Warning: Undefined array key "sirA3lam" in /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f704007db74beca75b87a603e53b9db7fc676f54_0.file.history.tpl.php on line 73
Warning: Attempt to read property "value" on null in /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f704007db74beca75b87a603e53b9db7fc676f54_0.file.history.tpl.php on line 73
Warning: Trying to access array offset on value of type null in /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f704007db74beca75b87a603e53b9db7fc676f54_0.file.history.tpl.php on line 73
كانت هذه الغزوة من أعظم الغنائم للمسلمين ببلاد الروم حيث افتتحوا إرقيلية، وكان الجيش أثناء رجوعهم أصابهم مطر عظيم وثلج وبرد، فأصيب بسببه ناس كثير.
كان لسقوط قرطاجنة بيد المسلمين أثر بالغ على البيزنطيين، ووجدوا في خروج حسان من أفريقيا بعد هزيمته على يد الكاهنة ملكة البربر والفوضى التي عمت البلاد بسبب سياسة الكاهنة التخريبية مجالا لإعادة نفوذهم في الشمال الإفريقي، فجهز الإمبراطور ليونتوس الذي خلف جستنيان الثاني حملة كبيرة بقيادة البطريق يوحنا إلى أفريقيا وأعد أسطولا كبيرا لنقل الجند إليها، فتمكنت القوة البيزنطية من استعادة قرطاجنة، دون مقاومة، واضطر أبو صالح نائب حسان عليها أن ينسحب منها مع من كان معه من المسلمين، ودخلها البطريق يوحنا, وأقام حسان في منطقة طرابلس قرب سرت في المكان المسمى قصور حسان خمس سنين.
استعمل الرشيد على إفريقية الفضل بن روح بن حاتم المهلبي بعد موت والده, فاستعمل الفضل على مدينة تونس ابن أخيه المغيرة بن بشر بن روح، فاستخف بالجند.
وكان الفضل أيضا قد أوحشهم، وأساء السيرة معهم؛ بسبب ميلهم إلى نصر بن حبيب الوالي قبله، فاجتمع من بتونس، وكتبوا إلى الفضل يستعفونه من ابن أخيه، فلم يجبهم عن كتابهم، فاجتمعوا على ترك طاعته، فبايعوا عبدالله بن الجارود، وأخرجوا المغيرة، ثم استشرى الأمر في أفريقيا ففسد الجند على الفضل، فسير إليهم الفضل عسكرا كثيرا فخرجوا إليه فقاتلوه، فانهزم عسكره وعاد إلى القيروان منهزما وتبعهم أصحاب ابن الجارود، فحاصروا القيروان ودخل ابن الجارود وعسكره في جمادي الآخرة، وأخرج الفضل من القيروان، ووكل به وبمن معه من أهله أن يوصلهم إلى قابس، ثم ردهم ابن الجارود، وقتل الفضل بن روح بن حاتم، ثم إن الرشيد بلغه ما صنع ابن الجارود، وإفساده إفريقية، فوجه هرثمة بن أعين ومعه يحيى بن موسى، فكاتب يحيى عبدالله بن الجارود، ثم دخل في الطاعة بعد أن طلب الأمان فأمنه.
هاجت فتنة تاكرنا بالأندلس، وخلع بربرها الطاعة، وأظهروا الفساد، وأغاروا على البلاد، وقطعوا الطريق، فسير هشام بن عبدالرحمن إليهم جندا كثيفا عليهم عبد القادر بن أبان بن عبد الله، مولى معاوية بن أبي سفيان، فقصدوها وتابعوا قتال من فيها إلى أن أبادوهم قتلا وسبيا، وفر من بقي منهم، فدخل في سائر القبائل، وبقيت كورة تاكرنا وجبالها خالية من الناس سبع سنين.
لما ولي إسحاق بن سليمان بن علي بن عبد الله بن العباس إمارة مصر لم يرض بما كان يأخذه قبله الأمراء، وزاد على المزارعين زيادة أفحشت بهم فسئمته الناس وكرهته وخرج عليه جماعة من أهل الحوف من قيس وقضاعة، فحاربهم إسحاق، وقتل من حواشيه وأصحابه جماعة كبيرة، فكتب إسحاق يعلم الرشيد بذلك، فعظم على الرشيد ما ناله من أمر مصر، وصرفه عن إمرتها وعقد الرشيد لهرثمة بن أعين على إمرة مصر، وأرسله في جيش كبير إلى مصر، فتلقاه أهل مصر بالطاعة وأذعنوا له، فقبل هرثمة منهم ذلك، وأمنهم وأقر كل واحد على حاله.
خرج الوليد بن طريف التغلبي بالجزيرة، ففتك بإبراهيم بن خازم بن خزيمة بنصيبين، ثم قويت شوكة الوليد، فدخل إلى أرمينية، وحصر خلاط عشرين يوما، فافتدوا منه أنفسهم بثلاثين ألفا.
ثم سار إلى أذربيجان، ثم إلى حلوان وأرض السواد، ثم عبر إلى غرب دجلة، وقصد مدينة بلد، فافتدوا منه بمائة ألف، وعاث في أرض الجزيرة، فسير إليه الرشيد يزيد بن مزيد بن زائدة الشيباني, فجعل يزيد يختاله ويماكره، وكانت البرامكة منحرفة عن يزيد، فقالوا للرشيد: إنما يتجافى يزيد عن الوليد للرحم؛ لأنهما كلاهما من وائل، فكتب إليه الرشيد كتاب مغضب، وقال له: لو وجهت أحد الخدم لقام بأكثر مما تقوم به، ولكنك مداهن متعصب، وأقسم بالله إن أخرت مناجزته لأوجهن إليك من يحمل رأسك.
