Warning: Undefined array key "sirA3lam" in /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f704007db74beca75b87a603e53b9db7fc676f54_0.file.history.tpl.php on line 73
Warning: Attempt to read property "value" on null in /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f704007db74beca75b87a603e53b9db7fc676f54_0.file.history.tpl.php on line 73
Warning: Trying to access array offset on value of type null in /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f704007db74beca75b87a603e53b9db7fc676f54_0.file.history.tpl.php on line 73
بعد أن تفشت الخوارج في المغرب وهم الصفرية ولوا عليهم ميسرة المدغري المعروف بميسرة الحقير، فأعلن الثورة على عبيدالله بن الحبحاب فاستولى على طنجة وقتل عاملها عمر بن عبد الله المرادي وولى عبد الأعلى الرومي، فتوجه الأخير إلى السوس لقتال إسماعيل بن عبيد الله بن الحبحاب، وكان أبوه ولاه على السوس، وقتل في المعركة عبد الأعلى فسير ميسرة لقتال إسماعيل على رأس جيش من البربر فقاتلوا وقتلوا إسماعيل، فوجه عبيد الله بن الحبحاب جيشا بقيادة خالد بن أبي عبيدة الفهري لقتال ميسرة فتحاجز الفريقان وعاد ميسرة إلى طنجة فنقم عليه البربر وقتلوه وولوا عليهم خالد بن حميد الزناتي فالتقى جيش البربر مع جيش خالد الفهري بالقرب من طنجة فكانت معركة ضارية شديدة كانت نتيجتها هزيمة جيش خالد الفهري وقتل الكثير منهم، وسميت وقعة الأشراف لكثرة الأشراف في جيش خالد الفهري والذين قتل الكثير منهم.
غزا نصر بن سيار أمير خراسان غزوات متعددة في الترك، وأسر ملكهم كور صول في بعض تلك الحروب وهو لا يعرفه، فلما تيقنه وتحققه، سأل منه كور صول أن يطلقه على أن يرسل له ألف بعير من إبل الترك -وهي البخاتي- وألف برذون، وهو مع ذلك شيخ كبير جدا، فشاور نصر من بحضرته من الأمراء في ذلك، فمنهم من أشار بإطلاقه، ومنهم من أشار بقتله.
ثم سأله نصر بن سيار كم غزوت من غزوة؟ فقال: ثنتين وسبعين غزوة.
فقال له نصر: ما مثلك يطلق، وقد شهدت هذا كله.
ثم أمر به فضربت عنقه وصلبه، فلما بلغ ذلك جيشه من قتله باتوا تلك الليلة يجعرون ويبكون عليه، وجذوا لحاهم وشعورهم وقطعوا آذانهم وحرقوا خياما كثيرة، وقتلوا أنعاما كثيرة، فلما أصبح أمر نصر بإحراقه لئلا يأخذوا جثته، فكان حرقه أشد عليهم من قتله، وانصرفوا خائبين صاغرين خاسرين، ثم كر نصر على بلادهم فقتل منهم خلقا وأسر أمما لا يحصون كثرة.
لما دخلت الدولة العثمانية في عدة حروب في آن واحد مع الروس واليونانيين والبلغار والرومان والأرمن واليوغسلاف، أصبحت عاجزة عن حماية ولاياتها وفرض النظام والتحكم في الولاة الذين صاروا ينصبون ويعزلون حسب نزوات الجند في جو مشحون بالمؤامرات والعنف.
وفي كثير من الأحيان لم يبق الوالي في منصبه أكثر من عام واحد، حتى إنه في الفترة ما بين سنة (1672 م-1711 م) تولى الحكم أربعة وعشرون واليا في ليبيا! ولقد مرت ليبيا بأوقات عصيبة عانى الليبيون فيها الويلات نتيجة لاضطراب الأمن وعدم الاستقرار، وفي هذه السنة قاد أحمد القره مانلي ثورة شعبية أطاحت بالوالي العثماني، وكان أحمد هذا ضابطا في الجيش العثماني، فقرر تخليص ليبيا من الحكام الفاسدين ووضع حد للفوضى، ولما كان شعب ليبيا قد ضاق ذرعا بالحكم الصارم المستبد، فقد رحب بأحمد القره مانلي الذي تعهد بحكم أفضل، وقد وافق السلطان على تعيينه باشا على ليبيا، ومنحه قدرا كبيرا من الحكم الذاتي، ولكن القره مانليين كانوا يعتبرون حتى الشؤون الخارجية من اختصاصاتهم.
بعد أن تولى بلطجي محمد باشا الصدارة العظمى أعلن الحرب ضد روسيا وقاد الجيوش، فتمكن من حصار القيصر ومعه خليلته كاترينا الأولى، ومعه قرابة 200 ألف جندي، ولكن كاترينا التي قامت بإغراء الصدر الأعظم بالمال استطاعت أن تفك الحصار، فنجا القيصر ومن معه من الإبادة أو الأسر، ووقعت معاهدة (فلكزن) في جمادى الآخرة من هذا العام بين الطرفين, تعهد فيها القيصر بعدم التدخل في شؤون القوزاق والتخلي عن ميناء آزوف.
بعد أن حقق محمد علي باشا عدة انتصارات في الحملة التي قادها بنفسه لدعم جهود ابنه طوسون في العمل على إسقاط الدولة السعودية، اضطر أن يغادر إلى مصر للقضاء على حركة تمرد استهدفت حكمه، فعين حسين باشا الأرنؤطي واليا على مكة، وأقام ابنه أحمد طوسون قائدا على القوات العسكرية في الحجاز, وبعد قضاء محمد علي على حركة التمرد في مصر استأنف حربه ضد السعوديين، فأرسل إليهم حملة عسكرية أخرى بقيادة ابنه إبراهيم باشا.
هو الأمير طامي بن شعيب المتحمي، أحد أشهر أمراء عسير في الدولة السعودية الأولى، تولى إمارة الإقليم بعد وفاة ابن عمه عبد الوهاب بن عامر «أبو نقطة» المتحمي سنة 1224هـ.
كان طامي ذا بنية صحيحة وقوية، قصيرا في بنائه ذا لحية طويلة بيضاء مهيبة، عيناه تقذفان شررا، يمتاز بروح سمحة، ومهذب تجاه رئيس الأتراك؛ ولذا كان محمد علي بعد اعتقاله غالبا ما يتحدث معه معجبا به.
