Warning: Undefined array key "sirA3lam" in /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f704007db74beca75b87a603e53b9db7fc676f54_0.file.history.tpl.php on line 73
Warning: Attempt to read property "value" on null in /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f704007db74beca75b87a603e53b9db7fc676f54_0.file.history.tpl.php on line 73
Warning: Trying to access array offset on value of type null in /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f704007db74beca75b87a603e53b9db7fc676f54_0.file.history.tpl.php on line 73
هو الأمير شهاب الدين، أبو الفوارس سعد بن محمد بن سعد بن صيفي التميمي الأديب الفقيه الشافعي، المعروف بالحيص بيص, ومعنى الحيص بيص: الشدة والاختلاط, قيل: إنه رأى الناس في شدة وحركة، فقال: ما للناس في حيص بيص؟ فلزمه ذلك.
وكان من فضلاء العالم.
كان قد سمع الحديث، ومدح الخلفاء والسلاطين والأكابر، وشعره مشهور، وله (ديوان) وترسل.
كان فصيحا حسن الشعر, بليغا وافر الأدب، عظيم المنزلة في الدولتين العباسية والسلجوقية.
كان بديع المعاني، مليح الرسائل، ذا خبرة تامة باللغة والبلاغة والأدب، وله يد في المناظرة, وكان يناظر على رأي الجمهور.
كان لا يخاطب أحدا إلا بالكلام العربي.
تفقه في مذهب الشافعي بالري، وتكلم في مسائل الخلاف.
ذكره ابن السمعاني في «ذيله» فقال: "له باع في اللغة، وحفظ كثير للشعر، وكان إماما في الرأي، حسن العقيدة".
قال عبد الباقي بن زريق الحلبي الزاهد: "رأيته واجتمعت به، فكان صدرا في كل علم، عظيم النفس، حسن الشارة، يركب الخيل العربية الأصيلة، ويتقلد بسيفين، ويحمل حلقة الرمح، ويأخذ نفسه بمآخذ الأمراء، ويتبادى في لفظه، ويعقد القاف, وكان أفصح من رأيت".
قال ابن كثير: "لم يكن له في المراسلات بديل، كان يتقعر فيها ويتفاصح جدا، فلا تواتيه إلا وهي معجرفة، وكان يزعم أنه من بني تميم، فسئل أبوه عن ذلك فقال ما سمعته إلا منه".
توفي يوم الثلاثاء خامس شهر شعبان من هذه السنة، وله ثنتان وثمانون سنة، وصلي عليه بالنظامية، ودفن بباب التبن، ولم يعقب.
اجتمع الفرنج وساروا إلى بلد دمشق مع ملكهم، فأغاروا على أعمالها فنهبوها وأسروا وقتلوا وسبوا، فأرسل صلاح الدين فرخشاه، ولد أخيه، في جمع من العسكر إليهم، وأمره إذا قاربهم يرسل إليه يخبره على جناح طائر ليسير إليه، وتقدم إليه أن يأمر أهل البلاد بالانتزاح من بين يدي الفرنج، فسار فرخشاه في عسكره يطلبهم، فلم يشعر إلا والفرنج قد خالطوه، فاضطر إلى القتال، فاقتتلوا أشد قتال رآه الناس، وألقى فرخشاه نفسه عليهم، وغشي الحرب ولم يكلها إلى سواه، فانهزم الفرنج ونصر المسلمون عليهم، وقتل من مقدمي الفرنج جماعة، منهم همفري، كان يضرب به المثل في الشجاعة والرأي في الحرب، وكان بلاء صبه الله على المسلمين، فأراح الله المسلمين من شره، وقتل غيره من أضرابه، ولم يبلغ عسكر فرخشاه ألف فارس، وكذلك أغار البرنس صاحب أنطاكية واللاذقية على جشير المسلمين- جشير أو دشير: هي الخيل والبقر التي تلازم المرعى ولا ترجع إلى الحظيرة بالليل- بشيزر وأخذه، وأغار صاحب طرابلس على جمع كثير من التركمان، فاحتجف أموالهم- استخلصها وحازها- وكان صلاح الدين على بانياس، فسير ولد أخيه تقي الدين عمر إلى حماة، وابن عمه ناصر الدين محمد بن شيركوه إلى مصر، وأمرهما بحفظ البلاد، وحياطة أطرافها من العدو.
توفيت الزاهدة العابدة علم بنت عبد الله بن هبة الله أم المبارك.
امرأة صالحة واعظة، زوجة محمد بن يحيى الزبيدي الواعظ، تزوجها بدمشق ثم قدمت معه بغداد, وكانت تضاهي رابعة العدوية في زمانها، وقد عمرت طويلا، توفيت ببغداد، وعمرها مائة سنة وست سنين، ولم يتغير لها شيء من حواسها.