فقال يزيد لأصحابه: فداكم أبي وأمي، إنما هي الخوارج ولهم حملة، فاثبتوا، فإذا انقضت حملتهم فاحملوا عليهم؛ فإنهم إذا انهزموا لم يرجعوا، فكان كما قال، حملوا عليهم حملة، فثبت يزيد ومن معه من عشيرته، ثم حمل عليهم فانكشفوا واتبع يزيد الوليد بن طريف، فلحقه واحتز رأسه.
في هذه السنة غار نهر النيل، حتى قيل: لم يبق فيه ماء، وهذا ما لم يحصل من قبل أبدا، فكانت شدة وغلاء بالأسعار عظيم، ومجاعة وقحط.
في هذا العام- وقيل عام 281هـ- جاء إلى القطيف رجل كذاب اسمه يحيى، يدعي أنه رسول من الإمام المهدي، ويستغل رغبة المؤمنين بظهور المهدي؛ لتحقيق مطامعه، وأعانه على ذلك رجل ثري اسمه أبو سعيد الجنابي.
لكنهما كشفا عام 283هـ، وقبض على يحيى، أما الجنابي فقد هرب، وبعد إطلاق سراحه ذهب يحيى للبادية، فاستمال إليه البدو وأعانه الجنابي بأمواله، فكونوا جيشا قويا من عدة قبائل بدوية، وهاجموا القطيف واحتلوها، وكونوا دولة القرامطة، وهرب كثير من الأهالي وانضموا للجيش العباسي الذي أرسله الخليفة المعتضد، ولكن قوات القرامطة هزمت العباسيين.
وفي نفس السنة هاجموا الأحساء واحتلوها.
وفي عام 301هـ اغتيل الجنابي قائد القرامطة، فتولى الحكم مجلس عسكري سمي بالعقدانية مهمته الوصاية على العرش، حتى بلوغ الابن الأكبر سعيد.
ولكن الابن الأصغر سليمان تمكن من إقصاء أخيه وتولى الحكم.
واعترف به مجلس الوصاية، كما اعترف به الفاطميون حكام مصر (المعادون للدولة العباسية في العراق) وفي عام 314هـ قام أبو طاهر سليمان الحاكم القرمطي بنقل العاصمة إلى الأحساء.
خرج الأمير عبد الله إلى بلاي من عمل قبرة، وبها عدو الله ابن حفصون مع جماعة كبيرة من أصحابه أهل الفساد والارتداد.
وكانوا قد أضروا بأقاليم قرطبة، وضيقوا عليهم حتى أغاروا على أغنام قرطبة.
فخرج إليهم الأمير، فناهضه وصادقه القتال، فانهزم ابن حفصون ومن معه، ولجأ إلى حصنه مع ملأ من أصحابه، وعوجل خواصه عن الدخول معه، فلم يخلص منهم أحد.
فبات الأمير قرير عين، والمسلمون كذلك، وقد أخذوا عليه تلك الليلة الباب؛ رجاء أن يأتي الصباح، فيؤخذ داخل الحصن، لكنه خرج منه مع بعض أصحابه، ونجا ونجوا.
ولما أصبح أعلم السلطان بخبره، فأرسل الخيل في أثره، فلم يعلم له خبر.
ودخل الأمير الحصن فوجده مترعا بالذخائر، ملآن من العدد، وكان عدد عسكر الأمير ثمانية عشر ألف فارس.
وقيل: إن ابن حفصون ألب أهل حصون الأندلس كلها، وأقبل إليه في ثلاثين ألفا، ووقعت الحرب بينهم، فانهزم عدو الله، وقتل أكثر من كان معه، ودخلت جملة منهم في محلة الأمير، فأمر بالتقاطهم، فأتي بألف رجل منهم فقتلوا صبرا بين يديه، ثم قصد الأمير إستجة فنازلهم وحاربهم، وقتل منهم عددا كثيرا.
فلما أخذهم الجهد رفعوا الأطفال على الأيدي في الأسوار، مستصرخين ضارعين راغبين في العفو، فعفا عنهم
هو الموفق بالله أبو أحمد محمد بن جعفر المتوكل على الله بن محمد المعتصم بن هارون الرشيد, وقيل: إن اسمه طلحة، الأمير العباسي وقائد جيش الخليفة المعتمد على الله.
ولد في بغداد عام 227ه من أم ولد للخليفة المتوكل على الله، وتربى تربية علمية، وكان عالما بالأدب والنسب، والفقه والقضاء، غزير العقل، حسن التدبير، كريما حازما، ذا مقدرة في سياسة الملك، اعتبره البعض بأنه المنصور الثاني.
كان الموفق ولي عهد المعتمد على الله، إلا أنه كان الخليفة الفعلي.
كان الموفق عادلا حسن السيرة، يجلس للمظالم وعنده القضاة وغيرهم، فينتصف الناس بعضهم من بعض.
كما يعتبر الموفق أبا الخلفاء الثاني بعد المنصور؛ إذ إن الخلافة العباسية استمرت في عقبه حتى سقوطها على يد هولاكو خان عام 656ه.
