Warning: Undefined array key "sirA3lam" in /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f704007db74beca75b87a603e53b9db7fc676f54_0.file.history.tpl.php on line 73
Warning: Attempt to read property "value" on null in /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f704007db74beca75b87a603e53b9db7fc676f54_0.file.history.tpl.php on line 73
Warning: Trying to access array offset on value of type null in /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f704007db74beca75b87a603e53b9db7fc676f54_0.file.history.tpl.php on line 73
أمر عثمان عبد الله بن سعد بن أبي السرح أن يغزو بلاد أفريقيا فإذا افتتحها الله عليه فله خمس الخمس من الغنيمة نفلا، فسار إليها في عشرة آلاف فافتتحها سهلها وجبلها، وقتل جرجير ملك الروم وخلقا كثيرا من أهلها، ثم اجتمع أهل أفريقيا على الإسلام، وحسنت طاعتهم.
أخذ عبد الله بن سعد خمس الخمس من الغنيمة، ثم بعث بخمس إلى عثمان، وقسم الباقي بين الجيش، فأصاب الفارس ثلاثة آلاف دينار، والراجل ألف دينار.
ثم ضرب عبد الله بن أبي السرح فسطاطا في موضع القيروان، ووفد وفدا من جنده لعثمان، فشكوا عبد الله فيما أخذ، فقال لهم: أنا نفلته, وقد أمرت له بذلك، وذاك إليكم الآن، فإن رضيتم فقد جاز، وإن سخطتم فهو رد.
قالوا: فإنا نسخطه.
قال: فهو رد.
وكتب إلى عبد الله برد ذلك واستصلاحهم، قالوا: فاعزله عنا، فإنا لا نريد أن يتأمر علينا، وقد وقع ما وقع.
فكتب إليه أن استخلف على أفريقيا رجلا ممن ترضى ويرضون، واقسم الخمس الذي كنت نفلتك في سبيل الله، فإنهم قد سخطوا النفل.
ففعل، ورجع عبد الله بن سعد إلى مصر وقد فتح أفريقيا.
لما افتتحت أفريقيا أمر عثمان عبد الله بن نافع وعبد الله بن عبد القيس أن يسيرا إلى الأندلس، فغزاها من قبل البحر، وكتب عثمان إلى من انتدب معهما: أما بعد فإن القسطنطينية إنما تفتح من قبل الأندلس.
فخرجوا ومعهم البربر، ففتح الله على المسلمين وزاد في سلطان المسلمين مثل أفريقيا.
لما توفي يزيد بن الوليد وكان قد عهد لأخيه إبراهيم، فلما سمع مروان بن محمد بن عبد الملك بذلك، واستلام إبراهيم بن الوليد، قفل من خرسان بالجزيرة وسار إلى دمشق وأخذ البيعة لنفسه، فمال إليه من قنسرين ومن حمص الكثير، ثم جرت معركة بينه وبين جند إبراهيم انتصر فيها مروان، ثم لما وصل لدمشق هرب إبراهيم وقتله عبد العزيز بن الحجاج، فلم تدم خلافة إبراهيم سوى سبعين يوما، ثم بويع بالخلافة لمروان بعد أن قتل ولدا الوليد: الحكم وعثمان، ثم استقرت له الأمور شيئا فشيئا.
في هذه السنة ثار بعض اليمانية على مروان بن محمد في حمص وتدمر وكذلك في فلسطين، فقام بإرسال من يقمعهم مستعينا بالقيسية، كما خرج في الكوفة عبد الله بن معاوية الطالبي على بني أمية وبايعه بعض أصحابه ثم هرب معهم إلى حلوان وغلب على الري وأصبهان وهمدان، وفي الأندلس ثار بعض القيسية بقيادة ثوابة بن سلامة الذي تولى بعد إمارة الأندلس.
هو عاصم بن بهدلة أبي النجود، أحد القراء السبعة، وهو من صغار التابعين، لقي عاصم بعض صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم وأخذ عنهم، كالحارث بن حسان البكري الذهلي رضي الله عنه، ورفاعة بن يثربي التميمي رضي الله عنه، انتهت إليه رئاسة الإقراء بالكوفة بعد أبي عبد الرحمن السلمي في موضعه، جمع بين الفصاحة والإتقان والتحرير والتجويد، وكان أحسن الناس صوتا بالقرآن، والقراءة المشهورة اليوم في أكثر الأمصار هي عن حفص عن عاصم هذا، توفي في الكوفة.