أبدى طامي نشاطا كبيرا لتوطيد الحكم السعودي في عسير والمخلاف السليماني, قاد طامي عمليات عسكرية ناجحة مكنته من الاستيلاء على اللحية، ثم الحديدة في اليمن؛ وهي أقصى نقطة وصل إليها الحكم السعودي في اليمن، ومع بداية الحملات العثمانية على الجزيرة العربية التي قادها محمد علي باشا ضد الدولة السعودية الأولى كان لطامي بن شعيب مواقف بطولية، جعلت محمد علي يحسب له حسابا، كان محمد علي قد ركز بعد احتلاله لتربة على التقدم جنوبا، فاستولى على رنية، ثم بيشة، وتقدم إلى بلاد عسير لتتبع طامي، الذي احتمى في البداية ببلدته طبب في عسير، ثم غادرها وتحصن بحصن له في مسلية في وادي بيش، فأرسل محمد علي في طلبه والبحث عنه، فأدركوه متوجها إلى حصن في تهامة فيه مال وسلاح ومتاع، فغدر به حسن بن خالد الحازمي أحد الأشراف، فقبض على طامي, فقبض عليه في نهاية المطاف، فأخذه محمد علي معه مكبلا بالحديد إلى مصر، حيث أركب جملا وطيف به في شوارع القاهرة، ثم أرسل إلى الأستانة، وشهر به، ثم أعدم وصلب هناك.
جرت معركة حامية الوطيس في بلدة بسل الواقعة بين الطائف وتربة بين قوات محمد علي باشا والقوات السعودية بقيادة فيصل بن سعود, وذلك أن فيصل بن سعود لما قدم إلى الحجاز ليتولى قيادة جموع المسلمين نزل تربة واستنفر رعايا دولتهم في الحجاز، فقدم طامي بن شعيب في أهل عسير وألمع وزهران وغامد في عشرين ألفا، فلما أقبلوا على تربة وأرسلوا إلى فيصل يخبرونه بقدومهم خرج فيصل من تربة ومعه عشرة آلاف مقاتل فاجتمعوا بالقرب من بئر غزال قريب من تربة، ثم رحلوا منه إلى بسل حيث الروم (قوات محمد علي) قد اجتمعوا بعددهم وعدتهم، فنازلهم فيصل بجموعه، ووقع بينهم قتال وطراد، وقتل من الروم عدد كثير, ثم في اليوم التالي قدم محمد علي بعساكر كثيرة، ووقع قتال بين الفئتين، فثبت فيصل ومن معه ووقع كسر في ناحية غامد وزهران، ثم في قوم طامي وغيرهم، واتصلت الكسرة على جموع المسلمين لا يلوي أحد على أحد، ووقى الله شر القتل وكف أيدي الروم عنهم وعن ساقتهم, ولم يقتل إلا أقل القليل، وبعدها زحفت هذه القوات واحتلت تربة ورنية التي أصبحت فيما بعد معسكرا عاما لقوات الروم, ثم رحل محمد علي إلى بيشة ونازل أكلب، وأطاعوا له، ثم سار إلى تبالة فضربها بالمدافع والقنابر وقتل أمير الفزع و100 رجل ممن معه.
سار محمد علي بعساكره إلى بلد طامي عسير وألمع ورفيدة وغيرهم فأطاعت لهم رفيدة، وثبت طامي بن شعيب ومن معه من عسير وألمع وبني أحمر والأسمر، واستعدوا لقتال محمد علي ومحاربته, ورتب طامي جموعه ورعاياه، فجعل مع حوان عسكرا عند الطلحة- وهي عدة قرى في بلاد ربيعة رفيدة- فزحف محمد علي على الطلحة فقاتله حوان وهزمه ثم تراجع الروم وثبتوا، ووقع في قوم حوان خيانة وخذلان فانهزموا واستولى الروم على عدد من الحصون.
بينما كان طوسون باشا قائد الروم (قوات جيش محمد علي) في الحجاز يجهز للهجوم على نجد؛ إذ وصله كتاب من أهل الرس والخبراء يعرضان عليه الطاعة, فأرسل إلى عسكره في الحناكية بالسير إلى القصيم ودخول الرس والخبراء، فدخلوهما واستوطنوهما واستولوا على ما فيهما من القصيرات والمزارع,, وثبت بقية بلدان القصيم وحاربوا الروم, فلما علم بذلك عبد الله بن سعود استنفر أهل الجبل والقصيم ووادي الدواسر والأحساء وعمان وما بين ذلك من نواحي نجد، فخرج من الدرعية واجتمع بمن معه بالمذنب، ثم رحل بمن اجتمع به إلى الرويضة بالقرب من الرس، فخرج عليهم عساكر الروم وحصل رمي بالمدافع من بعيد, وذكر لعبد الله أن عسكرا من الروم نازلون على ماء بالقرب من البصير، فهجم عليهم وهم متحصنون في قصر، فقتلهم جميعا ثم عاد عبد الله إلى عنيزة ودخلها وأخذ يرسل السرايا على عساكر الروم، وندم كثير من أهل الرس على طاعتهم لطوسون، وانحاز عدة رجال منهم مع عبد الله، وظل عبد الله يصابر الروم وتقع بينهم مقاتلات ومجاولات من بعيد إلى أن طلب الروم الصلح مع عبد الله.
