أرشيف المقالات

التنبيه على أخطاء ومخالفات المداخلات التليفونية على البرامج الفضائية

مدة قراءة المادة : 8 دقائق .
التنبيه على أخطاء ومخالفات المداخلات التليفونية على البرامج الفضائية
 
كان لبرامج التَّوعية الثَّقافيَّة في شتَّى مجالات الحياة أثرٌ كبير في تيْسير الخير على النَّاس، وإيصاله لهم في منازلهم بالمقابل المادّي الزَّهيد، فضلًا عن البرامج الدينيَّة المتضمّنة عادةً لاستقْبال الفتوى والاستشارة، وتقْديم النّصح والإرشاد.
 
وكان من جملة الخير في هذه البرامج أن قامتْ على التَّواصُل بينها وبين المشاهِدين، فصاحب الاستِشارة الطبّيَّة أو الدينيَّة - أو حتَّى التِّجاريَّة - يُمكنه التَّواصل بأسلوب سهل جدًّا مع المتخصّص المُستضاف في البرنامج.
 
وعادة ما يتمُّ هذا التَّواصُل عبر التليفونات الأرضيَّة أو المحمولة، أو رسائل (SMS) عن طريق المحمول، على أنَّ الاتصالات الهاتفيَّة هي الأكثر استِعْمالًا، وكلا الوسيلَتَين من مصادر التَّمويل المادّي للبرامج خصوصًا، والفضائيَّات عمومًا، وفي الحقيقة هذا من مصالح الطَّرفين في الدّنيا والآخرة، فلا يُنكر ابتداءً.
 
لكن مع شيوع استِخْدام جماهير النَّاس للتَّواصُل المباشِر مع البرامج عبر الاتّصالات والمداخلات الهاتفيَّة، وقعت مخالفاتٌ شرعيّة وأخلاقيّة وعُرفيّة كثيرة، وبعضها مُخالفات خطيرة فعلًا، لم تسلم حتَّى البرامج الشَّرعيَّة المحضة منها، نعمْ لم تكن هذه المخالفات عن قصد أو تعمُّد، لكنَّها ظلَّتْ مخالفات يجب التَّنبيه عليها، ويجب تجنُّبُها.
 
وليس هذا طعنًا في سادةٍ فُضلاء من علماء ودعاة لهم حضور قويٌّ في تلك البرامج؛ إذ هم بالفعل يُنكرون كثيرًا إذا ما وقعتِ المخالفة؛ لكنَّهم في النّهاية كذلك بشر يفوتُهم ما يفوت البشر، ويعتريهم ما يَعتري البشر، كما أنَّ مجال الحلقات وضِيق الوقت وعامل المفاجأة في وقوع تلك الأخطاء من المتَّصلين، كلُّ هذا يكون سببًا قويًّا لتشتيت الأذهان، وإغفالِ التَّنبيه على الخطأ أو المخالفة الشَّرعيَّة.
 
هذا، بالإضافة إلى أنَّ كثيرًا من برامج التَّوعية يقوم عليها أناسٌ ينقصهم العِلْم الشرعي، بحيثُ إذا وقعت المخالفة الشَّرعيَّة لم ينتبِهوا لها، أو لَم يُحسنوا نصح أصحابها.
 
ومن هنا رأيت أن أنبِّه على ما وقفتُ عليه من أخطاء ومُخالفات شرعيَّة وأدبيَّة وعرفيَّة، تتخلَّل الاتّصالات الهاتفيَّة على البرامج الفضائيَّة، مع اختِلاف مضمونها.
كثْرة المتَّصلات:
المتابع للبرامج الفضائيَّة، سواء الشَّرعية أو الاجتماعيَّة أو الطّبّيَّة أو غير ذلك، يظهر له بوضوح القدْر الكبير جدًّا من المُداخلات الهاتفيَّة النسائيَّة، ولست مبالغًا لو قلت: إنَّ نسبة المتَّصلات قد تتعدَّى على أقلّ تقدير 95% من مَجموع المتَّصلين على البرامج!
 
