المعوقون يتكلمون [2]


الحلقة مفرغة

إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونستهديه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وأزواجه وسلم تسليماً كثيراً.

معاشر المؤمنين! كان الحديث في الجمعة الماضية عن المعوقين ونظرة المجتمع إليهم، وموقفهم من ذلك، وما ينبغي نحوهم، ولهم وعليهم، واليوم الحديث عن المعوقات ومشاكلهن -والله- أعظم أثراً وثقلاً على النفس من مشاكل المعوقين؛ لأن المعوق -الذكر- قد يتحرك يمنة ويسرة، وقد يذهب ويجيء، ويغدو ويروح، أما المعوقة، فطائر مكسور جناحاه.

فيا عباد الله! قبل أن نخوض في هذا الحديث ينبغي أن نقف وقفة متأملة، ألا وهي أن الإسلام نظر إلى من ابتلي ببلية نظرة فيها وعد جزيل بالثواب لمن صبر واحتسب على ذلك، أليس الله جل وعلا يقول: وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ * الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ * أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ [البقرة:155-157] فمن ابتلي ببلية أياً كانت، أو إعاقة أياً كانت، ثم صبر واحتسب الأجر من الله على ذلك، فعليه من ربه صلوات ورحمة، وله من ربه الفوز والهداية، أليس الله جل وعلا يقول في شأن من صبر على ما ابتلي به: إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ [الزمر:10].

فمن رأى بلية الله فيه، ومن رأى ابتلاء الله له جل وعلا، ثم صبر وعلم أن الله رءوف بعباده، ولولا رحمة الله ورأفته بعباده لما قدر عليه ذلك، ثم سلم الأمر والحكمة لله جل وعلا، لكان هذا من أجل وأعظم أنواع التوحيد الذي لصاحبه عند الله مكانة عظيمة وأجر عظيم.

يقول النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث القدسي عن ربه: (من أخذت حبيبتيه -أي: عينيه- فصبر واحتسب، لم أجد له جزاءً إلا الجنة) الله أكبر يا عباد الله! الله أعلم بك، وأعلم بما يسرك، وأعلم بما ينفعك، وآتاك بمقدار فيه خيرك وصلاحك وهدايتك، ثم يأمرك بالصبر على ذلك، وبعد ذلك يعدك بالجنة التي فيها ما لا عينٌ رأت، ولا أذنٌ سمعت، ولا خطر على قلب بشر من النعيم المقيم .

إن الله جل وعلا ما قدر أمراً من المقادير إلا وللعباد فيه مصلحة، ووالله كم من شخص يتمنى أنه لم يبتل ببلية، ولو سلم من هذه البلية التي قدرها الله جل وعلا، فقد يكون له شأن آخر من الضلال، أو الغواية، ولكن لحكمة وتقدير وتدبير ينبغي أن يسلمها العبد لربه جل وعلا، وإذا رأى عافيةً، أو تحسناً، أو صحةً، أو مزيداً، فذاك تقديرٌ وتدبيرٌ من الله فهذا ينبغي أن يتمثله كل واحدٍ منا، وليس منا في هذه الدنيا إلا مبتلى سواءً كانت بلية ظاهرة، أو بلية باطنة ليجعل الله جل وعلا لنا هذه الدنيا داراً ننظر منها إلى الأكدار وما ينغص ملذاتها، فتكون طمعاً إلى دار لا ينكدها، ولا ينغصها شيء .

