فقه العبادات - الصلاة [22]


الحلقة مفرغة

الشيخ: بسم الله الرحمن الرحيم.

الحمد لله رب العالمين, وصلى الله وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.

اللهم أرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه, وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه, ولا تجعله ملتبساً علينا فنضل, اللهم انفعنا بما علمتنا, وعلمنا ما ينفعنا, وزدنا علماً وعملاً يا كريم! وبعد:

فالسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

أحبتي في الله, أسأل الله سبحانه وتعالى أن ينفعنا بما نسمع ونقول، إنه ولي ذلك والقادر عليه.

بداية وبعد الترحيب بكم من خلف الشاشة أرحب بالإخوة الذي معنا في الأستوديو, ونسأل الله سبحانه وتعالى أن يجعلنا ممن يستمع القول فيتبع أحسنه, وأن يجعلنا من الذين لا يشغلهم عن طاعته ولا عن طلب العلم شيء من صوارف الدنيا وملهياتها, إنه على ذلك قدير, فإن الإنسان أحياناً قد تصرفه صوارف عن تعلم العلم وتعليمه, وهذه الصوارف ربما تكون بسبب ذنوبه, وربما تكون بسبب أنه اتبع شيئاً من هواه, فالإنسان أحياناً ربما يترك هذا العلم إلى شيء آخر؛ لأن هواه قد مال به؛ ولأجل هذا ينبغي للإنسان أن يسأل ربه دائماً، ويتجرد في ذلك، فيقول: اللهم اهدني وسددني, فإن الهداية من الله سبحانه وتعالى فيما يأتي الإنسان ويذر من القربات؛ ولهذا قال الله تعالى: اهْدِنَا الصِّرَاطَ المُسْتَقِيمَ [الفاتحة:6], فكل من قرأ هذه الآية من سورة الفاتحة ينبغي له أن يستشعر طلب الهداية في صغير الأمر وجليله, فإن الإنسان لا غنى له عن رحمة الله وتوفيقه وتسديده.

ولهذا كان صلى الله عليه وسلم يقول إذا أصبح وإذا أمسى ثلاثاً: ( يا حي يا قيوم برحمتك أستغيث، أصلح لي شأني كله، ولا تكلني إلى نفسي طرفة عين، ولا إلى أحد من خلقك ).

مشروعية التراويح والأفضل في عدد ركعاتها

الشيخ: أيها الإخوة! كنا في درس سابق ذكرنا صلاة التراويح, وقلنا: إنها مشروعة مسنونة من حين رؤية هلال رمضان, ولا تشرع في ليلة الشك من رمضان خلافاً للحنابلة, وهذا هو مذهب جماهير أهل العلم, أنهم لا يستحبون صلاة التراويح إلا إذا كان قد ثبت أن غداً من رمضان, والله تبارك وتعالى أعلى وأعلم.

وقلنا أيضاً في درس سابق: أجمع أهل العلم على أن للإنسان أن يصلي من الليل ما شاء, وقد نقل الإجماع أبو عمر بن عبد البر ، وكذلك الإمام العراقي في كتابه: طرح التثريب.

وذكرنا مسألة: هل الأفضل أن يصلي إحدى عشرة ركعة، أو يصلي ثلاثاً وعشرين ركعة, أو يصلي ستاً وثلاثين ركعة؟

أولاً: نقول: ذهب جمهور الفقهاء من الحنفية والشافعية والحنابلة إلى أن الأفضل أن يصلي الإنسان عشرين ركعة من غير الشفع والوتر, فتكون حينئذ ثلاثاً وعشرين ركعة.

واستدلوا على ذلك بقصة عمر بن الخطاب أنه صلى عشرين ركعة, والراجح أن عمر لم يحفظ عنه أنه أمر بذلك, وإنما كانت تصلى عشرين ركعة في عهد عمر , أما أن عمر أمر بذلك فالراجح أن الحديث في ذلك فيه ضعف.