كان سبب ذلك أنه لما قدم الأندلس أميرا أظهر العصبية لليمانية على المضرية، فاتفق في بعض الأيام أنه اختصم رجل من كنانة ورجل من غسان، فاستعان الكناني بالصميل بن حاتم بن ذي الجوشن الضبابي، فكلم فيه أبا الخطار، فاستغلظ له أبو الخطار، فأجابه الصميل، فأمر به فأقيم وضرب قفاه، فمالت عمامته، فلما خرج قيل له: نرى عمامتك مالت! فقال: إن كان لي قوم فسيقيمونها.
وكان الصميل من أشراف مضر، فلما جرى له ذلك جمع قومه وأعلمهم، فقالوا له: نحن تبع لك.
قال: أريد أن أخرج أبا الخطار من الأندلس.
فقال له بعض أصحابه: افعل واستعن بمن شئت ولا تستعن بأبي عطاء القيسي.
وكان من أشراف قيس، وكان ينظر الصميل في الرياسة ويحسده.
وقال له غيره: الرأي أنك تأتي أبا عطاء وتشد أمرك به فإنه تحركه الحمية وينصرك، وإن تركته مال إلى أبي الخطار وأعانه عليك ليبلغ فيك ما يريد، والرأي أيضا أن تستعين عليه بأهل اليمن فضلا عن معد.
ففعل ذلك وسار من ليلته إلى أبي عطاء، وكان يسكن مدينة إستجة، فعظمه أبو عطاء وسأله عن سبب قدومه، فأعلمه، حتى قام فركب فرسه ولبس سلاحه وقال له: انهض الآن حيث شئت فأنا معك.
وأمر أهله وأصحابه باتباعه، فساروا إلى مرو، وبها ثوابة بن سلامة الحداني، وكان مطاعا في قومه، وكان أبو الخطار قد استعمله على إشبيلية وغيرها، ثم عزله ففسد عليه، فدعاه الصميل إلى نصره ووعده أنه إذا أخرجوا أبا الخطار صار أميرا، فأجاب إلى نصره ودعا قومه فأجابوه فساروا إلى شدونة، وسار إليهم أبو الخطار من قرطبة، فالتقوا واقتتلوا في رجب من هذه السنة، وصبر الفريقان ثم وقعت الهزيمة على أبي الخطار وقتل أصحابه أشد قتل وأسر أبو الخطار.
ولما انهزم أبو الخطار سار ثوابة بن سلامة والصميل إلى قرطبة فملكاها، واستقر ثوابة في الإمارة فثار به عبد الرحمن بن حسان الكلبي وأخرج أبا الخطار من السجن، فاستجاش اليمانية فاجتمع له خلق كثير، وأقبل بهم إلى قرطبة، وخرج إليه ثوابة فيمن معه من اليمانية والمضرية مع الصميل.
فلما تقاتل الطائفتان نادى رجل من مضر: يا معشر اليمانية، ما بالكم تتعرضون للحرب على أبي الخطار وقد جعلنا الأمير منكم؟ يعني ثوابة، فإنه من اليمن.
.
.
فلما سمع الناس كلامه قالا: صدق والله، الأمير منا فما بالنا نقاتل قومنا؟ فتركوا القتال وافترق الناس، فهرب أبو الخطار فلحق باجة، ورجع ثوابة إلى قرطبة، فسمي ذلك العسكر عسكر العافية.
خرج بفلسطين المبرقع أبو حرب اليماني الذي زعم أنه السفياني، فدعا بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر أولا، إلى أن قويت شوكته، فادعى النبوة.
وكان سبب خروجه أن جنديا أراد النزول في داره، فمنعته زوجته، فضربها الجندي بسوط فأثر في ذراعها، فلما جاء المبرقع شكت إليه، فذهب إلى الجندي فقتله وهرب، ولبس برقعا لئلا يعرف، ونزل جبال الغور مبرقعا، وحث الناس على الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فاستجاب له قوم من فلاحي القرى، وقوي أمره، فسار لحربه رجاء الحضاري- أحد قواد المعتصم- في ألف فارس، وأتاه فوجده في مائة ألف، فعسكر بإزائه ولم يجسر على لقائه.
فلما كان أوان الزراعة تفرق أكثر أصحابه في فلاحتهم وبقي في نحو الألفين، فواقعه عند ذلك رجاء الحضاري المذكور، وأسره وحبسه حتى مات خنقا في آخر هذه السنة.
لما مات المعتصم ثارت القيسية بدمشق وعاثوا وأفسدوا وحصروا أميرهم، فبعث الواثق إليهم رجاء بن أيوب الحضاري، وكانوا معسكرين بمرج راهط، فنزل رجاء بدير مران، ودعاهم إلى الطاعة، فلم يرجعوا فواعدهم الحرب بدومة يوم الاثنين.
