أرشيف المقالات

تقطع اليد في ربع دينار فصاعدا

مدة قراءة المادة : 7 دقائق .
تقطع اليد في ربع دينار فصاعدا
 
عن عائشة - رضي الله عنها - أنها سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "تقطع اليد في ربع دينار فصاعدًا".
 
الأصل في القطع بالسرقة الكتاب والسنة والإجماع؛ قال الله تعالى: ﴿ وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا جَزَاءً بِمَا كَسَبَا نَكَالًا مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ ﴾ [المائدة: 38]، والسرعة: أخذ المال من حرز مثله على وجه الخفية والاستتار.
 
قال ابن بطال: الحرز مستفاد من معنى السرقة قال المازري صان الله الأموال بإيجاب قطع سارقها، وخص السرقة لقلة ما عداها بالنسبة إليها من الانتهاب والغصب، ولسهولة إقامة البينة على ما عدا السرقة بخلافها، وشدَّد العقوبة فيها، ليكون أبلغ في الزجر، ولم يجعل دية الجناية على العضو المقطوع منها بقدر ما يقطع فيه حمايةً لليد، ثم لما خانت هانت.
 
قال الحافظ: لو كانت الدية رُبع دينار، لكثُرت الجنايات على الأيدي، ولو كان نصاب القطع خمسمائة دينار، لكثرت الجنايات على الأموال، فظهرت الحكمة في الجانبين، وكان في ذلك صيانة من الطرفين؛ انتهى.
 
وقوله سبحانه: ﴿ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا ﴾ [المائدة: 38]؛ أي: أيمانهما.
 
قال الحافظ: وأجمعوا على أن المراد اليمنى إن كانت موجودة.
 
وقال البخاري: وقطع عليٌّ من الكف.
 
وأخرج ابن أبي شيبة من مرسل رجاء بن حيوة أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قطع من المفصِل، وهو قول الجمهور: تُقطع رجله اليسرى، ثم إن سرق، فاليد اليسرى، ثم إن سرق فالرِّجل اليمنى، قال: واحتج لهم بآية المحاربة وبفعل الصحابة، وبينهم فهِموا من الآية أنها في المرة الواحدة، فإذا عاد السارق وجب عليه القطع ثانيًا إلى ألا يبقى له ما يقطع، ثم إن سرق عزِّر وسُجن، وقيل: يُقتَل في الخامسة.
 
قال ابن عبدالبر: وثبت عن الصحابة قطع الرجل بعد اليد وهم يقرؤون: ﴿ وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا ﴾ [المائدة: 38]، كما اتفقوا على الجزاء في الصيد، وإن قُتل خطأً وهم يقرؤون ﴿ وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّدًا فَجَزَاءٌ مِثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ ﴾ [المائدة: 95]، ويمسحون على الخفين وهم يقرؤون غسل الرجلين، وإنما قالوا جميع ذلك بالسنة.
 
قوله: (أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قطع في مجن قيمته ثلاثة دراهم).
 
قال ابن عبد البر: هو أصح حديث رُوي في ذلك، وفي رواية قطع النبي - صلى الله عليه وسلم - يد سارق مثله.
 
قال الحافظ: قيمة الشيء ما تنتهي إليه الرغبة فيه، والثمن ما يقابل به المبيع عند البيع، والذي يظهر أن المراد هنا القيمة، وأن مَن رواه بلفظ الثمن؛ إما تجوزًا، وإما أن القيمة والثمن كانا حينئذ مستويين، قال ابن دقيق العيد: القيمة والثمن قد يختلفان، والمعتبر إنما هو القيمة، ولعل التعبير بالثمن، لكونه صادَف القيمة في ذلك الوقت في ظن الراوي، أو باعتبار الغلبة.
 
قوله: (تقطع اليد في ربع دينار فصاعدًا)، ولمسلم: لا تقطع يد السارق إلا في ربع دينار، وله أيضًا تقطع اليد في ربع دينار فما فوقه، وفي رواية: لم يقطع على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلا في ثمن مجن حجفة أو ترس.
 
قال الحافظ: والحجفة بفتح المهملة هي الدرقة، وقد تكون من خشب أو عظم، وتغلَّف بالجلد أو غيره، والترس مثله، لكن يطارق فيه بين جلدين، وقيل: هما بمعنى واحد، وعلى الأول أو في الخبر للشك، وهو المعتمد، قال: وليس المراد ترسًا بعينه ولا حرفة بعينها، وإنما المراد الجنس، وأن القطع كان يقع في كل شيء يبلغ قدر ثمن المجن، سواء كان ثمن المجن كثيرًا أو قليلًا، والاعتماد إنما هو على الأقل، فيكون نصابًا ولا يقطع فيما دونه.
 
وقال ابن دقيق العيد: الاستدلال بقوله: قطع في مجن على اعتبار النصاب ضعيف؛ لأنه حكاية فعل، ولا يلزم من القطع في هذا المقدار عدم القطع فيما دونه، بخلاف قوله: يقطع في ربع دينار فصاعدًا، فإنه بمنطوقه يدل على أنه يقطع فيما إذا بلغه، وكذا فيما زاد عليه، وبمفهومه على أنه لا قطع فيما دون ذلك.
 
قال الخطابي: أصل النقد في ذلك الزمان الدنانير.
 
قال الحافظ: وقد ثبت في حديث ابن عمر أنه - صلى الله عليه وسلم - قطع في مجن قيمته ثلاثة دراهم، وثبت لا قطع في أقل من ثمن المجن، وأقل ما ورد في ثمن المجن ثلاثة دراهم، وهي موافقة للنص الصريح في القطع في ربع دينار، وإنما ترك القول بأن الثلاثة دراهم نصاب يقطع فيه مطلقًا؛ لأن قيمة الفضة بالذهب تختلف، فبقي الاعتبار بالذهب؛ والله أعلم.
 
قال: واستدل به على أن العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب؛ لأن آية السرقة نزلت في سارق رداء صفوان أو سارق المجن، وعمل بها الصحابة في غيرهما من السارقين، واستدل بإطلاق ربع دينار على أن القطع يجب بما صدق عليه ذلك من الذهب، سواء كان مضروبًا أو غير مضروب، جيدًا كان أو رديئًا، قال: واستدل بالقطع في السجن على مشروعية القطع في كل ما يُتموَّل قياسًا؛ انتهى وبالله التوفيق.
 
تتمة:
قال في الاختيارات: ولا يَشترط في القطع بالسرقة مطالبة المسروق منه بماله، وهو رواية عن أحمد، اختارها أبو بكر، ومذهب مالك كإقراره بالزنا بأمة غيره، ومن سرق تمرًا أو ماشية من غير حرز، أضعفت عليه القيمة، وهو مذهب أحمد، وكذا غيرها، وهو رواية عنه، واللص الذي غرضه سرقة أموال الناس، ولا غرض له في شخص معين، فإن قطع يده واجب ولو عفا عنه رب المال.

شارك الخبر

مشكاة أسفل ٢