أرشيف المقالات

فارس الأحلام! - حنان لاشين

مدة قراءة المادة : 7 دقائق .
كان يا ما كان في قديم الزمان..
وما يحلى الكلام إلا بذكر النبي عليه الصلاة والسلام..

تهدأ الصغيرة في فراشها، وقد استسلمت معها خصلات شعرها وتفرعت على وسادة وردية اللون حول وجهها القمري البريء، الذي استقرت فيه نظراتها البريئة، وهي تستمع إلى حدوتة قبل النوم من جدتها، فتبدأ العجوز الطيبة بغرس المعنى منذ البداية وتغزل معها قصة حب جميلة، وبصوتها الحاني الذي صاحبته الآن بحة لطيفة، تصف لها كيف كانت الأميرة جميلة، وكيف أحبها الأمير من أول نظرة، وكيف ركض بحصانه الأبيض، ومد ذراعه القوي وحملها أمامه بفستانها الرائع، وانطلقا معًا إلى القلعة..

وفي لحظةٍ حاسمة تبتر استرسال الصغيرة في الخيال بجملةٍ حفظناها جميعًا..
وعاشوا في تبات ونبات وخلّفوا صبيان وبنات..

وتوته توته خلصت الحدوته..!

حلوه...
واللا ملتوته؟

فتبدأ الصغيرة بأول حلم..
وتبدأ في تكوين صورة لفارس الأحلام، هل هو القوي..
أم الوسيم..
أم قوي الشخصية..
أم الرومانسي..
أم المتدين..
أم الثري..

أم كل هذا أو البعض من كل تلك الصفات...!

حارت البنات بين قصص هذا الفارس (الشاطر حسن) وست الحُسن والجمال عنتر وعبله، روميو وجولييت، قيس وليلى، لماذا تمحورت الحياة حول هذا الفارس فقط، وصارت الفتاة تنتظر وصوله على باب الدار ليركع على ركبة ويرفع قامته على الأخرى ويمد يده ويُمسِك كفها برفقٍ ليخبرها أنه وصل..

للأسف لا تدرك الفتيات أن هذا الفارس وهمي وخيالي إلا بعد فوات الأوان!

وللأسف بعضهن تصحبه معها بعد زواجها وتظل تقارن بينه وبين زوجها فيخسر الأخير دائمًا المباراة ويُشعِل فارس الأحلام الوهمي النار في قلبها فيحترق، وتغفل عن الواقع ولا ترى الكنز الذي بين يديها، لأنها هائمة ومفتونة ومخدوعة، تظن أن الأصلع والرفيع وصاحب الشعر المجعد والهادئ الطيب، ليس فارسًا للأحلام.

وللأسف هناك من ترفض فلانًا لأنه لم يحصل على الشهادة الفلانية، وفلانًا لأن أنفه كبير، وفلانًا لأنه بدين، وفلانًا لأنه أسمر، وفلانًا لأنه ليس مهندسًا، أما هذا فليس طبيب، وهذا فلاح، وهذا لا يرتدي أحدث صيحات الموضة...!
سبحان الله!

سيدنا موسى عليه السلام كان أسودًا كالأفارقة، ولقمان الحكيم أيضًا..
ليس السواد عيبًا!

الفارس حقًا التقي النقي العفيف الشريف، الذي نشأ في عبادة الله وتعطر بماء الوضوء ، إن أتاكِ تأتي قبله الملائكة ، وإن ترككِ يترك خلفه ذكرى طيبة، تشعرين بالنور في وجهه وهو ينظر، وتلمسين محبة الله في ألفاظه، تتناثر التسابيح على شفتيه عندما يتحدّث، وفي كل حواراته الشكر والإعجاب والطلب والرجاء والإعتذار والوداع واللقاء كلها عنده ألفاظ ربانيه، إن أتاكِ فأنت ملكة لأنه يتوجكِ أميرة في مملكته الخاصة، سيغض طرفه عن كل جمال وينظر فقط إلى عينيكِ، لم يذق قبلكِ حلاوة لهذا فأنت الطعم الوحيد الذي يعرفه..
ربما ليس غنيًا لكنكِ أنتِ الغنية إن كان زوجكِ، ربما ليس شديد الوسامة في نظركِ..
لكن الله يحب وجهه الذي لم ينظر به إلى معصية، ستعرفينه من كل شيء لأنه حقًا فارس، هو من أصحاب يوسف الصديق، ولو مررتِ يومًا بالمسجد ستعرفينه لأنه (وتد) قائم في المسجد، يترك قلبه هناك ويعود إليه خمس مرات ليشعر أنه لا يزال حيًا وأن دقاته لا زالت تُسبِّح ولأن قلبه هناك، أنتِ ستسكنين قلبه لتساعديه حتى يستمر في السعي إلى هناك، حيث السكينه، حيث ينادى للصلاة، قد يملك الشاب وجهًا وسيمًا ولكن...
قبّحته المعصية..

