Warning: Undefined array key "sirA3lam" in /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f704007db74beca75b87a603e53b9db7fc676f54_0.file.history.tpl.php on line 73

Warning: Attempt to read property "value" on null in /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f704007db74beca75b87a603e53b9db7fc676f54_0.file.history.tpl.php on line 73

Warning: Trying to access array offset on value of type null in /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f704007db74beca75b87a603e53b9db7fc676f54_0.file.history.tpl.php on line 73


 لما تم للنبي صلى الله عليه وسلم من العمر اثنتا عشرة سنة، سافر عمه أبو طالب إلى الشام في ركب للتجارة، فأخذه معه.

ولما نزل الركب (بصرى) مروا على راهب هناك يقال له (بحيرا)، وكان عليما بالإنجيل، خبيرا بالنصرانية، وهناك أبصر بحيرا النبي صلى الله عليه وسلم، فجعل يتأمله ويكلمه، ثم التفت إلى أبي طالب فقال له: ما هذا الغلام منك؟ فقال: ابني (وكان أبو طالب يدعوه بابنه؛ لشدة محبته له وشفقته عليه).

فقال له بحيرا: ما هو بابنك، وما ينبغي أن يكون أبو هذا الغلام حيا.

فقال: هو ابن أخي.

قال: فما فعل أبوه؟ قال: مات وأمه حبلى به.

قال بحيرا: صدقت.

فارجع به إلى بلده واحذر عليه يهود؛ فوالله لئن رأوه هنا ليبغنه شرا؛ فإنه كائن لابن أخيك هذا شأن عظيم.

فأسرع به أبو طالب عائدا إلى مكة.

وروى الترمذي: أن أبا طالب خرج إلى الشام، وخرج معه النبي صلى الله عليه وسلم في أشياخ من قريش؛ فلما أشرفوا -اقتربوا- على الراهب -يعني: بحيرا- هبطوا فحلوا رحالهم؛ فخرج إليهم الراهب، وكانوا قبل ذلك يمرون به فلا يخرج إليهم ولا يلتفت إليهم، قال: وهم يحلون رحالهم؛ فجعل يتخللهم الراهب حتى جاء فأخذ بيد رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: هذا سيد العالمين، هذا رسول رب العالمين، يبعثه الله رحمة للعالمين، فقال له أشياخ من قريش: ما علمك؟ قال: إنكم حين أشرفتم من العقبة لم يبق شجر ولا حجر إلا خر ساجدا، ولا يسجدان إلا لنبي، وإني أعرفه بخاتم النبوة أسفل من غضروف كتفه مثل التفاحة، ثم رجع فصنع لهم طعاما، فلما أتاهم به، وكان هو -أي: الرسول صلى الله عليه وسلم- في رعية الإبل، قال: أرسلوا إليه.

فأقبل صلى الله عليه وسلم وعليه غمامة تظله، فلما دنا من القوم، وجدهم قد سبقوه إلى فيء -ظل- الشجرة، فلما جلس رسول الله صلى الله عليه وسلم مال فيء الشجرة عليه، فقال بحيرا: انظروا إلى فيء الشجرة مال عليه! قال: فبينما هو قائم عليهم، وهو يناشدهم ألا يذهبوا به إلى الروم؛ فإن الروم إن رأوه عرفوه بالصفة فيقتلونه، فالتفت فإذا بسبعة قد أقبلوا من الروم فاستقبلهم، فقال: ما جاء بكم؟ قالوا: جئنا أن هذا النبي خارج في هذا الشهر، فلم يبق طريق إلا بعث إليه بأناس، وإنا قد أخبرنا خبره، فبعثنا إلى طريقك هذا، فقال: هل خلفكم أحد هو خير منكم؟ قالوا: إنما أخبرنا خبره إلى طريقك هذا.

قال: أفرأيتم أمرا أراد الله أن يقضيه، هل يستطيع أحد من الناس رده؟ قالوا: لا، قال: فبايعوه، وأقاموا معه عنده.

قال: فقال الراهب بحيرا: أنشدكم الله أيكم وليه؟ قال أبو طالب: فلم يزل يناشده حتى رده أبو طالب".


توغل عقبة بن نافع في أفريقيا حتى فتح غدامس وودان وبلاد البربر.


هو أبو العباس محمد بن الأغلب أمير إفريقية، تولى الإمارة بعد موت أبيه عام 226هـ، ودانت له إفريقية، وشيد مدينة بقرب تاهرت، وسماها العباسية، وذلك سنة 227هـ, حاول أخوه أبو جعفر أن يأخذ الإمارة منه عام 231هـ، لكنه تغلب عليه ونفاه، ثم ثار عليه سالم بن غلبون وعمرو بن سليم.

توفي وعمره ست وثلاثون سنة، دامت إمارته خمس عشرة سنة وثمانية أشهر، وولي بعده ابنه أحمد إمارة إفريقية.


كتب الأمير محمد بن عبدالرحمن إلى موسى بن موسى بحشد الثغور والدخول إلى برشلونة، فغزاها وافتتح في هذه الغزاة حصن طراجة، وهي من آخر أحواز برشلونة، ومن خمس ذلك الحصن زيدت الزوائد في المسجد الجامع بسرقسطة، وكان الذي أسسه ونصب محرابه حنش الصنعاني، وهو من التابعين.


كان أمير الحجاج العراقيين الشريفان أبو الحسن محمد بن عبد الله، وأبو عبد الله أحمد بن عمر بن يحيى العلويان، فجرى بينهما وبين عساكر المصريين من أصحاب ابن طغج حرب شديدة، وكان الظفر لهما، فخطب لمعز الدولة بمكة، فلما خرجا من مكة لحقهما عسكر مصر، فقاتلهما، فظفرا به أيضا.


