كتاب الزكاة [9]


الحلقة مفرغة

الحمد لله، نحمده ونستغفره ونستهديه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن سيدنا محمداً عبده ورسوله، اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد، وعلى آل سيدنا محمد وسلم تسليماً كثيراً، وبعد:

الراجح في مسألة ضم الحبوب بعضها إلى بعض لإكمال النصاب

الراجح أن الأحكام على الأشياء تختلف باختلاف مسميات أصنافها، فالذرة مثلاً صنف تحته أنواع، وكذلك كل صنف تحته أنواع، فتضم أنواع الصنف بعضه إلى بعض، أما الأصناف الأخرى فلا يضم صنف منها إلى صنف آخر.

الراجح أن الأحكام على الأشياء تختلف باختلاف مسميات أصنافها، فالذرة مثلاً صنف تحته أنواع، وكذلك كل صنف تحته أنواع، فتضم أنواع الصنف بعضه إلى بعض، أما الأصناف الأخرى فلا يضم صنف منها إلى صنف آخر.

قال المصنف رحمه الله: [وأما المسألة الثانية: وهي تقدير النصاب بالخرص واعتباره به دون الكيل] معناه أنهم يذهبون ويخرصون التمر أو الثمر والعنب قبل الجمع والتصفية، فيقولون: هذه المزرعة زكاتها كذا وكذا، تقديراً لا كيلاً [فإن جمهور العلماء على إجازة الخرص في النخيل والأعناب حين يبدو صلاحها؛ لضرورة أن يخلي بينها وبين أهلها يأكلونها رطباً] لأن الإنسان يحتاج ليأكل من التمر والعنب قبل أن يكون زبيباً، وقبل أن يكون الرطب تمراً.

[قال داود : لا خرص إلا في النخيل فقط.

وقال أبو حنيفة وصاحباه: الخرص باطل، وعلى رب المال أن يؤدي عشر ما تحصل بيده زاد على الخرص أو نقص منه.

سبب اختلاف العلماء في تقدير النصاب بالخرص

قال رحمه الله: [والسبب في اختلافهم في جواز الخرص؛ معارضة الأصول للأثر الوارد في ذلك] يعني أن الأقيسة تعارض الأحاديث [أما الأثر الوارد في ذلك وهو الذي تمسك به الجمهور فهو ما روي: ( أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يرسل عبد الله بن رواحة وغيره إلى خيبر فيخرص عليهم النخل )] أخرجه أحمد و أبو داود ، وهو حديث حسن.

[وأما الأصول التي تعارضه..] يعني الأصول الثابتة بأحاديث كثيرة تدل على أن هذا لا يجوز.. وتدل أنه يشبه الربا [فلأنه من باب المزابنة المنهي عنها] يقصد في الحديث المتفق عليه من حديث ابن عمر [ وهو بيع الثمر في رءوس النخل بالثمر كيلاً، ولأنه أيضاً من باب بيع الرطب بالتمر نسيئة] لأنه يقول له: عليك كذا وكذا.. وكأنه يستلمه في ذمته، هذا مذهب أبي حنيفة [ فيدخله المنع من التفاضل ومن النسيئة، وكلاهما من أصول الربا] قال: هذه الأحاديث تخالف ما ورد في الربا، وهي إن نظرنا فيها بالقياس فسنرى أنها من أصول الربا، وقالت الحنفية: إن الخرص ظن وتخمين وفيه غرر، وإنما كان جواز ذلك قبل تحريم الربا والقمار -أي أنه منسوخ- قال الخطابي رداً عليهم: العمل بالخرص ثابت وتحريم الربا والقمار والميسر متقدم، وبقي الخرص يعمل به رسول الله صلى الله عليه وسلم طول عمره، وعمل به أبو بكر و عمر في زمانهما، وعامة الصحابة على تجويزه، ولم يذكر عن أحد منهم خلاف، وأما قول الحنفية: إنه ظن وتخمين فليس كذلك، بل هو اجتهاد في معرفة مقدار الثمار، انتهى كلام الخطابي .

