أرشيف المقالات

اقتران التقوى بغيرها في الكتاب والسنة (3)

مدة قراءة المادة : 10 دقائق .
اقتران التقوى بغيرها في الكتاب والسنة (3)
 

اقترانها بتقديم شرع الله الذي في كتابه وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم:
قال الله تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللهِ وَرَسُولِهِ وَاتَّقُوا اللهَ إِنَّ اللهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ ﴾ [الحجرات: 1].
قال العلامة الشوكاني في "تفسيره" (5/ 79) قوله: ﴿ وَاتَّقُوا اللهَ ﴾؛ أي: في كل أموركم، ويدخل تحتها الترك للتقدم بين يدي الله ورسوله دخولًا أوليًّا، ثم علَّل ما أمر به من التقوى بقوله: ﴿ إِنَّ اللهَ سَمِيعٌ ﴾ لكل مسموع، و﴿ عَلِيمٌ ﴾ بكل معلوم؛ ا .هـ.

اقترانها بالنذارة وتبليغ هذا الدين، الموصلَين إلى الرحمة والمغفرة:
قال الله تعالى: ﴿ أَوَعَجِبْتُمْ أَنْ جَاءَكُمْ ذِكْرٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَلَى رَجُلٍ مِنْكُمْ لِيُنْذِرَكُمْ وَلِتَتَّقُوا وَلَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ ﴾ [الأعراف: 63].


قال ابن كثير في "تفسيره" (2/ 308)؛ أي: لا تعجبون من هذا، فإن هذا ليس بمعجب أن يُوحِي الله إلى رجل منكم؛ رحمة بكم، ولطفًا وإحسانًا إليكم؛ لينذركم ولتتقوا نعمة الله، ولا تشركوا به؛ لعلكم ترحمون؛ ا .هـ.
ولابن جرير والشوكاني رحمهما الله كلام ملخصه ما قاله ابن كثير والله أعلم.

وقال تعالى في غير ما موضع: ﴿ وَاتَّقُواْ اللهَ إِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ ﴾ [الأنفال: 69].
وقال الله تعالى: ﴿ هُوَ أَهْلُ التَّقْوَى وَأَهْلُ الْمَغْفِرَةِ ﴾ [المدثر:56]، وفي "روح المعاني" (16/ 232) كلام نفسي ملخصه: أن اقتران التقوى بالمغفرة يكون للغفران، والله أعلم.

وقال السعدي في "تفسيره" (ص898) عند آية المدثر؛ أي: هو أهل أن يتقى ويعبد؛ لأنه الإله الذي لا تنبغي العبادة إلَّا له، وأهلٌ أن يَغفر لمن اتقاه واتبع رضاه؛ ا .هـ.

اقترانها مع الأخذ بالأصلح الموافق لمراد الله:
قال الله تعالى: ﴿ وَإِذْ تَقُولُ لِلَّذِي أَنْعَمَ اللهُ عَلَيْهِ وَأَنْعَمْتَ عَلَيْهِ أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ وَاتَّقِ اللهَ وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللهُ مُبْدِيهِ ﴾ [الأحزاب: 37].

وروى البخاري برقم (7420) عن أنس رضي الله عنه قال: جاء زيد بن حارثة يشكو زوجته، فجعل النبي صلى الله عليه وسلم يقول له: «اتق الله، وأمسك عليك زوجك».

وأهل التفسير متفقون على أن أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم لمولاه زيد رضي الله عنه من باب الإرشاد والأخذ بالأصلح الموافق لمراد الله تعالى، والله أعلم.

وروى مسلم برقم (1342) عن ابن عمر رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقول: «اللهم إني أسألك في سفرنا هذا البر والتقوى، ومن العمل ما ترضى».

اقترانها مع البر الشامل لكل أنواع البر الموصل إلى فعل كل خير:
قال الله تعالى: ﴿ وَلاَ تَجْعَلُواْ اللهَ عُرْضَةً لِّأَيْمَانِكُمْ أَن تَبَرُّواْ وَتَتَّقُواْ وَتُصْلِحُواْ بَيْنَ النَّاسِ وَاللهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ ﴾ [البقرة: 224].

وقال تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَابْتَغُوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ وَجَاهِدُوا فِي سَبِيلِهِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ﴾ [المائدة: 35].
وقال تعالى: ﴿ وَتَعَاوَنُواْ عَلَى الْبرِّ وَالتَّقْوَى وَلاَ تَعَاوَنُواْ عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُواْ اللهَ إِنَّ اللهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ ﴾ [المائدة: 2].
وقال تعالى: ﴿ وَتَنَاجَوْا بِالْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَاتَّقُوا اللهَ الَّذِي إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ ﴾ [المجادلة: 9].

وقال ابن عباس رضي الله عنه وأبو العالية: قوله تعالى: ﴿ وَتَعَاوَنُواْ عَلَى الْبرِّ وَالتَّقْوَى ﴾: البر ما أُمِرْتَ به، والتقوى ما نُهيتَ عنه، رواهما ابن جرير في "تفسيره" (8/ 52).

ولابن جرير كلام نفيس في ذلك الموضع، يراجع للفائدة.