ورد إلى الخليفة القادر بالله كتاب من الأمير يمين الدولة محمود بن سبكتكين الغزنوي أنه أحل بطائفة من أهل الري من الباطنية وغلاة الروافض قتلا ذريعا، وصلبا شنيعا، وأنه انتهب أموال رئيسهم رستم بن علي الديلمي، فحصل منها ما يقارب ألف ألف دينار، وقد كان في حيازته نحو من خمسين امرأة حرة، وقد ولدن له ثلاثا وثلاثين ولدا بين ذكر وأنثى، وكانوا يرون إباحة ذلك.

وقد جاء في الكتاب: "إن كتاب العبد صدر من معسكره بظاهر الري غرة جمادى الآخرة سنة 420، وقد أزال الله عن هذه البقعة أيدي الظلمة وطهرها من دعوة الباطنية الكفرة والمبتدعة الفجرة، وقد كانت مدينة الري مخصوصة بالتجائهم إليها وإعلانهم بالدعاء إلى كفرهم، فيها يختلطون بالمعتزلة المبتدعة، والغالية من الروافض المخالفة لكتاب الله والسنة، يتجاهرون بشتم الصحابة ويسرون اعتقاد الكفر ومذهب الإباحة، وكان زعيمهم رستم بن علي الديلمي، فعطف العبد عنانه بالعساكر فطلع بجرجان وتوقف بها إلى انصراف الشتاء، ثم دلف منها إلى دامغان، ووجه عليا الحاجب في مقدمة العسكر إلى الري، فبرز رستم بن علي على حكم الاستسلام والاضطرار، فقبض عليه وعلى أعيان الباطنية من قواده, ثم خرج الديالمة معترفين بذنوبهم شاهدين بالكفر والرفض على نفوسهم، فرجع إلى الفقهاء في تعرف أحوالهم، فاتفقوا على أنهم خارجون عن الطاعة وداخلون في أهل الفساد، مستمرون على العناد، فيجب عليهم القتل والقطع والنفي على مراتب جناياتهم، وذكر هؤلاء الفقهاء أن أكثر القوم لا يقيمون الصلاة، ولا يؤتون الزكاة، ولا يعرفون شرائط الإسلام، ولا يميزون بين الحلال والحرام، بل يجاهرون بالقذف وشتم الصحابة، ويعتقدون ذلك ديانة، والأمثل منهم يتقلد مذهب الاعتزال، والباطنية منهم لا يؤمنون بالله عز وجل وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر، وأنهم يعدون جميع الملل مخاريق الحكماء، ويعتقدون مذهب المزدكية: الإباحة في الأموال والفروج والدماء، يدعون الإسلام بإعلان الشهادة، ثم يجاهرون بترك الصلاة والزكاة، والصوم والغسل، وأكل الميتة، فقضى الانتصار لدين الله تعالى بتميز هؤلاء الباطنية عنهم، فصلبوا على شارع مدينة طالما تملكوها غصبا، واقتسموا أموالها نهبا، وقد كانوا بذلوا أموالا جمة يفتدون بها نفوسهم، وضم إليهم أعيان المعتزلة والغلاة من الروافض؛ ليتخلص الناس من فتنتهم، ثم نظر فيما اختزنه رستم بن علي فعثر على أموال طائلة وأثاث عظيم.

ومن الكتب خمسون حملا ما خلا كتب المعتزلة والفلاسفة والروافض، فأحرقت تحت جذوع المصلوبين؛ إذ كانت أصول البدع، فخلت هذه البقعة من دعاة الباطنية وأعيان المعتزلة وغلاة الروافض، وانتصرت السنة، فطالع العبد بحقيقة ما يسره الله تعالى لأنصار الدولة القاهرة".


كان حسان بن الجراح قد خرج على الحاكم، وأمده الروم، ثم إن الظاهر لما عقد المعاهدة مع الروم كان منها عدم إمداد حسان، فلما كانت هذه السنة أرسل الظاهر الفاطمي جيشا بقيادة أنوشتكين التركي لما بلغه أن حسان وسنان بن عليان أمير بني كلاب وصالح بن مرداس أمير حلب اتفقوا على إخراج الفاطميين من الشام واقتسامها بينهم، فكانت الحرب بين جيش الفاطميين وبينهم في موقع يدعى الأقحوانة عند طبرية، وكان من نتائج الحرب مقتل صالح بن مرداس وهروب حسان ولجوئه إلى الروم.


في الثامن عشر من رجب جمع القضاة والعلماء في دار الخلافة، وقرئ عليهم كتاب كان القادر بالله قد جمع فيه مواعظ وتفاصيل مذاهب أهل البصرة، وفيه الرد على أهل البدع، وتفسيق من قال بخلق القرآن، وصفة ما وقع بين بشر المريسي وعبد العزيز بن يحيى الكناني من المناظرة، ثم ختم القول بالمواعظ والقول بالمعروف، والنهي عن المنكر، وأخذ خطوط الحاضرين بالموافقة على ما سمعوه، وفي يوم الاثنين غرة ذي القعدة جمعوا أيضا كلهم، وقرئ عليهم كتاب آخر طويل يتضمن بيان السنة، والرد على أهل البدع، ومناظرة بشر المريسي والكناني أيضا، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وفضل الصحابة، وذكر فضائل أبي بكر الصديق وعمر بن الخطاب رضي الله عنهما، ولم يفرغوا منه إلا بعد العتمة، وأخذت خطوطهم بموافقة ما سمعوه، وعزل خطباء الشيعة، وولى خطباء السنة، وجرت فتنة بمسجد براثا، وضرب الشيعة الخطيب السني بالآجر، حتى كسروا أنفه وخلعوا كتفه، فانتصر له الخليفة، وأهان الشيعة وأذلهم، حتى جاؤوا يعتذرون مما صنعوا، وأن ذلك إنما تعاطاه السفهاء منهم.