أقول: وقد ثبت الخرص عن عتاب بن أسيد عن النبي صلى الله عليه وسلم: ( كان يبعث على الناس من يخرص عليهم كرومهم.. -يعني جمع كرم- وثمارهم )، قال شيخنا ناصر الدين الألباني في الإرواء (3/282)، أخرجه أبو داود و الترمذي و البيهقي وقال الترمذي : حديث حسن من طريقين عن ابن شهاب عن سعيد بن المسيب عن عتاب به، وأخرجه مالك عن ابن شهاب مرسلاً نحوه، قال: وهذا أصح. هذا كلام الترمذي .

لكنه اعتضد وإن كان فيه هنا إرسال والمرسل صحيح.

أقول: لكنه اعتضد بغيره من الأحاديث وبعمل الصحابة، قال الشوكاني في السيل (2/44): قد ثبت في خرص العنب والتمر أحاديث تقوم بها الحجة، بل ثبت في الصحيحين من حديث أبي حميد الساعدي : ( أنه صلى الله عليه وسلم خرص حديقة امرأة بنفسه ).

[ فلما رأى الكوفيون هذا مع أن الخرص الذي كان يخرص على أهل خيبر لم يكن للزكاة؛ إذ كانوا ليسوا من أهل زكاة] يعني الحديث الذي فيه إرسال عبد الله بن رواحة إلى أهل خيبر، لم يكن للزكاة وإنما هو في القسمة.

[قالوا: يحتمل أن يكون تخميناً؛ ليعلم ما بأيدي كل قوم من الثمار.

قال القاضي.. ] يعني ابن رشد [ أما بحسب خبر مالك فالظاهر أنه كان في القسمة لما روي أن عبد الله بن رواحة كان إذا فرغ من الخرص قال: إن شئتم فلكم وإن شئتم فلي ] متفق عليه من حديث ابن عمر.

[أعني في قسمة الثمار لا في قسمة الحب] الحب يعني: الذرة، وهذه لا يقسمونها، [وأما بحسب حديث عائشة الذي رواه أبو داود ..] في السنن وخلاصته أنه حديث ضعيف [فإنما الخرص لموضع النصيب الواجب عليهم في ذلك] فليست قسمة بل يخرصها عليهم، ولا يقول لهم: إن شئتم فلكم وإن شئتم فلي [ والحديث هو أنها قالت وهي تذكر شأن خيبر: ( كان النبي صلى الله عليه وسلم يبعث عبد الله بن رواحة إلى يهود خيبر فيخرص عليهم النخل حين يطيب قبل أن يؤكل منه) وخرص الثمار لم يخرجه الشيخان] يعني هذا الحديث [ وكيفما كان فالخرص مستثنىً من تلك الأصول] نعم، يعني إذا كانت الأحاديث ثابتة والأصول ثابتة فالخبر الثابت المخالف لها مقدم عليها؛ لأنه من باب القياس، وإذا تعارض النص والقياس فيسمى القياس: فاسد الاعتبار، وهذا مذهب أبي حنفية في ترك النصوص المخالفة للقياس.

[هذا إن ثبت أنه كان منه صلى الله عليه وسلم حكماً منه على المسلمين]، وقد ثبت في حديث عتاب أنه حكماً على المسلمين: [فإن الحكم لو ثبت على أهل الذمة ليس يجب إن يكون حكماً على المسلمين إلا بدليل والله أعلم.

ولو صح حديث عتاب بن أسيد ] قلنا: إنه صحيح بما له من الشواهد وعمل الصحابة [لكان جواز الخرص بيناً، والله أعلم، وحديث عتاب بن أسيد هو أنه قال: ( أمرني رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أخرص العنب وآخذ زكاته زبيباً، كما تؤخذ زكاة النخل تمراً ) وحديث عتاب بن أسيد طعن فيه؛ لأن راويه عنه هو سعيد بن المسيب وهو لم يسمع منه، ولذلك لم يجز داود خرص العنب.