وقد ثبت أيضاً عن عمر أنه أمر أن تصلى من الليل إحدى عشرة ركعة, وقد صححه كثير من المتأخرين, فـعمر أمر بإحدى عشرة ركعة, وصليت التراويح في عهده ثلاثاً وعشرين ركعة، وسار الناس على ذلك, فكان أهل مكة يصلون ثلاثاً وعشرين ركعة, ولكن صلاتهم كانت طويلة, فكان أهل التاريخ والسير يقولون: كان أهل مكة يصلون ركعتين ثم ركعتين, ثم يستروحون, فمنهم من كان يأخذ سبعاً في طوافه, ثم بعد ذلك يقومون ويصلون, فسميت تراويح لطولها؛ ولهذا قال السائب بن يزيد : وكانوا يعتمدون على العصي من طول القيام.

فلأجل هذا قالوا: فهذا أمر سار عليه سلف هذه الأمة, فيستحب للناس أن يصلوا ثلاثاً وعشرين ركعة, وهذا كما هو مذهب جماهير أهل العلم.

وذهب بعض أهل الحديث -وهو قول بعض المتأخرين- إلى أن الأفضل أن يصلي الإنسان إحدى عشرة ركعة, كما صنع النبي صلى الله عليه وسلم.

فقد سئلت عائشة كما في الصحيحين: ( كم كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي من الليل؟ فقالت: لم يكن رسول الله صلى الله عليه وسلم يزيد في رمضان ولا غيره على إحدى عشرة ركعة, يصلي أربعاً فلا تسأل عن حسنهن وطولهن, ثم يصلي أربعاً فلا تسأل عن حسنهن وطولهن، ثم يصلي ثلاثاً ).

وروى مسلم من حديث عائشة : ( كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي من الليل ثلاث عشرة ركعة, يوتر من ذلك بخمس لا يجلس إلا في آخرها ), فهذا يدل على أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصلي ثلاث عشرة ركعة.

فقال بعضهم: الأفضل أن يصلي إحدى عشرة ركعة أو ثلاث عشرة ركعة.

وأما أبو العباس بن تيمية فقال: السنة أن يصلي كصلاة النبي صلى الله عليه وسلم كماً وكيفاً, أما إذا لم يصل مثل صلاته صلى الله عليه وسلم كيفاً فإنه يزيد في العدد؛ لأجل أنه إذا زاد في العدد فقد أطال في عبادته, فأما إن كان قد صلى مثلها كيفاً فهذا أفضل ممن صلى كماً من غير كيف.

وعلى هذا فالعبرة بطول القنوت؛ لقوله صلى الله عليه وسلم كما في صحيح مسلم من حديث جابر عندما سئل عن أفضل الصلاة قال: ( أفضل الصلاة طول القنوت ).

ومن المعلوم أن الذي يصلي ثلاثاً وعشرين ركعة ربما يجلس ساعة ونصف ساعة، أو ساعة وربع ساعة, وأما الذي يصلي إحدى عشرة ركعة، فإن كان يصلي نصف ساعة أو ساعة إلا ربعاً, فنقول: الذي صلى ساعة ونصفاً أفضل من الذي صلى ساعة إلا ربعاً.

وأما من صلى إحدى عشرة ركعة في ساعة ونصف فهو أفضل من الذي صلى ثلاثاً وعشرين ركعة بساعة ونصف, لأنه سوف يطيل الركوع ويطيل القيام ويطيل السجود, ولهذا كان أفضل, وهذا القول من حيث النظر أقوى، والله تبارك وتعالى أعلى وأعلم.

فأما إذا لم يصنع ذلك فلو صلى ثلاثاً وعشرين ركعة فلا حرج في ذلك, والكل متفقون على أن الخلاف إنما هو في الأفضلية.