خرج ملك الروم من القسطنطينية في ثلاثمئة ألف مقاتل إلى الشام، فلم يزل بعساكره حتى بلغوا قريب حلب، وصاحبها شبل الدولة نصر بن صالح بن مرداس، فنزلوا على يوم منها، فلحقهم عطش شديد، وكان الزمان صيفا، وكان أصحابه مختلفين عليه، فمنهم من يحسده، ومنهم من يكرهه، وممن كان معه ابن الدوقس، ومن أكابرهم، وكان يريد هلاك الملك ليملك بعده، فقال الملك: الرأي أن نقيم حتى تجيء الأمطار وتكثر المياه.

فقبح ابن الدوقس هذا الرأي، وأشار بالإسراع قصدا لشر يتطرق إليه، ولتدبير كان قد دبره عليه.

فسار، ففارقه ابن الدوقس وابن لؤلؤ في عشرة آلاف فارس، وسلكوا طريقا آخر، فخلا بالملك بعض أصحابه وأعلمه أن ابن الدوقس وابن لؤلؤ قد حالفا أربعين رجلا، هو أحدهم، على الفتك به، واستشعر من ذلك وخاف، ورحل من يومه راجعا، ولحقه ابن الدوقس، وسأله عن السبب الذي أوجب عوده، فقال له: قد اجتمعت علينا العرب وقربوا منا، وقبض في الحال على ابن الدوقس وابن لؤلؤ وجماعة معهما، فاضطرب الناس واختلفوا، ورحل الملك، وتبعهم العرب وأهل السواد حتى الأرمن يقتلون وينهبون، وأخذوا من الملك أربعمئة بغل محملة مالا وثيابا، وهلك كثير من الروم عطشا، ونجا الملك وحده، ولم يسلم معه من أمواله وخزائنه شيء البتة، {وكفى الله المؤمنين القتال وكان الله قويا عزيزا}، وقيل في عوده غير ذلك، وهو أن جمعا من العرب ليس بالكثير عبر على عسكره، وظن الروم أنها كبسة، فلم يدروا ما يفعلون، حتى إن ملكهم لبس خفا أسود، وعادة ملوكهم لبس الخف الأحمر، فتركه ولبس الأسود ليعمي خبره على من يريده، وانهزموا، وغنم المسلمون جميع ما كان معهم.


هو يمين الدولة، فاتح الهند: أبو القاسم، الملك السلطان محمود بن سيد الأمراء ناصر الدولة سبكتكين، التركي، صاحب خراسان والهند.

ولد في غزنة سنة 361.

كان- رحمه الله- صادق النية في إعلاء الدين، مظفرا كثير الغزو، وكان ذكيا بعيد الغور، صائب الرأي، وكان مجلسه مورد العلماء.

كان والده أبو منصور سبكتكين قد تولى إمرة غزنة بعد وفاة واليها ابن السكين, فتمكن فيها وعظم أمره، ثم أخذ يغير على أطراف الهند، وافتتح قلاعا، وتمت له ملاحم مع الهنود، وافتتح ناحية بست، وكان سبكتكين ناصرا للسنة وقامعا للبدعة, ولما مات سنة 387، تولى حكم غزنة ابنه محمود بعد نزاع مع أخيه إسماعيل الذي كان والدهما عهد له من بعده.

حارب محمود النواب السامانيين، وخافته الملوك.

وضم إقليم خراسان، ونفذ إليه الخليفة العباسي القادر بالله خلع السلطنة، ولقبه يمين الدولة، وفرض على نفسه كل سنة غزو الهند، فافتتح بلادا شاسعة منها، وكسر أصنام الهند، وأعظمها عند الهنود سومنات.

كان السلطان محمود ربعة، فيه سمن وشقرة، ولحيته مستديرة، غليظ الصوت، وفي عارضيه شيب, وكان مكرما لأمرائه وأصحابه، وإذا نقم عاجل، وكان لا يفتر ولا يكاد يقر.

كان يعتقد في الخليفة العباسي القادر بالله، ويخضع لجلاله، ويحمل إليه قناطير من الذهب، وكان إلبا على القرامطة والإسماعيلية، والفلاسفة المتكلمة، وكان فيه شدة وطأة على الرعية؛ لكن كانوا في أمن وإقامة سياسة.

من سلاطين وملوك الإسلام الذين كان لهم دور عظيم في نشر السنة وقمع البدعة, قال ابن كثير: "في سنة 408 استتاب القادر بالله الخليفة فقهاء المعتزلة، فأظهروا الرجوع وتبرؤوا من الاعتزال والرفض والمقالات المخالفة للإسلام، وأمر عماله بالمثل, فامتثل محمود بن سبكتكين أمر أمير المؤمنين في ذلك, واستن بسنته في أعماله التي استخلفه عليها من بلاد خراسان وغيرها في قتل المعتزلة والرافضة والإسماعيلية والقرامطة، والجهمية والمشبهة، وصلبهم وحبسهم, ونفاهم وأمر بلعنهم على المنابر, وأبعد جميع طوائف أهل البدع، ونفاهم عن ديارهم، وصار ذلك سنة في الإسلام" قال شيخ الإسلام ابن تيمية: "لما كانت مملكة محمود بن سبكتكين من أحسن ممالك بني جنسه، كان الإسلام والسنة في مملكته أعز؛ فإنه غزا المشركين من أهل الهند، ونشر من العدل ما لم ينشره مثله، فكانت السنة في أيامه ظاهرة، والبدع في أيامه مقموعة".

