كيف يحبك الله؟
مدة
قراءة المادة :
7 دقائق
.
الحمد لله الذي تفرَّد بالعز والجلال، وتوحَّد بالكبرياء والكمال، وجلَّ عن الأشباه والأشكال، ودل على معرفة فزال الإشكال، وأذل من اعتزَّ بغيره غاية الإذلال، وتفضَّل على المطيعين بلذيذ الإقبال، بيده ملكوت السماوات والأرض ومفاتيح الأقفال، لا رادَّ لأمره ولا معقِّب لحكمه وهو الخالق الفعال.وأشهد أن لا إله إلا الله، وحده لا شريك له، له الملك، وله الحمد وهو على كل شيء قدير، هو الأول والآخر والظاهر والباطن الكبير المتعال، لا يحويه الفكر ولا يحده الحصر، ولا يدركه الوهم والخيال، وأشهد أن سيدنا وحبيبنا وشفيعنا محمدًا عبد الله ورسوله وصفيُّه من خلقه وحبيبه، الذي أيَّده بالمعجزات الظاهرة، والآيات الباهرة، وزينه بأشرف الخصال، ورفَعه إلى المقام الأسنى، فكان قاب قوسين أو أدنى، وخلع الجمال.
إخوة الإسلام؛ أحباب النبي الهمام صلى الله عليه وسلم حديثنا في هذا اللقاء الإيماني عن الطريق إلى محبة الله سبحانه، وكيف ينال المسلم محبته ربه عز وجل، فهيَّا لننال القرب والمحبة من الله جل جلاله، فاللهم انا نسألك حبَّك وحبَّ مَن يُحبك، وكل عمل يُقربنا إلى حبك.
محبّة الله عز وجل لعبده المؤمن فضل من الله عز وجل ومنَّة، وكرم، يهبه لمن شاء من عباده، ليس لحاجته لمحبوبه، أو لضَعفه مع محبوبه، وإنما يحبه جل وعلا لخير يسوقه إلى محبوبة، محبَّة عن كمال واقتدار وغنى.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: (ولا ريب أن محبَّة المؤمنين لربهم أعظمُ المحبات، وكذلك محبَّة الله لهم هي محبَّة عظيمة جدًّا)[1].
وقال الشيخ عبدالرحمن السعدي رحمه الله: (محبَّة الله للعبد هي أجلُّ نعمة أنعم الله بها عليه، وأفضل فضيلة، تفضَّل الله بها عليه، وإذا أحبَّ الله عبدًا، يسَّر له الأسباب، وهوَّن عليه كل عسير، ووفَّقه لفعل الخيرات، وترك المنكرات، وأقبَل بقلوب عباده إليه بالمحبَّة والوداد...
وإذا أحب الله عبدًا قبِل منه اليسير من العمل، وغفر له الكثير من الزلل)[2].
التقرب إلى الله بالنوافل بعد الفرائض:
يحب الله - تعالى- عبادَه المؤمنين الأخيار، يحب العباد الصالحين، المتقين، {إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ} [آل عمران: 76]، وروى مسلم في صحيحه من حديث سعد بن أبي وقاص -رضي الله عنه- أن رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قال: «إنَّ اللهَ يحبُّ العبدَ التَّقيَّ، الغنيَّ، الخفيَّ».
كما أن الله -تعالى-يحب التائبين من عباده، العائدين إليه، المستغفرين من ذنوبهم، {إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ} [البقرة: 222].
كن من التائبين يحبك رب العالمين:
وروى مسلم في صحيحه من حديث أنس بن مالك رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «للهُ أشدُّ فرحًا بتوبةِ عبدِه حين يتوبُ إليه من أحدِكم كان على راحلتِه بأرضِ فلاةٍ، فانفلتت منه وعليها طعامُه وشرابُه، فأيِس منها، فأتى شجرةً فاضطجع في ظلِّها، قد أيس من راحلتِه، فبينا هو كذلك إذا هو بها قائمةٌ عنده، فأخذ بخطامِها، ثم قال من شدةِ الفرحِ: اللهم أنت عبدي وأنا ربُّك، أخطأ من شدةِ الفرحِ».
سلوك طريق الاستقامة والتوبة إلى الله من كل ذنب، هو طريق النجاة، {قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [آل عمران: 31].
كن من الذكرين يحبك رب العلمين: مما يحبه الله كثرة ذكره تعالى، فمن أحب الله تعالى أكثر من ذكره، ومن أعظم ما يُ ذكر الله تعالى به تلاوة كلامه جل وعلا، فإذا اجتمع قوم يذكرون الله ويتلون كتابه، كان ذلك علامةً على محبتهم لله ومحبة الله تعالى لهم، روى مسلم في صحيحه من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «ما اجتمعَ قومٌ في بيتِ من بيوتِ اللهِ، يتلون كتابَ اللهِ، ويتدارسونه بينهم، إلا نزلتْ عليهم السكينةُ، وغشيتْهم الرحمةُ، وحفَّتهم الملائكة ُ، وذكرَهم اللهُ فيمن عنده».
كن من المتوكلين:
أيها الأخ المبارك، اعتمد على ربك في كل أمورك، وتوكَّل عليه، فإن ذلك سببٌ لمحبة الله لك، {فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ} [آل عمران: 159]، لا تعتمد على حولك ولا قوتك، ولا جِدِّك ولا اجتهادك، لا تعتمد على واسطتك أو قرابتك، اعتمد على الله، ووكِّله شأنك كله، فذلك علامة على محبتك لله وسبب لمحبته لك.
كن حسن الأخلاق يحبك الخلاق:
حسن الخُلق سببٌ من أسباب محبة الله تعالى للعبد، قال أسامة بن شَريك رضي الله عنه: كُنَّا جلوسًا عندَ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم كأنَّما على رؤوسِنا الطَّيرُ ما يتكلَّمُ منَّا مُتكلِّمٌ، إذ جاءه ناسٌ فقالوا: مَن أحبُّ عبادِ اللهِ إلى اللهِ تعالى؟ قال: «أحسَنُهم أخلاقًا».
كما أن حسن الخلق سببٌ لمحبة رسول الله صلى الله عليه وسلم، والقرب من مجلسه في الآخرة؛ روى ابن حبان في صحيحه من حديث أبي ثعلبة الخشني أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إنَّ أحَبَّكم إليَّ وأقرَبَكم منِّي في الآخرةِ، أحاسِنُكم أخلاقًا، وإنَّ أبغَضَكم إليَّ وأبعَدَكم منِّي في الآخرةِ، أسوَؤُكم أخلاقًا، المُتشدِّقونَ المُتفيهقونَ الثَّرثارونَ».
ولأهل السماحة نصيب من محبة الله تعالى: وممن يُحبهم الله تعالى الذين جاء ذكرهم في الحديث: «إنَّ اللهَ يحبُّ سمحَ البيعِ، سمحَ الشراءِ، سمحَ القضاءِ»، فيكون العبد متسامحًا هينًا لينًا في بيعه وشرائه، لا يتشدد، ولا يخادع، ولا يهضم حق البائع أو المشتري، كما يكون سمحًا في قضاء الدين، متجاوزًا عن المعسرين.
اعدل في أقوالك وأفعالك يحب الله: كما أن الله تعالى يحب العادل من عباده {إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ} [المائدة: 42]، فيعدِل في كل شؤونه، مع أهله أو عماله، في بيعه وشرائه، في وظيفته وأحواله، في كل حال، فالعدل خير كله.
[1] قاعدة في المحبّة ص (50).
[2] تيسير الكريم الرّحمن في تفسير كلام المنان، ص (198).