كما أنه بعث الحياة في الخلافة العباسية بعد أن أشرفت على السقوط بسبب حالة الفوضى التي سادت على يد الأتراك بين عامي 247 - 256 بعد مقتل الخليفة المتوكل واستبداد الأتراك وقادتهم بالأمر وقتلهم للخلفاء: المنتصر، والمستعين، والمعتز، والمهتدي، واستقلال أمراء الأطراف بولاياتهم كالصفاريين في المشرق، والطولونيين في مصر.
فقد تحمل الموفق بالله أعباء كبيرة في سبيل تثبيت الخلافة؛ إذ تمكن من القضاء على ثورة الزنج كما تمكن من إيقاع الهزيمة بجموع الصفاريين وزعيمهم يعقوب بن الليث، الذي كان قد اقترب من بغداد في محاولة لإرغام الخليفة على الاعتراف بسلطانه على المشرق، كما تمكن أيضا من الحد من توسع الطولونيين غربا.
أصيب الموفق بمرض النقرس في بلاد الجبل، فانصرف وقد اشتد به وجع النقرس، فلم يقدر على الركوب، فعمل له سرير عليه قبة، فكان يقعد عليه، وخادم له يبرد رجله بالأشياء الباردة، حتى إنه يضع عليها الثلج، ثم صارت علة داء الفيل برجله، وهو ورم عظيم يكون في الساق، يسيل منه ماء، ثم بقي في داره مريضا عدة أيام حتى توفي.
لما مات الموفق اجتمع القواد وبايعوا ابنه أبا العباس بولاية العهد، بعد المفوض بن المعتمد، ولقب المعتضد بالله.
دخل أحمد العجيفي طرسوس، وغزا مع بازمان الصائفة، فبلغوا شكند، فأصابت بازمان شظية من حجر منجنيق في أضلاعه، فارتحل عن شكند بعد أن أشرف على أخذها, فتوفي في الطريق، وحمل إلى طرسوس فدفن بها.
وكان بازمان قد أطاع خمارويه بن أحمد بن طولون، فلما توفي خلفه ابن عجيف، وكتب إلى خمارويه يخبره بموته، فأقره على ولاية طرسوس، وأمده بالخيل والسلاح والذخائر وغيرها، ثم عزله خمارويه، واستعمل عليها ابن عمه محمد بن موسى بن طولون.
سبب ذلك أن الموفق لما توفي كان له خادم من خواصه يقال له: راغب، فاختار الجهاد، فسار إلى طرسوس على عزم المقام بها، فلما وصل إلى الشام سير ما معه من دواب وآلات وخيام وغير ذلك إلى طرسوس، وسار هو إلى خمارويه ليزوره، ويعرفه عزمه، فلما لقيه بدمشق أكرمه خمارويه وأحبه وأنس به، واستحيا راغب أن يطلب منه المسير إلى طرسوس، فطال مقامه عنده، فظن أصحابه أن خمارويه قبض عليه، فأذاعوا ذلك، فاستعظمه الناس، وقالوا: يعمد إلى رجل قصد الجهاد في سبيل الله فيقبض عليه! ثم شغبوا على أميرهم محمد ابن عم خمارويه، وقبضوا عليه، وقالوا: لا تزال في الحبس إلى أن يطلق ابن عمك راغبا، ونهبوا داره وهتكوا حرمه، وبلغ الخبر إلى خمارويه، فأطلع راغبا عليه، وأذن له في المسير إلى طرسوس، فلما بلغ إليها أطلق أهلها أميرهم، فلما أطلقوه قال لهم: قبح الله جواركم، وسار عنها إلى بيت المقدس فأقام به، ولما سار عن طرسوس عاد العجيفي إلى ولايتها.
جمع إنسان يعرف بالأصفر من بني المنتفق جمعا كثيرا، وكان بينه وبين جمع من القرامطة وقعة شديدة قتل فيها مقدم القرامطة، وانهزم أصحابه وقتل منهم وأسر الكثير، وسار الأصفر إلى الأحساء، فتحصن منه القرامطة، فعدل إلى القطيف فأخذ ما كان فيها من عبيدهم وأموالهم ومواشيهم، وسار بها إلى البصرة.
في محرم كثر الغلاء والفناء ببغداد إلى شعبان، وفي شعبان كثرت الرياح العواصف وتتابعت الأمطار، وكثرت البروق والرعود، والبرد الكبار، وسالت منه الأودية، وامتلأت الأنهار والآبار ببلاد الجبل، وخربت المساكن، وامتلأت الأفناء طينا وحجارة، وانقطعت الطرق، وجاءت وقت العصر خامس شعبان ريح عظيمة بفم الصلح، فهدمت قطعة من الجامع، وأهلكت جماعة من الناس، وغرقت كثيرا من السفن الكبار المملوءة، واحتملت زورقا منحدرا فيه دواب، وعدة من السفن، وألقت الجميع على مسافة من موضعها، وفي هذا الوقت لحق أهل البصرة حر شديد، بحيث سقط كثير من الناس في الطرقات وماتوا من شدته.
في المحرم أمر شرف الدولة بأن ترصد الكواكب السبعة في مسيرها وتنقلها في بروجها على مثال ما كان المأمون يفعل، وتولى ذلك ابن رستم الكوهي، وكان له علم بالهيئة والهندسة، وبنى بيتا في دار المملكة بسبب ذلك في آخر البستان، وأقام الرصد لليلتين بقيتا من صفر.