بعد مناوشات وقتال بين قوات طوسون باشا وقوات عبد الله بن سعود عقدت معاهدة صلح بينهما أن تضع الحرب بين الفئتين وتترك بموجبها نجد وأعماله بقبضة عبد الله, وتدخل الحجاز تحت الإدارة المصرية، وتعهد عبد الله بأن يعتبر نفسه تابعا للسلطان التركي، ووعد بالخضوع للوالي المصري في المدينة، وتعهد بتأمين سلامة الحج، والذهاب إلى استانبول والمثول أمام السلطان في حال تم استدعاؤه، وإعادة كنوز مكة, وكتبوا بذلك سجلا، ثم رحل الروم من الرس أول شعبان متوجهين إلى المدينة, فوضع طوسون حاميات في مدن الحجاز الرئيسية وعاد إلى مصر منهيا المرحلة الأولى من الحرب على الدولة السعودية الأولى بهذا الصلح الذي لم يوافق عليه والده محمد علي ولم يقره، قال الجبرتي في تاريخه: "وصلت الهجانة وأخبار ومكاتبات من الديار الحجازية بوقوع الصلح بين طوسون باشا وعبد الله بن سعود الذي تولى بعد موت أبيه كبيرا على الوهابية وأن عبد الله المذكور ترك الحروب والقتال وأذعن للطاعة، وحقن الدماء وحضر من جماعة الوهابية نحو العشرين نفرا من الأنفار إلى طوسون باشا ووصل منهم اثنان إلى مصر، فكأن الباشا محمد علي لم يعجبه هذا الصلح ولم يظهر عليه علامات الرضا بذلك، ولم يحسن نزل الواصلين، ولما اجتمعا به وخاطبهما عاتبهما على المخالفة فاعتذرا وذكرا أن الأمير سعودا المتوفى كان فيه عناد وحدة مزاج، وكان يريد الملك وإقامة الدين، وأما ابنه الأمير عبد الله فإنه لين الجانب والعريكة ويكره سفك الدماء على طريقة سلفه الأمير عبد العزيز- لعله يقصد الأمير سعودا- فإنه كان مسالما للدولة حتى إن المرحوم الوزير يوسف باشا حين كان بالمدينة كان بينه وبينه- عبد الله- غاية الصداقة ولم يقع بينهما منازعة ولا مخالفة في شيء ولم يحصل التفاقم والخلاف إلا في أيام الأمير سعود، ومعظم الأمر للشريف غالب بخلاف الأمير عبد الله؛ فإنه أحسن السير وترك الخلاف وأمن الطرق والسبل للحجاج والمسافرين، ونحو ذلك من الكلمات والعبارات المستحسنات، وانقضى المجلس وانصرفا إلى المحل الذي أمرا بالنزول فيه ومعهما بعض الترك ملازمون لصحبتهما مع اتباعهما في الركوب والذهاب والإياب؛ فإنه أطلق لهما الإذن إلى أي محل أراداه، فكانا يركبان ويمران بالشوارع بأتباعهما ومن يصحبهما ويتفرجان على البلدة وأهلها، ودخلا إلى الجامع الأزهر في وقت لم يكن به أحد من المتصدرين للإقراء والتدريس، وسألوا عن أهل مذهب الإمام أحمد بن حنبل رضى الله عنه وعن الكتب الفقهية المصنفة في مذهبه، فقيل انقرضوا من أرض مصر بالكلية، واشتريا نسخا من كتب التفسير والحديث مثل الخازن والكشاف والبغوي والكتب الستة المجمع على صحتها وغير ذلك، وقد اجتمعت بهما مرتين فوجدت منهما أنسا وطلاقة لسان واطلاعا وتضلعا ومعرفة بالأخبار والنوادر، ولهما من التواضع وتهذيب الأخلاق وحسن الأدب في الخطاب والتفقه في الدين واستحضار الفروع الفقهية واختلاف المذاهب فيها ما يفوق الوصف".
سار عبد الله بن سعود بجموعه قاصدا القصيم ونزل على الخبراء وهدم سورها وسور بلد البكيرية عقوبة لهم عما تقدم منهم من استدعائهم الروم (جيش طوسون) وإدخالهم, وخوفا أن يحدثوا مثلها فيما بعد, وأخذ معه ثلاثة من رؤساء الرس.
جهز محمد علي باشا صاحب مصر العساكر الكثيفة من مصر والروم والشام والعراق إلى نجد مع ابنه إبراهيم باشا، فسار إلى المدينة وضبط نواحيها، ثم سار إلى الحناكية وأقام فيها، وأكثر الغارات على ما حولها من العربان، وأخذ أموالا وقتل رجالا، فاجتمع عليه كثير من تلك النواحي من حرب ومطير وغيرهم وعتيبة ومن عنزة الدهامشة
هو الشريف غالب بن مساعد بن سعيد بن سعد بن زيد بن محسن بن حسين بن حسن بن أبي نمي، شريف مكة، تولى الإمارة في مكة بعد أخيه الشريف سرور بن مساعد منذ سنة 1202هـ حتى نفيه سنة 1228هـ.
نشأ الشريف غالب في كنف والده ملازما له مشاركا معه في حروب, وبعد موت الشريف سرور بن مساعد في رجب سنة 1202 قام مقامه أخوه عبد المعين، ثم رغب عن الأمر لأخيه غالب بعد أيام يسيرة من ولايته، وكان غالب في سن الشباب، فكان له قتال عظيم مع صاحب نجد الإمام عبد العزيز بن سعود، ثم ابنه سعود، ولما فتح سعود مكة صارت بينهما صحبة وود، فكان غالب يتردد على سعود إذا كان في مكة يدخل عليه في كل حين كأنه أحد أمرائه ويتبادلان الهدايا, وبقي أميرا لمكة إلى أن نفاه محمد علي إلى مصر، ثم منها نفي إلى سلانيك وتوفي فيها بعد أن حكم مكة 26 سنة منها 19 سنة تابعا للعثمانيين و7 سنين أميرا للإمام سعود بن عبد العزيز, وكان لغالب من الأبناء يحيى وحسين وعبد الله وعلي وعبد المطلب.
هو أحمد طوسون بن محمد علي باشا المعروف بـ"طوسون باشا" الابن الأكبر لمحمد علي باشا والي مصر، ولد سنة 1208هـ، قاد الحملة الأولى جهة نجد ضد الدولة السعودية الأولى، وخاض فيها عدة معارك انتصر في بعضها وهزم في البعض الآخر منها.
أصيب بجراح في معركة تربة التي هزم فيها, فنقل إلى جدة للعلاج, ثم نقل إلى مصر, ومات فيها متأثرا بجراحه عن عمر 33 سنة.
هو الشيخ أبو محمد عثمان بن محمد الملقب بـ (فودي) بن عثمان بن صالح بن هارون بن محمد أحد علماء نيجيريا، كان مالكي المذهب.