سار السلطان صلاح الدين من عكا إلى دمشق، فأقام بها ثم خرج إلى شقيف- وهي في موضع حصين- فخيم في مرج عيون بالقرب منه، وأقام أياما يباشر القتال- والعساكر تتواصل إليه- فلما تحقق أرناط صاحب شقيف أنه لا طاقة له به، نزل إليه بنفسه، فلم يشعر به إلا وهو قائم على باب خيمته، فأذن له في دخوله إليه، وأكرمه واحترمه، وكان من أكابر الفرنج وعقلائهم، وكان يعرف بالعربية وعنده الاطلاع على شيء من التواريخ والأحاديث، وكان حسن التأني، لما حضر بين يدي السلطان، وأكل معه الطعام وخلا به، ذكر أنه مملوكه وتحت طاعته، وأنه يسلم إليه المكان من غير تعب، واشترط أن يعطى موضعا يسكنه بدمشق، وإقطاعا فيها يقوم به وبأهله، وشروط غير ذلك، فأجابه إلى مرامه.
ووصله الخبر بتسليم الشوبك بالأمان.
ثم ظهر للسلطان بعد ذلك أن جميع ما قاله صاحب شقيف كان خديعة، فراسلهم عليه ثم بلغه أن الفرنج قصدوا عكا ونزلوا عليها، فقبض على أرناط صاحب شقيف وحبسه في دمشق بعد الإهانة الشديدة، وأتى عكا ودخلها بغتة لتقوي قلوب من بها، ثم استدعى العسكر من كل ناحية، ثم تكاثر الفرنج، واستفحل أمرهم وأحاطوا بعكا، ومنعوا من يدخل إليها ويخرج من المسلمين، فضاق صدر السلطان لذلك، ثم اجتهد أمراء المسلمين في فتح طريق إليها لتستمر المسايلة بالمسيرة والنجدة، فسار الأمراء واتفقوا على مضايقة العدو لينفتح الطريق، ففعلوا ذلك وانفتح الطريق، وسلكه المسلمون ودخل السلطان عكا، فأشرف على أمورها، ثم جرى بين الفريقين مناوشات في عدة أيام، ثم جرت وقعات، وقيل للسلطان: إن الوخم قد عظم بمرج عكا، فإن الموت قد نشأ بين الطائفتين فرجعوا.
كان الفرنج قد بنوا حصنا منيعا يقارب بانياس، عند بيت يعقوب، بمكان يعرف بمخاضة الأحزان؛ وقد حفروا فيه بئرا وجعلوه لهم عينا، وسلموه إلى الداوية، فلما سمع صلاح الدين بذلك كتب إلى الفرنج يأمرهم بتخريب هذا الحصن الذي بنوه للداوية فامتنعوا إلا أن يبذل لهم ما غرموه عليه، فبذل لهم ستين ألف دينار فلم يقبلوا، ثم أوصلهم إلى مائة ألف دينار، فقال له ابن أخيه تقي الدين عمر: ابذل هذا إلى أجناد المسلمين وسر إلى هذا الحصن فخربه، فأخذ بقوله.
فسار صلاح الدين من دمشق إلى بانياس، وأقام بها، وبث الغارات على بلاد الفرنج، ثم سار إلى الحصن ليخربه ثم يعود إليه عند اجتماع العساكر، فلما نازل الحصن قاتل من به من الفرنج، ثم عاد عنه، ولم يفارق بانياس بل أقام بها وخيله تغير على بلاد العدو، وأرسل جماعة من عسكره مع جالبي الميرة، فلم يشعروا إلا والفرنج مع ملكهم قد خرجوا عليهم، فأرسلوا إلى صلاح الدين يعرفونه الخبر، فسار في العساكر مجدا حتى وافاهم في القتال، فقاتل الفرنج قتالا شديدا، وحملوا على المسلمين عدة حملات كادوا يزيلونهم عن مواقفهم، ثم أنزل الله نصره على المسلمين، وهزم المشركين، وقتلت منهم مقتلة عظيمة، ونجا ملكهم فريدا وأسر منهم كثير، من أعيانهم ومقدميهم، ثم عاد صلاح الدين إلى بانياس من موضع المعركة، وتجهز للدخول إلى ذلك الحصن ومحاصرته، فسار إليه وأحاط به، وقوي عزمه على فتحه بعد هزيمة الفرنج، وبث العساكر في بلد الفرنج للإغارة عليهم، ففعلوا ذلك، وجمع المسلمون من الأخشاب والزرجون-وهي قضبان الكرم- شيئا كثيرا ليجعله متارس لمجانيق الفرنج, ثم أشار جاولي الأسدي بالزحف أولا فقبل رأيه، وأمر فنودي بالزحف على الحصن، والجد في قتال من فيه، فزحفوا واشتد القتال، وعظم الأمر، فألح المسلمون في القتال؛ خوفا من وصول الفرنج وإزاحتهم عنه، وأدركهم الليل، فلما كان الغد أصبحوا وقد نقبوا الحصن، وعمقوا النقب، وأشعلوا النيران فيه، وانتظروا سقوط السور، فسقط يوم الخميس لست بقين من ربيع الأول، ودخل المسلمون الحصن عنوة, فغنموا جميع ما فيه، وقد كان فيه مائة ألف قطعة من السلاح ومن المأكل شيء كثير، وأخذ منه سبعمائة أسير، فقتل بعضهم وأرسل الباقي إلى دمشق، وأطلقوا من كان به من أسارى المسلمين، وأقام صلاح الدين بمكانه حتى هدم الحصن، وعفى أثره، وألحقه بالأرض.
ثم عاد إلى دمشق مؤيدا منصورا، غير أنه مات من أمرائه عشرة بسبب ما نالهم من الحر والوباء في مدة الحصار، وكانت أربعة عشر يوما.