فلما كان يوم الأحد، وقد تفرقت، سار رجاء إليهم، فوافاهم وقد سار بعضهم إلى دومة، وبعضهم في حوائجه، فقاتلهم وقتل منهم نحو ألف وخمسمائة، وقتل من أصحابه نحو ثلاثمائة، وهرب مقدمهم ابن بيهس، وصلح أمر دمشق.
هو أبو إسحاق محمد المعتصم بالله بن هارون الرشيد بن محمد المهدي بن عبد الله المنصور بن محمد بن علي بن عبد الله بن العباس، ثامن الخلفاء العباسيين، ولد سنة 179ه يوم الخميس لثماني عشرة مضت من ربيع الأول، بويع بالخلافة يوم الخميس لاثنتي عشرة ليلة بقيت من رجب سنة ثماني عشرة ومائتين، وبعد ذلك بأيام اجتمع جماعة من الجند وشغبوا وتحدثوا في بيعة العباس بن المأمون وأظهروا خلاف المعتصم، ومضوا بأسرهم إلى مضارب العباس فخرج إليهم وقال لهم: أي شيء تريدون مني؟ قالوا: نبايعك بالخلافة، قال: أنا قد بايعت عمي ورضيت به، وهو كبيرى وعندي بمنزلة المأمون، فانصرفوا خائبين، واستمرت في عهده فتنة القول بخلق القرآن, وإنما حث المعتصم على ذلك وحمله على ما فعل به أحمد بن أبى دؤاد؛ لأنه كان معتزليا، وكان الإمام أحمد إمام السنة.
وحين أحضره المعتصم بين يديه سلم وتكلم بكلام أعجب الناس، فالتفت المعتصم إلى ابن أبى دؤاد، وقال: ذكرتم أن الرجل عامي، وأراه يذكر بيتا قديما وشهد له كل من حضر بأنه من سراة بني شيبان، ثم قال: وذكرتم لي أنه جاهل، وما أراه إلا معربا فصيحا، فأكرم الإمام أحمد.
وكان الإمام أحمد بن حنبل إلى أن مات يثني على المعتصم ويذكر فعله به ويترحم عليه.
غزا المعتصم مدينة عمورية، وهي من أعظم مدن الروم كالقسطنطينية لرد عدوان ملك الروم على المسلمين في زبطرة، فكانت غزوة مشهورة نصر الله فيها الإسلام والمسلمين، وكان بدء علته أنه احتجم أول يوم في المحرم، واعتل عندها،وكانت خلافته ثماني سنين وثمانية أشهر ويومين، وتوفي بمدينة سامراء.
بويع الواثق بالله هارون بن المعتصم في اليوم الذي توفي فيه أبوه، وكان يكنى أبا جعفر، وأمه أم ولد رومية، تسمى قراطيس.
هو بشر بن الحارث بن علي المعروف بالحافي، من أهل مرو، ولد سنة 152هـ سكن بغداد، كان من أكابر الزهاد، وأخباره في الزهد والورع مشهورة جدا ومعروفة، أثنى عليه غير واحد من الأئمة في عبادته وزهادته وورعه ونسكه وتقشفه.
قال الإمام أحمد يوم بلغه موته: "لم يكن له نظير إلا عامر بن عبد قيس، ولو تزوج لتم أمره"، وذكر غير واحد أن بشرا كان شاطرا في بدء أمره، وأن سبب توبته أنه وجد رقعة فيها اسم الله عز وجل، في أتون حمام، فرفعها ورفع طرفه إلى السماء، وقال: سيدي اسمك ههنا ملقى يداس! ثم ذهب إلى عطار فاشترى بدرهم غالية وضمخ تلك الرقعة منها، ووضعها حيث لا تنال، فأحيا الله قلبه وألهمه رشده، وصار إلى ما صار إليه من العبادة والزهادة، ورحل بشر في طلب العلم إلى مكة والكوفة والبصرة، وسمع من وكيع وشريك بن عبد الله، وإسماعيل بن علية وحماد بن زيد، ومالك بن أنس، وأبي يوسف القاضي، وابن المبارك، وهشيم، والمعافى بن عمران، والفضيل بن عياض، وأبي نعيم، في خلق كثير.
غير أنه لم يتصد للراوية، فلم يضبط عنه من الحديث إلا اليسير.
قال إبراهيم الحربي: "ما أخرجت بغداد أتم عقلا منه، ولا أحفظ للسانه منه، ما عرف له غيبة لمسلم، وكان في كل شعرة منه عقل، ولو قسم عقله على أهل بغداد لصاروا عقلاء وما نقص من عقله شيء".