قال ابن كثير: "كان يمين الدولة يخطب في سائر ممالكه للخليفة القادر بالله، وكانت رسل الفاطميين من مصر تفد إليه بالكتب والهدايا لأجل أن يكون من جهتهم، فيحرق بهم ويحرق كتبهم وهداياهم، وفتح في بلاد الكفار من الهند فتوحات هائلة، لم يتفق لغيره من الملوك، لا قبله ولا بعده، وغنم منهم مغانم كثيرة لا تنحصر ولا تنضبط، من الذهب والمجوهرات، والسبي، وكسر من أصنامهم شيئا كثيرا، وأخذ من حليتها, ومن جملة ما بلغ تحصيله من سومنات أعظم أصنامهم من حلي الذهب عشرون ألف ألف دينار، وكسر ملك الهند الأكبر الذي يقال له صينال، وقهر ملك الترك الأعظم الذي يقال له إيلك الخان، وأباد ملك السامانية، الذين ملكوا العالم في بلاد سمرقند وما حولها، وبنى على جيحون جسرا عظيما أنفق عليه ألفي ألف دينار، وهذا شيء لم يتفق لغيره، وكان في جيشه أربعمئة فيل تقاتل معه، وهذا شيء عظيم وهائل، وكان مع هذا في غاية الديانة والصيانة وكراهة المعاصي وأهلها، لا يحب منها شيئا، ولا يألفه، ولا أن يسمع بها، ولا يجسر أحد أن يظهر معصية ولا خمرا في مملكته، ولا غير ذلك، ولا يحب الملاهي ولا أهلها، وكان يحب العلماء والمحدثين ويكرمهم ويجالسهم، ويحب أهل الخير والدين والصلاح، ويحسن إليهم، وكان حنفيا ثم صار شافعيا على يدي أبي بكر القفال الصغير على ما ذكره إمام الحرمين وغيره".

ثم إنه ملك سجستان سنة 393، بدخول قوادها وولاة أمورها في طاعته من غير قتال, ولم يزل يفتح بلاد الهند إلى أن انتهى إلى حيث لم تبلغه في الإسلام راية، ولم تتل به سورة قط ولا آية، فدحض عنها أدناس الشرك، وبنى بها مساجد وجوامع.

توفي يمين الدولة أبو القاسم محمود بن سبكتكين في ربيع الآخر، وقيل: في أحد عشر صفر، وكان مرضه سوء مزاج وإسهالا، وبقي كذلك نحو سنتين، فلم يزل كذلك حتى توفي قاعدا، فلما حضره الموت أوصى بالملك لابنه محمد، وهو ببلخ، وكان أصغر من مسعود، إلا أنه كان معرضا عن مسعود؛ لأن أمره لم يكن عنده نافذا، وسعى بينهما أصحاب الأغراض، فزادوا أباه نفورا عنه، فلما وصى بالملك لولده محمد توفي، خطب لمحمد من أقاصي الهند إلى نيسابور، وكان لقبه جلال الدولة، وأرسل إليه أعيان دولة أبيه يخبرونه بموت أبيه ووصيته له بالملك، ويستدعونه، ويحثونه على السرعة، ويخوفونه من أخيه مسعود، فحين بلغه الخبر سار إلى غزنة، فوصلها بعد موت أبيه بأربعين يوما، فاجتمعت العساكر على طاعته، وفرق فيهم الأموال والخلع النفيسة، فأسرف في ذلك.

لكن أخاه مسعودا نازعه الحكم فانتزعه منه.


مرض الخليفة القادر بالله، وأرجف بموته، فجلس جلوسا عاما وأذن للخاصة والعامة فوصلوا إليه، فلما اجتمعوا قام الصاحب أبو الغنائم محمد بن أحمد فقال: خدم مولانا أمير المؤمنين داعون له بإطالة البقاء، وشاكرون لما بلغهم من نظره لهم وللمسلمين، باختيار الأمير أبي جعفر عبد الله بن القادر لولاية العهد، فقال الخليفة للناس: قد أذنا في العهد له، وكان أراد أن يبايع له قبل ذلك، فثناه عنه أبو الحسن بن حاجب النعمان، فلما عهد إليه ألقيت الستارة، وقعد أبو جعفر على السرير الذي كان قائما عليه، وخدمه الحاضرون وهنؤوه، وتقدم أبو الحسن بن حاجب النعمان فقبل يده وهنأه، ودعي له على المنابر يوم الجمعة لتسع بقين من جمادى الأولى.


