السوري وتوظيف للمشهد لصالح مهاجمة ثورات الربيع العربي بشكل عام رغم أن هذه المذيعة وغيرها أشادوا في البدايات بهذه الثورات عندما نجحت ثم انقلبوا عليها فيما بعد.الحقيقة أن المشهد كان مؤلمًا للغاية عندما اندفع الأطفال وذويهم إلى سيارة المساعدات للحصول على ما فيها ولكن الأكثر إيلاماً هو تعليقات المذيعة التي ركزت على أن النساء تركن أولادهن على الأرض من أجل الحصول على المساعدات وأنهم يضربون بعضهم البعض ووجهت لهم أصابع الاتهام على ما هم فيه بحجة أنهم استجابوا لمن أسمتهم (دعاة الفتنة ) في بلادهم والذين يريدون تقسيمها -في إشارة للثوار- إلى آخر هذا الكلام الذي يردده الإعلام الموالي لنظام بشار الأسد في سوريا ولبنان بل هو ما يردده نظام الأسد نفسه حاليا في المحافل الدولية.
لم توجه المذيعة أي انتقاد لنظام الأسد ولم تحمله المسؤولية عن قتل مئات الآلاف بالبراميل المتفجرة والغازات السامة ولكنها حملت هؤلاء اللاجئين المسؤولية ضمنيًا لأنهم أرادوا أن يغيروا نظام الأسد واستجابوا للثوار، ثم حولت المذيعة الدفة لكي تصل إلى نقطة -هي الهدف كما يبدو من الزيارة والمساعدات- عندما بدأت في الكلام عن مصر حيث أدانت ثورة يناير واتهمتها بإحداث فوضى في البلاد زاعمة أن النظام كان يمكن أن يتغير (بشكل قانوني) دون أن توضح هذا الشكل القانوني!
إن التحول الإعلامي في عدة بلدان عربية بشأن ما يجري في سوريا أصبح موجعًا للغاية لأنه أصبح يلعب على نفس الأوتار التي يلعب عليها نظام الأسد وحول الضحايا إلى جلادين وأصبح يدافع بصورة أو أخرى عن المجرم الحقيقي بل يعطيه المبررات التي تجعله يتمادى في غيه وأصبحت بعض البلدان العربية تعامل اللاجئين السوريين بشكل فيه الكثير من التوجس والريبة واتهامات مبطنة لهم بأنهم يتحملون جزءًا من المسؤولية عما يحدث.
لقد كشفت الأزمة الأخيرة عن قضية غاية في الخطورة بدأت تزداد حدتها مؤخرًا وهي قضية الإعلام العربي وكيف يتم توجيهه حاليًا من قبل رجال أعمال لهم مصالح اقتصادية تتعارض غالبًا مع مصالح فئات كثيرة في المجتمع ولهم مصالح سياسية أيضا تتغير من وقت لآخر لاعتبارات عديدة ليس من بينها مع الأسف الاعتبارات الإنسانية والأخلاقية، كما كشفت عن أن المجال الإعلامي أصبح يرتاده كل من هب ودب وأن الكفاءة والثقافة والعلم ليست هي الأدوات المؤهلة لدخول هذا المجال والدليل أن عددًا من الأكفاء تركوا الميدان من كثرة الدخلاء، والمقصود هنا بالثقافة المعنى الشامل للمعرفة وليس مجرد الحصول على شهادة جامعية حتى ولو من جامعة أمريكية.
إن ما جرى في مخيم اللاجئين السوريين يحدث ما هو أسوأ منه في بلدان عربية أخرى لم تشهد ثورات ولا تغييرات سياسية فلماذا الربط التعسفي بين هذا وذاك؟! ولماذا إذا كان الهدف هو الدعم والمساعدة فقط لوجه الله التأكيد على مضامين سياسية فيها الكثير من الاختلاف واللغط.
إن المذيعة لم تكتف بالشعارات السياسية الضحلة التي رددتها أمام اللاجئين السوريين بل أيضا حاولت في موقع آخر الدفاع عن الحكومة اللبنانية ضد المتظاهرين الذين كانوا يطالبون بتغييرات ويحتجون على فساد سياسي واسع تشهده البلاد من سنوات طويلة، ورددت عبارات تنم عن جهل واضح بما يجري في لبنان من طائفية وسيطرة الزعامات المذهبية على الثروات والتدخل الخارجي من نظام الأسد وإيران في شؤونها والقوة المتزايدة لمليشيا حزب الله والتي يعمل لها الجيش اللبناني ألف حساب ويخشى الاقتراب منها! كما دافعت المذيعة عن الشرطة اللبنانية التي تخشى أن تدخل الضاحية الجنوبية إلا بإذن حزب الله ولا تتمكن من القبض على أي متهم في لبنان إلا بإذن الزعامة السياسية أو المذهبية التي ينضوي تحتها.
إن المطالبة بالتغيير السلمي أصبح في رأي بعض الإعلاميين سبة في جبين الشعوب وعليهم أن يدفعوا ثمنها!
خالد مصطفى