خرص الزيتون

قال المصنف رحمه الله: [واختلف من أوجب الزكاة في الزيتون في جواز خرصه] هل يخرص أم لا؟[ والسبب في اختلافهم: اختلافهم في قياسه في ذلك على النخل والعنب؛ والمخرج عند الجميع من النخل في الزكاة هو التمر لا الرطب] ما يخرجوه رطباً، يخرجوه بعد ما يصير تمراً [وكذلك الزبيب من العنب لا العنب نفسه] وهذا اتفقوا عليه [وكذلك عند القائلين بوجوب الزكاة في الزيتون هو الزيت لا الحب] أي: بعد أن يعصر [قياساً على التمر والزبيب.

وقال مالك في العنب الذي لا يتزبب، والزيتون الذي لا ينعصر: أرى أن يؤخذ منه حباً] يعني: أن بعض العنب لا يصير زبيباً، وهناك مثل يضرب للذي يجعل من نفسه عالماً وهو ليس بعالم، أخبرني شيخ لي قرأت عليه القرآن قال: كان شيخه في القرآن الذي درس عليه رجلاً عالماً، ولكنه أصيب في عقله، قال: فطلب مني أهل القرية؛ لأني أحسن الطلاب أن أكون مدرساً واستمر في التدريس، قال: فجاء إلي شيخي ونظر إلي وأنا في المدرسة قال: تزببت وأنت حصرم -الحصرم هو صغار العنب قبل أن ينضج- قال: فما عرفت ما قال؛ لأنه من تهامة وهو لا يعرف الحصرم ولا التزبب! قال: فكنت لا أعرف ما يقول، فهذا معنى التزبب، وهو أن يصير العنب زبيباً، ولكن بعض العنب لا يصير زبيباً .

الراجح في الزيتون هو أنه إذا كان الإنسان يحتاج إلى أكله قبل العصر فإنه يلحق بالعنب والرطب حتى يمكن المزارع من التصرف فيه..

قال رحمه الله: [والسبب في اختلافهم في جواز الخرص؛ معارضة الأصول للأثر الوارد في ذلك] يعني أن الأقيسة تعارض الأحاديث [أما الأثر الوارد في ذلك وهو الذي تمسك به الجمهور فهو ما روي: ( أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يرسل عبد الله بن رواحة وغيره إلى خيبر فيخرص عليهم النخل )] أخرجه أحمد و أبو داود ، وهو حديث حسن.

[وأما الأصول التي تعارضه..] يعني الأصول الثابتة بأحاديث كثيرة تدل على أن هذا لا يجوز.. وتدل أنه يشبه الربا [فلأنه من باب المزابنة المنهي عنها] يقصد في الحديث المتفق عليه من حديث ابن عمر [ وهو بيع الثمر في رءوس النخل بالثمر كيلاً، ولأنه أيضاً من باب بيع الرطب بالتمر نسيئة] لأنه يقول له: عليك كذا وكذا.. وكأنه يستلمه في ذمته، هذا مذهب أبي حنيفة [ فيدخله المنع من التفاضل ومن النسيئة، وكلاهما من أصول الربا] قال: هذه الأحاديث تخالف ما ورد في الربا، وهي إن نظرنا فيها بالقياس فسنرى أنها من أصول الربا، وقالت الحنفية: إن الخرص ظن وتخمين وفيه غرر، وإنما كان جواز ذلك قبل تحريم الربا والقمار -أي أنه منسوخ- قال الخطابي رداً عليهم: العمل بالخرص ثابت وتحريم الربا والقمار والميسر متقدم، وبقي الخرص يعمل به رسول الله صلى الله عليه وسلم طول عمره، وعمل به أبو بكر و عمر في زمانهما، وعامة الصحابة على تجويزه، ولم يذكر عن أحد منهم خلاف، وأما قول الحنفية: إنه ظن وتخمين فليس كذلك، بل هو اجتهاد في معرفة مقدار الثمار، انتهى كلام الخطابي .

أقول: وقد ثبت الخرص عن عتاب بن أسيد عن النبي صلى الله عليه وسلم: ( كان يبعث على الناس من يخرص عليهم كرومهم.. -يعني جمع كرم- وثمارهم )، قال شيخنا ناصر الدين الألباني في الإرواء (3/282)، أخرجه أبو داود و الترمذي و البيهقي وقال الترمذي : حديث حسن من طريقين عن ابن شهاب عن سعيد بن المسيب عن عتاب به، وأخرجه مالك عن ابن شهاب مرسلاً نحوه، قال: وهذا أصح. هذا كلام الترمذي .