الإنكار على من يجلسون للحديث والناس يصلون التراويح

الشيخ: إني لأحزن أشد الحزن حينما أجد بعض طلاب الخير يصلون مع الإمام الأول في التراويح في المسجد الحرام أو المسجد النبوي؛ لأنه يصلي في الليلة إمامان, فيصلي أحدهم خمس تسليمات ثم يصلي الآخر خمس تسليمات ثم يوتر, فيصلون مع الأول ثم يجلسون يتحدثون, وربما ظن بعضهم أن فعله أفضل من الذين يصلون, وهذا هو نوع من عدم معرفة الحق، ومن قلة الفقه، والحمق في الفقه؛ لأن الفقه من أعظم العلم والعبادة, إذا وفق الله سبحانه وتعالى عبده لأن يحذو حذو سلف هذه الأمة, أما أن يجلس يتحدث والناس يصلون, فالرسول صلى الله عليه وسلم قال في حديث الرجلين اللذين جاءا ورسول الله صلى عليه وسلم قد صلى في مسجد الخيف فلم يصليا، فقال: ( ما منعكما أن تصليا معنا, أولستما بمسلمين؟ قالا: صلينا في رحالنا, قال: إذا صليتما في رحالكما ثم أتيتما مسجد جماعة فصليا تكن لكما نافلة )؛ وذلك لأجل ألا يبقى الإنسان جالساً والناس يصلون.

وعلى هذا فإنه لا ينبغي للإنسان أن يجلس في المسجد الحرام والناس يصلون, وربما تحدث مع غيره وآذوا عباد الله سبحانه وتعالى, ومن المعلوم أنه لا ينبغي للإنسان أن يؤذي عباد الله حتى في قراءة القرآن, وحتى في دعائه, كما جاء عند الإمام أحمد و ابن ماجه من حديث أبي سعيد : ( أن النبي صلى الله عليه وسلم خرج على أصحابه فقال: أيها الناس! كلكم يناجي ربه، فلا يجهر بعضكم على بعض في القراءة ).

فإذا كانت القراءة ربما آذت بعض المصلين، ونهى النبي صلى الله عليه وسلم أن يرفع الإنسان صوته بقراءة القرآن، فكيف بمن يرفع صوته بحديثه وبسمره وبكلامه؟! فإذا كان هذا النهي عن شيء من العلم فكيف إذا كان الحديث عن الدنيا وصخبها, نسأل الله سبحانه وتعالى أن يوفقنا لدينه، وأن يجعل ما نقول ونسمع على سنة خير الأنام عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم.

مشروعية الإطالة في التراويح وعدم الاستعجال فيها

الشيخ: لا ينبغي أن تأخذ هذه المسألة أكبر من حجمها, وقد وجدت كتباً كثيرة في هذا الباب, هذا يقول: السنة كذا, وما سوى ذلك بدعة, وهذا يقول: خلاف السنة, والأقرب والله أعلم أنه إن فعل مثل صلاة النبي صلى الله عليه وسلم, أو صلاة عمر حيث كانوا يعتمدون على العصي من طول القيام فهذا حسن وأفضل، وهذا هو الذي فعله النبي صلى الله عليه وسلم كما قال حذيفة رضي الله عنه: ( صليت مع النبي صلى الله عليه وسلم ليلة فافتتح بسورة البقرة, فقلت: يركع بالمائة, قال: ثم مضى, ثم قلت: يركع في آخرها، ثم مضى, فاستفتح بسورة النساء ثم قلت: يركع في آخرها فمضى, ثم استفتح بسورة آل عمران فأكلمها، يقرأ مترسلاً لا يأتي على آية عذاب إلا تعوذ، ولا آية رحمة إلا سألها ), يعني أنه قرأ أكثر من خمسة أجزاء, وهذا يدل على أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يطيل القيام.