وقال ابن كثير في "تفسيره" (2/ 10) قوله تعالى: ﴿ وَتَعَاوَنُواْ عَلَى الْبرِّ وَالتَّقْوَى ﴾: يأمر تعالى عباده المؤمنين بالمعاونة على فعل الخيرات، وهو البر وترك المنكرات، وهو التقوى؛ ا .هـ، وبنحو هذا قال ابن جرير، وغيره، في تفسير آية المجادلة.

وروى البخاري برقم (7367)، ومسلم (1216)، واللفظ له، عن جابر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في صفة حجه: «قد علمتم أني اتقاكم لله، وأصدقكم، وأبركم».

وروى ابن ماجه برقم (2146)، والدارمي (2541)، عن رفاعة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إن التجار يبعثون يوم القيامة فجارًا إلَّا من اتقى الله، وبَرَّ وصدق».


وروى الترمذي برقم (3956)، عن ابن عمر رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «الناس رجلان: بر تقي كريم على الله تعالى، أو فاجر شقي هيِّن على الله تعالى»؛ سبق الحكم عليهما.


وفي "ديوان الشافعي (ص60):
وداوِ ضمير القلب بالبر والتقى *** فلا يستوي قلبان قاسٍ وخاشعُ

وفي كتاب الله آية تلخص ما تقدم، وهي قوله تعالى: ﴿ وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنِ اتَّقَى ﴾ [البقرة: 189].

اقترانها مع التوكل على الله:
قال الله تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اذْكُرُواْ نِعْمَتَ اللهِ عَلَيْكُمْ إِذْ هَمَّ قَوْمٌ أَن يَبْسُطُواْ إِلَيْكُمْ أَيْدِيَهُمْ فَكَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنكُمْ وَاتَّقُواْ اللهَ وَعَلَى اللهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ ﴾ [المائدة: 11].

اقترانها مع الصبر والمصابرة والمرابطة والصبر أعظمها:
قال الله تعالى: ﴿ وَإِن تَصْبِرُواْ وَتَتَّقُواْ لاَ يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئًا إِنَّ اللهَ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ ﴾ [آل عمران: 120].


قال ابن كثير في "تفسيره" (1/ 548): يرشدهم تعالى إلى السلامة من شر الأشرار، وكيد الفجار، باستعمال الصبر، والتقوى، والتوكل على الله؛ ا .هـ.

وقال تعالى: ﴿ وَلَتَسْمَعُنَّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ مِن قَبْلِكُمْ وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُواْ أَذًى كَثِيرًا وَإِن تَصْبِرُواْ وَتَتَّقُواْ فَإِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الأُمُورِ ﴾ [آل عمران: 186].


قال المفسر الكبير ابن جرير في "تفسيره" (6/ 290): قوله: ﴿ وَلَتَسْمَعُنّ ﴾: ذلك الصبر، والتقوى هو ممَّا عزم الله عليه، وأمركم به؛ ا .هـ.

وقال الله تبارك وتعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اصْبِرُواْ وَصَابِرُواْ وَرَابِطُواْ وَاتَّقُواْ اللهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ﴾ [آل عمران: 200].

وقال تعالى عن نبيه يوسف عليه السلام: ﴿ إِنَّهُ مَن يَتَّقِ وَيِصْبِرْ فَإِنَّ اللهَ لاَ يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ ﴾ [يوسف: 90 ].

وروى البخاري برقم (1252)، ومسلم (2139)، عن أنس رضي الله عنه قال: مرَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم على امرأةٍ تبكي عند قبرٍ على ولدٍ لها، فقال لها: «اتقِ الله واصبري».

وروى البخاري برقم (3623)، ومسلم (6468)، عن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لفاطمة ابنته رضي الله عنها: «اتقي الله واصبري، ونعم السلف أنا لكي».

وروى أحمد (3/ 351)، والدارمي برقم (2165)، عن جابر رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال يوم أحد: «عليكم بتقوى الله، والصبر عند اليأس، وإذا لقيتم العدو انظروا ماذا أمركم الله به؛ فافعلوا»، رجاله ثقات، وعلقه البخاري: في "صحيحه".


وقال الحافظ في "الفتح" (5/ 285): إسناده حسن؛ ا .هـ.


وله شاهد من حديث ابن عباس رضي الله عنه عند الحاكم في "المستدرك" (2/ 128).

ولأهل العلم عند قوله تعالى: ﴿ إِنَّهُ مَن يَتَّقِ وَيِصْبِرْ فَإِنَّ اللهَ لاَ يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ ﴾ [يوسف: 90]، كلام يكفي عن نقله تَفكُّرِكَ في المراحل التي مرَّ بها نبي الله يوسف من صغره إلى أن صار في السادسة والثلاثين من عمره؛ كما قال ذلك بعض علماء التفسير: تجد أن الله قد وفَّقه، سواءً كان في يد مكيديه، أو في سجنه، أو في سبب سجنه، أو في إمارته أو ما منَّ الله عليه مما قصَّ الله علينا في كتابه، ومرد ذلك كله إلى قوله: ﴿ إِنَّهُ مَن يَتَّقِ وَيِصْبِرْ فَإِنَّ اللهَ لاَ يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ ﴾ [يوسف: 90].
وقصته هي القصة الوحيدة التي قصها الله في موضع واحد مكتملة، والله أعلم.

شارك الخبر

ساهم - قرآن ٢