الكبر والعجب
مدة
قراءة المادة :
7 دقائق
.
الكبر والعجبمختصر الدروس في درء مكدرات النفوس (9)
أولًا: الكبر:
التعريف:
لغةً: هو من الكبرياء والعظمة والتجبر، مأخوذ من مادَّة (ك ب ر)، التي تدل على خلاف الصغر، وقيل: هي عبارة عن كمال الذات، ولا يوصف بها إلا الله تعالى.
اصطلاحًا: قد عرَّفه النبي صلى الله عليه وسلم أنه: ((بطر الحق، وغَمْط الناس))[1]، وهو: استعظام النفس، واستحسان الفضائل، والاستهانة بالآخرين واستصغارهم، والترفع على من يجب التواضعُ له.
خطورته:
1- قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((لا يدخل الجنةَ مَن في قلبه مثقال ذرة من كبر))[2]، وإنما صار حجابًا دون الجنة؛ لأنه يحول بين العبد وبين أخلاق المؤمنين كلها، وتلك الأخلاق هي أبواب الجنة.
2- فيه يَهلِك الخواصُّ من الخلق، وقلما ينفكُّ عنه العباد والزهاد والعلماء، فضلًا عن عوامِّ الخلق!
3- ما من خُلُق ذميم إلا وصاحِبُ العزِّ والكبر مضطرٌّ إليه ليحفظ عزَّه، وما من خلق محمود إلا وهو عاجز عنه؛ خوفًا من أن يفوته عزه.
قال محمد بن الحسين بن علي: "ما دخل قلبَ امرئ شيءٌ من الكبر قطٌّ إلا نقص من عقله بقدر ما دخل من ذلك، قلَّ أو كثر".
مصادره: أربعة: (العُجب، والحقد، والحسد، والرياء)، (وسيأتي شرحها لاحقًا إن شاء الله).
درجاته: يتدرج الكبر في الإنسان على ثلاث درجات:
1- مستقر في القلب، فيجتهد صاحبه ويتواضع، فشجرة الكبر مغروسة في قلبه، وهو يقطع أغصانها.
2- أن يظهر بأفعاله الترفُّع على غيره في المجالس، والتقدم على الأقران، والإنكار على من يقصر في حقه.
3- أن يظهر بلسانه؛ كالادعاء، والتفاخر، وتزكية النفس، والتكبر بالنسب وبالمال والجمال والقوة وكثرة الأتباع.
أنواعه وحكم كل نوع:
1- الكِبر على الله؛ بعدم الإيمان به، وإنكاره، والتألي عليه، وهذا أشنعها، كتكبُّر فرعون ونمرود.
2- الكِبر على رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ بعدم الانقياد له تكبرًا وجهلًا وعنادًا؛ كتكبُّر كفَّار قريش في مكة.
وهذان النوعان حكمهما أنهما كفر بالله، وشر أنواعه؛ فقد جمعَا بين أنواع الكفر من التكذيب والإعراض والاستكبار والعناد.
3- التكبر على عباد الله تبارك وتعالى؛ فيستعظم نفسه، ويستحقر غيره، ويستنكف عن الاستفادة عمن دونه.
وإِنْ أفادَك إنسانٌ بفائدةٍ
مِن العلومِ فلازِمْ شكرَه أبدَا
وقُلْ فلانٌ جزاهُ اللهُ صالحةً
أَفَادَنِيها ودَعْكَ الكِبْرَ والحَسَدَا
وقد عدَّه الذهبي من الكبائر، فقال: "أشرُّ الكبر مَن يتكبر على العباد بعلمه؛ فإن هذا لم ينفعه علمه، ومَن طلب العلم للفخر والرياسة، وبطر على المسلمين، وتحامق عليهم وازدراهم، فهذا من أكبر الكبر"؛ وكذا عدَّه الهيتمي في زواجره من الكبائر.
آفات الكبر:
1- أنه طريقٌ موصل إلى غضب الله وسخطه وعقابه، فيطرد بذلك من رحمة الله.