وأما ما يفعله الإخوة في صلاة التراويح بحيث يجلبون للناس الكسل والخمول، فأحدهم يقرأ: مُدْهَامَّتَانِ [الرحمن:64], ثم يركع فهذه ليست صلاة، ولهذا أشار ابن تيمية إلى أن العبادات لا ينبغي أن تحور عن أصولها وعن مشروعيتها بحجة تأليف القلوب, فإن بقاء الناس على السنة خير من تحويرها لأجل تأليف القلوب, فإننا نقول: يصلي الناس كما جاء في السنة, فمن أحب أن يصلي ركعتين ويخرج فليفعل، أما أن نغير سنة النبي صلى الله عليه وسلم لأجل تأليف القلوب, فلقد رأيت مشهداً من صلاة بعض إخواننا في بلاد الترك ما يدعو إلى تعجب الإنسان! وقد جاء في الحديث الذي رواه ابن ماجه وإن كان في سنده بعض الضعف من حديث أبي هريرة : ( أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن صلاة كنقر الغراب ), فإنك تجد أن الإمام والمأموم يسرعون لأجل أن يدركوا ربع ساعة يصلون فيها إحدى عشرة ركعة، وهذا كله من قلة الطمأنينة!

وقد قال صلى الله عليه وسلم في حديث المسيء في صلاته: ( ثم اركع حتى تطمئن راكعاً, ثم ارفع حتى تعتدل قائماً, ثم اسجد حتى تطمئن ساجداً ), والله تبارك وتعالى أعلى وأعلم.

مشروعية ختم القرآن في تراويح رمضان

الشيخ: ينبغي لإمام المسجد أن يختم بالناس ختمة, وقد ذكر ابن تيمية أن إسماع الناس القرآن كاملاً مستحب باتفاق الفقهاء؛ لقوله صلى الله عليه وسلم في حديث عبد الله بن عمرو : ( اقرأ القرآن في شهر, قال: يا رسول الله! إني أطيق أكثر من ذلك, قال: اقرأه في عشرين, قال: يا رسول الله! إني أطيق أكثر من ذلك, قال: اقرأه في عشر, قال: يا رسول الله! إني أطيق أكثر من ذلك, قال: اقرأه في سبع, قال: يا رسول الله! إني أطيق أكثر من ذلك, قال: اقرأه في ثلاث, قال: إني أطيق أكثر من ذلك, قال: لا أقل من ذلك ), وهذا الحديث إسناده جيد, فقد صح سماع شعبة عن قتادة فأمن تدليسه، والله تبارك وتعالى أعلى وأعلم.

الشيخ: أيها الإخوة! كنا في درس سابق ذكرنا صلاة التراويح, وقلنا: إنها مشروعة مسنونة من حين رؤية هلال رمضان, ولا تشرع في ليلة الشك من رمضان خلافاً للحنابلة, وهذا هو مذهب جماهير أهل العلم, أنهم لا يستحبون صلاة التراويح إلا إذا كان قد ثبت أن غداً من رمضان, والله تبارك وتعالى أعلى وأعلم.

وقلنا أيضاً في درس سابق: أجمع أهل العلم على أن للإنسان أن يصلي من الليل ما شاء, وقد نقل الإجماع أبو عمر بن عبد البر ، وكذلك الإمام العراقي في كتابه: طرح التثريب.

وذكرنا مسألة: هل الأفضل أن يصلي إحدى عشرة ركعة، أو يصلي ثلاثاً وعشرين ركعة, أو يصلي ستاً وثلاثين ركعة؟

أولاً: نقول: ذهب جمهور الفقهاء من الحنفية والشافعية والحنابلة إلى أن الأفضل أن يصلي الإنسان عشرين ركعة من غير الشفع والوتر, فتكون حينئذ ثلاثاً وعشرين ركعة.

واستدلوا على ذلك بقصة عمر بن الخطاب أنه صلى عشرين ركعة, والراجح أن عمر لم يحفظ عنه أنه أمر بذلك, وإنما كانت تصلى عشرين ركعة في عهد عمر , أما أن عمر أمر بذلك فالراجح أن الحديث في ذلك فيه ضعف.