وحين مات اجتمع في جنازته أهل بغداد عن بكرة أبيهم، فأخرج بعد صلاة الفجر فلم يستقر في قبره إلا بعد العتمة، فرحمه الله تعالى وأعلى درجته.
هو أبو شعيب- وقيل: أبو جعفر- محمد بن نصير بن بكر النميري البصري، أحد نواب الإمام المنتظر عند الرافضة في فترة الغيبة الصغرى.
إليه تنسب الفرقة النصيرية، وهي من الفرق الباطنية من غلاة الشيعة، زعم ابن نصير هذا أنه الباب إلى الإمام الحسن العسكري، أي: أنه الإمام والمرجع من بعده، ثم ادعى ألوهية علي بن أبي طالب، وأنه هو الذي أرسله للناس رسولا، قال بالتناسخ وأن المؤمن يتحول إلى سبع مراحل قبل أن يأخذ مكانه بين النجوم، وأما الشرير فينسخ إلى نصراني أو يهودي أو مسلم حتى يتخلص من الكفر أو يتحول إلى كلاب وبغال وحمير، وقيل: بل هؤلاء الذين لا يعبدون عليا، وإباحة المحارم، والخمر، والنصيرية اليوم قبائل موزعة غالبها في جبال العلويين في أطراف الساحل الغربي لسوريا، ولواء إسكندرون بتركيا وكردستان وإيران.
خرجت الروم في مائة ألف، فنزلوا على قلمية، وهي على ستة أميال من طرسوس، فخرج إليهم الخادم نائب طرسوس بازمان ليلا فبيتهم في ربيع الأول، فقتل منهم- فيما يقال- سبعين ألفا، وقتل مقدمهم، وهو بطريق البطارقة، وقتل أيضا بطريق الفنادين، وبطريق الباطليق، وأفلت بطريق قرة وبه عدة جراحات، وأخذ لهم سبعة صلبان من ذهب وفضة؛ وصليبهم الأعظم من ذهب مكلل بالجوهر، وأخذ خمسة عشر ألف دابة، ومن السروج وغير ذلك، وسيوفا محلاة، وأربع كراسي من ذهب، ومائتي كرسي من فضة، وآنية كثيرة، ونحوا من عشرة آلاف علم ديباج، وديباجا كثيرا وبزيون وغير ذلك.
هو الحسن بن زيد بن محمد بن إسماعيل بن الحسن بن زيد بن الحسن بن علي بن أبي طالب، صاحب طبرستان ومؤسس الدولة العلوية فيها، كان في الري، فلما حدثت الفتنة بين بني طاهر أصحاب خراسان وبين أهل طبرستان سنة 250هـ كتبوا إليه يستدعونه، فبايعوه والتف عليه الديلم وأمراء النواحي، فملك طبرستان وجرجان والري، فدامت دولته عشرين سنة، وخلفه بعده أخوه محمد، والحسن كان أحد العلماء الزيدية، له كتاب (الجامع في الفقه) و كتاب (الحجة في الإمامة).
هو الحافظ العلامة داود بن علي بن خلف، أبو سليمان الظاهري الأصبهاني، صاحب مذهب الظاهرية، المعروف بداود الظاهري، وهو أصبهاني الأصل، من أهل قاشان (بلدة قريبة من أصبهان) ولد سنة 200ه في الكوفة.
سكن بغداد، وهو أول من نفى القياس في الأحكام الشرعية، تنسب إليه طائفة الظاهرية، وسميت بذلك لتمسكها بظواهر النصوص وإعراضها عن التأويل والرأي والقياس.
وكان داود أول من جهر بهذا القول.
سمع الكثير ولقي الشيوخ وتبعه خلق كثير، وقدم بغداد وصنف بها الكتب، وإليه انتهت رياسة العلم ببغداد، وتوفي بها في رمضان، وقيل: في ذي القعدة، عن عمر 70 عاما.