ولد في قرية طقل في شمال نيجيريا، سنة 1169هـ يعتبر عثمان دان فوديو مؤسس دولة تكرور في سوكوتو في غرب أفريقيا قريبا من نهر الكونغو، وكان قد عاد من الحج وهو ممتلئ حماسة للإصلاح الديني، فكثر أتباعه والمتحمسون لأفكاره، فلما زاد عدد أتباعه ومريديه، وفكر في الاتصال بأحد الملوك ليشد من أزره، فلجأ إلى أقوى ملوك الهوسة- وهو وقتذاك- الملك نافتا (ملك غوبر)، وشرح له الإسلام الصحيح وطلب إليه إحياء معالم الدين، وإقامة العدل بين الناس.
فاستجاب له أول الأمر وأسند إليه الفتوى والإرشاد بمجلسه وديوانه، غير أن بعض مدعي العلم الحاقدين قاموا يعيرونه لاتصاله بالملك ويتهمونه بالرياء والسعي إلى الجاه والسلطان، ووشوا به عنده، ومنهم من أنكر عليه بعض أقواله وأفعاله، فوقعت بينه وبين الملك جفوة سافر بسببها الشيخ إلى بلاد زمفرة وكبي.
يقول الإمام محمد بللو ابن الشيخ عثمان بن فودي عن معاناة والده: "ثم إنه لما برز هكذا، وكثر أتباعه من العلماء والعوام، وتراسل الخلق إلى الاقتداء به، وكفاه الله من ناوأه من علماء وقته، حتى نشر أعلام الدين، وأحيا السنة الغراء، فتمكنت في البلد أي تمكين- نصب أهل الدنيا له العداوة من أمراء هذه البلاد،.
.
.
.
.
وإنما غاظهم ما يرون من ظهور الدين وقيام ما درس من معالم اليقين، وذهاب بقاء ما هم فيه من الضلال والباطل والتخمين، مع أن سلطنتهم.
.
مؤسسة على قواعد مخالفة للشريعة.
.
.
.
فلما أوضح الشيخ الطريق، واهتدى إليه أهل التوفيق.
.
.
وبقي أهل الدنيا من علماء السوء والملوك في طغيانهم يعمهون،.
.
.
فجعل أولئك الملوك والعلماء يؤذون الجماعة (أتباعه)، ويعترضون كل من ينتسب إلى الشيخ،.
.
.
ولم يزل كل من تولى من ملوك بلادنا مجتهدا في إطفاء ذلك النور، ويكيد بالشيخ وبجماعته، ويمكر بهم ويحتال في استئصالهم" استطاع الشيخ عثمان بالدعوة أن يوحد تلك الجماعات المتناثرة في شتى أقاليم الحوصة ويجعل منها جماعة واحدة متماسكة، فأصبح له جيش قوي، ثم تعرض لولايات الحوصة الإسلامية، فسقطت واحدة تلو الأخرى في يده، وكان قد قسم مملكته على ولديه، ومات في هذه السنة بعد أن أسس مملكة كبيرة سرعان ما هب الإنجليز للتدخل فيها, ولفودي مؤلفات كثيرة تجاوزت 150 كتابا.
توفي في ولاية سقطو (سوكوتو) بنيجيريا.
تولى داود باشا العثماني الولاية على بغداد، وكان معروفا بقوته، فرفض ما وصل إليه المقيم البريطاني جيمس من المكانة؛ حيث كان الرجل الثاني في صلاحياته بعد الوالي فأعلن: "أن حكومة بغداد لا تعترف بأية حقوق أوربية"، ومما قام به بناء جامع الحيدر خانة، وجامع الأزبك، والمدرسة الداودية, فلم يرق للبريطانيين ولا للصفويين هذه القوة التي يتمتع بها داود باشا، فبدؤوا بالضغط على السلطة المركزية في استانبول؛ مما أضعف داود باشا ليعود النفوذ البريطاني كما كان، بل تمكنوا من إسقاطه ليزداد بذلك نفوذهم.
لما استقر صلح أهل الرس مع إبراهيم باشا، رحل منها بعساكره إلى الخبراء، فلما نزلها دب الرعب في قلوب جيش عبد الله وتفرقت البوادي، فرتب عبد الله المرابطة في عنيزة، واستعمل محمد بن حسن بن مشاري بن سعود أميرا عليها، ثم رحل هو إلى بريدة, ثم رحل إبراهيم باشا وعسكره من الخبراء إلى عنيزة ونازل أهلها، فسلمت له وأطاعوا له، وامتنع أهل قصر الصفا فجر عليهم الباشا القبوس والقنابر ورماهم بها رميا هائلا يوما وليلة حتى حدثت ثلمة في جدار القصر، ثم انهد ما حوله بفعل المدافع, فلما رأى من في القصر أن أهل البلد قد أطاعوه، وأن سور القصر هدم عليهم، طلبوا المصالحة من الباشا على دمائهم وأموالهم وسلاحهم، فخرجوا من القصر ودخله الروم، ورحل المرابطة إلى أوطانهم، فلما بلغ عبد الله وهو في بريدة رحل منها وقصد الدرعية وأذن لأهل النواحي أن يرجعوا إلى أوطانهم.
أمر عبد الله بن سعود بعض النواحي من أهل الوشم وسدير أن يتجهزوا بشوكتهم إلى القصيم، ثم أمر شوكة أهل القصيم أن تجتمع تحت رئاسة أمير القصيم حجيلان بن حمد, ثم تجهز عبد الله غازيا من الدرعية واستنفر جميع القوات التابعة لها من الحاضرة والبادية، وخرج من الدرعية لعشر بقين من جمادى الأولى، وقصد ناحية الحجاز ونزل قرب الرس واستلحق الشوكة التي مع حجيلان، وسار حتى نزل العلم- الماء المعروف- وهو يريد الغارة على البوادي الذين مع الباشا إبراهيم، فبلغهم خبره فرحلوا إلى الحناكية ونزلوا على إبراهيم باشا.