لكنه اعتضد وإن كان فيه هنا إرسال والمرسل صحيح.

أقول: لكنه اعتضد بغيره من الأحاديث وبعمل الصحابة، قال الشوكاني في السيل (2/44): قد ثبت في خرص العنب والتمر أحاديث تقوم بها الحجة، بل ثبت في الصحيحين من حديث أبي حميد الساعدي : ( أنه صلى الله عليه وسلم خرص حديقة امرأة بنفسه ).

[ فلما رأى الكوفيون هذا مع أن الخرص الذي كان يخرص على أهل خيبر لم يكن للزكاة؛ إذ كانوا ليسوا من أهل زكاة] يعني الحديث الذي فيه إرسال عبد الله بن رواحة إلى أهل خيبر، لم يكن للزكاة وإنما هو في القسمة.

[قالوا: يحتمل أن يكون تخميناً؛ ليعلم ما بأيدي كل قوم من الثمار.

قال القاضي.. ] يعني ابن رشد [ أما بحسب خبر مالك فالظاهر أنه كان في القسمة لما روي أن عبد الله بن رواحة كان إذا فرغ من الخرص قال: إن شئتم فلكم وإن شئتم فلي ] متفق عليه من حديث ابن عمر.

[أعني في قسمة الثمار لا في قسمة الحب] الحب يعني: الذرة، وهذه لا يقسمونها، [وأما بحسب حديث عائشة الذي رواه أبو داود ..] في السنن وخلاصته أنه حديث ضعيف [فإنما الخرص لموضع النصيب الواجب عليهم في ذلك] فليست قسمة بل يخرصها عليهم، ولا يقول لهم: إن شئتم فلكم وإن شئتم فلي [ والحديث هو أنها قالت وهي تذكر شأن خيبر: ( كان النبي صلى الله عليه وسلم يبعث عبد الله بن رواحة إلى يهود خيبر فيخرص عليهم النخل حين يطيب قبل أن يؤكل منه) وخرص الثمار لم يخرجه الشيخان] يعني هذا الحديث [ وكيفما كان فالخرص مستثنىً من تلك الأصول] نعم، يعني إذا كانت الأحاديث ثابتة والأصول ثابتة فالخبر الثابت المخالف لها مقدم عليها؛ لأنه من باب القياس، وإذا تعارض النص والقياس فيسمى القياس: فاسد الاعتبار، وهذا مذهب أبي حنفية في ترك النصوص المخالفة للقياس.

[هذا إن ثبت أنه كان منه صلى الله عليه وسلم حكماً منه على المسلمين]، وقد ثبت في حديث عتاب أنه حكماً على المسلمين: [فإن الحكم لو ثبت على أهل الذمة ليس يجب إن يكون حكماً على المسلمين إلا بدليل والله أعلم.

ولو صح حديث عتاب بن أسيد ] قلنا: إنه صحيح بما له من الشواهد وعمل الصحابة [لكان جواز الخرص بيناً، والله أعلم، وحديث عتاب بن أسيد هو أنه قال: ( أمرني رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أخرص العنب وآخذ زكاته زبيباً، كما تؤخذ زكاة النخل تمراً ) وحديث عتاب بن أسيد طعن فيه؛ لأن راويه عنه هو سعيد بن المسيب وهو لم يسمع منه، ولذلك لم يجز داود خرص العنب.




استمع المزيد من الشيخ محمد يوسف حربة - عنوان الحلقة اسٌتمع
كتاب الزكاة [1] 2911 استماع
كتاب الطهارة [15] 2904 استماع
كتاب الطهارة [3] 2616 استماع
كتاب الصلاة [33] 2565 استماع
كتاب الصلاة [29] 2414 استماع
كتاب الطهارة [6] 2396 استماع
كتاب أحكام الميت [3] 2384 استماع
كتاب الطهارة [2] 2362 استماع
كتاب الصلاة [1] 2326 استماع
كتاب الطهارة [22] 2230 استماع