أرشيف المقالات

عشر ولا اعتكاف

مدة قراءة المادة : دقيقتان .
عشرٌ ولا اعتكاف
 
تهفو قلوب المؤمنين طول العام لرمضان؛ لصيامه وقيامه وإطعام فيه وتلاوة؛ فله مذاق متفرد به، حتى لمن كان الصوم والقيام ديدنه وشعاره كل السنة، فرمضان شيء مختلف، فهو خير الشهور وسيدها، تُضاعف فيه الأجور، والعتق فيه مأمول، وعبادته الجماعية لها صدًى في كل ركن من بلاد المسلمين، حتى شوارعنا حين فطرنا لخيرُ دليل.
 
وتجتمع الأمة على السنن، فتقديم الفطور وتأخير السحور معانٍ تتصدر المشهد، ومواعيد الناس تتوحد، ودعواتهم تصعد، وذكر وتهجد، وكلٌّ يرجو العتق من النار، وتمر العشر الأُوَل والنفس تلين وتستكين، وتزيد حماسة المقبلين في العشر الأواسط، وينشط من كان متراخيًا، ويحاول إدراك ما فات، ومسابقة المجدين وزيادة البذل.
 
ثم تأتي العشر الأواخر فيقترب السباق من النهاية، وتتخايل الجوائز في الرؤى، وتمثُلُ في العيون، ويشمر المشتاق، ويضاعف الجهد؛ لإحياء الليل كله والاعتكاف في المساجد رجالًا وشبابًا ونساء، تاركين خلف أبواب المساجد الدنيا بصراعاتها وفتنتها وشهواتها، حاملين معهم بعض أثواب كل قانع بقليلٍ من طعام ربما لم يعتده في بيته، لكن هناك لذائذ أُخَر تطغى على شهي الطعام وحلو الشراب، ولسان حاله يقول: ﴿ وَعَجِلْتُ إِلَيْكَ رَبِّ لِتَرْضَى ﴾ [طه: 84]، فلا زوجة ولا ولد، ولا فراشه الذي اعتاد أو شرابه أو طعامه، ومع ذلك فهو فرِحٌ مسرور، ومن ذاق ذلك عرف قيمته.
 
ويأتي الموعد المأمول في عامنا هذا، والكل محظور، فلا اعتكاف بمسجد، ولا قيام يجمع، أو تهجد إليه نخرج، فالقلوب أصبحت فارغة يكاد المشتاق يبدي بما فيه، فما أحوجنا والحال هذه أن يربط الله على قلوبنا، ونحتسب صبرنا وشوقنا لخباءٍ ندخله بشوق كأنه القصر! وربما يخفف على كل متلهف أن من اعتاد طاعة في حال رخاء وسعة، ثم حُصر وحال بينهما الموانع - سيجري عليه أجرُ ما كان يفعل صحيحًا مقيمًا مُمَكَّنًا، فيا من اعتدت اعتكافًا، الله مطلع، وشوقك له ثمن، فأبشر بأجرك بإذن الله قد كُتِب.

شارك الخبر

ساهم - قرآن ١