في منتصف جمادى الآخرة حمل عبد الله بن سعود وقواته على قوات إبراهيم باشا حتى قربوا من محطة العسكر, فثور الروم مدافعهم فخف بعض البوادي مع عبد الله ومن نزلوا قرب جبل ماوية قبالة الروم، فثبت الروم بواديهم لما رأوه نزل فوجه مدافعهم إلى المسلمين ورموهم فأثرت فيهم، فأمر عبد الله على بعض المسلمين أن يرحلوا وينزلوا الماء، فلما هموا بالرحيل خفت البوادي فتتابعت فيهم الهزيمة ووقع الرعب في قلوبهم فاتصلت الهزيمة في جموع قوات عبد الله، واختلطت الجموع بعضها في بعض وتبعهم الروم والبوادي وقتلوا رجالا وأخذوا كثيرا من السلاح وغيره، سقط في الأرض من أهل الركائب وركب عبد الله في كتيبة من الخيل وحمى ساقة قواته، وهلك في تلك الهزيمة بين القتل والأسر والظمأ نحو 200 رجل، وهذا أول وهن في الدولة السعودية الأولى.
لما صارت الهزيمة على عبد الله بن سعود في جمادى الآخرة رحل بالقرب من جبل ماوية ونزل إبراهيم باشا وقواته الرس، فثبت له أهل الرس وحاربوه، وأرسل عبد الله للرس مرابطة مع حسن بن مزروع، والهزاني صاحب حريق نعام، فحاصرهم الروم أشد الحصار وتابعوا الحرب عليهم في الليل والنهار، وكل يوم يسوق الباشا على سورها صناديد الروم بعدما يجعل السور بالقبوس فوق الأرض مهدوما، ومع ذلك ثبت أهل الرس والمرابطة، وقاتلوا قتال من حمى الأهل والعيال، وصبروا صبرا عظيما، فكلما هدم الروم السور بالنهار بنوه بالليل، وكلما حفروا حفرا للبارود حفر أهل الرس تجاهه حتى يبطلوه، وبعض الأحيان يثور عليهم وهم لا يعلمون، وطال الحصار إلى ذي الحجة، وذكر أن الروم رموه في ليلة 5000 رمية بالمدافع والقنبر والقبس، وأهلكوا ما خلف القلعة من النخيل وغيرها، وعبد الله بن سعود وجنوده في عنيزة، فأرسل أهل الرس إليه إما أن يرحل إليهم لقتال الروم، وإما أن يأذن لهم بالمصالحة، ثم أقبل عساكر وقبوس وأمداد من الروم كثيرة ونزلوا على إبراهيم ومن معه في الرس واستعظم أمره وكثرت دولته، فوقعت المصالحة بينه وبين أهل الرس على دمائهم وأموالهم وسلاحهم وبلادهم وجميع من عندهم من المرابطة يخرجون إلى مأمنهم بسلاحهم وبجميع ما معهم، فخرجوا من الرس وقصدوا عبد الله وهو في عنيزة، وقتل من أهل الرس والمرابطة نحو سبعين رجلا وقتل من عسكر الروم ما ينيف على 600 رجل.
أمر حمد بن يحيى أمير شقراء وناحية الوشم على أهل بلد شقرا أن يحفروا خندق بلدهم، وكانوا قد بدؤوا في حفره وقت حملة طوسون، فلما صارت المصالحة تركوه فقاموا في حفره أشد القيام واستعانوا فيه بالنساء والولدان لحمل الماء والطعام، حتى جعلوه خندقا عميقا واسعا وبنوا على شفيره جدارا من جهة السور، ثم ألزمهم كل رجل غني يشتري من الحنطة بعدد معلوم من الريالات خوفا أن يطول عليهم الحصار، فاشتروا من الطعام شيئا كثيرا، ثم أمر على النخيل التي تلي الخندق والقلعة أن تشذب عسبانها ولا يبقى إلا خوافيها، ففعلوا ذلك وهم كارهون، وذلك لأن أهل هذه البلد هم المشار إليهم في نجد، والمشهورون بالمساعدة للشيخ والإمام عبد العزيز ومن بعدهم، وكثيرا ما يلهج بهم الباشا إبراهيم في مجالسه بذكرهم، فخاف الأمير حمد على بلدهم من الروم، فألزمهم ذلك فكانت العاقبة أن الله سلم بلادهم من الروم بسبب الخندق، وحمدوا الله على ذلك، وصالحهم الباشا على ما يريدون، وصاحب الطعام الذي اشتراه على عشرة آصع باع خمسة، وسلمت النخيل المشذوبة من القطع في الحرب دون غيرها؛ لأنها ما تستر عن الرصاص.
بدأ الفرنسيون يترددون على شواطئ السنغال قديما وينشئون مراكز إقامة لهم، وأسسوا مستعمرة لهم عند مصب نهر صنهاجة (نهر السنغال حاليا) وأقاموا حصن سان لويس، ثم طردوا البرتغاليين من ممتلكاتهم جنوب الرأس الأخضر ونازع الإنجليز الفرنسيين على المنطقة، فقد احتلوا المستعمرة الفرنسية سان لويس عام 1172هـ، ثم عادت السنغال إلى فرنسا بموجب معاهدة 1198هـ، ولكن الإنجليز أعادوا الكرة واحتلوا المنطقة غير أن معاهدة باريس أعادت منطقة السنغال إلى فرنسا، ومنذ ذلك الوقت انتهى كل تدخل أوربي في أمور المستعمرة عدا فرنسا، وأصبح فيها حاكم عسكري فرنسي، وتم الاتفاق بين الإنجليز والفرنسيين على الحدود بين غامبيا والسنغال.
لما وصلت جيوش الروم بقيادة سنان أغا ومعه عدد من أهل الحجاز وتهامة عسير، استنجد محمد بن أحمد وقومه من عسير بحمود أبي مسمار أمير العريش، فتولى أبو مسمار قيادة جموع قوات عسير ووقعت الملاقاة بينهم وبين الروم في حجيلا من نواحي عسير، وكثر القتلى بين الفريقين فانهزم الروم وفر سنان إلى القنفذة.
أقدمت الدولة العثمانية على إلغاء حامية الانكشارية في الجزائر، وكان في هذه الحامية حوالي 34 ألف انكشاري.
وكانت فرق الانكشارية من أكثر الفرق انضباطا وقتالا في الجيش العثماني، لكن تورط قادتها في السياسة بعد ذلك أثر على مستواهم العسكري؛ مما أدى إلى إلغائها.
هو الأمير الشريف حمود بن محمد بن أحمد الحسني التهامي، ويعرف بأبي مسمار أمير من أشراف تهامة اليمن، كانت ولادته عام 1170هـ في قرية الملاحة من بلاد بني مالك بالسراة، كانت له ولأسلافه ولاية المخلاف السليماني من تهامة ودعوتهم لأئمة صنعاء.
