أرشيف المقالات

ظاهرة لبس ما عليه علامات أو رموز أو عبارات غير شرعية

مدة قراءة المادة : 10 دقائق .
2ظاهرة لبس ما عليه علامات أو رموز أو عبارات غير شرعية   ظاهرة أخرى من الظواهر الخطيرة التي غزت مجتمعاتنا، وملأت أسواقنا، وتقبَّلها كثيرٌ من كبارنا وصِغارنا، فضلًا عن شبابنا وشابَّاتنا، إنها ظاهرة "لبس ما عليه علامات أو رموز أو عبارات غير شرعية"، نحملها أوسمة على صدورنا، ونُعلِّقها نياشينَ على أكتافنا، وقد لا ندري مصدرها ولا القصد منها، نفرح بها ونعتزُّ بها، وقد لا نعلم أنها سُبَّة لنا، نُشهِر علاماتها ونُروِّج لها، وقد لا نعلم أنها تغزو اقتصادنا، نفخر بها ونتيه خُيلاءَ بلُبسها، وقد تكون غزوًا فكريًّا أو عقديًّا يحاربنا في قعر دارنا، نتزيَّن بها في الحفلات، ونميس بها في اللقاءات، وقد يكون لشرعنا موقفُ التحريم أو الكراهة منها؛ بل قد تُبطِل صلاتَنا، أو نجني من وراء لُبسها إثمًا مبينًا، والمسلم مطالبٌ بأن يتَّقي الشُّبُهات، وأن يترفَّع عن المنهيات؛ حتى تسلم له عبادتُه، وتستقيم له حياتُه.   من هذه العلامات والرموز ما يدل على عقيدة فاسدة، لا تليق بالمسلم الموحِّد لله في ربوبيته، وأُلوهيته، وأسمائه وصفاته، كمن يحمل علامة الصليب على ثيابه، أو فراشه، أو غطائه؛ لأن الصليب شعار صِنْفٍ من النصارى الذين يعتقدون أن معبودهم هو عيسى عليه السلام، وأنه صُلِب ليُخلِّصهم من الخطايا، والله تعالى يقول: ﴿ وَقَوْلِهِمْ إِنَّا قَتَلْنَا الْمَسِيحَ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ رَسُولَ اللَّهِ وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَكِنْ شُبِّهَ لَهُمْ ﴾ [النساء: 157]، ويقول تعالى: ﴿ لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ قُلْ فَمَنْ يَمْلِكُ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا إِنْ أَرَادَ أَنْ يُهْلِكَ الْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَأُمَّهُ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا ﴾ [المائدة: 17].   وقد أفتى بعض أهل العلم بمنع حمل علامة الصليب أينما كانت، سواء في المأكولات، أو المشروبات، أو الملبوسات، أو الستور والبُسُط، أو قلنسوة الرأس، أو العُملات والساعات والخواتيم بيعًا وشراءً واتِّخاذًا؛ لأن اتخاذه يدلُّ على المساندة والموافقة والموالاة.   فعن عائشة رضي الله عنها أنَّ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم كان لا يَتْرُكُ في بَيْتِهِ شَيْئًا فيه تَصْلِيبٌ إلَّا قَضَبَهُ (أي: قطعه وأزاله)"؛ صحيح سنن أبي داود.   وعن عدي بن حاتم رضي الله عنه قال: أَتَيْتُ النبيَّ صلى الله عليه وسلم وفي عُنُقِي صَلِيبٌ من ذَهَبٍ، فقال: ((يا عَدِيُّ، اطْرَحْ عَنْكَ هذا الْوَثَنَ))؛ صحيح سنن الترمذي.   وعن أمِّ عبدالرحمن بن أُذَيْنةَ قالت: كُنَّا نَطُوفُ بِالْبَيْتِ مَعَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ، فَرَأَتْ على امْرأَةٍ بُرْدًا فِيهِ تَصْلِيبٌ، فقالت أم المؤمنين: "اطْرَحِيهِ، اطْرَحِيهِ؛ فإِنَّ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم كان إذا رَأَى نَحْوَ هذا قَضَبَهُ"؛ رواه أحمد وإسناده جيد.   