هو أبو المعالي عبد الملك ابن الشيخ أبي محمد عبد الله بن يوسف بن محمد بن حيويه، الجويني، الفقيه الشافعي، الملقب ضياء الدين، المعروف بإمام الحرمين؛ أعلم المتأخرين من أصحاب الإمام الشافعي على الإطلاق، المجمع على إمامته، المتفق على غزارة مادته، وتفننه في العلوم من الأصول والفروع والأدب وغير ذلك، ولد في محرم سنة 419هـ, وقد رزق من التوسع في العبارة ما لم يعهد من غيره، وكان يذكر دروسا يقع كل واحد منها في عدة أوراق ولا يتلعثم في كلمة منها، وتفقه في صباه على والده أبي محمد، وكان يعجب بطبعه وتحصيله وجودة قريحته، وما يظهر عليه من مخايل الإقبال، فأتى على جميع مصنفات والده وتصرف فيها، حتى زاد عليه في التحقيق والتدقيق.
ولما توفي والده قعد مكانه للتدريس، وإذا فرغ منه مضى إلى الأستاذ أبي القاسم الإسكافي الإسفرايني بمدرسة البيهقي حتى حصل عليه علم الأصول، ثم سافر إلى بغداد ولقي بها جماعة من العلماء، ثم خرج إلى الحجاز وجاور بمكة أربع سنين، ثم انتقل إلى المدينة، يدرس ويفتي ويجمع طرق المذهب، فلهذا قيل له: إمام الحرمين، ثم عاد إلى نيسابور في أوائل ولاية السلطان ألب أرسلان السلجوقي، والوزير يومئذ نظام الملك، فبنى له فيها المدرسة النظامية، وتولى الخطابة بها، وكان يجلس للوعظ والمناظرة، وظهرت تصانيفه، وحضر دروسه الأكابر من الأئمة وانتهت إليه رياسة الأصحاب، وفوض إليه أمور الأوقاف، وبقي على ذلك قريبا من ثلاثين سنة غير مزاحم ولا مدافع، مسلم له المحراب والمنبر والخطابة والتدريس ومجلس التذكير يوم الجمعة.
توفي بنيسابور عن 59 عاما، له من التصانيف: العديدة ((العقيدة النظامية))، و((الشامل)) و((الإرشاد إلى قواطع الأدلة)) في أصول الدين، و((البرهان في أصول الفقه))، وغيرها من الكتب، وكان من فقهاء الشافعية المبرزين في الأصول والفقه.
في هذه السنة استولى الفرنج على مدينة طليطلة من بلاد الأندلس، وأخذوها من المسلمين، وهي من أكبر البلاد وأحصنها.
وسبب ذلك أن الأذفونش، (ألفونسو السادس) ملك قشتالة، كان قد قوي شأنه، وعظم ملكه، وكثرت عساكره، مذ تفرقت بلاد الأندلس، وصار كل بلد بيد ملك، كما دب النزاع بينهم واستعانوا بالفرنجة على بعض، فحينئذ طمع الفرنج فيهم، وأخذوا كثيرا من ثغورهم.
وكان ألفونسو خدم صاحب طليطلة القادر بالله بن المأمون بن يحيى بن ذي النون، وعاش في طليطلة سنوات، فعرف من أين يؤتى البلد، وكيف الطريق إلى ملكها, ولم يكن أحد من ملوك الطوائف قادرا على نجدتها، حتى إن المعتمد بن عباد صاحب أشبيلية وهو أقوى ملوك الطوائف لما رأى استفحال أمر ألفونسو وقوته رأى أن يعقد مهادنة وصلحا معه يأمن بها على أراضيه، فبعث وزيره ابن عمار ليتفاوض مع ألفونسو، وتمت المعاهدة والاتفاق على بنود منها: أن يؤدي المعتمد الجزية سنويا, ويسمح للمعتمد بغزو أراضي طليطلة الجنوبية على أن يسلم منها إلى ألفونسو الأراضي الواقعة شمالي طليطلة, و لا يعترض المعتمد على استيلاء ألفونسو على طليطلة, وفي شوال سنة 474هـ ضرب ألفونسو الحصار على طليطلة، وشدد غاراته عليها، وظل على ذلك أربع سنوات كاملة؛ يخرب في الزروع والأراضي والقرى، وعاش الناس في ضيق وكرب، وليس بين المسلمين مجير، قال ابن بسام: "دخل على الأذفونش يومئذ جماعة فوجدوه يمسح الكرى من عينيه، ثائر الرأس، خبيث النفس، فأقبل عليهم بوجه كريه، وقال لهم: إلى متى تتخادعون، وبأي شيء تطمعون؟ قالوا: بنا بغية، ولنا في فلان وفلان أمنية، وسموا له بعض ملوك الطوائف، فصفق بيديه، وتهافت حتى فحص برجليه، ثم قال: أين رسل ابن عباد؟ فجيء بهم يرفلون في ثياب الخناعة، وينبسون بألسنة السمع والطاعة.
فقال لهم: مذ كم تحومون علي، وترومون الوصول إلي؟ ومتى عهدكم بفلان؟ وأين ما جئتم به ولا كنتم ولا كان؟ فجاءوا بجملة ميرة، وأحضروها, ثم ما زاد على أن ركل ذلك برجله، وأمر بانتهابه كله؛ ولم يبق ملك من ملوك الطوائف إلا أحضر يومئذ رسله، وكانت حاله حال من كان قبله.
وجعل أعلاجه يدفعون في ظهورهم، وأهل طليطلة يعجبون من ذل مقامهم ومصيرهم، فخرج مشيختها من عنده وقد سقط في أيديهم.
وطمع كل شيء فيهم.