وكلُّ مَن يُتابع بعَين الشَّرع ما تتضمَّنه المكالمات الهاتفيَّة من النّساء، يجِد مخالفات شرعيَّة كثيرة؛ من خضوع في القول، إلى كلامٍ يُستحْيا منه عادة، إلى توسُّع في الحديث بلا فائدة، فضْلًا عن أنَّ حديث المرأة على الهواء ينزل منزلةَ الحاجة أو الضَّرورة؛ يُلجأ إليْها إذا لم تجِد المرأة مفرًّا منها، لا كما تفْعل بعضُ النّساء من تنفّل، فتسأل عن زوجِها أحيانًا، وعن صديقاتِها أحايين!
 
تفاصيل لا تنبغي:
بعض المتَّصلين يتوسَّع جدًّا في تفاصيل وأسرار لا ضرورة لذِكْرها؛ بل أحيانًا في البرامج الدعويَّة أو الاجتِماعية أو النفسيَّة، تتضمن هذه التفاصيلُ إهاناتٍ للمتَّصل أو أحد المقرَّبين منه، كان يُمكن الاستعاضة عن ذِكْرها بالتَّورية والإيهام أنَّها لا تخصُّ المتَّصل مثلًا، هذا إذا كان هناك حاجة أصلًا لذِكْرها، فما بالُك إذا كانت من فضول الحديث، وعدم فقه نفس المتَّصل؟
 
استشارات وفتاوى لا تصلح للفضائيات:
ليست كلُّ استِشارة أو فتوى تصلح لأنْ تعلن هكذا على الهواء، وليست كلُّ فتوى أو استشارة كذلك يُمكن ضبطها على البرامج الفضائيَّة.
 
فمِن الاستشارات - كما سبق - ما يتضمَّن إساءات للأشخاص، قد تتسبَّب في مشاكل وأزمات أكبر مما يتصوَّر المستشير أو المستفتي، كما أنَّ من الفتاوى ما يحتاج لمعرفةٍ أكبر بِحال المستفتي وسماع أطراف أخرى حولَه، كمسائل الطَّلاق مثلًا.
 
توْريط في برامج إفساديَّة:
هناك برامج لا بدَّ وأن يُعاد النظر في بثّها؛ إذ يغلب على الظَّنّ أنَّ مفاسدها أعظم من مصالحها، كتلك البرامج التي تُعلِّم الزَّوجات التمرّد على أزواجهنَّ باسم حقوق المرأة أو الزَّوجة، والتي يقوم عليها عادةً مَن لا عِلْم له، أو مَن ليس لديه خبرة كافية بالواقع، فيستقبل البرنامج اتّصالات الزَّوجات ليشتكين من أزواجهنَّ أو أهل أزواجهنَّ على الهواء مباشرة، وغالبًا ما يسمع الزَّوجُ أو أحد أقاربه مداخلة زوْجته، فتقع مفاسد لا حصْرَ لها.
 
وهذا في الحقيقة توْريط من القنوات ومُعِدِّي هذه البرامج والقائمين عليها للنَّاس، توريط لهم في مشاكل كانوا في غنًى عنها أوَّلًا، والواجب ألاَّ ينساق النَّاس وراء تلك البرامج وإن زُخرِف فيها القول وكانت باسم الدّين.
 
حسابات شخصيَّة ورسائل على الهواء مباشرة:
مِن المتَّصلين على البرامج الدينيَّة والاجتماعيَّة بشكل خاصّ مَن لا يتَّصل إلاَّ لأغراضٍ أشبه ما تكون بالانتِقاميَّة، كما أنَّ من المتَّصلين من لا يتَّصل إلاَّ ليترك رسالةً لطرفٍ ما على الهواء مباشرة، حتَّى سمعتُ امرأة تذكر اسم شخصٍ كاملًا من أجل التَّشهير به! وكثيرًا ما يقول المتَّصل عن طرف المشكلة: هو يسمعُني الآن، فأردت أن أقول له كذا وكذا!
 
فعلى المسؤولين في تلك الفضائيَّات أن يُحكموا أمر التَّواصل الهاتفي؛ حتَّى يُجنبوا برامجهم تلك السَّفاهات المزرية.
 
حواديت وحكايات لا غير:
هناك برامج أعدَّت خصوصًا لكي يتَّصل النَّاس وكي يتكلَّموا، ليس مهمًّا ماذا يقولون؟ أو لماذا يقولون؟ أو حتَّى كيف يقولون؟ المهمّ أن يقولوا!
 