ما أضيق العيش ما دامت منغصةً     لذاته بادكار الموت والهرمِ

وهذه الدنيا ليس يخلو أحدٌ فيها من بلية، أو ابتلاء، أو امتحان أياً كان هذا النوع، ظاهراً وباطناً، ولله جل وعلا في ذلك حكمة، وفي قصة أهل الكهف مما يدل على أن تقدير الله في المصيبة سواءً كانت في النفس، أو في المال، أو في غير ذلك، إنما هي لحكمة ربانية عظيمة، أليس الخضر لما ركب السفينة، خرقها، فقال له موسى: ما هذا الذي أحدثته ؟ هذه مصيبة على أصحاب السفينة أَخَرَقْتَهَا لِتُغْرِقَ أَهْلَهَا لَقَدْ جِئْتَ شَيْئاً إِمْراً [الكهف:71] إن هذا لأمرٌ عظيمٌ جداً، فقال له الخضر: إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْراً [الكهف:67] ثم إنه مر على قرية، أو مكان فيه صبية، فأخذ واحداً منهم، ثم قتله وأزهق روحه، فعجب موسى من ذلك، فقال: أَقَتَلْتَ نَفْساً زَكِيَّةً بِغَيْرِ نَفْسٍ لَقَدْ جِئْتَ شَيْئاً نُكْراً * قَالَ أَلَمْ أَقُلْ لَكَ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْراً [الكهف:74-75] ثم لما أراد أن يبين له جميع ما عجز عن الصبر عليه، قال: أَمَّا السَّفِينَةُ فَكَانَتْ لِمَسَاكِينَ يَعْمَلُونَ فِي الْبَحْرِ فَأَرَدْتُ أَنْ أَعِيبَهَا وَكَانَ وَرَاءَهُمْ مَلِكٌ يَأْخُذُ كُلَّ سَفِينَةٍ غَصْباً [الكهف:79]، وفي قراءة: ( وكان أمامهم ملك يأخذ كل سفينة صالحة غصباً).

انظروا -يا عباد الله- أي الأمرين أعظم أن تخرق السفينة، فيمنع ذلك الظالم الغاشم عن مصادرتها وأخذها، أو تترك السفينة، ثم يأخذها ويدع المساكين بلا سفينة أبداً.

إذاً: فمصلحة المصيبة في خرق السفينة كانت أولى وأعظم وأجل من ترك السفينة صالحة، فهذا قدر من أقدار الله يفضي إلى الرضا، ويفضي إلى معرفة عين الحكمة، ودقة وجليل الصواب، والرحمة بأولئك الذين كان لهم الأمر والشأن، وأما الغلام الذي أزهقت روحه، فجاء بيان أمره وَأَمَّا الْغُلامُ فَكَانَ أَبَوَاهُ مُؤْمِنَيْنِ فَخَشِينَا أَنْ يُرْهِقَهُمَا طُغْيَاناً وَكُفْراً * فَأَرَدْنَا أَنْ يُبْدِلَهُمَا رَبُّهُمَا خَيْراً مِنْهُ زَكَاةً وَأَقْرَبَ رُحْماً [الكهف:80-81] فكانت مصلحة قتل هذا الغلام خيرٌ من أن يبقى، فيكون سبب فتنةٍ أي: كفرٍ على أمه وأبيه، والفتنة أشد من القتل، والكفر أشد من القتل، فكان مصلحة قتله فيها، وكان قدر قتله، أو تقدير إزهاق روحه فيها عين الرحمة، والصواب بالأم والأب وما نسل منهما من الذرية.

وهكذا فكل مصيبة نحن فيها سواءً كانت أمراضاً باطنيةً، أو عللاً ظاهرةً، والله، ثم والله، ثم والله إنها لعين العدل، وعين الحكمة، وعين الرحمة، والله جل وعلا أرحم بنا من آبائنا وأمهاتنا فما قدر لنا شيئاً إلا وفيه مصلحة عظيمة.

لما كان النبي صلى الله عليه وسلم راجعاً من معركة حنين، ومعه سبي هوازن، حصل لهم من السبي شيء كثير من الشاء والنعم والأطفال والنساء، فبينما هم كذلك -وقد أعطى كل سائل ما أعطى وطلب- بينما هم كذلك إذ جاءت امرأة تركض من بين السبي، ثم أخذت وليداً من بين السبي، فضمته إلى صدرها، وأخرجت ثديها أمام الناس، وألقمت ثديها في فم الصبي، فقال صلى الله عليه وسلم: (أتظنون أن هذه تلقي بولدها في النار؟ قالوا: لا يا رسول الله! فقال صلى الله عليه وسلم: لله أرحم بعبده من هذه بولدها).