وخلوا بينه وبين البلد، ودخل طليطلة على حكمه، وأثبت في عرصتها قدم ظلمه، حكم من الله سبق به القدر، وخرج ابن ذي النون خائبا مما تمناه، حدثني من رآه يومئذ بتلك الحال وبيده اصطرلاب يرصد فيه أي وقت يرحل، وعلى أي شيء يعول، وأي سبيل يتمثل، وقد أطاف به النصارى والمسلمون، أولئك يضحكون من فعله، وهؤلاء يتعجبون من جهله.
وعتا الطاغية الأذفونش -قصمه الله- لحين استقراره بطليطلة واستكبر، وأخل بملوك الطوائف في الجزيرة وقصر، وأخذ يتجنى ويتعتب، وطفق يتشوف إلى انتزاع سلطانهم والفراغ من شانهم" في الوقت الذي كانت قوات ألفونسو تحاصر فيه طليطلة كان ملوك الطوائف يقدمون ميثاق الولاء والمحبة له؛ ممثلة في الجزية والإتاوة، ولم يجرؤ أحد منهم على الاعتراض عليه في ذلك إلا المتوكل بن الأفطس الذي أخرج من طليطلة قبيل دخول الطاغية، وفي الوقت نفسه الذي تحاصر فيه طليطلة كانت ممالك الطوائف الأخرى تتنازع فيما بينها، أو ترد غارات النصارى المتواصلة عليها.
ثم قام ألفونسو باتخاذ طليطلة عاصمة له وحول مسجدها إلى كنيسة.
بعد أن قام ألفونسو السادس –أدفونش- بالاستيلاء على طليطلة بدأ بتهديد إشبيلية، فأرسل كتابا لصاحبها المعتمد بن عباد قال فيه: "من الإمبراطور ذي الملتين الملك أدفونش بن شانجة، إلى المعتمد بالله، سدد الله آراءه، وبصره مقاصد الرشاد.
قد أبصرت تزلزل أقطار طليطلة، وحصارها في سالف هذه السنين، فأسلمتم إخوانكم، وعطلتم بالدعة زمانكم، والحذر من أيقظ باله قبل الوقوع في الحبالة.
ولولا عهد سلف بيننا نحفظ ذمامه نهض العزم، ولكن الإنذار يقطع الأعذار، ولا يعجل إلا من يخاف الفوت فيما يرومه، وقد حملنا الرسالة إليك البرهانس، وعنده من التسديد الذي يلقى به أمثالك، والعقل الذي يدبر به بلادك ورجالك، ما أوجب استنابته فيما يدق ويجل".
فلما قدم الرسول أحضر المعتمد الأكابر، وقرئ الكتاب، بكى أبو عبد الله بن عبد البر وقال: قد أبصرنا ببصائرنا أن مآل هذه الأموال إلى هذا، وأن مسالمة اللعين قوة بلاده لبلاده، فلو تضافرنا لم نصبح في التلاف تحت ذل الخلاف، وما بقي إلا الرجوع إلى الله والجهاد.
وأما ابن زيدون وابن لبون فقالا: الرأي مهادنته ومسالمته.
فجنح المعتمد إلى الحرب، وإلى استمداد ملك البربر ابن تاشفين، فقال جماعة: نخاف عليك من استمداده.
فقال: رعي الجمال خير من رعي الخنازير".
فرد على الأدفونش يتهدده و يتوعده, ثم اتفق المعتمد بن عباد صاحب أشبيلية والمتوكل بن الأفطس صاحب بطليموس وعبدالله بن بلقين أمير غرناطة، على إرسال وفد من القضاة والأعيان إلى يوسف بن تاشفين يدعونه إلى الحضور إلى الأندلس لقتال النصارى ويستنصرونه على ألفونسو السادس، فلما استجاب ابن تاشفين لطلبهم إرسال أرسل رسالة إلى ألفونسو يدعوه فيها إلى الإسلام أو الجزية أو الحرب، فاختار الحرب.
بعد أن رد ألفونسو على رسالة يوسف بن تاشفين واختار الحرب بدأ بالتجهيز فحاصر مدينة سرقسطة بعدما استولى على طليطلة، كما قام سانشو راميرو بمحاصرة مدينة طرطوشة ثم لم يلبث أن فكا الحصار وتداعى ملوك الفرنج وجمعوا جنودهم وفيهم المرتزقة للقاء يوسف بن تاشفين.
توفي أبو بكر محمد بن عبدالعزيز بن المنصور بن أبي عامر أمير بلنسية، واستخلف بعده ابنه عثمان أبو عمرو، ولكن القادر بن ذي النون الذي انتهت دولته في طليطلة على يد ألفونسو يمده ألفونسو نفسه ويساعده على الاستيلاء على بلنسية فيسير له سرية قوية فيقوم باستخلاص بلنسية من عثمان ويقيم فيها دولة بني ذي النون.
قام ابن جهير بإنهاء دولة بني مروان في كل من آمد التي سلمها أهلها إليه بعد حصارها وكانوا قد سئموا من المعاملة السيئة من ولاتها وكان بينهم كثير من النصارى المتحكمين، كما تملك ميافارقين وأنهى فيها حكم بني مروان، وهي أيضا سلمها أهلها، ثم ملك جزيرة ابن عمر وهي أيضا لبني مروان فحاصروها ودخلوا حصنها عنوة وملكوها، فكان هذا إنهاء لدولة بني مروان.