2- قلَّة الخشوع والتدبر والانصراف عن التأمل في آيات الله، فتعمى أبصارهم فلا يرون الحق؛ قال تعالى: ﴿ سَأَصْرِفُ عَنْ آيَاتِيَ الَّذِينَ يَتَكَبَّرُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَإِنْ يَرَوْا كُلَّ آيَةٍ لَا يُؤْمِنُوا بِهَا وَإِنْ يَرَوْا سَبِيلَ الرُّشْدِ لَا يَتَّخِذُوهُ سَبِيلًا وَإِنْ يَرَوْا سَبِيلَ الْغَيِّ يَتَّخِذُوهُ سَبِيلًا ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَكَانُوا عَنْهَا غَافِلِينَ ﴾ [الأعراف: 146].
3- هلاك النفس وذَهاب البرَكة من العمر.
4- الشعور بالعزلة وقلق النفس وضيقها؛ بسبب اشمئزاز الناس وتفرُّقهم مِن حوله.
ثانيًا: العُجب:
تعريفه:
لغة: هو من الزهوِ والارتفاع، ورجل معجَب: مزهوٌّ بما يكون منه، حسنًا كان أم قبيحًا، والمصدر الإعجاب.
اصطلاحًا: استعظام النعمة، والركون إليها، مع نسيان إضافتها للمُنعِم عزَّ وجل.
منشؤه: الجهل المحض، وعدم إعطاء النفس قدرها ومكانتها التي تستحقها، والتجاهل عن ضعفها وقصورها وتفريطها.
آفات العُجب:
1- أنه يدعو إلى الكِبر، وإذا اجتمعَا، فإنهما يَسلبانِ الفضائل، ويُكسبان الرذائل، فلا ينفع نصح ولا قبول تأديب.
2- نسيان الذنوب وإهمالها؛ مما يؤدِّي إلى الاستهانة بها، والإكثار منها، والتعوُّد عليها، حتى تهلكه.
3- استعظام العبادات والطاعات، والتبجُّح بها، والمن على الله بفعلها، ونسيان آفاتها، فكان سعيه ضائعًا.
4- الغرور بالنفس، والثناء عليها وتزكيتها، فيستنكف عن أخذ الفائدة من غيره، والامتناع عن الاستشارة.
5- التمسُّك بالرأي الخطأ؛ فيفرح به ويصر عليه؛ لكونه من خواطره، وربما أدى ذلك إلى هلاكه، خصوصًا إذا تعلق بالدِّين.
الفرق بين الكِبر والعُجب:
أكثر العلماء على أنه لا فرق بينهما، وذهب المحقِّقون من علماء السلوك إلى الفروق الآتية:
• الكبر خُلق باطن يصدر عنه أعمال، فيرى نفسه أفضل من الغير، فيظهر ذلك من خلال تصرفاته تجاه المتكبر عليهم.
• والعُجب رؤية النفس والرأي والعمل، فيتصور ولو لم يكن أحد غيره.
العلاج:
بما أنهما متقاربان، فنورد علاجهما معًا:
1- الاستزادة من العلم بالله تعالى وأسمائه وصفاته، وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم وسيرته، وسيرة أصحابه والتابعين.
2- الحذر من الغفلة وقسوة القلب، والسعي إلى المواظبة والمداومة على ذكر الله، والتقرُّب إليه بالطاعات والقربات.
3- التفكر في أن البدن تصيبه الأمراض، ومصيره التراب، والمال إلى زوال، والقوة إلى الضعف والانهيار، والعقل يصابُ بالخلل والوسواس والجنون، وإن كان بالجمال فما يحمله من الأقذار كفيلٌ بالاستقذار، وأما النَّسَب، فالتقوى ميزان التفاضل عند الله تبارك وتعالى؛ ﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ ﴾ [الحجرات: 13].
عجبتُ مِن مُعجَب بصورتِه
وكان بالأمسِ نطفةً مذرهْ
وفي غدٍ بعدَ حسنِ صورتِهِ
يصيرُ في اللحدِ جِيفَةً قذرهْ
وهو على تيهِه ونخوتِه
ما بين ثوبَيْهِ يحمِلُ العَذِرَهْ
مراجع:
لسان العرب؛ لابن منظور.
إحياء علوم الدين؛ لأبي حامد الغزالي.
أدب الدين والدنيا؛ للماوردي.
الزواجر؛ للهيتمي.
الكبائر؛ للذهبي.
[1] أخرجه مسلم برقم (91).
[2] أحمد برقم (3913)، و(3947)، ومسلم برقم (179).