إذاً: فمن عين رحمة الله، وعين تدبير الله وتقدير الله أن قدر على العباد ما قدر، وكثيراً ما جاء من يسأل النبي صلى الله عليه وسلم الشفاء والعافية من البلية، فيقول له النبي صلى الله عليه وسلم: (إن شئت، دعوت لك فشفيت، وإن شئت صبرت، ولك الجنة) وجاءت المرأة التي تصرع، فتتكشف، وقالت: (يا رسول الله! إني أصرع وأتكشف، فادع الله لي، فقال: إن شئت دعوت الله لكِ فشفيت، وإن شئت، صبرتِ ولك الجنة، قالت: أصبر يا رسول الله! ولكن ادع لي ألا أتكشف) فدعا لها ألا تتكشف، فصبرت حتى تنال الجنة، وأجيبت دعوة المصطفى أن إذا أتاها الصرع، أو ابتليت به أنها لا تنكشف عورتها.

نظرة الإسلام لمن ابتلي بشيء من هذه البلايا أنه عين الرحمة، وعين القدر واللطف، وعين العدل من الله جل وعلا، لا كما ينظر إليه اليهود والملاحدة والنازية الذين قال زعيمهم هتلر: ينبغي أن نحرق كل من ليس للمجتمع منه نفع في الأفران ونصهرهم حتى لا يكونوا عبئاً على المجتمعات، هذه نظرة النازية، ونظرة الشيوعية، ينبغي أن يزهق كل من ليس للمجتمع فيه نفع أبداً، ويقول أحد مفكري اليهود -وليس من مفكريهم، بل هو والله من معتوهيهم ولو كان مفكراً، لهداه فكره إلى الإسلام- يقول: ينبغي ألا نتصدق على الفقراء، لأننا إذا تصدقنا عليهم، قادهم ذلك إلى النكاح فتزوجوا، ثم انتشرت ذرية فقيرة، ومن بين هذه الذرية ذريات أخرى، فتعظم مشكلة الفقر، فعلى ذلك ينبغي أن يترك الفقراء، ولا يتصدق عليهم حتى يموتوا ويبقى المجتمع في طبقة تنال كفايتها ورفاهيتها وجميع احتياجاتها.

هذه مفرزات الحضارة الغربية، وهذه مفرزات المذاهب الإلحادية، الله أكبر على دين الإسلام العظيم الذي جعل لكل مسلم صغيراً أو كبيراً، سليماً أو غير ذلك، جعل له منزلة ومكانة عظيمة عند الله، بل إن النبي صلى الله عليه وسلم جاءه العتاب يوم أن انصرف عن رجل كفيف جاء يسأله والنبي صلى الله عليه وسلم كان مشغولاً بصناديد قريش طمعاً في إسلامهم عَبَسَ وَتَوَلَّى * أَنْ جَاءَهُ الْأَعْمَى [عبس:1-2] انشغلت، أو تجهمت، أو تكشرت قليلاً يوم أن جاءك الأعمى طمعاً في إسلام أولئك من الصناديد وغيرهم.

هذا خطاب رباني من الله لنبيه صلى الله عليه وسلم أن تكون العناية بأولئك عناية عظيمة، وحاشا النبي صلى الله عليه وسلم أن يحتقر معوقاً، أو غير ذلك، ولكن كان يطمع أن يلتفت إلى هذا الكفيف في وقت آخر، وهو مشغول بإسلام صناديد قريش، وكبار رجالاتها، فجاء العتاب، وجاء التعقيب سريعاً عَبَسَ وَتَوَلَّى * أَنْ جَاءَهُ الْأَعْمَى * وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّهُ يَزَّكَّى * أَوْ يَذَّكَّرُ فَتَنْفَعَهُ الذِّكْرَى [عبس:1-4] أما صناديد قريش أَمَّا مَنِ اسْتَغْنَى * فَأَنْتَ لَهُ تَصَدَّى * وَمَا عَلَيْكَ أَلَّا يَزَّكَّى [عبس:5-7] هذا من معجزات ومبينات، ومن موقنات هذا الدين العظيم أن لنا فيه أعظم السعادة، وأجل الرفعة والكرامة لكل فرد من أفراد هذا المجتمع.