لما توفي يمين الدولة وكان قد عهد لابنه محمد دون مسعود، وكان ابنه مسعود بأصبهان، فلما بلغه الخبر سار إلى خراسان، واستخلف بأصبهان بعض أصحابه في طائفة من العسكر، فحين فارقها ثار أهلها بالوالي عليهم فقتلوه، وقتلوا من معه من الجند، وأتى مسعودا الخبر، فعاد إليها وحصرها، وفتحها عنوة، وقتل فيها فأكثر، ونهب الأموال، واستخلف فيها رجلا كافيا، وكتب إلى أخيه محمد يعلمه بذلك، وأنه لا يريد من البلاد التي وصى له أبوه بها شيئا، وأنه يكتفي بما فتحه من بلاد طبرستان، وبلد الجبل، وأصبهان، وغيرها، ويطلب منه الموافقة، وأن يقدمه في الخطبة على نفسه، فأجابه محمد جواب مغالط، وكان مسعود قد وصل إلى الري، فأحسن إلى أهلها، وسار منها إلى نيسابور، ففعل مثل ذلك، وأما محمد فإنه أخذ على عسكره العهود والمواثيق على المناصحة له، والشد منه، وسار في عساكره إلى أخيه مسعود محاربا له، وكان بعض عساكره يميل إلى أخيه مسعود لكبره وشجاعته، ولأنه قد اعتاد التقدم على الجيوش، وفتح البلاد، وبعضهم يخافه لقوة نفسه، وكان محمد قد جعل مقدم جيشه عمه يوسف بن سبكتكين، وكان من أعيان أصحاب أبيه محمود ممن أشار عليه بموافقة أخيه وترك مخالفته، فلم يصغ إلى قوله، وسار فوصل إلى تكناباذ أول يوم من رمضان، وأقام إلى العيد، فعيد هناك، فلما كان ليلة الثلاثاء ثالث شوال ثار به جنده، فأخذوه وقيدوه وحبسوه، وكان مشغولا بالشراب واللعب عن تدبير المملكة، والنظر في أحوال الجند والرعايا، فلما قبضوا عليه نادوا بشعار أخيه مسعود، ورفعوا محمدا إلى قلعة تكناباذ، وكتبوا إلى مسعود بالحال.

فكان اجتماع الملك له واتفاق الكلمة عليه في ذي القعدة، وكان وصول مسعود إلى غزنة ثامن جمادى الآخرة من سنة 422، فلما وصل إليها وثبت ملكه بها أتته رسل الملوك من سائر الأقطار إلى بابه، واجتمع له ملك خراسان، وغزنة، وبلاد الهند والسند، وسجستان، وكرمان، ومكران، والري، وأصبهان، وبلد الجبل، وغير ذلك، وعظم سلطانه وخيف جانبه.


كانت الرها بيد نصر الدولة بن مروان، فلما قتل عطير الذي كان صاحبها، شفع صالح بن مرداس، صاحب حلب، إلى نصر الدولة ليعيد الرها إلى ابن عطير، وإلى ابن شبل، بينهما نصفين، فقبل شفاعته، وسلمها إليهما، وكان في الرها برجان حصينان أحدهما أكبر من الآخر، فتسلم ابن عطير الكبير، وابن شبل الصغير، وبقيت المدينة معهما إلى هذه السنة، فراسل ابن عطير أرمانوس ملك الروم، وباعه حصته من الرها بعشرين ألف دينار، وعدة قرى من جملتها قرية تعرف إلى الآن بسن ابن عطير، وتسلموا البرج الذي له، ودخلوا البلد فملكوه، وهرب أصحاب ابن شبل من البرج الآخر، وقتل الروم المسلمين، وخربوا المساجد، وسمع نصر الدولة الخبر، فسير جيشا إلى الرها، فحصروها وفتحوها عنوة، واعتصم من بها من الروم بالبرجين، واحتمى النصارى بالبيعة التي لهم، وهي من أكبر البيع وأحسنها عمارة، فحصرهم المسلمون بها، وأخرجوهم، وقتلوا أكثرهم، ونهبوا البلد، وبقي الروم في البرجين، وسير إليهم عسكرا نحو عشرة آلاف مقاتل، فانهزم أصحاب ابن مروان من بين أيديهم، ودخلوا البلد وما جاورهم من بلاد المسلمين، وصالحهم ابن وثاب النميري على حران وسروج وحمل إليهم خراجا.


سير الظاهر حاكم مصر العبيدي إلى الشام الدزبري وزيره، فملكه، وقصد حسان بن المفرج الطائي، فألح في طلبه، فهرب منه، ودخل بلد الروم ولبس خلعة ملكهم، وخرج من عنده وعلى رأسه علم فيه صليب، ومعه عسكر كثير، فسار إلى أفامية فكبسها، وغنم ما فيها، وسبى أهلها، وأسرهم، وسير الدزبري إلى البلاد يستنفر الناس للغزو وخرج فخافه نصر بن صالح وقرر لملك الروم على نفسه خمسمئة ألف درهم، صرف ستين درهما بدينار، على أن يحميه، وذلك في جمادى الأولى؛ فاتفق مرض الدزبري بدمشق، وأرجف به، ثم عوفي.


كان المعتد بالله أبو بكر هشام بن محمد بن عبد الملك بن عبد الرحمن الناصر الأموي أمير قرطبة، لكنه لم يقم بها إلا يسيرا حتى قامت عليه طائفة من الجند فخلع، وجرت أمور من جملتها إخراج المعتد بالله من قصره هو وحشمه والنساء حاسرات عن أوجههن حافية أقدامهن إلى أن أدخلوا الجامع الأعظم على هيئة السبايا، فأقاموا هنالك أياما يتعطف عليهم بالطعام والشراب إلى أن أخرجوا عن قرطبة، ولحق هشام ومن معه بالثغور بعد اعتقاله بقرطبة، فلم يزل يجول في الثغور إلى أن لحق بابن هود المتغلب على مدينة لاردة وسرقسطة وأفراغة وطرطوشة وما والى تلك الجهات، فأقام عنده هشام إلى أن مات في سنة 427 ولا عقب له، فهشام هذا آخر ملوك بني أمية بالأندلس، وبخلعه انقطعت الدعوة لبني أمية وذكرهم على المنابر بجميع أقطار الأندلس، ولما انقطعت دعوة بني أمية استولى على تدبير ملك قرطبة أبو الحزم جهور بن محمد بن جهور وهو قديم الرياسة شريف البيت، كان آباؤه وزراء الدولة الحكمية والعامرية، فلما خلا له الجو وأصفر الفناء وأقفر النادي من الرؤساء وأمكنته الفرصة؛ وثب عليها فتولى أمرها واضطلع بحمايتها، ولم ينتقل إلى رتبة الإمارة ظاهرا بل دبرها تدبيرا لم يسبق إليه؛ وذلك أنه جعل نفسه ممسكا للموضع إلى أن يجيء من يتفق الناس على إمارته فيسلم إليه ذلك، ورتب البوابين والحشم على تلك القصور على ما كانت عليه أيام الدولة، ولم يتحول عن داره إليها، وجعل ما يرتفع من الأموال السلطانية بأيدي رجال رتبهم لذلك، وهو المشرف عليهم، وصير أهل الأسواق جندا له وجعل أرزاقهم رؤوس أموال تكون بأيديهم محصاة عليهم، يأخذون ربحها، ورؤوس الأموال باقية محفوظة يؤخذون بها ويراعون في كل وقت كيف حفظهم لها، وفرق السلاح عليهم واستمر أمره على ذلك إلى أن مات في غرة صفر سنة 435، ثم ولي ما كان يتولى من أمر قرطبة بعده ابنه أبو الوليد محمد بن جهور فجرى في السياسة وحسن التدبير على سنن أبيه غير مخل بشيء من ذلك إلى أن مات أبو الوليد في شوال من سنة 443.