لما قتل الذين كانوا يمدون الزنج بالميرة، وقطعت تلك الإمدادات واشتد الحصار على الزنج، ولما فرغ الموفق من شأن مدينة صاحب الزنج، وهي المختارة، واحتاز ما كان بها من الأموال وقتل من كان بها من الرجال، وسبى من وجد فيها من النساء والأطفال، وهرب صاحب الزنج عن حومة الحرب والجلاد، وسار إلى بعض البلاد طريدا شريدا بشر حال؛ عاد الموفق إلى مدينته الموفقية مؤيدا منصورا، وقدم عليه لؤلؤة غلام أحمد بن طولون منابذا لسيده سميعا مطيعا للموفق، وكان وروده عليه في ثالث المحرم من هذه السنة، فأكرمه وعظمه وأعطاه وخلع عليه وأحسن إليه، وبعثه طليعة بين يديه لقتال صاحب الزنج، وركب الموفق في الجيوش الكثيفة الهائلة وراءه، فقصدوا الخبيث وقد تحصن ببلدة أخرى، فلم يزل به محاصرا له حتى أخرجه منها ذليلا، واستحوذ على ما كان بها من الأموال والمغانم، ثم بعث السرايا والجيوش وراء حاجب صاحب الزنج، فأسروا عامة من كان معه من خاصته وجماعته، منهم سليمان بن جامع، فاستبشر الناس بأسره وكبروا الله وحمدوه؛ فرحا بالنصر والفتح، وحمل الموفق بمن معه حملة واحدة على أصحاب الخبيث فاستحر فيهم القتل، وما انجلت الحرب حتى جاء البشير بقتل صاحب الزنج في المعركة، وأتي برأسه مع غلام لؤلؤة الطولوني، فلما تحقق الموفق أنه رأسه بعد شهادة الأمراء الذين كانوا معه من أصحابه بذلك، خر ساجدا لله، ثم انكفأ راجعا إلى الموفقية، ورأس الخبيث يحمل بين يديه، وسليمان معه أسير، فدخل البلد وهو كذلك، وكان يوما مشهودا، وفرح المسلمون بذلك في المغارب والمشارق، ثم جيء بأنكلاني ولد صاحب الزنج، وأبان بن علي المهلبي مسعر حربهم مأسورين، ومعهم قريب من خمسة آلاف أسير، فتم السرور وهرب قرطاس الذي رمى الموفق بصدره بذلك السهم إلى رامهرمز، فأخذ وبعث به إلى الموفق فقتله أبو العباس أحمد بن الموفق، واستتاب من بقي من أصحاب صاحب الزنج وأمنهم الموفق، ونادى في الناس بالأمان، وأن يرجع كل من كان أخرج من دياره بسبب الزنج إلى أوطانهم وبلدانهم، ثم سار إلى بغداد وقدم ولده أبا العباس بين يديه، ومعه رأس الخبيث يحمل ليراه الناس، فدخلها لثنتي عشرة ليلة بقيت من جمادي الأولى من هذه السنة، وكان يوما مشهودا، وانتهت أيام صاحب الزنج المدعي الكذاب- قبحه الله- واسمه محمد بن علي، وقد كان ظهوره في يوم الأربعاء لأربع بقين من رمضان سنة خمس وخمسين ومائتين، وكان هلاكه يوم السبت لليلتين خلتا من صفر سنة سبعين ومائتين، وكانت دولته أربع عشرة سنة وأربعة أشهر وستة أيام، ولله الحمد والمنة، وقد قيل في انقضاء دولة الزنج وما كان من النصر عليهم أشعار كثيرة.
لما توفي أحمد بن طولون كان إسحاق بن كنداجيق على الموصل والجزيرة، فطمع هو وابن أبي الساج- وهما من كبار قادة الترك عند المعتمد- في الشام، واستصغرا أولاد أحمد، وكاتبا الموفق بالله في ذلك، واستمداه، فأمرهما بقصد البلاد، ووعدهما إنفاذ الجيوش، فجمعا وقصدا ما يجاورهما من البلاد، فاستوليا عليه وأعانهما النائب بدمشق لأحمد بن طولون، ووعدهما الانحياز إليهما فتراجع من بالشام من نواب أحمد بأنطاكية، وحلب وحمص، وعصى متولي دمشق، واستولى إسحاق عليها، وبلغ الخبر إلى أبي الجيش خمارويه بن أحمد بن طولون، فسير الجيوش إلى الشام فملكوا دمشق، وهرب النائب الذي كان بها من قبل إسحاق؛ وسار عسكر خمارويه من دمشق إلى شيزر لقتال إسحاق بن كنداجيق وابن أبي الساج، فطاولهم إسحاق ينتظر المدد من العراق، وهجم الشتاء على الطائفتين، وأضر بأصحاب ابن طولون، فتفرقوا في المنازل بشيزر، ووصل العسكر العراقي إلى كنداجيق، وعليهم أبو العباس أحمد بن الموفق وهو المعتضد بالله، فلما وصل سار مجدا إلى عسكر خمارويه بشيزر، فلم يشعروا حتى كبسهم في المساكن، ووضع السيف فيهم، فقتل منهم مقتلة عظيمة، وسار من سلم إلى دمشق على أقبح صورة، فسار المعتضد إليهم، فجلوا عن دمشق إلى الرملة، وملك هو دمشق، ودخلها في شعبان سنة إحدى وسبعين ومائتين، وأقام عسكر ابن طولون بالرملة، فأرسلوا إلى خمارويه يعرفونه بالحال، فخرج من مصر في عساكره قاصدا إلى الشام.
