أرشيف المقالات

فوائد الحديث عن اليوم الآخر

مدة قراءة المادة : 9 دقائق .
فوائد الحديث عن اليوم الآخر

1- الإيمان باليوم الآخر يُحْيي في نفوس المؤمنين معاني الصبر والرضا والاحتساب، فالمؤمن يعلم أن الدنيا دار بلاء، وليست دارًا للجزاء أو النعيم، فإذا أصيب ببلاء يتعزَّى بالصبر والاحتساب، ويعلم أن الله يُوفِّي الصابرين أجرَهم بغير حساب، فيرضى بثواب الله، ويُسلِّم لقدر الله؛ فهو في خير دائم، كما جاء في الحديث الذي أخرجه مسلم عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: ((عجبًا لأمر المؤمن، إن أمره كله له خير، إن أصابته ضرَّاءُ صبر فكان خيرًا له، وإن أصابته سرَّاء شكر فكان خيرًا له، وليس ذلك إلا للمؤمن))، وهذا مُشاهَد بالعيان فضلاً عن الدليل والبرهان.
 
• فأهل الدنيا وعُبَّاد الشهوات إذا أصيبوا ببلاء؛ كمرض، أو سجن، أو فقر، تراهم في غاية الجزع والهلع؛ لضعف الإيمان بالآخرة.
 
2- الإيمان باليوم الآخر يُحْيي في النفوس معاني العفو عن الظالم، وقبول الأعذار، وكذا يحيي معاني التضحية، والبذل، والإنفاق؛ لأن مَن أيقن بالخلف جاد بالعطية، وكلما ازداد الإيمان بالآخرة، ازدادت هذه العبادات وضوحًا؛ ولذا كان الصحابة - رضي الله عنهم - قادة وأئمة يُهتَدَى بهم في البذل، والإنفاق، والتضحية، والعفو، فهذه صفات المحسنين المتقين، المؤمنين باليوم الآخر.
 
3- الإيمان باليوم الآخر يجعل القلب لا يتعلَّق بالدنيا؛ لعلم صاحبه أن الآخرة خير وأبقى من الدنيا، وهذا ما يعرف بالزهد، وهو عبارة عن الرغبة عن الشيء لاستحقاره واستقلاله، والرغبة فيما هو خيرٌ منه، والنبي -صلى الله عليه وسلم- بيَّن لنا الفارق بين نعيم الدنيا بالنسبة لنعيم الآخرة، فقال -صلى الله عليه وسلم- كما في صحيح مسلم: ((ما الدنيا في الآخرة إلا مثلُ ما يجعل أحدُكم أصبعَه في اليم، فلينظر بمَ يرجع))، وهذا يجعلنا نردِّد مع النبي -صلى الله عليه وسلم- قولَه: ((اللهم لا عيشَ إلا عيشُ الآخرة)).
 
4- ذكر اليوم الآخر يُطهِّر القلوب من الحسد والفُرْقة والاختلاف.
 
5- ذكر اليوم الآخر يُهدِّد الظَّلَمة ليكفُّوا ويرتدعوا، ويعزِّي المظلومين ليسكنوا، فالكل سيأخذ حقَّه لا محالة، حتى يُقَادَ للشاة الجَلْحَاء من الشاة القرناء، فلا ظلم ولا هضم.
 
6- ذكر اليوم الآخر يمسحُ على قلوب المستضعفين والمضطهدين والمظلومين مسحة يقين، تسكن معه القلوب؛ لأنهم يتطلعون لِمَا أعدَّه الله للصابرين، من نعيم يُنسَى معه كل ضرٍّ وبلاء، وسوء وعناء، ويهوِّن عليهم ويعزِّيهم، وما أعدَّه الله للظالمين من بؤس يُنْسَى معه كل هناء.
 
7- الإيمان باليوم الآخر يجعل المسلم له هدف يصبو إليه، فهو يأمل دخول الجنَّة، ويسعد برؤية وجه الله الكريم، ويكون بصحبة النبيين والصديقين، والشهداء والصالحين، فهو يطمع في النعيم المقيم والخلود الأبدي، بخلاف مَن لا يؤمن باليوم الآخر، فليس له غاية يصبو إليها، فجنته هي دنياه، كما قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: ((الدنيا سجن المؤمن، وجنَّة الكافر))؛ (مسلم عن أبي هريرة).
 
8- ذكر اليوم الآخر يجعل أهل الغفلة ينتبهون من غفلتِهم، ويجعل أهل المعصية يتوبون ويرجعون، فأصل المصائب وأساس الذنوب والمعايب، هو الغفلة عن اليوم الآخر.
 
يقول الحارث المحاسبي - رحمه الله -: "ما من أحدٍ يعصي ربه - عز وجل - إلا وهو ناسٍ للحسابِ ومقاساةِ الأهوال، وإني أحذِّركم وأحذِّرُ نفسي من يومٍ آلَى اللهُ على نفسه ألاَّ يترك عبدًا حتى يسأله عن عملِه كله، دقيقه وجليله، سرِّه وعلانيته".
 
9- ذكر اليوم الآخر طمأنينة للقلب، وراحة للبال.
 