أيها الأحبة! هذه نظرة الإسلام إلى المعوقين، وإن كان في النفس شيء أن يسموا معوقين، بل هم-والله- رجالات المجتمع، ومنهم قادة الأمة، أليس رجلٌ قد أعيق في أطرافه الأربعة بشلل رباعي، ليس فيه إلا رأسه يهدد دولة تملك القنابل الذرية، رجلٌ معوقٌ يهدد دولة إسرائيل، وقدم، أو سيقدم للمحاكمة في فلسطين وهو أحمد ياسين الذي نسب إليه القتل، وكيف يقتل من ليس له يدٌ يبطش بها، أو رجلٌ يمشي عليها؟ شلله رباعي، ويحاكم من اليهود بتهمة القتل، والله لقد قتلهم بإيمانه وبصبره وبثباته وبتحريضه للمؤمنين على القتال.

نعم -أيها الأحبة- فنحن لا نرضى أن ينسب لمسلم أياً كان نوع البلاء الذي ابتلاه الله به، لا نرضى أن ينسب له ضعف، أو نقص، أو عجز، بل له مكانة، وله منزلة، وله كرامة، وله قيادة، وله شأن عظيم، ولو عرف قدر نفسه وقدر تكريم الإسلام له لتبوأ منزلةً مناسبةً، ولكان أعظم من مئات الأصحاء.

والناس ألفٌ منهمُ كواحدٍ وواحدٌ كالألفِ إن أمر عنى

لرب معوقٍ خير من آلاف القاعدين الجبناء الضالين المنشغلين عن عبادة ربهم.

بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم.

أقول ما تسمعون، وأستغفر الله لي ولكم، فاستغفروه من كل ذنب؛ إنه هو الغفور الرحيم.

الحمد لله على إحسانه، والشكر له على توفيقه وامتنانه، وأشهد أن لا إله إلا الله تعظيماً لشأنه، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله الداعي إلى رضوانه صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلَّم تسليماً كثيراً.

عباد الله! اتقوا الله تعالى حق التقوى، تمسكوا بشريعة الإسلام، عضوا بالنواجذ على العروة الوثقى، اعلموا أن خير الكلام كلام الله، وخير الهدي هديُ محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتُها، وكل محدثة في الدين بدعة، وكل بدعة في الدين ضلالة، وعليكم بجماعة المسلمين؛ فإن يد الله مع الجماعة، ومن شذَّ شذَّ في النار عياذاً بالله من ذلك.

أيها الأحبة: كما وعدنا في صدر هذه الخطبة أن يكون الحديث عن المعوقات، فهذا أوان الشروع في المقصود.

عباد الله! إن في مجتمعنا أولياء ظلمة، إن في هذه الأمة من أولياء المعوقات -والله- ينسبون إلى الظلم والظلمة، ألا يخشون الله فيما بين أيديهم من المعوقات؟ ولم أبحث معكم، أو أتكلم به أمامكم إلا بعد اتصال بعدد من المعوقين والمعوقات، وأخبرتكم في الجمعة الماضية ما الذي يفعله بعضهم، أو يشكو منه بعضهم تجاه مشاكله وإعاقته، واليوم اسمعوا إلى فتاة لها معونة سنوية من الدولة -أعزها الله- أبوها ووليها يصادرها ويأخذها في شهواته وملذاته، قد يقول قائل: أنت ومالك لأبيك، وأقول: إن شأن من ابتلي ببلية، وأعطي وليه مكافأة، أو معونة لتحسين حاله ينبغي أن يثمرها، وأن ينميها في عقار، أو في أسهم شرعية، أو في تجارة مناسبة حتى ينمو هذا لصاحبه، فإذا يسر الله له يوماً من الأيام زواجاً، أو حظاً مباركاً، كان له من المال -والله هو الرزاق ذو القوة المتين- كان له من المال ما يعينه على نفسه، لا أن يأكلها الأب، ويراها مناخاً أو شرهةً، أو عادةً يأكلها، وبين يديه من ابتلي ببلية في يده، أو قدمه، أو شيء من التخلف في مستوى ذكائه، ولا ينفقها لأجل تحسين تعليمه وتربيته، هذا -والله- من الظلم، وهذا لا يجوز أبداً.