في سنة 1210 ثار حمود على ابن عمه علي بن حيدر، فنزل له عن إمارة عريش واستقل بولاية أبي عريش وصبيا وضمد والمخلاف السليماني.
واختط مدينة (الزهراء) وبنى قلاعا وأسوارا.
وكان شجاعا كريما محبا للعمران، فيه دهاء وحزم.
وهو أول من استقل بالمخلاف السليماني عن أئمة صنعاء.
وفي أيامه استولت جيوش نجد على البلاد المجاورة له، فقاتلهم، فهزموه فانضوى إلى لوائهم فدان بالدعوة السلفية، فأزال ما كان من أثر للبدع والوسائل الشركية في بلاده، وأصبح أميرا من أمراء الإمام عبد العزيز بن محمد، ثم لابنه سعود، وقد قام بعمليات فتح لصالح دولة الدرعية، فاستولى على اللحية والحديدة وزبيد وما يليها.
وقد هزم الأمير حمود أبو مسهار قوات محمد علي باشا التي يقودها سنان أغا في عسير، ثم وافاه الأجل بعد انتصاره بعشرة أيام عن عمر ثلاث وستين سنة، وقد دفن في قرية الملاحة مسقط رأسه في الظهرة المعروفة بظهرة حمود نسبة إليه، وهي واقعة على ضفاف كضامة الملاحة.
ركب إبراهيم باشا من أشيقر بخيله وقصد بلد شقراء، فأتاها واستدار فيها، وقاسها وعرف موضع منزله ومنزل عسكره وقبوسيه؛ لأنه يعلم أن أهلها محاربون أشداء وأهل صدق في الحرب مجربون، وكان قد أتى إليه أمداد من العساكر والقبوس، وصار في قوة عظيمة، فنزل أسفل البلد وشماله، فخرج إليه أهلها فساق الباشا عليهم الروم، فوقع بينهم قتال شديد في وسط النخيل وخارجه، فقتل من الروم قتلى كثير وجرح كثير منهم، فتكاثرت عليهم أفزاع الروم وجرح الأمير حمد بن يحيى جرحا شديدا فدخلوا البلد واحتصروا فيها، ثم إن الباشا جر القبوس والقنابر والمدافع وجعلها فوق المرقب الجبل الشمالي، فرمى البلد فيه رميا هائلا أرهب ما حوله من القرى والبلدان من أهل مدبر ومنيخ والمحمل وغيرهم، حتى سمعه من كان في العرمة ومجزل وما حوله.
فلما احتصر أهل البلد فيها أنزل قبوسه ومدافعه وقنابره من رأس الجبل وقربها من السور، وحقق عليهم الحرب والرمي المتتابع حتى قيل إنه رماها في ليلة واحدة بثلاثمائة حمل من الرصاص والبارود، وذكر أن رصاص القبوس والمدافع والقنابر والبنادق يتضارب بعضها ببعض في الهواء فوق البلد وفي وسطها، ثم إنه هدم ما يليه من سورها وقطع نخيلها إلا قليلها، هذا وأهل البلد ثابتون، وفي أكنافها يقاتلون، فقرب الباشا القبوس من السور وهدم ما يليه من الدور والقصور، فحماهم الله سبحانه وكف أيدي الروم عنهم؛ وذلك لصدقهم في مواطن اللقاء بالسيف، فلما هم الروم بالحملة عليهم أثنى عزمهم الخندق وما ذاقوه من شدة القتال أول نزولهم على شقراء، فصار الخندق من الأسباب لثبات أهلها لأنه لا يرام، وفي كل يوم وليلة والباشا يناديهم ويدعوهم إلى المصالحة ويأبون عليه، فلما كان يوم الخميس وقعت المصالحة بين الباشا وبينهم؛ خرج إليه رجلان من رؤساء أهلها فصالحوه على دمائهم وأموالهم وما احتوت عليه بلادهم، وكان جميع بلدان الوشم أعطوه الطاعة لما نزل شقراء، فلما استقر الصلح بعث الباشا عساكر من الترك رئيسهم رشوان أغا إلى ناحية سدير ومنيخ، فنزل رشوان بلد جلاجل وفرق العساكر في البلدان وأخذوا ما فيها من الخيل الجياد الثمينة وحنطة وعليقا للخيل، وأقاموا عندهم إلى أن أراد الرحيل من بلد شقراء، فرحلوا من بلد سدير إلى الوشم، ولما كان بعد أيام من مصالحة أهل شقراء وشى بهم رجال عند الباشا من أهل نجد ممن يساعده وسار معه وقال إنه ارتحل منهم عدة رجال من أعيانهم وعامتهم إلى الدرعية، وأنهم يريدون أن ينقضوا العهد بعدما ترتحل عنهم ويقطعوا سبلك، فأفزع ذلك الباشا وأهمه فدخل البلد مغضبا بعدد كثير من عساكره، فلما دخل جعل العسكر في المسجد فأوقدوا فيه النيران، وذلك وقت الشتاء.
ثم دخل الباشا بيت إبراهيم بن سدحان المعروف جنوب المسجد، وأرسل إلى الأمير حمد وهو جريح فجيء به بين رجلين، فتكلم الباشا عليه بكلام غليظ.
ثم أرسل إلى الشيخ عبد العزيز الحصين الناصري، وكان قد كبر وثقل فجيء به محمولا فأكرمه وأعظمه، فذكر لهم ما حدث من أهل البلد.
فعلوا وفعلوا وكان قصده أن يفتك بهم، فقال له الشيخ عبد العزيز الحصين: كل ما تقول صدق، ولكن العفو يا باشا.
فقال: عفونا عفونا إكراما لمجيئك، فكفى الله سبحانه شره، وهدم سور البلد ودفن خندقها، وأقام عليها نحوا من شهر، ثم ارتحل منها بعساكره، وأخذ معه عشرة رجال من رؤسائهم، وسار منها إلى بلد ضرم، وأتت إليه مكاتبات أهل المحمل وحريملاء وأعطوه الطاعة.