هو السلطان الأمير شرف الدولة أبو المكارم مسلم بن ملك العرب أبي المعالي قريش بن بدران بن مقلد حسام الدولة أبي حسان بن المسيب بن رافع العقيلي, كان يترفض كأبيه, ونهب أبوه دار الخلافة في فتنة البساسيري، وأجار القائم بالله, ومات سنة 453هـ كهلا، فقام شرف الدولة بعده، واستولى على ديار ربيعة، ومضر، وتملك حلب، وأخذ الحمل والإتاوة من بلاد الروم في أنطاكية، ونحوها.
وسار إلى دمشق فحاصرها.
وكان قد تهيأ له أخذها، فبلغه أن حران قد عصى عليه أهلها، فسار إليهم، فحاربهم وحاربوه، فافتتحها وبذل السيف، وقتل بها خلقا من أهل السنة.
قال الذهبي: "كان رافضيا خبيثا، أظهر ببلاده سب السلف، واتسعت مملكته، وأطاعته العرب، واستفحل أمره حتى طمع في الاستيلاء على بغداد بعد وفاة طغرلبك.
وكان فيه أدب، وله شعر جيد.
وكان له في كل قرية قاض، وعامل، وصاحب خبر.
وكان أحول، له سياسة تامة.
وكان لهيبته الأمن وبعض العدل في أيامه موجودا.
وكان يصرف الجزية في بلاده إلى العلويين".
وهو الذي عمر سور الموصل وشيدها في ستة أشهر من سنة 474هـ.
ثم إنه جرى بينه وبين السلطان سليمان بن قتلمش السلجوقي مصاف على باب أنطاكية، كان سليمان بن قتلمش قد ملك مدينة أنطاكية، فلما أرسل إليه شرف الدولة مسلم بن قريش يطلب منه ما كان يحمله إليه الفردوس من المال، أجابه بأن المال الذي كان يحمله صاحب أنطاكية فإنما هو لكونه كافرا، وكان يحمل جزية رأسه وأصحابه، وهو بحمد الله مؤمن، فنهب شرف الدولة بلد أنطاكية، فنهب سليمان أيضا بلد حلب، فلقيه أهل السواد يشكون إليه نهب عسكره، فقال:أنا كنت أشد كراهية لما يجري، ولكن صاحبكم أحوجني إلى ما فعلت، ولم تجر عادتي بنهب مال مسلم، ولا أخذ ما حرمته الشريعة.
وأمر أصحابه بإعادة ما أخذوه منهم، فأعاده، ثم إن شرف الدولة جمع الجموع من العرب والتركمان، وسار إلى أنطاكية ليحصرها، فلما سمع سليمان الخبر جمع عساكره وسار إليه، فالتقيا في طرف من أعمال أنطاكية، واقتتلوا، فانهزمت العرب، فتبعهم شرف الدولة منهزما، ثم قتل، وله بضع وأربعون سنة.
ولما قتل قصد بنو عقيل أخاه إبراهيم بن قريش، وهو محبوس، فأخرجوه وملكوه أمرهم، وكان قد مكث في الحبس سنين كثيرة بحيث إنه لم يمكنه المشي والحركة لما أخرج، ثم سار سليمان بن قتلمش إلى حلب فحصرها مستهل ربيع الأول، فأقام عليها إلى خامس ربيع الآخر، فلم يبلغ منها غرضا، فرحل عنها.
سار أمير الجيوش في عساكر مصر إلى الشام، فحصر دمشق، وبها صاحبها تاج الدولة تتش، فضيق عليه، وقاتله، فلم يظفر منها بشيء، فرحل عنها عائدا إلى مصر.
هو العلامة، البارع، مفتي العراق، قاضي القضاة، أبو عبد الله محمد بن علي بن محمد بن حسن بن عبد الوهاب بن حسويه الدامغاني الحنفي.
ولد بدامغان، سنة 398هـ, وتفقه بخراسان، وقدم بغداد شابا، فأخذ عن القدوري، وحصل المذهب على فقر شديد.
فكان يحرس في درب الرياح، تفقه بدامغان على أبي صالح الفقيه، ثم قصد نيسابور، فأقم فأقام أربعة أشهر بها، وصحب أبا العلاء صاعد بن محمد قاضيها، ثم ورد بغداد, وولي القضاء للقائم بأمر الله، فدام في القضاء ثلاثين سنة وأشهرا.
كان القاضي أبو الطيب يقول: "الدامغاني أعرف بمذهب الشافعي من كثير من أصحابنا".
كان بهي الصورة، حسن المعاني في الدين والعلم والعقل والحلم وكرم العشرة والمروءة، له صدقات في السر، وكان منصفا في العلم، وكان يورد في درسه من المداعبات والنوادر نظير ما يورد الشيخ أبو إسحاق الشيرازي، فإذا اجتمعا، صار اجتماعهما نزهة.
قال الذهبي: "كان ذا جلالة وحشمة وافرة إلى الغاية، ينظر بالقاضي أبي يوسف في زمانه, وفي أولاده أئمة وقضاة".
ولي قضاء القضاة بعد أبي عبد الله بن ماكولا، سنة 447هـ، وله خمسون سنة.
مات في رجب، ودفن بداره، ثم نقل ودفن بقبة الإمام أبي حنيفة إلى جانبه.
عاش ثمانين سنة وثلاثة أشهر وخمسة أيام، وغسله أبو الوفاء بن عقيل وأبو ثابت الرازي تلميذه.
وصلى عليه ولده قاضي القضاة أبو الحسن, وله أصحاب كثيرون علماء، انتشروا في البلاد.