ومثل الصليب العلامة السداسية التي تدل على نجمة داود - كما يعتقد اليهود - وعلامات الطوائف الزائغة، ورموز أهل الملَلِ الباطلة، والتوجُّهات الفكرية الإلحادية، وشعارات أصحاب كل فكر مائع، أو اعتقاد زائغ.   وبدأت تتسرَّب إلى بعض البلاد العربية ألبسة نسائية ورجالية، غزاها ما يُسمَّى بفن "التيبوغرافيا" التي تدلُّ على "فن التشكيل باستعمال الحروف"، غير أن قلة علم بعض أصحاب هذه المهنة بضوابط استعمال الكلمات العربية في زينة اللباس، خرجت بهم إلى امتهان اللغة العربية، ومعها امتهان ما تحمله من كلمات مقدسة؛ كلفظ الجلالة، واسم النبي محمد صلى الله عليه وسلم.   بل تجرَّؤوا على آيات قرآنية، فنسخوها على فساتين النساء التي تُعرض في معارض الأزياء تحت الأضواء والموسيقا، وأقمصة الرجال؛ بل ألبسة الأطفال، مع ما يستدعيه ذلك من تلويث لهذه الكلمات والآيات، وتنجيسها بفضلات الأطفال وبولهم وقيئهم وأوساخهم، والدخول بها إلى دورات المياه، وربما إلى الأماكن المشبوهة.   واختاروا لذلك سورة الإخلاص، وسورة الناس، وآية الكرسي، والفاتحة، وأوائل البقرة، وكتبوا على أطراف الأكمام قوله تعالى: ﴿ إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُبِينًا ﴾ [الفتح: 1]، وقوله تعالى: ﴿ نَصْرٌ مِنَ اللَّهِ وَفَتْحٌ قَرِيبٌ ﴾ [الصف: 13]، كما كتبوا أسماء الله الحسنى، وأسماء النبي صلى الله عليه وسلم، ورسالته صلى الله عليه وسلم التي بعث بها إلى هرقل، ومنهم من كتب البسملة على شكل وزغ، وكلمة التوحيد على شكل حيوان؛ وكل ذلك مُنافٍ لتعظيم ما عظَّمه الله تعالى الذي قال: ﴿ ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ ﴾ [الحج: 32].   ومن هذا التعظيم أيضًا اجتناب استعمال الجرائد الورقية المكتوبة بالعربية في لف الأطعمة والفواكه والمواد الغذائية، مع ما تحمله من بسملة، وآيات، وأحاديث، وأسماء إسلامية محترمة؛ كعبدالله، وعبدالرحمن، ومحمد، وإبراهيم وغيرها.   وكان النبي صلى الله عليه وسلم يكره أن يَذكُر اسمَ الله إلَّا ‏على طهارة؛ كما في حديث المهاجر بن قُنفذ أنَّه أَتَى النبيَّ صلى الله عليه وسلم وهُوَ يَبُولُ، فَسَلَّمَ عليه، فلم يَرُدَّ عليه حتَّى تَوَضَّأَ، ثُمَّ اعْتَذَرَ إليه، فقال: ((إنِّي كَرِهْتُ أَنْ أَذْكُرَ اللهَ عزَّ وجَلَّ إلَّا على طُهْرٍ، أو قال: على طَهارةٍ))؛ صحيح سنن أبي داود.   أما إذا اعتُقِد - مع ذلك - الخوف من العين، أو رد السحر، أو جلب النفع، أو دفع الضر، صارت "تميمة"، وهي - كما قال ابن عبدالبر -: "ما علق في الأعناق من القلائد خشية العين أو غيرها من أنواع البلاء"، وقال صلى الله عليه وسلم: ((مَنْ تَعَلَّقَ شَيْئًا وُكِلَ إِلَيْهِ))؛ صحيح سنن الترمذي، وقال أيضًا: ((إِنَّ الرُّقَى، وَالتَّمَائِمَ وَالتِّوَلَةَ شِرْكٌ)) (والتِّوَلة: نوع من السحر يحبب المرأة إلى زوجها)؛ صحيح سنن ابن ماجه.   