تجددت الفتنة ببغداد بين السنة والشيعة، وكان سبب ذلك أن الوزير أبا القاسم علي بن أحمد الملقب بالمذكور أظهر العزم على الغزاة، واستأذن الخليفة في ذلك، فأذن له، وكتب له منشور من دار الخلافة، وأعطى علما، فاجتمع له لفيف كثير، فسار واجتاز بباب الشعير، وطاق الحراني، وبين يديه الرجال بالسلاح، فصاحوا بذكر أبي بكر وعمر، رضي الله عنهما، وقالوا: هذا يوم معاوية، فنافرهم أهل الكرخ ورموهم، وثارت الفتنة، ونهبت دور اليهود؛ لأنهم قيل عنهم إنهم أعانوا أهل الكرخ، فلما كان الغد اجتمع السنة من الجانبين، ومعهم كثير من الأتراك، وقصدوا الكرخ، فأحرقوا وهدموا الأسواق، وأشرف أهل الكرخ على خطة عظيمة.

وأنكر الخليفة ذلك إنكارا شديدا، ونسب إليهم تخريق علامته التي مع الغزاة، فركب الوزير فوقعت في صدره آجرة، فسقطت عمامته، وقتل من أهل الكرخ جماعة، وأحرق وخرب في هذه الفتنة سوق العروس، وسوق الصفارين، وسوق الأنماط، وسوق الدقاقين، وغيرها، واشتد الأمر، ووقع القتال في أصقاع البلد من جانبيه، وقتل أهل الكرخ، ونهر طابق، والقلائين– صنعتهم القلي-، وباب البصرة، وفي الجانب الشرقي أهل سوق الثلاثاء، وسوق يحيى، وباب الطاق، والأساكفة، والرهادرة، ودرب سليمان، فقطع الجسر ليفرق بين الفريقين، ودخل العيارون– والعيارون: لصوص يمتهنون النهب والدعارة - البلد، وكثر الاستقفاء بها ليلا ونهارا.

وأظهر الجند كراهة الملك جلال الدولة، وأرادوا قطع خطبته، ففرق فيهم مالا وحلف لهم فسكنوا، ثم عاودوا الشكوى إلى الخليفة منه، وطلبوا أن يأمر بقطع خطبته، فلم يجبهم إلى ذلك، فامتنع حينئذ جلال الدولة من الجلوس، ودامت هذه الحال إلى عيد الفطر، ثم حدث في شوال فتنة بين أصحاب الأكيسة وأصحاب الخلعان، وهما شيعة، وزاد الشر، ودام إلى ذي الحجة، فنودي في الكرخ بإخراج العيارين، فخرجوا، واعترض أهل باب البصرة قوما من قم أرادوا زيارة مشهد علي والحسين، فقتلوا منهم ثلاثة نفر، وامتنعت زيارة مشهد موسى بن جعفر.


هو الخليفة أبو العباس أحمد بن الأمير إسحاق بن المقتدر جعفر بن المعتضد العباسي البغدادي.

ولد سنة 336.

وأمه اسمها: تمني, ماتت في دولته، وكان أبيض كث اللحية يخضب, دينا عالما متعبدا وقورا، من جلة الخلفاء وأمثلهم.

عده ابن الصلاح في الشافعية؛ فقد تفقه على أبي بشر أحمد بن محمد الهروي.

قال الخطيب البغدادي: "كان القادر بالله من الستر والديانة، وإدامة التهجد بالليل وكثرة البر والصدقات على صفة اشتهرت عنه" وكان قد صنف كتابا في الأصول ذكر فيه فضائل الصحابة على ترتيب مذهب أهل الحديث, وأورد في كتابه فضائل عمر بن عبد العزيز، وإكفار المعتزلة والقائلين بخلق القرآن, وكان الكتاب يقرأ كل جمعة في حلقة أصحاب الحديث.

قال شيخ الإسلام ابن تيمية: "كان في أيام المتوكل قد عز الإسلام حتى ألزم أهل الذمة بالشروط العمرية وألزموا الصغار، فعزت السنة والجماعة, وقمعت الجهمية والرافضة ونحوهم، وكذلك في أيام المعتضد، والمهتدي، والقادر بالله، وغيرهم من الخلفاء الذين كانوا أحمد سيرة وأحسن طريقة من غيرهم, وكان الإسلام في زمنهم أعز، وكانت السنة بحسب ذلك" أمر القادر بالله بعمل محضر يتضمن القدح في نسب العبيدية، وأنهم منسوبون إلى ديصان بن سعيد الخرمي، أخذ عليه خطوط العلماء والقضاة والطالبيين، كما استتاب فقهاء المعتزلة، فأظهروا الرجوع وتبرؤوا من الاعتزال والرفض والمقالات المخالفة للإسلام.