سير صلاح الدين أخاه سيف الإسلام طغتكين إلى بلاد اليمن، وأمره بتملكها وقطع الفتن بها، وفوض إليه أمرها، وكان بها حطان بن منقذ، وكتب عز الدين عثمان الزنجيلي متولي عدن إلى صلاح الدين يعرفه باحتلال البلاد، ويشير بإرسال بعض أهله إليها؛ لأن حطان كان قوي عليه، فجهز صلاح الدين أخاه سيف الإسلام وسيره إلى أهل اليمن، فوصل إلى زبيد، فخافه حطان بن منقذ واستشعر منه، وتحصن في بعض القلاع، فلم يزل به سيف الإسلام يؤمنه ويهدي إليه ويتلطفه حتى نزل إليه، فأحسن صحبته، وطلب حطان أن يأذن له بقصد الشام، فأذن له، فأخرج أثقاله وأمواله وأهله، وأصحابه وكل ما له، وسير الجميع بين يديه، فلما كان الغد دخل على سيف الإسلام ليودعه، فقبض عليه واسترجع جميع ماله ثم سجنه في بعض القلاع، وكان آخر العهد به، فقيل إنه قتله، وأما عز الدين عثمان الزنجيلي فإنه لما سمع ما جرى على حطان خاف فسار نحو الشام خائفا يترقب، وسير معظم أمواله في البحر، فصادفهم مراكب فيها أصحاب سيف الإسلام، فأخذوا كل ما لعز الدين، ولم يبق إلا ما صحبه في الطريق، وصفت زبيد وعدن وما معهما من البلاد لسيف الإسلام.
هو الملك المنصور عز الدين فروخ شاه بن شاهنشاه بن أيوب صاحب بعلبك ونائب دمشق لعمه الناصر صلاح الدين الأيوبي، وهو والد الأمجد بهرام شاه صاحب بعلبك بعد أبيه، وإليه تنسب المدرسة الفروخ شاهية بالشرق الشمالي بدمشق، وإلى جانبها التربة الأمجدية لولده، وهما وقف على الحنفية والشافعية، وقد كان فروخ شاه شجاعا شهما عاقلا، ذكيا كريما ممدحا، امتدحه الشعراء لفضله وجوده، وكان من أكبر أصحاب الشيخ تاج الدين أبي اليمن الكندي، عرفه من مجلس القاضي الفاضل، فانتمى إليه، وكان يحسن إليه، وللعماد الكاتب فيه مدائح، وكان ابنه الأمجد شاعرا جيدا، ولاه عم أبيه صلاح الدين بعلبك بعد أبيه، واستمر فيها مدة طويلة، ومن محاسن فروخ شاه صحبته لتاج الدين الكندي
كان عز الدين مسعود بن مودود بن زنكي صاحب الموصل قد أقطع مظفر الدين كوكبري بن زين الدين كجك مدينة حران وقلعتها، ولما سار صلاح الدين لحصار البيرة جنح اليه مظفر الدين ووعده النصر واستحثه للقدوم على الجزيرة، فجد صلاح الدين السير مظهرا أنه يريد حصر حلب سترا للحال، فلما قارب الفرات سار إليه مظفر الدين فعبر الفرات واجتمع به وعاد معه فقصد البيرة، وهي قلعة منيعة على الفرات، من جانب الجزيرة، وكان صاحبها قد سار مع صلاح الدين، وفي طاعته، فعبر هو وعسكره الفرات على الجسر الذي عند البيرة، وكان عز الدين صاحب الموصل ومجاهد الدين لما بلغهما وصول صلاح الدين إلى الشام قد جمعا العسكر وسارا إلى نصيبين؛ ليكونا على أهبة واجتماع لئلا يتعرض صلاح الدين إلى حلب، ثم تقدما إلى دارا، فنزلا عندها، فجاءهما أمر لم يكن في الحساب، فلما بلغهما عبور صلاح الدين الفرات، عادا إلى الموصل وأرسلا إلى الرها عسكرا يحميها ويمنعها، فلما سمع صلاح الدين ذلك قوي طمعه في البلاد، فكاتب الملوك أصحاب الأطراف ووعدهم، وبذل لهم البذول على نصرته، فأجابه نور الدين محمد بن قرا أرسلان، صاحب الحصن، إلى ما طلب منه، وسار صلاح الدين إلى مدينة الرها، فحصرها في جمادى الأولى، وقاتلها أشد قتال، حتى ملك المدينة ثم زحف إلى القلعة، فسلمها إليه الدزدار الذي بها على مال أخذه، فلما ملكها سلمها إلى مظفر الدين مع حران، ثم سار عنها، على حران، إلى الرقة، فلما وصل إليها كان بها مقطعها قطب الدين ينال بن حسان المنبجي، فسار عنها إلى عز الدين مسعود، وملكها صلاح الدين، وسار إلى الخابور، قرقيسيا، وماكسين وعابان، فملك جميع ذلك، فلما استولى على الخابور جميعه سار إلى نصيبين، فملك المدينة لوقتها، وبقيت القلعة فحصرها عدة أيام، فملكها أيضا، وأقام بها ليصلح شأنها، ثم أقطعها أميرا كان معه يقال له أبو الهيجاء السمين، وسار عنه ومعه نور الدين صاحب الحصن.
كان أول الغورية هو محمد بن الحسين قد صاهر بهرام شاه بن مسعود صاحب عزنة من آل سبكتكين، ثم قتله بهرام شاه خشية من غدره، وقد جاءه يظهر الطاعة ويبطن الغدر، فولى بعده ملك الغورية أخوه سورى وسار إلى غزنة في طلب ثأر أخيه وقاتل بهرام شاه فظفر به وقتله أيضا.