كان عبد الله بن سعود لما صالح أهل شقراء وأطاع الروم جميع أهل الوشم وسدير والمحمل وغيرهم، أمر سعود بن عبد الله بن محمد بن سعود في عدة رجال من أهل الدرعية ومتعب بن إبراهيم بن عيصان صاحب الخرج وعدة رجال معه ومحمد العميري في عدة رجال من أهل ثادق والمحمل- أمر الجميع أن يسيروا إلى بلد ضرما ويدخلوها ليصيروا عونا لأهلها وردءا لهم، فساروا إليها ودخلوها، ثم إن الباشا وعساكر الروم لما وصلوا قرب ضرما ركب عدد من خيلهم وطافوا على البلد وقاسوها وعرفوا منزلهم ونزل قبوسهم ومدافعهم وقنابرهم، ثم رجعوا إلى مخيمهم، فلما كان صبيحة 14 من ربيع الثاني أقبل الباشا على البلد ونزل شرقيها قرب قصور المزاحمية بينها وبين البلد وحطوا ثقلهم وخيامهم ثم سارت العساكر بالقبوس والمدافع والقنابر، ونزلوا بها شمال البلد قرب السور فثارت الحرب بين الروم وبين أهلها، وحقق الباشا عليهم الرمي المتتابع وحاربهم حربا لم ير مثله وثبت الله أهل البلد فلم يعبؤوا به وطلب منهم المصالحة فأبوا عليه ولم يعطوه الدنية، وكانت هذه البلد ليس في تلك النواحي أقوى منها بعد الدرعية رجالا وأموالا وعددا وعدة، فحشدت عليهم عساكر الروم والمدافع فلم يحصلوا على طائل، ثم حشد الروم عليهم وقربوا القبوس من السور وحاربوها حربا عظيمة هائلة، فرميت بين المغرب والعشاء بـ 5700 رمية بين قبس ومدفع وقنبرة، فهدموا ما والاهم من السور، فلما رأى الباشا صبرهم وصدق جلادهم، ساق الروم عليهم وأهل البلد فيه ثابتون، فحمل عليهم الروم حملة واحدة فثبتوا لهم وجالدوهم جلاد صدق وقتلوا منهم نحو 600 رجل، وردوهم إلى باشتهم وبنوا بعض ما انهدم من السور، فنقل الباشا بعض القبوس إلى جنوب البلد فتتابع الرمي من الجهتين وأهل البلد والمرابطة قبالتهم عند السور المهدوم، فلم يفجأهم إلا الصارخ من خلفهم أن الروم خلفكم في أهلكم وأولادكم وأموالكم، فكروا راجعين والروم في أثرهم، ودخل الروم البلد من كل جهة وأخذوها عنوة وقتلوا أهلها في الأسواق والسكك والبيوت، وكان أهل البلد قد جالدوهم في وسط البلد إلى ارتفاع الشمس، وقتلوا من الروم قتلى كثيرين، ولكن خدعوهم بالأمان، فيأتون إلى أهل البيت والعصابة المجتمعة فيقولون: أمان أمان، ويأخذون سلاحهم ثم يقتلونهم، ونهبوا جميع ما احتوت عليه البلد من الأموال والسلاح والمتاع والمواشي والخيل، واحتصر سعود بن عبد الله في قصر من القصور ومعه أكثر من 100 رجل من أهل الدرعية وغيرهم، فأرسل إليهم الباشا وأعطاهم الأمان، فخرجوا وساروا إلى الدرعية، وهرب رجال من أهل البلد وغيرهم على وجوههم في البرية، فكانوا بين ناج ومقتول، وخلت البلد من الرجال، وجمع الباشا النساء والأطفال وأرسلهم إلى الدرعية وهم نحو 3000 نفس، والذي قتل من أهل ضرما في هذه الواقعة 800 رجل، ومن المرابطة 50 رجلا.
عندما نزل إبراهيم باشا على الدرعية رتب قبوسه ومدافعه وقنابره على جهات الدرعية الأربعة، وكان عبد الله بن سعود قد رتب جموع أهل الدرعية ومن كان عنده من أهل الآفاق مقابل قوات الباشا، ومن أبرز القادة الذين كانوا مع عبد الله إخوانه فيصل وإبراهيم وفهد، وتركي الهزاني صاحب حريق نعام، وعبد الله ابن القاضي أحمد العريني رئيس سدير، ومحمد العميري رئيس المحمل، تولى هؤلاء قيادة الجبهات، ومعهم المدافع والمتاريس، وفي كل برج من أبراج الجهات فيه رجال من رؤساء أهلها وأشياخهم وأثقالهم الذين ليس لهم شدة في الحرب، وإنما عليهم حفظ نواحيهم, فلما نزل الباشا وفرق عساكره تجاه جموع أهل الدرعية وقعت الحرب بينهم واضطرمت نارها وطار في السماء شرها وشرارها، فتخاللت بينهم القنابر والقبوس والمدافع، وصار مطرها فوق تلك الجموع متتابعا فاشتد القتال وتصادم الأبطال، والحرب بين الروم وبين أهل الدرعية سجال، واستمرت الحرب والحصار ستة أشهر، أظهر فيها أهل الدرعية ضروبا من البطولة والتضحية، وشهدت الحرب عددا من المعارك والوقائع بين الطرفين، مثل وقعة المغيصيبي، والحريقة، ووقعة غبيراء، ووقعة سمحة، كما حصلت مقتلة عظيمة بين الفريقين عند السليماني النخل المعروف في الدرعية, ووقعة البليدة، ووقعة شعيب قليقل، ووقعة كتلة الشعيب, ووقعة الرفيعة، وفي أثناء الحرب اشتعلت النار في زهبة الباشا وما في خزائنه من البارود والرصاص وجميع الجيخان، وكان لثورتها أمر هائل لا يكاد يوصف، وسمع صوتها مسيرة ثلاثة أيام أو أربعة، وأهلكت خيلا ورجالا وأحرقت خياما وأزوادا وأثاثا، وهربت العساكر في رؤوس الجبال، ووقع في قلوبهم الرعب، وكان لهذه الحادثة وهن عظيم على الروم، وهم أهل الدرعية أن يحملوا عليهم ويدهموهم فيه، فلم يفعلوا وكان أمر الله قدرا مقدورا، فتراجع الروم وثبتوا، ثم أرسل الباشا إلى جميع نواحي نجد، وأخذوا من كل بلد ما فيها من خزانة الجبخان وتتابع عليه بعد ذلك الجبخان والعساكر من مصر، وأتت إليه الرجال والقوافل، وهو في الدرعية من البصرة والزبير مع أهل نجد الذين فيهما ممن كان أجلاهم سعود عن نجد وأخذوا أموالهم.