هو الربيع بن سليمان بن عبد الجبار بن كامل أبو محمد المراثي الفقيه، صاحب الشافعي، نقل عنه معظم أقاويله، وكان فقيها فاضلا ثقة دينا، وهو أول من أملى الحديث بجامع ابن طولون، مات بمصر عن عمر 96 عاما، وصلى عليه صاحب مصر خمارويه بن أحمد بن طولون.
هو أحمد بن طولون أبو العباس، تركي الأصل، ولد بسامراء، عام 220ه كانت أمه جارية اسمها هاشم, أمير الديار المصرية، وباني الجامع المنسوب إليه، نشأ ابن طولون في صيانة وعفاف ورياسة وطلب للعلم ودراسة للقرآن العظيم، مع حسن الصوت به.
تنقلت به الأحوال؛ تأمر فولي ثغور الشام، ثم إمرة دمشق، ثم ولي الديار المصرية في سنة أربع وخمسين، وله إذ ذاك أربعون سنة, وكانت له أطماع توسعية على حساب الخلافة العباسية, والخليفة كان مشغولا عنه بحرب الزنج.
وكان بطلا شجاعا، مقداما مهيبا، سائسا جوادا، ممدحا باذلا، من دهاة الملوك.
لكنه كان جبارا سفاكا للدماء، أحصي من قتلهم صبرا، أو مات في سجنه، فبلغوا ثمانية عشر ألفا.
كان يعيب على أولاد الترك ما يرتكبونه من المحرمات والمنكرات.
بنى المارستان وأنفق عليه ستين ألف دينار، وعلى الميدان مائة وخمسين ألفا، وكانت له صدقات كثيرة جدا، وإحسان زائد.
ملك دمشق بعد أميرها ماخور، توفي بمصر من علة أصابته من أكل لبن الجواميس فأصيب بسببه فكواه الأطباء وأمروه أن يحتمي منه، فلم يقبل منهم، فكان يأكل منه خفية، فمات رحمه الله، وقد ترك من الأموال والأثاث والدواب شيئا كثيرا جدا، من ذلك عشرة آلاف ألف دينار، ومن الفضة شيئا كثيرا، وكان له ثلاثة وثلاثون ولدا، منهم سبعة عشر ذكرا.
قام بالأمر من بعده ولده خمارويه.
كانت بين أبي العباس المعتضد بن الموفق وبين خمارويه بن أحمد بن طولون، وذلك أن المعتضد سار من دمشق- بعد أن ملكها- نحو الرملة إلى عساكر خمارويه، فأتاه الخبر بوصول خمارويه إلى عساكره، وكثرة من معه من الجموع، فهم بالعود، فلم يمكنه من معه من أصحاب خمارويه الذين صاروا معه؛ وكان المعتضد قد أوحش ابن كنداجيق، وابن أبي الساج، ونسبهما إلى الجبن، حيث انتظراه ليصل إليهما ففسدت نياتهما معه، ولما وصل خمارويه إلى الرملة نزل على الماء الذي عليه الطواحين، فملكه، فنسبت الوقعة إليه؛ ووصل المعتضد وقد عبأ أصحابه، وكذلك أيضا فعل خمارويه، وجعل له كمينا عليهم سعيدا الأيسر، وحملت ميسرة المعتضد على ميمنة خمارويه، فانهزمت، فلما رأى ذلك خمارويه، ولم يكن رأى مصافا قبله، ولى منهزما في نفر من الأحداث الذين لا علم لهم بالحرب، ولم يقف دون مصر، ونزل المعتضد إلى خيام خمارويه، وهو لا يشك في تمام النصر، فخرج الذين عليهم سعيد الأيسر، وانضاف إليه من بقي من جيش خمارويه، ونادوا بشعارهم، وحملوا على عسكر المعتضد وهم مشغولون بنهب السواد، ووضع المصريون السيف فيهم، وظن المعتضد أن خمارويه قد عاد، فركب فانهزم ولم يلو على شيء، فوصل إلى دمشق، ولم يفتح له أهلها بابها فمضى منهزما حتى بلغ طرسوس، وبقي العسكران يضطربان بالسيوف، وليس لواحد منهما أمير، وطلب سعيد الأيسر خمارويه فلم يجده، فأقام أخاه أبا العشائر، وتمت الهزيمة على العراقيين، وقتل منهم خلق كثير وأسر كثير، وقال سعيد للعساكر: إن هذا – يعني أبا العشائر- أخو صاحبكم، وهذه الأموال تنفق فيكم؛ ووضع العطاء، فاشتغل الجند عن الشغب بالأموال، وسيرت البشارة إلى مصر، ففرح خمارويه بالظفر، وخجل للهزيمة، غير أنه أكثر الصدقة، وفعل مع الأسرى فعلة لم يسبق إلى مثلها أحد قبله، فقال لأصحابه: إن هؤلاء أضيافكم فأكرموهم؛ ثم أحضرهم بعد ذلك وقال لهم: من اختار المقام عندي فله الإكرام والمواساة، ومن أراد الرجوع جهزناه وسيرناه؛ فمنهم من قام ومنهم من سار مكرما؛ وعادت عساكر خمارويه إلى الشام أجمع، فاستقر ملك خمارويه له.