وقد ثبت أيضاً عن عمر أنه أمر أن تصلى من الليل إحدى عشرة ركعة, وقد صححه كثير من المتأخرين, فـعمر أمر بإحدى عشرة ركعة, وصليت التراويح في عهده ثلاثاً وعشرين ركعة، وسار الناس على ذلك, فكان أهل مكة يصلون ثلاثاً وعشرين ركعة, ولكن صلاتهم كانت طويلة, فكان أهل التاريخ والسير يقولون: كان أهل مكة يصلون ركعتين ثم ركعتين, ثم يستروحون, فمنهم من كان يأخذ سبعاً في طوافه, ثم بعد ذلك يقومون ويصلون, فسميت تراويح لطولها؛ ولهذا قال السائب بن يزيد : وكانوا يعتمدون على العصي من طول القيام.

فلأجل هذا قالوا: فهذا أمر سار عليه سلف هذه الأمة, فيستحب للناس أن يصلوا ثلاثاً وعشرين ركعة, وهذا كما هو مذهب جماهير أهل العلم.

وذهب بعض أهل الحديث -وهو قول بعض المتأخرين- إلى أن الأفضل أن يصلي الإنسان إحدى عشرة ركعة, كما صنع النبي صلى الله عليه وسلم.

فقد سئلت عائشة كما في الصحيحين: ( كم كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي من الليل؟ فقالت: لم يكن رسول الله صلى الله عليه وسلم يزيد في رمضان ولا غيره على إحدى عشرة ركعة, يصلي أربعاً فلا تسأل عن حسنهن وطولهن, ثم يصلي أربعاً فلا تسأل عن حسنهن وطولهن، ثم يصلي ثلاثاً ).

وروى مسلم من حديث عائشة : ( كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي من الليل ثلاث عشرة ركعة, يوتر من ذلك بخمس لا يجلس إلا في آخرها ), فهذا يدل على أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصلي ثلاث عشرة ركعة.

فقال بعضهم: الأفضل أن يصلي إحدى عشرة ركعة أو ثلاث عشرة ركعة.

وأما أبو العباس بن تيمية فقال: السنة أن يصلي كصلاة النبي صلى الله عليه وسلم كماً وكيفاً, أما إذا لم يصل مثل صلاته صلى الله عليه وسلم كيفاً فإنه يزيد في العدد؛ لأجل أنه إذا زاد في العدد فقد أطال في عبادته, فأما إن كان قد صلى مثلها كيفاً فهذا أفضل ممن صلى كماً من غير كيف.

وعلى هذا فالعبرة بطول القنوت؛ لقوله صلى الله عليه وسلم كما في صحيح مسلم من حديث جابر عندما سئل عن أفضل الصلاة قال: ( أفضل الصلاة طول القنوت ).

ومن المعلوم أن الذي يصلي ثلاثاً وعشرين ركعة ربما يجلس ساعة ونصف ساعة، أو ساعة وربع ساعة, وأما الذي يصلي إحدى عشرة ركعة، فإن كان يصلي نصف ساعة أو ساعة إلا ربعاً, فنقول: الذي صلى ساعة ونصفاً أفضل من الذي صلى ساعة إلا ربعاً.

وأما من صلى إحدى عشرة ركعة في ساعة ونصف فهو أفضل من الذي صلى ثلاثاً وعشرين ركعة بساعة ونصف, لأنه سوف يطيل الركوع ويطيل القيام ويطيل السجود, ولهذا كان أفضل, وهذا القول من حيث النظر أقوى، والله تبارك وتعالى أعلى وأعلم.

فأما إذا لم يصنع ذلك فلو صلى ثلاثاً وعشرين ركعة فلا حرج في ذلك, والكل متفقون على أن الخلاف إنما هو في الأفضلية.