كذلك -أيها الأحبة- فتاة معوقة تشكو أن أباها لم يعرض عليها أمر الزواج أبداً، وهي تعلم أنه يتقدم إليها من المعوقين من يرغب الزواج منها، وأبوها يرفض أن يزوجها، ما دامت رغبت هذا الحظ والنصيب فما الذي يجعلك تردعها وتمنعها؟ أتحرمها أن تتزوج فيدور عامٌ أو عامان، فتنجب طفلاً أو طفلةً صحيحةً سويةً سليمةً، وما أسرع مرور الأيام والأعوام، ثم يكون هذا الطفل شاباً جلداً يرعاها ويتولاها، وينفق عليها؟ أتظن أن هناك ما يمنعك من تزويجها؟

والله إن من كانت عنده كهذه، فرغب من الزواج منها فمنعها بحجة أن من تقدم إليها ليس سوياً كامل البنية، فإنه آثمٌ آثمٌ آثم، لا يجوز فعله، وابنته حجيجته أمام الله، فلينظر مظلمتها، وما تأخذ من حسناته، أو تعطيه من سيئاتها.

كذلك -يا عباد الله- ينبغي للأولياء من كانت عنده بنية معوقة أن يتلطف، وأن يبحث لها عن زوجٍ، ينبغي أن يحمل همها وشأنها، لا أن يكون قصارى همه وجهده أن يجعل لها عربية في البيت، أو يجعل لها حجرة مستقلة، فيضع التلفاز أمامها، وأنواع الفيديو بأنواعها، ثم يقول: ما قصرت معها، وأمامها كل المغريات، وكل وسائل الترفيه، والله لقد قتلتها فوق أمرها، ولقد ذبحتها فوق ذبحتها، والله ثم والله إنك لا تزيدها إلا هلاكاً، وإن من واجبك أن تبحث لها عن زوج حتى لو كانت ثانية وثالثة.

واعجبوا -يا عباد الله- إلى الطوائف المنحرفة والمذاهب الضالة الذين يزوجون المعتوهين والسفهاء والمجانين، يزوجونهم العوانس وكبيرات السن اللائي لم يتقدم لهن أحد، يقولون: هذا معتوه، لكن يخرج من نسله صحيح سوي، وهذه مجنونة، ويخرج من نسلها صحيح سوي، ويكاثرون أمة السنة، ويكاثرون أمة العقيدة والتوحيد يريدون أن يكونوا أكثر منهم بأي سبيل وأسلوب حتى ولو بتزويج السفهاء والمجانين والمعتوهين وكبار السن، وغير ذلك.

فنحن -يا عباد الله- انطلاقاً من أمر الله لنا، ورحمةً بإخواننا، وذكراً للفضل بيننا ينبغي أن ننتبه للمعوقات في مجتمعنا، وأن نسعى بكل ما نستطيعه بتيسير شئون زواجهن، وترتيب ذلك، وتقريب وجهات النظر بين من يبحث عن زوجة، وبين من تبحث عن زوج، فنقرب هذا من هذا، وإن يكونوا فقراء يغنهم الله من فضله، وينبغي أن نجمع لهم ما تجود به الأنفس، وتطيب به الخواطر، فنهيئ لهم المكان والسكن والوسائل المناسبة لخدمتهم ورعايتهم حتى يأتي اليوم الذي تنشأ فيه ذريتهم، فيقوموا بخدمتهم وعنايتهم.

أما أن نظن أن قصارى همنا وجهدنا أن نعلمهم الطبل والزمر، وأن نخرج لهم الأفلام والمسلسلات، ونقول: إنا قد قمنا بحقوق المعوقين علينا، فما-والله- قمنا بحقٍ، بل بذلنا لهم بلاءً إن نحن فعلنا ذلك، وغفلنا عن تربيتهم وتوجيههم على الإسلام، والله ثم والله إنه يندر أن تجد من يفهم الفكرة الإسلامية الصحيحة في مسألة البلاء والامتحان، أو قضاء الله وقدره، فتراه راضياً مطمئناً، بل أكثرهم تجدهم من الساخطين على المجتمع، أو من الساخطات على المجتمع، ولو كان جل ما تعلموا أو نشئوا عليه أن يعلموا أولاً وبادئ ذي بدء أن قدر الله حكمةٌ وعدلٌ، ولطفٌ ورحمةٌ، وأن هذا عين الرحمة من الله بهم، لكان أول ما نرى منهم الرضا، والاستعداد، والإيجابية في كل مجال يعرض عليهم، لكن نظن أنهم بحاجة إلى اللهو والطرب، أو بحاجة إلى أن ننسيهم واقعهم، لا والله، بل يتذكروا أنفسهم ويتلذذوا بهذه المنحة.