دخل محمد وعلي ابنا الحسين بن جعفر بن موسى بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب المدينة، وقتلا جماعة من أهلها وأخذا من القوم مالا، ولم يصل أهل المدينة في مسجد رسول الله- صلى الله عليه وسلم- لا جمعة ولا جماعة، شهرا.
وقعت الحرب بين عساكر الخليفة وفيها أحمد بن عبدالعزيز بن أبي دلف، وبين عمرو بن الليث الصفار، ودامت الحرب من أول النهار إلى الظهر، فانهزم عمرو وعساكره، وكانوا خمسة عشر ألفا بين فارس وراجل، وجرح الدرهمي مقدم جيش عمرو بن الليث، وقتل مائة رجل من حماتهم، وأسر ثلاثة آلاف، واستأمن منهم ألف رجل، وغنموا من معسكر عمرو من الدواب والبقر والحمير ثلاثين ألف رأس، وما سوى ذلك فخارج عن الحد والحصر.
تحركت بقية الزنج في أرض البصرة ونادوا: يا انكلاي يا منصور، وانكلاي هو ابن صاحب الزنج، وسليمان بن جامع وأبان بن علي المهلبي، وجماعة من وجوههم كانوا في جيش الموفق, فبعث إليهم الموفق فقتلوا وحملت رؤوسهم إليه، وصلبت أبدانهم ببغداد، وسكنت شرورهم.
وقعت حرب شديدة بين أذكوتكين بن أساتكين أحد قواد الترك وبين محمد بن زيد العلوي، صاحب طبرستان، ثم سار أذكوتكين من قزوين إلى الري ومعه أربعة آلاف فارس، وكان مع محمد بن زيد من الديلم والطبرية والخراسانية عالم كبير، فاقتتلوا فانهزم عسكر محمد بن زيد وتفرقوا، وقتل منهم ستة آلاف وأسر ألفان، وغنم أذكوتكين وعسكره من أثقالهم وأموالهم ودوابهم شيئا لم يروا مثله، ودخل أذكوتكين الري فأقام بها وأخذ من أهلها مائة ألف ألف دينار، وفرق عماله في أعمال الري.
في هذه السنة فسد الحال بين محمد بن أبي الساج وإسحاق بن كنداج- من كبار قادة الأتراك في عهد المعتمد- وكانا متفقين في الجزيرة، وسبب ذلك أن ابن أبي الساج نافر إسحاق في الأعمال، وأراد التقدم، وامتنع عليه إسحاق، فأرسل ابن أبي الساج إلى خمارويه بن أحمد بن طولون، صاحب مصر، وأطاعه وصار معه وخطب له بأعماله، وهي قنسرين، وسير ولده ديوداد إلى خمارويه رهينة، فأرسل إليه خمارويه مالا جزيلا له ولقواده، وسار خمارويه إلى الشام، فاجتمع هو وابن أبي الساج ببالس، وعبر ابن أبي الساج الفرات إلى الرقة، فلقيه ابن كنداج، وجرت بينهما حرب انهزم فيها ابن كنداج، واستولى ابن أبي الساج على ما كان لابن كنداج، وعبر خمارويه الفرات ونزل الرافقة، ومضى إسحاق منهزما إلى قلعة ماردين، فحصره ابن أبي الساج، وسار عنها إلى سنجار، فأوقع بقوم من الأعراب، وسار ابن كنداج من ماردين نحو الموصل، فلقيه ابن أبي الساج ببرقعيد، فكمن كمينا فخرجوا على ابن كنداج وقت القتال، فانهزم عنها وعاد إلى ماردين فكان فيها، وقوي ابن أبي الساج وظهر أمره، واستولى على الجزيرة والموصل، وخطب لخمارويه فيها ثم لنفسه بعده.