فتتابع عليه القوافل من الأرز والحنطة والتنباك وجميع حاجات العساكر، وسارت إليه القوافل أيضا من جميع نواحي نجد بجميع ما ينوب العساكر، فثبت الباشا في موضعه وتعاظم أمره وتزايد بالحرب على الدرعية، فحاربها حربا عظيما وهم ثابتون، والخارج منها كل ليلة من أهل النواحي ومن أهلها يبذل الباشا لهم الأمان، وقتل أثناء الحرب فيصل بن سعود بن عبد العزيز.
يقول ابن بشر: "كان الروم إذا قتل منهم ألف أتى بدلهم ألفان، وتتابع العساكر من مصر على الدرعية في كل أسبوع وشهر يأتي من مصر عسكر وقافلة من الطعام والأمتاع وما ينوب تلك العساكر، فلما طال الحصار وكثرت الأمداد من مصر على الروم، وأهل الدرعية كل يوم ينقصون، وذلك بتقدير الحي القيوم، وإليه يرجع الأمر كله، وما ربك بغافل عما يعملون، واستمروا في تلك المحاجي قريب ستة أشهر، وصار في تلك المدة وقعات عديدة لا يحيط بها العلم ولا يدركها من أرادها القلم" وبعد وقعة الرفيعة خرج من الدرعية رئيس الخيالة غصاب العتيبي وهو ممن يظن به الصدق مع آل سعود والصبر معهم فأصاب أهل الدرعية كآبة ووهن من خروجه، فلما خرج قصد الباشا فقوي عزم الباشا على الحرب، فقرب القبوس من البلد، وفي صبيحة ثالث ذي القعدة حمل الروم على الدرعية من جميع الجهات الأربع فاقتحموها ودخل الروم الدرعية وقاتلهم الناس من منازلهم واشتد القتال حول قصر غصيبة المشهور الذي بناه الإمام سعود بن عبد العزيز، كان قد تحصن فيه سعد بن عبد الله سعود مع عدة رجال، فجر عليهم الباشا القبوس والقنابر، فلما رأى عبد الله بن سعود البوار، انتقل إلى منزله في الطريف وترك مخيمه وثقله في موضعه، فأقبل الباشا بقبوسه وقنابره ومدافعه ونزل إلى باب المنزل واشتدت وطأة الروم عليهم، فحماهم الله وكفوا عنهم فهموا بالمصالحة، فتأبى الباشا، فشمر الشيخ عبد الله ابن الشيخ محمد بن عبد الوهاب وشهر سيفه وندب للقتال، فاجتمع عليه أهل البجيري ونهضوا على الروم من كل جانب كأنهم الأسود، فأخرجوا الروم وقتلوا منهم مئات، ثم أرسلوا إلى الباشا وطلبوا الصلح فأجاب إليه بعدما كان آبيا، ولان بعدما كان قاسيا.
وقيل: قتل من عساكر الروم في هذا الحصار 10 آلاف مقاتل، ومن أهل الدرعية ألف وثلاثمائة مقاتل.
لما قبل إبراهيم باشا الصلح خرج له من أعيان الدرعية عبد الله بن عبد العزيز بن محمد، والشيخ العالم علي ابن الشيخ محمد بن عبد الوهاب، ومحمد بن مشاري بن معمر، فأرادوا منه أن يصالحهم على البلد كله فأبى أن يصالحهم إلا على السهل، أو يحضر الإمام عبد الله بن سعود فرفضوا، فدخل الروم الدرعية ووقعت الحرب عند مسجد الطريف أياما ثم انفض عن عبد الله بن سعود كثير ممن كان عنده، فلما رأى عبد الله ذلك بذل نفسه للروم وفدى بها عن النساء والولدان والأموال، فأرسل إلى الباشا وطلب المصالحة، فأمره أن يخرج إليه فخرج إليه وتصالح على أن يركب إلى السلطان فيحسن إليه أو يسيء، وانعقد الصلح على ذلك، ودخل عبد الله منزله وأطاعت البلد كلها، فسلم عبد الله بن سعود نفسه للباشا في 8 ذي القعدة بعد حصار شديد للدرعية دام ستة أشهر، ثم أرسله إلى القاهرة، واقتاد إبراهيم باشا بعض أمراء آل سعود وأفرادا من أسرة الشيخ محمد بن عبد الوهاب أسرى، وأرسلهم إلى مصر، ومن هناك أرسل عبد الله بن سعود إلى استانبول، حيث أعدم في صفر سنة 1234هـ, وبهذا انتهت الدولة السعودية الأولى التي امتد نفوذها إلى معظم أنحاء الجزيرة العربية على مدى 77 سنة.
لما انهار حكم الدولة السعودية على يد إبراهيم باشا ودمرت الدرعية، كثر في نجد الاختلاف والاضطراب ونهب الأموال وقتل الرجال، وتقدم أناس وتأخر آخرون، يقول ابن بشر: "قلت: وانحل فيها نظام الجماعة والسمع والطاعة، وعدم الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، حتى لا يستطيع أحد أن ينهى عن منكر أو يأمر بطاعة، وعمل بالمحرمات والمكروهات جهرا، وليس للطاعات ومن عمل بها قدر، وجر الرباب والغناء في المجالس وسفت الذواري على المجامع والمدارس، وعمرت المجالس بعد الأذان للصلاة، واندرس معرفة الأصول وأنواع العبادات، وسل سيف الفتنة بين الأنام، وصار الرجل في جوف بيته لا ينام، وتعذرت الأسفار بين البلدان، وتطاير شرر الفتن في الأوطان، وظهرت دعوى الجاهلية بين العباد، وتنادوا بها على رؤوس الأشهاد، فلم تزل هذه المحن على الناس متتابعة حتى أتاح الله لها نورا ساطعا وسيفا لمن أثار الفتن.
.
تركي بن عبد الله بن محمد بن سعود.