أرشيف المقالات

صادق الصبر

مدة قراءة المادة : 4 دقائق .
2صادِقِ الصبرَ
 
كونكَ تريد أن تُصبحَ ذهبًا، وتسعى لذلك بكل طاقتك، هذا يُلزمُكَ بمصادقة الصبر، وكونكَ تريد أن تُخرِجَ أجملَ ما وضع الله سبحانه وتعالى فيكَ، هذا يُلزمُكَ بالتزامَ البحث عن الحكمة؛ فما كان الذهب ذهبًا لولا أن صبر على احتراقه، وعلم أن أمره - وإن كان صَعْبًا وشاقًّا - فهو خيرٌ له، فبعد خروجه من الشدَّة التي كان فيها ستُخرِج الحرارة التي وُضِع فيها أفضل ما يمكن أن يبدوَ عليه.

ها هو الذهب يصبر ويعرف الحكمة وراء أمره، فيزداد صَبْرًا وتحمُّلًا، فماذا عنك يا قطعة الذهب؟
احترقْت وما زلتَ لا تعرف كيف تستعيد صلابتَكَ وصمودَكَ أمام الشدائد؟
أشتدَّ انصهارُ رُوحكَ حتى سالتْ وضاعت منك، ولا تستطيع أنْ تُلَمْلِمَ شَتاتَها من جديد؟!

لا بأس؛ فلا توجد على وجه الأرض حياةٌ تخلو من الصعوبات، وهذا نصيبُكَ منها، هل تستطيع الهروب؟ هل يمكنكَ الاختباءُ من القَدَر؛ كيلا يُصيبَكَ؟!

بالتأكيد لا؛ فكلُّ ما بيدكَ فعلُه هو التخفيف من صعوبته، وجعله سببًا في الخير لك؛ فوراء كل محنة تمرُّ بها منحةٌ ربانيةٌ، وكَنْزٌ ثمينٌ قد يزيدك غنًى، ولكن انشغالكَ بما أصابَكَ يُلهيكَ عن البحث عنه.

يعبث الشيطانُ بأفكاركَ ويُشعِرُكَ أنكَ قد هُزِمْتَ، يُحزِنُكَ ويسعَد هو بشقائكَ وضَياعِكَ، يُبْعِدُكَ عن كَنْزكَ، ويُلهيكَ عن الصبر والدُّعاء، ويمنعُكَ من الفوز بأجر رضائكَ بالبلاء، ويُخبرُكَ أنه لا مفرَّ وأنَّ عليكَ الاستسلام والوقوع، ثم تقِفُ حياتكَ عند هذه اللحظات البائسة؛ فتعيش أبد الدهر مهزومًا.

وفي الجانب الآخر يقضي شخصٌ إيجابيٌّ على أفكار الشيطان تلك، ويتمسَّكُ بالدُّعاء ويشكو لله ضِيقَ الحال وصعوبته، يرضى بقضاء الله، ويعلم أنَّه مجرد ابتلاء من الخالق العظيم؛ ليختبر مدى صبره ورضاه، وليرفعه درجاتٍ في الجنات، يبحث عن حكمته عز وجل من هذا الابتلاء، فيُدْركها ويُصلِح بها حياتَه؛ فيَخرُج من ابتلائه قطعةَ ذهبٍ لامعةً.

إذًا فليست المصائب ولا الصعوبات هي مَربِطَ الفرس، فالكلُّ يمرُّ بها؛ وإنما المشكلة تكمُن في استجابة البعض لأفكار الشيطان الذي لا يريد سوى موتنا ونحن على قَيْد الحياة، ويَسُرُّه
نقصانُ أجورنا؛ فلا تدعه يعبث بأفكارِكَ ويجعلك تتخلَّى عن أي خير كُتِبَ لكَ.

انظر ماذا يخبرك حبيبك محمد صلى الله عليه وسلم: ((عَجَبًا لأمرِ المؤمنِ؛ إِنَّ أمْرَهُ كُلَّهُ لهُ خَيرٌ، وليسَ ذلكَ لأحَدٍ إلَّا للمُؤْمنِ، إِنْ أصَابتهُ سَرَّاءُ شَكَرَ، فكانَتْ خَيرًا لهُ، وإنْ أصَابَتْهُ ضَرَّاءُ صَبَرَ فكانَتْ خَيْرًا لهُ))؛ صحيح مسلم.

فلماذا ليس ذلك الخير لأحد إلَّا المؤمن؟!
لأنه يصبر ويُدرِكُ رسالة الله عز وجل، ويعمل بها فيرتقي في الدنيا، وترتفع درجاتُه في الآخرة، ويمتلِك سلاح الدعاء الذي يُلقي بكلمة "مستحيل" من قاموسه، ويضعها جانبًا، فتنخفض درجة حرارة الأمر الذي هو فيه، ليس هذا كلامي، وإنما هو كلام الله سبحانه وتعالى القائل: ﴿ إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ ﴾ [الزمر: 10].

أخبرني بربِّكَ: ماذا بعد ذلك من خير؟!
فاصبِر على ما أصابَكَ، وابحَثْ عن صراطِكَ المستقيم بعد البلاء، وتمسَّك بالدعاء فهو أُكسجينُكَ وسط كل اختناق.

اعلم أنَّ الدنيا بها الحلو وبها المرُّ، والجنة بها الحلو بعد المرُّ الذي ذقناه في الدنيا: ﴿ وَجَزَاهُمْ بِمَا صَبَرُوا جَنَّةً وَحَرِيرًا ﴾ [الإنسان: 12]؛ فتحمَّل المرَّ في الدنيا لتَنْعَم بنعيم الجنة.

وتذكَّر أن كلَّ أمرِك خيرٌ، فتحمَّل وكُنْ صُلْبًا، كن ذهبًا.

شارك الخبر

ساهم - قرآن ٣