أرشيف المقالات

فضل صلة الأرحام

مدة قراءة المادة : 5 دقائق .
فضل صلة الأرحام
 
الحَمدُ للهِ، وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى رَسُولِ اللهِ، وَأَشهَدُ أَن لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبدُهُ وَرَسُولُهُ، أما بَعدُ:
فإن ‌من ‌أنفس ‌القُرَب، ‌وأَجَلِّ ‌الطاعات، وأعلاها منزلة، وأعظمها بركة، وأعمها نفعًا في الدنيا والآخرة، صلة الأرحام، والأرحام هم أقارب الرجل نفسه، كأمه وأبيه، وابنه وابنته، وأخته وأخيه، وكل من كان بينه وبينه صلة من قبل أبيه، أو أمه، أو ابنه، أو ابنته، ولا يدخل في ذلك أقارب الزوج أو الزوجة، فهؤلاء يحسن إليهم، لكن ليسوا أرحامًا، وإنما هم أصهار، قال تعالى: ﴿ وَالَّذِينَ آمَنُوا مِنْ بَعْدُ وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا مَعَكُمْ فَأُولَئِكَ مِنْكُمْ وَأُولُو الْأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ ﴾ [الأنفال: 75].

وقد أوصى الله تعالى بصلة الأرحام، وجعل الوصية بصلة الأرحام قرينة الوصية بالتقوى؛ قال تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا ﴾ [النساء: 1]؛ أي: اتقوا الله بفعل طاعته، وترك معصيته، واتقوا الأرحام أن تقطعوها، لكن صِلوها وبروها، كما قال ابن عباس وغير واحد من السلف، وقال تعالى: ﴿ فَآتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ ذَلِكَ خَيْرٌ لِلَّذِينَ يُرِيدُونَ وَجْهَ اللَّهِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ ﴾ [الروم: 38]، فبيَّن سبحانه أن صلة الرحم حق لازم واجب الأداء، سواء كان حقًّا ماديًّا أو معنويًّا.

ولقد كانت الدعوة لصلة الرحم من أوائل ما دعا إليه النبي صلى الله عليه وسلم أول بعثته؛ روى مسلم في صحيحه من حديث عَمْرُو بْنُ عَبَسَةَ السُّلَمِيُّ رضي الله عنه قال: كُنْتُ ‌وَأَنَا ‌فِي ‌الْجَاهِلِيَّةِ ‌أَظُنُّ ‌أَنَّ ‌النَّاسَ عَلَى ضَلَالَةٍ، وَأَنَّهُمْ لَيْسُوا عَلَى شَيْءٍ وَهُمْ يَعْبُدُونَ الْأَوْثَانَ، فَسَمِعْتُ بِرَجُلٍ بِمَكَّةَ يُخْبِرُ أَخْبَارًا، فَقَعَدْتُ عَلَى رَاحِلَتِي، فَقَدِمْتُ عَلَيْهِ، فَإِذَا رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم مُسْتَخْفِيًا جُرَآءُ عَلَيْهِ قَوْمُهُ، فَتَلَطَّفْتُ حَتَّى دَخَلْتُ عَلَيْهِ بِمَكَّةَ، فَقُلْتُ لَهُ: مَا أَنْتَ؟ قَالَ: «أَنَا نَبِيٌّ»، فَقُلْتُ: وَمَا نَبِيٌّ؟ قَالَ: «أَرْسَلَنِي اللهُ»، فَقُلْتُ: وَبِأَيِّ شَيْءٍ أَرْسَلَكَ؟ قَالَ: «أَرْسَلَنِي بِصِلَةِ الْأَرْحَامِ، وَكَسْرِ الْأَوْثَانِ، وَأَنْ يُوَحَّدَ اللهُ لَا يُشْرَكُ بِهِ شَيْءٌ»[1]...
الحديث.

وصلة الأرحام سبب لبسط الرزق وطول العمر في الدنيا، وفي الآخرة الفوز بالجنة والنجاة من النار، ففي الصحيحين من حديث أبي أيوب الأنصاري رضي الله عنه أن أعرابيًّا عرض لرسول الله صلى الله عليه وسلم وهو في سفر، فأخذ بخطام ناقته، أو بزمامها، ثم قال: يا رسول الله، أو يا محمد، أخبرني بما يقربني من الجنة؟ وما يباعدني من النار؟ قال: فَكَفَّ[2] النبي صلى الله عليه وسلم ثم نظر في أصحابه، ثم قال: «لَقَدْ وُفِّقَ، أَوْ لَقَدْ هُدِيَ»، قال: كيف قلت؟ قال: فأعاد، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «تَعْبُدُ اللهَ لَا تُشْرِكُ بِهِ شَيْئًا، وَتُقِيمُ الصَّلَاةَ، وَتُؤْتِي الزَّكَاةَ، وَتَصِلُ الرَّحِمَ، دَعِ النَّاقَةَ»[3]، وفي رواية: «إِنْ تَمَسَّكَ بِمَا أُمِرَ بِهِ دَخَلَ الْجَنَّةَ»[4]، وفي الصحيحين من حديث أنس بن مالك رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «مَنْ أَحَبَّ أَنْ يُبْسَطَ لَهُ فِي رِزْقِهِ، وَيُنْسَأَ لَهُ فِي أَثَرِهِ، فَلْيَصِلْ رَحِمَهُ»[5].

اللهم وفِّقنا لما تُحب وترضى، واجعلنا ممن يصِل رحمه ويُحسن إليهم وبارك لنا فيما أعطيتنا.

والحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.


الأسئلة:
1- مَن ذَوو الأرحام؟

2- هل يدخل أقارب الزوج أو الزوجة في الأرحام؟

3- اذكر بعض النصوص الواردة في صلة الأرحام.

4- اذكر أربعة أمور مَن تمسَّك بها دخل الجنة.

[1] صحيح مسلم برقم (832).

[2] كف: أي توقف عن السير.

[3] البخاري برقم (1397)، ومسلم برقم (39).

[4] صحيح مسلم برقم (13).

[5] البخاري برقم (5986)، ومسلم برقم (2557).

شارك الخبر

مشكاة أسفل ٢