الشيخ: إني لأحزن أشد الحزن حينما أجد بعض طلاب الخير يصلون مع الإمام الأول في التراويح في المسجد الحرام أو المسجد النبوي؛ لأنه يصلي في الليلة إمامان, فيصلي أحدهم خمس تسليمات ثم يصلي الآخر خمس تسليمات ثم يوتر, فيصلون مع الأول ثم يجلسون يتحدثون, وربما ظن بعضهم أن فعله أفضل من الذين يصلون, وهذا هو نوع من عدم معرفة الحق، ومن قلة الفقه، والحمق في الفقه؛ لأن الفقه من أعظم العلم والعبادة, إذا وفق الله سبحانه وتعالى عبده لأن يحذو حذو سلف هذه الأمة, أما أن يجلس يتحدث والناس يصلون, فالرسول صلى الله عليه وسلم قال في حديث الرجلين اللذين جاءا ورسول الله صلى عليه وسلم قد صلى في مسجد الخيف فلم يصليا، فقال: ( ما منعكما أن تصليا معنا, أولستما بمسلمين؟ قالا: صلينا في رحالنا, قال: إذا صليتما في رحالكما ثم أتيتما مسجد جماعة فصليا تكن لكما نافلة )؛ وذلك لأجل ألا يبقى الإنسان جالساً والناس يصلون.

وعلى هذا فإنه لا ينبغي للإنسان أن يجلس في المسجد الحرام والناس يصلون, وربما تحدث مع غيره وآذوا عباد الله سبحانه وتعالى, ومن المعلوم أنه لا ينبغي للإنسان أن يؤذي عباد الله حتى في قراءة القرآن, وحتى في دعائه, كما جاء عند الإمام أحمد و ابن ماجه من حديث أبي سعيد : ( أن النبي صلى الله عليه وسلم خرج على أصحابه فقال: أيها الناس! كلكم يناجي ربه، فلا يجهر بعضكم على بعض في القراءة ).

فإذا كانت القراءة ربما آذت بعض المصلين، ونهى النبي صلى الله عليه وسلم أن يرفع الإنسان صوته بقراءة القرآن، فكيف بمن يرفع صوته بحديثه وبسمره وبكلامه؟! فإذا كان هذا النهي عن شيء من العلم فكيف إذا كان الحديث عن الدنيا وصخبها, نسأل الله سبحانه وتعالى أن يوفقنا لدينه، وأن يجعل ما نقول ونسمع على سنة خير الأنام عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم.

الشيخ: لا ينبغي أن تأخذ هذه المسألة أكبر من حجمها, وقد وجدت كتباً كثيرة في هذا الباب, هذا يقول: السنة كذا, وما سوى ذلك بدعة, وهذا يقول: خلاف السنة, والأقرب والله أعلم أنه إن فعل مثل صلاة النبي صلى الله عليه وسلم, أو صلاة عمر حيث كانوا يعتمدون على العصي من طول القيام فهذا حسن وأفضل، وهذا هو الذي فعله النبي صلى الله عليه وسلم كما قال حذيفة رضي الله عنه: ( صليت مع النبي صلى الله عليه وسلم ليلة فافتتح بسورة البقرة, فقلت: يركع بالمائة, قال: ثم مضى, ثم قلت: يركع في آخرها، ثم مضى, فاستفتح بسورة النساء ثم قلت: يركع في آخرها فمضى, ثم استفتح بسورة آل عمران فأكلمها، يقرأ مترسلاً لا يأتي على آية عذاب إلا تعوذ، ولا آية رحمة إلا سألها ), يعني أنه قرأ أكثر من خمسة أجزاء, وهذا يدل على أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يطيل القيام.