يقول الدكتور عائض القرني - حفظه الله - في كتابه "لا تحزن" (ص 47):
"أيها الأخ الكريم، إن جُعْت في هذه الدار، أو افتقرت، أو حزنت، أو مرضت، أو بخست حقًّا، أو ذقت ظلمًا، فذكِّر نفسَك بالنعيم المقيم في جنات رب العالمين، إنك إن اعتقدتَ هذه العقيدة، وعَمِلتَ لهذا المصير، تحوَّلَت خسائرك إلى أرباح، وبلاياك إلى عطايا، إن أعقل الناس هم الذين يعملون للآخرة؛ لأنها خير وأبقى، وإن أحمقهم الذين يرون أن هذه الدنيا هي قرارهم ودارهم ومنتهى أمانيهم، فتجدهم أجزع الناس عند المصائب، وأندمهم عند الحوادث؛ لأنهم لا يرون إلا حياتهم الزهيدة الحقيرة، لا ينظرون إلا إلى هذه الفانية، لا يتفكرون في غيرها، ولا يعملون لسواها، فلا يريدون أن يعكَّر لهم سرورهم، ولا يُكدَّر عليهم فرحهم، ولو أنهم خلعوا حجاب الرانِ عن قلوبهم، وغطاء الجهل عن عيونهم، لحدَّثوا أنفسهم بدار الخلد ونعيمها، ودُورها وقصورها، ولسَمِعوا وأَنصَتوا لخطاب الوحي في وصفها، إنها والله الدار التي تستحق الاهتمام والكدَّ والجهد، وهل تأملنا طويلاً في أهل الجنَّة بأنهم لا يمرضون، ولا يحزنون، ولا يموتون، ولا يفنى شبابهم، ولا تبلى ثيابهم، في غرف يُرَى ظاهرها من باطنها، وباطنها من ظاهرها، فيها ما لا عينٌ رأت، ولا أذنٌ سمعت، ولا خطر على قلب بشر، يسير الراكب في شجرة من أشجارها مائة عام لا يقطعها، طول الخيمة فيها ستون ميلاً، أنهارها مطردة، قصورها منيفة، قطوفها دانية، عيونها جارية، سُرُرها مرفوعة، أكوابها موضوعة، نَمَارِقُها مصفوفة، زَرَابِيُّها مبثوثة، عظم حبورها، فاح عَرْفها، منتهى الأماني فيها، فأين عقولنا ألا تفكِّر؟! ما لنا لا نتدبر؟ إذا كان المصير إلى هذه الدار، فلتخفُفِ المصائبُ على المصابين، ولتقرَّ عيون المنكوبين، ولتفرح قلوب المعدومين؛ اهـ.
 
فهيَّا لِنَعِشْ معًا هذه الرحلة - رحلة إلى الدار الآخرة - والتي قال عنها رب البرية: ﴿ كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الجنَّة فَقَدْ فَازَ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ ﴾ [آل عمران: 185]؛ فالناظر في الآية يرى أن الرحلة تبدأ بالموت، وتنتهي بجنة نعيمُها مقيم، أو نارٍ عذابُها أليم، لكن بين البداية والنهاية مواقف عظيمة، ومشاهد مهولة، يشيب لها الولدان، وهذه المشاهد يبيِّنها لنا رب العالمين في كتابه الكريم، وأكثر لنا من ذكرها الرسول الأمين -صلى الله عليه وسلم- وهذه المشاهد وتلكم المواقف تحيي القلوب الموات، وتوقظ الضمائر النائمة، فهيا لنبدأ معًا الكلام عن هذه الرحلة والتي تبدأ بالموت.
 
• المراد بالموت: "هو انقطاع تعلُّقِ الروح بالبدن ومفارقته، وحيلولة بينهما، وتبدُّل حال، وانتقال من دار إلى دار"؛ (التذكرة للقرطبي: ص 4).
 
ذكر الأزهري عن الليث أنه قال: "الموت ضد الحياة، والاسم منه: الميتة"، وحكى الجوهري عن الفراء أنه قال: "يقال لمَن لم يَمُت: إنه مائتٌ عن قليل، ولا يُقال لمَن مات: هذا مائت".
 
وكلمة: "مَيِّت" تطلق على مَن مات، ومَن سيموت، قال -تعالى-: ﴿ إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُم مَيِّتُونَ ﴾ [الزمر:30]، ويقال في الجمع: قوم "موتى، وأموات، وميِّتُون".
 
• ويُطلَق الموت على كلِّ ما سكن بعد حركة، فيقال: "ماتت النار موتًا": إذا بَرد رمادها، فلم يبقَ من الجمر شيء، ويقال: "ماتت الرِّيحُ"؛ أي: رَكَدت وسَكَنت، ويُقال: "ماتت الخَمْرُ"؛ أي: سكن غليانها؛ (لسان العرب: 3/547).
 
والأرض المَيْتَةُ: هي الأرض الجدباء التي لا زرع فيها ولا ماء، ﴿ وَآيَةٌ لَهُمُ الْأَرْضُ الْمَيْتَةُ أَحْيَيْنَاهَا ﴾ [يس: 33]؛ أي: دبَّت فيها الحركة؛ كما قال -تعالى-: ﴿ وَمِنْ آيَاتِهِ أَنَّكَ تَرَى الْأَرْضَ خَاشِعَةً فَإِذَا أَنْزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ إِنَّ الَّذِي أَحْيَاهَا لَمُحْيِ الْمَوْتَى إِنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ﴾ [فصلت: 39].
 
والممات: مصدر بمعنى الموت، قال -تعالى-: ﴿ قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ﴾ [الأنعام: 162].

شارك الخبر

روائع الشيخ عبدالكريم خضير