أرشيف المقالات

من ترك شيئا لله عوضه الله خيرا منه (قصة المازني والذمي وكتاب سيبويه)

مدة قراءة المادة : 4 دقائق .
من ترك شيئًا لله عوَّضه الله خيرًا منه
(قصة المازني والذمي وكتاب سيبويه)

قَالَ أبو العباس الْمُبرِّد تلميذ المازني: "قصد بَعْض أهل الذمة أبا عثمان المازني ليقرأ عليه كتاب سيبويه، وبذل له مائة دينار على تدريسه إياه، فامتنع أبو عثمان من ذلك.


قَالَ: فقلت له: جُعِلت فداك، أترد هذه النفقة مع فاقتك وشدة إضاقتك؟

فقال: إن هذا الكتاب يشتمل على ثلاثمائة وكذا وكذا آية من كتاب الله تعالى، ولستُ أرى أن أُمكِّنَ منها ذِمِّيًّا؛ غَيرة على كتاب الله عز وجل وحَمِيَّة له.


قَالَ: فاتفق أن غنَّت جارية بحضرة الواثق بقول العرجي:

أظلوم إن مصابكم رجلًا
أهدى السلامَ تحيةً ظلمُ

فاختلف من كان بالحضرة في إعراب (رجل)، فمنهم من نصبه، ومنهم من رفعه، والجارية مُصِرَّة على أن شيخها أبا عثمان المازني لقَّنها إياه بالنصب، فأمر الواثق بإشخاصه.


قَالَ أبو عثمان: فلما مثلتُ بين يديه.


قال: ممن الرجل؟

قلت: من بني مازن.


قال: أي الموازن أمازنُ تميمٍ، أم مازن قيس، أم مازن ربيعة؟

قلت: من مازن ربيعة، فكلمني بكلام قومي.


وقال: باسمك؛ لأنهم يقلبون الميم باء والباء ميمًا؟!

قال: فكرهت أن أُجِيبَه على لغة قومي كيلا أواجهه بالمكر، فقلت: بكر يا أمير المؤمنين، ففطِن لما قصدته، وأعجب به.


ثم قال: ما تقول في قول الشاعر: أظلوم إن مصابك رجلًا...؟

أترفع رجلًا أم تنصبه؟

قلت: الوجه النصب يا أمير المؤمنين.


قَالَ: ولِمَ ذلك؟

فقلت: إن (مصابكم) مصدر بمعنى إصابتكم، (فالرجل) مفعول (مصابكم) ومنصوب به، فأخذ اليزيدي في معارضتي.

فقلت: هو بمنزلة قولك: إن ضربك زيدًا ظلمٌ، فالرجل مفعول مصابكم، وهو منصوب به، والدليل عليه أن الكلام معلَّق إلى أن تقول: ظلم، فيتم، فاستحسنه الواثق.

فقال: هل لك من ولد؟

قلت: نعم، بُنيَّة يا أمير المؤمنين.


قَالَ: ما قالت لك عند مسيرك؟

قلت: طافت حولي وأنشدت وهي تبكي قول بنت الأعشى:

فيا أب لا تنسَنا غائبًا
فإنا بخير إذا لم تَرِمِ

أرانا إذا أضمرتْكَ البلادُ
تجفى وتقطع منا الرَّحِم

 
قَالَ: فما قلت لها؟

قَالَ: قلت لها ما قَالَ جرير لابنته:

ثقي باللَّه ليس له شريك
ومن عند الخليفة بالنجاحِ

قال: على النجاح، إن شاء الله تعالى.

فأمر لي بألف دينار وردَّني مُكرمًا".

قَالَ أبو العباس: فلما عاد إلى البصرة قَالَ: كيف رأيت يا أبا العباس؟ رددنا مائة فعوَّضنا الله ألفًا.
 
[انظر: المنتظم في تاريخ الأمم والملوك (12/ 13، 14) لابن الجوزي، ووفيات الأعيان وأنباء أبناء الزمان (1/ 284، 285) لابن خلكان، وانظر أيضًا: نزهة الألباء في طبقات الأدباء (ص: 142، 143) لكمال الدين الأنباري].

شارك الخبر

المرئيات-١