توفي القادر بالله وكانت خلافته إحدى وأربعين سنة وثلاثة أشهر وعشرين يوما، وكانت الخلافة قبله قد طمع فيها الديلم والأتراك، فلما وليها القادر بالله أعاد جدتها، وجدد ناموسها، وألقى الله هيبته في قلوب الخلق، فأطاعوه أحسن طاعة وأتمها، فلما مات القادر بالله جلس ابنه القائم بأمر الله أبو جعفر عبد الله، وجددت له البيعة، وكان أبوه قد بايع له بولاية العهد سنة 421، واستقرت الخلافة له، وأول من بايعه الشريف أبو القاسم المرتضى، وأرسل القائم بأمر الله قاضي القضاة أبا الحسن الماوردي إلى الملك أبي كاليجار؛ ليأخذ عليه البيعة، ويخطب له في بلاده، فأجاب وبايع، وخطب له في بلاده.


كان الطاعون ببلاد الهند والعجم، وعظم إلى الغاية، وكان أكثره بغزنة وخراسان وجرجان والري وأصبهان ونواحي الجبل إلى حلوان، وامتد إلى الموصل والجزيرة وبغداد، ثم امتد إلى شيراز، وتبعه غلاء شديد، واستسقى الناس فلم يسقوا، وكان عاما في جميع البلاد، وكثر الموت، فدفن في أصبهان في عدة أيام أربعون ألف ميت، وكثر الجدري في الناس فأحصي بالموصل أنه مات به أربعة آلاف صبي، ولم تخل دار من مصيبة لعموم المصائب وكثرة الموت، وممن أصيب بالجدري الخليفة القائم بأمر الله ثم سلم.


جمع نائب نصر الدولة بن مروان بالجزيرة جمعا ينيف على عشرة آلاف رجل، وغزا من يقاربه من الأرمن، وأوقع بهم وأثخن فيهم، وغنم وسبى كثيرا، وعاد ظافرا منصورا


كان بين أهل تونس من إفريقية خلاف، فسار المعز بن باديس صاحب إفريقية إليهم بنفسه، فأصلح بينهم، وسكنت الفتنة وعاد.


اجتمع ناس كثير من الشيعة بإفريقية، وساروا إلى أعمال نفطة، فاستولوا على بلد منها وسكنوه، فجرد إليهم المعز بن باديس صاحب إفريقية عسكرا، فدخلوا البلاد وحاربوا الشيعة وقتلوهم أجمعين.


خرجت العرب على حجاج البصرة ونهبوهم، وحج الناس من سائر البلاد إلا من العراق.


تجددت الفتنة بين جلال الدولة البويهي وبين الأتراك، فأغلق بابه، فجاءت الأتراك ونهبوا داره، وسلبوا الكتاب وأرباب الديوان ثيابهم، وطلبوا الوزير أبا إسحاق السهلي، فهرب إلى حلة كمال الدولة غريب بن محمد، وخرج جلال الدولة إلى عكبرا في شهر ربيع الآخر، وخطب الأتراك ببغداد للملك أبي كاليجار، وأرسلوا إليه يطلبونه وهو بالأهواز، فمنعه العادل بن مافنة عن الإصعاد إلى أن يحضر بعض قوادهم، فلما رأوا امتناعه من الوصول إليهم، أعادوا خطبة جلال الدولة، وساروا إليه، وسألوه العود إلى بغداد، واعتذروا، فعاد إليها بعد ثلاثة وأربعين يوما.


ثارت الأتراك بالملك جلال الدولة البويهي ليأخذوا أرزاقهم، وأخرجوه من داره، ورسموا عليه في المسجد، وأخرجت حريمه، فذهب في الليل إلى دار الشريف المرتضى فنزلها، ثم اصطلحت الأتراك عليه وحلفوا له بالسمع والطاعة، وردوه إلى داره.


ثار العيارون ببغداد-والعيارون لصوص يمتهنون النهب والدعارة - وأخذوا أموال الناس ظاهرا، وعظم الأمر على أهل البلد، وطمع المفسدون إلى حد أن بعض القواد الكبار أخذ أربعة من العيارين، فجاء عقيدهم وأخذ من أصحاب القائد أربعة، وحضر باب داره ودق عليه الباب، فكلمه من داخل، فقال العقيد: قد أخذت من أصحابك أربعة، فإن أطلقت من عندك أطلقت من عندي، وإلا قتلتهم، وأحرقت دارك! فأطلقهم القائد.


لما استقر الملك لمسعود بن سبكتكين بعد أبيه أقر بما كان قد فتحه أبوه من الهند نائبا يسمى أحمد ينالتكين، وقد كان أبوه محمد استنابه بها ثقة بجلده ونهضته، فرسخت قدمه فيها، وظهرت كفايته.

ثم إن مسعودا بعد فراغه من تقرير قواعد الملك، والقبض على عمه يوسف والمخالفين له، سار إلى خراسان عازما على قصد العراق، فلما أبعد عصى ذلك النائب بالهند، فاضطر مسعود إلى العودة، فأرسل إلى علاء الدولة بن كاكويه.