ثم ملك أخوهما علاء الدين الحسين بن الحسين، وسار إلى غزنة، فانهزم عنها بهرام شاه، فاستوى عليها علاء الدين الحسين وأقام بغزنة أخاه سيف الدين شاه، ورجع إلى الغور، فكاتب أهل غزنة بهرام شاه فقاتل سيف الدين الغوري فظفر بسيف الدين فقتله وملك بهرام شاه غزنة، ثم توفي بهرام شاه.
وملك ابنه خسرو شاه وتجهز علاء الدين ملك الغورية إلى غزنة فملكها شهاب الدين سنة تسع وسبعين وخمسمائة بعد حصار، وأمن خسرو شاه فحضر فأكرمه، وبلغ غياث الدين ذلك فطلب من شهاب الدين إنفاذ خسرو شاه إليه فأمره شهاب الدين بالتوجه إليه، فقال خسرو شاه: أنا ما أعرف أخاك فطيب خاطره وأرسله، وأرسل ابن خسرو شاه أيضا معه مع عسكر يحفظونهما فرفعهما غياث الدين إلى بعض القلاع ولم يرهما، فكان آخر العهد بهما, وخسرو شاه بن بهرام شاه بن مسعود بن إبراهيم بن مسعود بن محمود بن سبكتكين هو آخر ملوك آل سبكتكين، ابتداء دولتهم سنة 366، وملكوا مائتي سنة وثلاث عشرة سنة تقريبا، فانقراض دولتهم سنة 578، وكانوا من أحسن الملوك سيرة.
عمل البرنس صاحب الكرك أسطولا، وفرغ منه بالكرك، ولم يبق إلا جمع قطعه بعضها إلى بعض، وحملها إلى بحر أيلة، وجمعها في أسرع وقت، وفرغ منها وشحنها بالمقاتلة وسيرها، فساروا في البحر، وافترقوا فرقتين: فرقة أقامت على حصن أيلة وهو للمسلمين يحصرونه، ويمنع أهله من ورود الماء، فنال أهله شدة شديدة وضيق عظيم؛ وأما الفرقة الثانية فإنهم ساروا نحو عيذاب، وأفسدوا في السواحل، ونهبوا، وأخذوا ما وجدوا من المراكب الإسلامية ومن فيها من التجار، وبغتوا الناس في بلادهم على حين غفلة منهم؛ فإنهم لم يعهدوا بهذا البحر فرنجيا قط لا تاجرا ولا محاربا، وكان بمصر الملك العادل أبو بكر بن أيوب ينوب عن أخيه صلاح الدين، فعمر أسطولا وسيره، وفيه جمع كثير من المسلمين، ومقدمهم الحاجب حسام الدين لؤلؤ، وهو متولي الأسطول بديار مصر، فسار لؤلؤ مجدا في طلبهم، فابتدأ بالذين على أيلة فقاتلهم، فقتل بعضهم، وأسر الباقي، وسار من وقته بعد الظفر يقص أثر الذين قصدوا عيذاب، فلم يرهم، وكانوا قد أغاروا على ما وجدوه بها، وقتلوا من لقوه عندها، وساروا إلى غير ذلك المرسى؛ ليفعلوا كما فعلوا فيه، وكانوا عازمين على الدخول إلى الحجاز مكة والمدينة، فأدركهم بساحل الجوزاء، فأوقع بهم هناك، فلما رأوا العطب وشاهدوا الهلاك خرجوا إلى البر، واعتصموا ببعض تلك الشعاب، فنزل لؤلؤ من مراكبه إليهم، وقاتلهم أشد قتال، فظفر بهم وقتل أكثرهم، وأخذ الباقين أسرى، وأرسل بعضهم إلى منى لينحروا بها عقوبة لمن رام إخافة حرم الله تعالى وحرم رسوله صلى الله عليه وسلم، وعاد بالباقين إلى مصر، فقتلوا جميعهم.
لما ملك صلاح الدين نصيبين، سار إلى الموصل، وكان عز الدين بن مسعود بن مودود صاحبها ومجاهد الدين قايماز قد جمعا العساكر الكثيرة ما بين فارس وراجل، وأظهرا من السلاح وآلات الحصار ما حارت له الأبصار، وبذلا الأموال الكثيرة، وسار صلاح الدين حتى قارب الموصل، فرأى ما هاله وملأ صدره وصدور أصحابه، فإنه رأى بلدا عظيما كبيرا، ولما رأى السور والفصيل، علم أنه لا يقدر على أخذه، وأنه يعود خائبا، ثم رجع إلى معسكره وصبح البلد، وكان نزوله عليه في رجب، فنازله وضايقه، ونزل محاذي باب كندة، وأنزل صاحب الحصن بباب الجسر، وأنزل أخاه تاج الملوك عند الباب العمادي، وانشب القتال، فلم يظفر، فنصب منجنيقا، فنصب عليه من البلد تسعة مجانيق، ثم إن صلاح الدين رحل من قرب البلد، ونزل متأخرا؛ خوفا من البيات، فإنه لقربه كان لا يأمن ذلك، ثم ترددت الرسل إلى عز الدين ومجاهد الدين في الصلح، فلما رأى صلاح الدين أنه لا ينال من الموصل غرضا، ولا يحصل على غير العناء والتعب، وأن من بسنجار من العساكر الموصلية يقطعون طريق من يقصدونه من عساكره وأصحابه، سار من الموصل إلى سنجار.