وظهرت فساتين وحقائب للنساء وضعت عليها صورة الكف بالأصابع الخمسة، وكتبت تحتها عبارة: "يا حَاسِدِينَ النَّاس ما لَكُم وما لِلناس"، وهي عقيدة فاسدة؛ إذ لا يرد البلوى إلا الله، وما شرعه من أدعية من الكتاب والسنة.   بل وُجدت ثياب عمَد أصحابُها إلى كتابة طلاسم عليها، وجداول المربعات التي في كتب السحر، ومصطلحات خاصة وأدعية من الشرك؛ كالاستغاثة بغير الله، ومناداة غير الله، لتفريج الهموم وتنفيس الكروب، والله تعالى يقول: ﴿ وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلَا كَاشِفَ لَهُ إِلَّا هُوَ وَإِنْ يَمْسَسْكَ بِخَيْرٍ فَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ﴾ [الأنعام: 17].   وأحيانًا يكتبون حروفًا مبعثرة، ووسطها حرفان متشابكان أو كلمة تشابكت حروفها لأغراض يعرفها السحرة. ووجد بعض اللاعبين والمصارعين الأفارقة يضعون على أقمصتهم طلاسمَ وآياتٍ وأرقامًا وعلاماتٍ؛ لهزم الخَصْم، ودحض قوَّته، والتغلب عليه.   ووجدت بعض الأحذية الرياضية حملت علامات هي أسماء لآلهة إغريقية، وأخرى كُتبت عليها آيات قرآنية، وأخرى حملت لفظ الجلالة في الخلف أو في الجوانب، وربما كتبت آية الكرسي على طول ثقوب السيور، بل وجدت أحذية ونِعال صينية، كُتب لفظ الجلالة أو اسم محمد في أسفلها؛ قصدًا لإهانة خالقنا، وازدراءً برسولنا صلى الله عليه وسلم. كَناطِحٍ صَخْرَةً يَوْمًا لِيُوهِنَها *** فَلَمْ يَضِرْها وأوْهى قَرْنَه الوعِلُ   ووجدت بعض ألبسة النساء كُتِبت على صدرها حروفٌ مبعثرة، قد التفت حول عبارة "لا صوم"، وعبارة "لا صلاة" بشكل مقلوب، وعُثر على أخرى كُتبت عليها عبارة "واشربوا خمر"، أما مثل هذه العبارات ببعض اللغات الأخرى، فحدِّث ولا حرجَ.   وتسللت إلى بعض بلداننا الإسلامية عبايات نسائية سوداء، طُرِّزت بكتابات أو رسومات فضيَّة ناصعة، يشعُّ لمعانُها وبريقُها حتى في الظلام، وربما صُوحِب التطريز بوضع حبَّات زجاجية، وفصوص عقيق مزركشة متلألئة؛ مما يُثير المارَّة، ويجعل المرأة محطَّ أنظار العامَّة، وبخاصة إذا كانت الألبسة قد وُصِف أعلاها، وضاق وسطُها، واتسعت أكمامُها، فتصير لباسَ شهرة، وهو الذي حذَّر منه الرسول صلى الله عليه وسلم، وقال: ((مَنْ لَبِسَ ثَوْبَ شُهْرةٍ، أَلْبَسَهُ اللهُ يَوْمَ الْقِيامةِ ثَوْبَ مَذَلَّةٍ))؛ صحيح سنن ابن ماجه.   قال ابن ‏الأثير: "الشهرة ظهور الشيء، والمراد أن ثوبه يشتهر بين الناس لمخالفة لونه لألوان ثيابهم، فيرفع الناس ‏إليه أبصارهم". وهي صيحة عزَّزَتْها بعض عروض "أزياء المحجَّبات" التي تُظهرهن بأقمصة ضيِّقة كاشفة، وسراويل ممزَّقة ومشقَّقة ومطلية، مع أنواع العطور العالمية، والأظافر المسننة المصبوغة، والأحذية ذات الكعوب العالية التي ربما رُصِّعَتْ بحروف وكلمات عربية، أو زخرفات إسلامية اعتدنا أن نراها على أبواب المساجد وعلى منابر الوعظ، ثم يسمُّون هذا الخليط العجيب - ظلمًا وزورًا - "أزياء المحجَّبات".   فلنحرص على اقتناء الألبسة الشرعية، الخالية من المحذورات، السليمة من الشُّبُهات، ﴿ وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْرًا ﴾ [الطلاق: 4].



شارك الخبر

فهرس موضوعات القرآن