وأمره على أصبهان على مال يؤديه إليه كل سنة، وكان علاء الدولة قد أرسل يطلب ذلك، فأجابه إليه، وأقر ابن قابوس بن وشمكير على جرجان وطبرستان على مال يؤديه إليه، وسير أبا سهل الحمدوني إلى الري للنظر في أمور هذه البلاد الجبلية، والقيام بحفظها، ولما سار أبو سهل إلى الري أحسن إلى الناس، وأظهر العدل، فأزال الأقساط والمصادرات، وكان تاش فراش والي الري السابق قد ملأ البلاد ظلما وجورا، حتى تمنى الناس الخلاص منه ومن دولة ابن سبكتكين، وخربت البلاد، وتفرق أهلها، فلما ولي الحمدوني، وأحسن وعدل، عادت البلاد فعمرت، والرعية أمنت، وكان الإرجاف شديدا بالعراق لما كان الملك مسعود بنيسابور، فلما عاد سكن الناس واطمأنوا.


فتح السلطان مسعود بن محمود بن سبكتكين قلعة سرستي وما جاورها من بلاد الهند، وكان سبب ذلك عصيان نائبه بالهند أحمد ينالتكين عليه ومسيره إليه، فلما عاد أحمد إلى طاعته أقام بتلك البلاد طويلا حتى أمنت واستقرت، وقصد قلعة سرستي، وهي من أمنع حصون الهند وأحصنها، فحصرها، وقد كان أبوه حصرها غير مرة، فلم يتهيأ له فتحها، فلما حصرها مسعود راسله صاحبها، وبذل له مالا على الصلح، فأجابه إلى ذلك وكان فيها قوم من التجار المسلمين، فعزم صاحبها على أخذ أموالهم وحملها إلى مسعود من جملة القرار عليه، فكتب التجار رقعة في نشابة ورموا إليه يعرفونه فيها ضعف الهنود بها، وأنه إن صابرهم ملكهم، فرجع عن الصلح إلى الحرب، وطم خندقها بالشجر وقصب السكر وغيره، وفتح الله عليه، وقتل كل من فيها، وسبى ذراريهم، وأخذ ما جاورها من البلاد، وكان عازما على طول المقام والجهاد، فأتاه من خراسان خبر اجتياح الغز التركمان بلاده، فعاد إلى غزنة.


كانت قلعة بركوي المتاخمة للأرمن في يد أبي الهيجاء بن ربيب الدولة، ابن أخت وهسوذان بن مملان، فتنافر هو وخاله، فأرسل خاله إلى الروم فأطمعهم فيها، فسير ملك الروم إليها جمعا كثيرا فملكوها، فبلغ الخبر إلى الخليفة العباسي القائم بأمر الله، فأرسل إلى أبي الهيجاء وخاله من يصلح بينهما ليتفقا على استعادة القلعة، فاصطلحا، ولم يتمكنا من استعادتها، واجتمع إليهما خلق كثير من المتطوعة، فلم يقدروا على ذلك؛ لثبات قدم الروم بها.


جمع ابن وثاب النميري جمعا كثيرا من العرب وغيرهم، واستعان بمن بالرها من الروم على المسلمين، فسار معه منهم جيش كثيف، وقصد بلد نصر الدولة أحمد بن مروان الكردي صاحب ديار بكر، ونهب وأخرب.

فجمع ابن مروان جموعه وعساكره واستمد قرواشا أمير بني عقيل وغيره، وأتته الجنود من كل ناحية، فلما رأى ابن وثاب ذلك وأنه لا يتم له غرض عاد عن بلاده، وأرسل ابن مروان إلى ملك الروم يعاتبه على نقض الهدنة وفسخ الصلح الذي كان بينهما، وراسل أصحاب الأطراف يستنجدهم للغزاة، فكثر جمعه من الجند والمتطوعة، وعزم على قصد الرها ومحاصرتها، فوردت رسل ملك الروم يعتذر، ويحلف أنه لم يعلم بما كان، وأرسل إلى عسكره الذين بالرها والمقدم عليهم ينكر ذلك، وأهدى إلى نصر الدولة هدية سنية، فترك ما كان عازما عليه من الغزو، وفرق العساكر المجتمعة عنده.


وهن أمر الخلافة والسلطنة ببغداد، حتى إن بعض الجند خرجوا إلى قرية يحيى، فلقيهم أكراد، فأخذوا دوابهم، فعادوا إلى حقل الخليفة القائم بأمر الله، فنهبوا شيئا من ثمرته، وقالوا للعاملين فيه: أنتم عرفتم حال الأكراد ولم تعلمونا، فسمع الخليفة الحال، فعظم عليه، ولم يقدر جلال الدولة البويهي على أخذ أولئك الأكراد لعجزه ووهنه، واجتهد في تسليم الجند إلى نائب الخليفة، فلم يمكنه ذلك، فتقدم الخليفة إلى القضاة بترك القضاء والامتناع عنه، وإلى الشهود بترك الشهادة، وإلى الفقهاء بترك الفتوى، فلما رأى جلال الدولة ذلك سأل أولئك الأجناد ليجيبوه إلى أن يحملهم إلى ديوان الخلافة، ففعلوا، فلما وصلوا إلى دار الخلافة أطلقوا، وعظم أمر العيارين– العيارون لصوص يمتهنون النهب والدعارة - وصاروا يأخذون الأموال ليلا ونهارا، ولا مانع لهم؛ لأن الجند يحمونهم على السلطان ونوابه، والسلطان عاجز عن قهرهم، وانتشر العرب في البلاد فنهبوا النواحي، وقطعوا الطريق، وبلغوا إلى أطراف بغداد، حتى وصلوا إلى جامع المنصور، وأخذوا ثياب النساء من المقابر.