وتعجب من مكالمة طويلة لا تَحمل أيَّ معنى، أو من برنامج يظلّ طوالَ عرْضه يستقبل الاتّصالات وينتهي دون أن يتفاعل مقدِّمه أو مستضيفه مع عُشر المتَّصلين!
 
فهل التربُّح المحض من تلك الاتصالات أصبح المقصدَ الوحيد للقنوات؟ وهل ضاق بالنَّاس الكلام ولم يجدوا له مخرجًا إلاَّ على الهواء وفي الفضائيَّات؟ الأمر يحتاج لوقفة من القائمين على تلك البرامج، فإنَّ هذا لا يسمَّى إلاَّ غشًّا للناس، كما أنَّ ما يقع من المتَّصلين يُعدُّ تضْييعًا للأموال والأوْقات بلا فائدة.
 
الثّقة في كلِّ أحد:
ليس كلُّ مَن يظهر في البرامج الفضائيَّة مؤهَّلًا لاستقبال كلِّ فتوى أو استشارة؛ ففي المجال الشَّرعي على سبيل المثال يظهر دعاة أفضل ما يقال في حقِّهم: "محترفو فضائيَّات" لا أكثر؛ تحصيلهم العلمي ضعيف، وخبرتهم الدَّعويَّة ضئيلة، ومع ذلك يتلقَّون فتاوى واستشارات أكبر منهم!
 
وكذلك في سائر المجالات الاجتماعيَّة والنَّفسيَّة والطبية وغيرها، يظهر متخصّصون دون المستوى المأمول، لاسيما وكلّ متخصص من هؤلاء يَحتاج في النّهاية لقدْرٍ ما من العلم الشَّرعي، على الأقلِّ حتَّى لا يخالف الأصول الشَّرعيَّة باسم علوم تجريبيَّة خاضعة للتَّطوير.
 
وأزمة هذه الفضائيات أنَّها تعْتني بداية بالوجهة الإعلاميَّة للمستضاف على حساب المتانة والتَّأْصيل المهني أو الفنّي، كما أنَّ كثرة البرامج في القناة الواحدة تتطلَّب قبولَ عددٍ أكبر من الدّعاة أو المتخصّصين والأطبَّاء وإن ضعفت فيهم الكفاءة.
 
طبخ وأحلام وبرامج ترفيهيَّة:
برامج الطَّبخ والطَّهي في كلّ الفضائيَّات الآن، حتَّى الفضائيَّات الدينيَّة، والتَّواصل الهاتفي فيها كغيرها متاح لكلّ أحد، إلاَّ أنَّه عادة لا يتَّصل غيرُ النِّساء من كلِّ الأعمار تقريبًا، وتقع المخالفات النّسائيَّة بشكل أكبر من غيرها من البرامج؛ نظرًا لعدم إقبال الدَيِّنات من النّساء بكثرة عليها.
 
وكذلك برامج تفسير الرّؤى والأحلام عليها إقبالٌ وتفاعل كبير جدًّا، والواجب ألا يُغرَّر بالنَّاس ويُلبَّس عليهم باسم الدّين، فليس من الشَّرع أو العقل أن يُنصَّب شخصٌ ما ليؤوِّل كلَّ ما يسمعه من رؤى، ولقد قال النَّبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - لخير هذه الأمَّة بعده أبي بكْر - رضي الله عنه - لمّا أوَّل رؤيا بحضرته: ((أصبتَ بعضًا، وأخطأْت بعضًا))؛ متَّفق عليه من حديث ابن عباس، فكيف برجُل لا شغل له إلاَّ تفسير الرّؤى، وكلّ الرّؤى؟!
 
فالمؤْمِن مأْمور بِحفظ ماله عن التَّغرير به، وحفْظ لسانه عن فضول الحديث، وحِفْظ وقته عن إهْداره فيما لا فائدة فيه، وكثير من الاتّصالات بتلك البرامج لا خيرَ فيها، غير ضياع الوقت والمال.
 
والحمدُ لله ربِّ العالمين، وصلِّ اللَّهُمَّ وسلِّم على نبيِّنا محمَّد، وعلى آله وصحبه ومَن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.

شارك الخبر

مشكاة أسفل ٢