لا بد أن نعلم بناتنا كيف يقيم الرجال حتى تستطيع أن تختار في زمنٍ اختلطت فيه المفاهيم، ويبقى فارس الأحلام حلمًا يأتي بعد الزواج عندما يتحقق في الزوج الصالح أيًا كان شكله .

لقد أصبح الزواج صفقة، وتفنّن البعض في ابتكار طريقة جديدة لجلد كل شاب يطلب العفاف، تارةً بغلاء المهور، وتارةً بالتصميم على إقامة حفلات الزواج في أماكن لو تأمّلنا قليلًا لتأكدنا أنها لا تخلو من وجود (بار) وخمور وزمرة من العصاة، سنكره تلك الفنادق اللامعة لأنها موطنٌ يعصى الله عزّ وجل فيه، ولا أدري لماذا كل هذا التكالب عليها!

وتارةً بمطالب مادية لو ظل هذا الأجير -أقصد العريس- يجمع ويطرح كل ما يملكه بالإضافة إلى ثمن ملابسه لن يحصل على هذا المبلغ المطلوب لقاء إطلاق سراح الرهينة -أقصد العروس-، وللأسف يظن البعض أن مكانة الزوجة في قلب زوجها تقاس بمدى تعبه في الحصول عليها، وأن السهل واليسير زواجها والقليل مهرها ستكون رخيصة!

ترى كم ثمنكِ أختي؟!
ما القيمة التي تقبلين بها لقاء لقب زوجة صالحة؟!
وبكم تشتري زوجة صالحة أخي الكريم؟!

للزواج معنىً عميق..
فهو رفقة العمر وصحبة الدرب، وربما يطول الطريق، فالزواج ليس فستانًا أبيضًا فقط، وليس فارسًا للأحلام فقط؛ هو شركة ورحلة لا بد من الإتفاق لتكون موفقة، لا مكان فيها لتبادل الأدوار، ولن تقوم إلا بالتفاهم، الأسهم الأكثر للأكثر صبرًا واحتواءً للطرف الآخر لأنه يحبه، ربما هو تمامًا كتلك اللعبة التي كُنّا نلعبها ونحن صغار عندما كنتِ تُمسك بيدي صديقك ويقبض هو على كفيك وتبدأ معه في الدوران والدوران، ربما يختل التوازن أحيانًا، تكاد أن تقع فيشدك، وفي الدورة التي تليها تكون أنت الأقوى فتشده عندما يقترب من السقوط لو تركت يده لن يتركك لأنه يقبض بقوة على كفّك المفتوحة، فيدفعك للإمساك به مرةً أخرى، لهذا لا تلعب هذه اللعبة إلا مع صديقٍ صدوق، لأنك لا تتحمل مقلبًا سخيفًا منه، وربما يوجعك السقوط على الأرض فتشقى إلى الأبد..
لكنها تبقى لعبة!

أما الزواج فلا يصح بأي حالٍ من الأحوال أن يكون لعبة، ليس لعبة هناك من الأشياء ما لا يشترى فتذكروه، وتنازلوا في المقابل عن ما يحتاج للكثير من المال ليشترى، قال صلى الله عليه وسلم: «إذا جاءكم من ترضون دينه وخلقه فزوِّجوه إلا تفعلوه تكن فتنة في الأرض وفساد كبير» (رواه الترمذي وغيره).

 

شارك الخبر

ساهم - قرآن ٢