يقول أحد مفكري الإسلام: ومن عرف ربه، وعرف ثواب ربه، تكون المحنة عنده منحة، يوم أن نعلمهم هذا تكون البلية بالنسبة لهم نعمة وشهادة وشفاعة، ويكونون بها أقرب إلى دخول الجنة من غيرهم، هذا هو الفكر والعلم الذي ينبغي أن يعمق في أذهانهم بعد التوحيد بادئ ذي بدء.

أسأل الله جل وعلا أن يوفق الجميع إلى ما يرضيه، وأسأله سبحانه وتعالى أن يوفق من له ولدٌ معوقٌ، أو ابنةٌ معوقةٌ إلى تنشئتهم وتربيتهم وتعليمهم وتزويجهم، والعناية بهم حتى يكون لهم أكبر الأثر وأطيب المكانة في أنفسهم ومجتمعاتهم.

اللهم أعز الإسلام والمسلمين، اللهم دمر أعداء الدين، اللهم أبطل كيد الزنادقة والملحدين، اللهم من أراد بنا سوءاً، فأشغله بنفسه، واجعل كيده في نحره، واجعل تدبيره تدميره يا سميع الدعاء!

اللهم آمنا في دورنا، وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا، اللهم اهد إمام المسلمين، اللهم أصلح مضغة قلبه، اللهم أصلح بطانته، اللهم أصلح جلساءه، اللهم قرب منه من علمت فيه خيراً له ولأمته، وأبعد عنه من علمت فيه شراً له ولأمته، واجمع اللهم شمله وإخوانه وأعوانه على ما يرضيك يا رب العالمين!

وسخر اللهم لنا ولهم ملائكة السماء برحمتك، وجنود الأرضين بقدرتك، ربنا لا تشمت بنا ولا بهم حاسداً، ولا تفرح علينا ولا عليهم عدواً.

اللهم انصر المجاهدين في أفغانستان، اللهم وحد صفهم، اللهم ثبت أقدامهم، اللهم اجبر كسرهم، اللهم فك أسرهم، اللهم انصرهم بنصرك، وأيدهم بتأييدك، وأهلك أعداءهم يا جبار السماوات والأرض، فإنهم لا يعجزونك.

اللهم انصر المجاهدين في الفليبين، اللهم انصر المجاهدين في أثيوبيا، اللهم انصر المجاهدين في كل مكان يا رب العالمين!

اللهم أقم علم الجهاد في جميع دول العالم الإسلامي المغتصبة، اللهم أقم علم الجهاد، ورد بلدان المسلمين إلى حوزتهم، اللهم أقم علم الجهاد في قعر ديار الكفار، وأهلك الظالمين بالظالمين، اللهم أهلك الظالمين بالظالمين، وأخرج أمة محمد من بينهم سالمين.

اللهم اهد شبابنا، اللهم أرنا فيهم خيراً مما نرجو، اللهم أرنا فيهم ما يرضيك ويسرنا ويثلج صدور المسلمين أجمعين، اللهم وفقهم واعصمهم، وأصلح جلساءهم، واهدهم يا رب العالمين!

اللهم اهد بناتنا، واستر زوجاتنا، اللهم جنبهن الاختلاط والتبرج والسفور والتبذل، اللهم اجعلهن خير الأمهات لهذا الجيل يا أرحم الراحمين!

اللهم صل وسلم على عبدك ونبيك محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.




استمع المزيد من الشيخ الدكتور سعد البريك - عنوان الحلقة اسٌتمع
أهمية الوقت في حياة المسلم 2795 استماع
توديع العام المنصرم 2641 استماع
حقوق ولاة الأمر 2617 استماع
فلنحول العاطفة إلى برنامج عمل [1] 2545 استماع
من هنا نبدأ 2490 استماع
أحوال المسلمين في كوسوفا [2] 2455 استماع
أنواع الجلساء 2455 استماع
إلى الله المشتكى 2430 استماع
الغفلة في حياة الناس 2428 استماع
نساء لم يذكرهنَّ التاريخ 2391 استماع