ثار السودان بمصر وحصروا صاحب الشرطة، فسمع خمارويه بن أحمد بن طولون الخبر، فركب، وفي يده سيف مسلول، وقصد دار صاحب الشرطة، وقتل كل من لقيه من السودان، فانهزموا منه، وأكثر القتل فيهم، وسكنت مصر وأمن الناس
هو محمد بن عبد الرحمن بن الحكم بن هشام الأموي، صاحب الأندلس، كانت ولايته أربعا وثلاثين سنة وأحد عشر شهرا، كان أيمن أمراء الأندلس ملكا، وأكرمهم تثبتا وأناة، يجمع إلى هذه الخلال البلاغة والأدب، وكان ذكيا فطنا بالأمور المشتبهة، خلف نيفا وخمسين ولدا، منهم ثلاثة وثلاثون ذكرا، ولما مات كان عمره نحوا من خمس وستين سنة.
ولي بعده ابنه المنذر بن محمد، بويع له بعد موت أبيه لثلاث ليال، وأطاعه الناس، وأحسن إليهم.
هو أبو عبد الله محمد بن يزيد بن ماجه، صاحب كتاب السنن المشهور، وهي دالة على عمله وعلمه وتبحره واطلاعه واتباعه للسنة في الأصول والفروع، حكي عن أبي زرعة الرازي أنه انتقد منها بضعة عشر حديثا، كان عالما بهذا الشأن، صاحب تصانيف، منها (التاريخ والسنن)، ارتحل إلى العراقين- الكوفة والبصرة- ومصر والشام، مات وعمره أربع وستون سنة، وصلى عليه أخوه أبو بكر، تولى دفنه مع أخيه الآخر أبي عبد الله وابنه عبد الله بن محمد بن يزيد رحمه الله.
بعد وفاة الأمير المنذر بويع بالإمارة بعده لأخيه عبد الله بن محمد بن عبد الرحمن بن الحكم، وأفضت الإمارة إليه، وقد مزقها الشقاق، ونقض العهود, وحل عراها النفاق؛ والفتنة مستولية، والقلوب مختلفة، والباطل قد أعلن، والشر قد اشتهر؛ وقد تمالأ على أهل الإيمان حزب الشيطان؛ وتألب على أهل الإسلام أهل الشرك ومن ضاهاهم من أهل الفتنة، الذين جردوا سيوفهم على أهل الإسلام، فصار أهل الإسلام بين قتيل ومحروب ومحصور، انقطع الحرث، وكاد أن ينقطع النسل.
فناضل الأمير بجهده، وحمى بجده، وجاهد عدو الله وعدوه.
وانقطع الجهاد إلى دار الحرب، وصارت بلاد الإسلام بالأندلس هي الثغر المخوف؛ فكان قتال المنافقين وأشباههم أوكد بالسنة، وألزم بالضرورة.
كان بين ابن أبي الساج- أحد كبار قادة الأتراك في عهد المعتمد- وخمارويه بن طولون اتفاق، وكان ابن أبي الساج يطيع خمارويه ويسمع له، إلا أن ابن أبي الساج خالف على خمارويه، فلما سمع خمارويه الخبر، سار عن مصر في عساكره نحو الشام، فقدم إليه آخر سنة أربع وسبعين، فسار ابن أبي الساج إليه، فالتقوا عند ثنية العقاب بقرب دمشق، وكان القتال بينهما فانهزمت ميمنة خمارويه وأحاط باقي عسكره بابن أبي الساج ومن معه، فمضى منهزما واستبيح معسكره، وأخذت الأثقال والدواب وجميع ما فيه، وكان قد خلف بحمص شيئا كثيرا فسير إليه خمارويه قائدا في طائفة من العسكر جريدة، فسبقوا ابن أبي الساج إليها ومنعوه من دخولها والاعتصام بها، واستولوا على ما له فيها، فمضى ابن أبي الساج منهزما إلى حلب، ثم منها إلى الرقة، فتبعه خمارويه، ففارق الرقة، فعبر خمارويه الفرات، وسار في أثر ابن أبي الساج، فوصل خمارويه إلى مدينة بلد، وكان قد سبقه ابن أبي الساج إلى الموصل.
فلما سمع ابن أبي الساج بوصوله إلى بلد سار عن الموصل إلى الحديثة، وأقام خمارويه ببلد.