وأما ما يفعله الإخوة في صلاة التراويح بحيث يجلبون للناس الكسل والخمول، فأحدهم يقرأ: مُدْهَامَّتَانِ [الرحمن:64], ثم يركع فهذه ليست صلاة، ولهذا أشار ابن تيمية إلى أن العبادات لا ينبغي أن تحور عن أصولها وعن مشروعيتها بحجة تأليف القلوب, فإن بقاء الناس على السنة خير من تحويرها لأجل تأليف القلوب, فإننا نقول: يصلي الناس كما جاء في السنة, فمن أحب أن يصلي ركعتين ويخرج فليفعل، أما أن نغير سنة النبي صلى الله عليه وسلم لأجل تأليف القلوب, فلقد رأيت مشهداً من صلاة بعض إخواننا في بلاد الترك ما يدعو إلى تعجب الإنسان! وقد جاء في الحديث الذي رواه ابن ماجه وإن كان في سنده بعض الضعف من حديث أبي هريرة : ( أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن صلاة كنقر الغراب ), فإنك تجد أن الإمام والمأموم يسرعون لأجل أن يدركوا ربع ساعة يصلون فيها إحدى عشرة ركعة، وهذا كله من قلة الطمأنينة!

وقد قال صلى الله عليه وسلم في حديث المسيء في صلاته: ( ثم اركع حتى تطمئن راكعاً, ثم ارفع حتى تعتدل قائماً, ثم اسجد حتى تطمئن ساجداً ), والله تبارك وتعالى أعلى وأعلم.

الشيخ: ينبغي لإمام المسجد أن يختم بالناس ختمة, وقد ذكر ابن تيمية أن إسماع الناس القرآن كاملاً مستحب باتفاق الفقهاء؛ لقوله صلى الله عليه وسلم في حديث عبد الله بن عمرو : ( اقرأ القرآن في شهر, قال: يا رسول الله! إني أطيق أكثر من ذلك, قال: اقرأه في عشرين, قال: يا رسول الله! إني أطيق أكثر من ذلك, قال: اقرأه في عشر, قال: يا رسول الله! إني أطيق أكثر من ذلك, قال: اقرأه في سبع, قال: يا رسول الله! إني أطيق أكثر من ذلك, قال: اقرأه في ثلاث, قال: إني أطيق أكثر من ذلك, قال: لا أقل من ذلك ), وهذا الحديث إسناده جيد, فقد صح سماع شعبة عن قتادة فأمن تدليسه، والله تبارك وتعالى أعلى وأعلم.

الشيخ: بقيت مسألة واحدة تتعلق بصلاة التراويح، وهي أننا نقول: إذا أراد الإنسان أن يتنفل في النهار فهل يصلي أربع ركعات، أم يصلي ركعتين ركعتين؟

الأقرب أنه يصلي في النهار ركعتين ركعتين, فإن صلى أربع ركعات بتشهد واحد جاز ذلك؛ لما روى مالك عن نافع عن ابن عمر أنه كان يصنع ذلك, ولم يصح مرفوعاً.

وأما ما رواه الدارقطني من حديث ابن عمر : ( صلاة الليل والنهار مثنى مثنى ), فكلمة (والنهار) زيادة تفرد بها علي البارقي ، وهو ليس بالقوي, وقد رواه البخاري و مسلم من غير هذه الزيادة, والله تبارك وتعالى أعلى وأعلم.




استمع المزيد من الشيخ الدكتور عبد الله بن ناصر السلمي - عنوان الحلقة اسٌتمع
فقه العبادات - الطهارة [4] 2563 استماع
فقه العبادات - الطهارة [17] 2557 استماع
فقه العبادات - الطهارة [5] 2435 استماع
فقه العبادات - الطهارة [15] 2383 استماع
فقه العبادات - الصلاة [9] 2343 استماع
فقه العبادات - الصلاة [11] 2233 استماع
فقه العبادات - الصلاة [16] 2190 استماع
فقه العبادات - الطهارة [7] 2179 استماع
فقه العبادات - الصلاة [14] 2106 استماع
فقه العبادات - الطهارة [14] 2084 استماع