اترى السحاب اذا سرت عشراؤه
مدة
قراءة القصيدة :
4 دقائق
.
اترى السحاب اذا سرت عشراؤه | يمرى على قبر ببابل ماؤه |
يا حَادِيَيْهِ قِفَا بِبُزْلِ مَطِيّهِ | فإلى ثَرَى ذا القَبْرِ كانَ حُداؤهُ |
يسقى هوى للقلب فيه ومعهدا | رَقّتْ مَنَابِتُهُ وَرَقّ هَوَاؤهُ |
قد كان عاقدني الصفاءَ فلم ازل | عَنْهُ، وَمَا بَقّى عَليّ صَفَاؤهُ |
ولقد حفظت له فاين حفاظه | وَلَقَدْ وَفَيْتُ لَهُ، فأينَ وَفَاؤهُ |
اوعى الدعاء فلم يجبه قطيعة | أمْ ضَلّ عَنْهُ مِنَ البعَادِ دعَاؤهُ |
هَيهَاتَ أصْبَحَ سَمْعُهُ وَعِيَانُهُ | في الترب قد حجبتهما اقذاؤه |
يُمْسِي، وَلِينُ مِهَادِهِ حَصْبَاؤهُ | فِيهِ، وَمُؤنِسُ لَيلِهِ ظَلْماؤهُ |
قد قلبت اعيانه وتنكرت | أعْلامُهُ، وَتَكَسّفَتْ أضْوَاؤهُ |
مغف وليس للذة اغفاؤه | مغض وليس لفكرة اغضاؤه |
وجه كلمح البرق غاض وميضه | قَلْبٌ كصَدْرِ العَضْبِ فُلَّ مَضَاؤهُ |
حَكَمَ البِلَى فيهِ، فَلَوْ يَلقَى بهِ | اعداؤه لرثى له أعداؤه |
إنّ الّذِي كَانَ النّعِيمُ ظِلالَهُ | أمسى يطنب بالعراء خباؤه |
قد خف عن ذاك الرواق حضوره | أبداً وعن ذاك الحمى ضوضاؤه |
كانَتْ سَوَابِقُهُ طِرازَ فِنَائِهِ | يجلو جمال روائهن رواؤه |
و رماحه سفراؤه وسيوفه | خفراؤه وجياده ندماؤه |
مَا زَالَ يَغدُو، وَالرّكَابُ حُداؤهُ | بين الصوارم والعجاج رداؤه |
انْظُرْ إلى هَذا الأنَامِ بِعِبْرَة ٍ | لا يُعْجِبَنّكَ خَلْقُهُ وَبَهَاؤهُ |
بيناه كالورق النضير تقصفت | أغْصَانُهُ وَتَسَلّبَتْ شَجْرَاؤهُ |
أنى تحاماه المنون وإنما | خلقت مراعي للردى خضراؤه |
أمْ كَيْفَ تَأمُلُ فَلتَة ً أجْسَادُهُ | من ذا الزمان وحشوها ادواؤه |
لا تَعجَبَنّ، فَمَا العَجيبُ فَنَاؤهُ | بيَدِ المَنُونِ، بَلِ العَجيبُ بَقَاؤهُ |
إنَّـا لنعجب كيف حم حمامه | عَنْ صِحّة ٍ، وَيَغيبُ عَنّا داؤهُ |
من طاح في سبل الردى آباؤه | فليسلكن طريقه ابناؤه |
وَمُؤمَّرٍ نَزَلُوا بِهِ في سُوقَة ٍ | لا شَكْلُهُ فيهِمْ وَلا قُرَنَاؤهُ |
قد كان يفرق ظله اقرانه | و يغض دون جلاله اكفاؤه |
وَمُحَجَّبٍ ضُرِبَتْ عَلَيهِ مَهابَة ٌ | يُغْشِي العُيُونَ بَهَاؤهُ وَضِيَاؤهُ |
نَادَتْهُ مِنْ خَلْفِ الحِجابِ مَنِيّة ٌ | أمم فكان جوابها حوباؤه |
شُقّتْ إلَيْهِ سُيُوفُهُ وَرِمَاحُهُ | و اميط عنه عبيده وإماؤه |
لم يغنه من كان ودّ لو انه | قَبْلَ المَنُونِ مِن المَنُونِ فِداؤهُ |
حرم عليه الذل إلا انه | أبَداً ليَشْهَدُ بالجَلالِ بِنَاؤهُ |
متخشع بعد الانيس جنابه | متضائل بعد القطين فناؤه |
عريان تطرد كل ريح تربه | و تطيع أول امرها حصباؤه |
وَلَقَدْ مَرَرْتُ بِبَرْزَخٍ، فسألتُهُ: | اين الأولى ضمتهم ارجاؤه |
مِثْلِ المَطِيّ بَوَارِكاً أجْداثُهُ | تسفى على جنباتها بوغاؤه |
ناديته فخفى علي جوابه | بالقَوْلِ إلاّ مَا زَقَتْ أصْداؤهُ |
مِنْ نَاظِرٍ مَطْرُوفَة ٍ ألحَاظُهُ | أو خاطر مطلولة سوداؤه |
أوْ وَاجِدٍ مَكْظُومَة ٍ زَفَرَاتُهُ | أوْ حَاقِدٍ مَنْسِيّة ٍ شَحْنَاؤهُ |
و مسندين على الجنوب كانهم | شَرْبٌ تَخَاذَلَ بالطِّلا أعْضَاؤهُ |
تحت الصعيد لغير اشفاق إلى | يَوْمِ المَعَادِ تَضُمّهُمْ أحْشَاؤهُ |
أكلتهم الارض التي ولدتهم | أكل الضروس حلت له أكلاؤه |
حياك معتلج النسيم ولا يزل | سحراً تفاوح نوره اصباؤه |
يمري عليك من النعامى خلفه | من عارض متبرل اندؤاه |
فَسَقاكَ مَا حَمَلَ الزّلالَ سِجَالُهُ | ونحاك ما حر الزحوف لواؤه |
لَوْلا اتّقَاءُ الجَاهِلِيّة ِ سُقْتُهُ | ذَوْداً تَمُورُ عَلى ثَرَاكَ دِمَاؤهُ |
و اطرت تحت السيف كل عشية | عُرْقُوبَ مُغْتَبِطٍ يَطُولُ رَغاؤهُ |
لكن سيخلف عقرها ودماؤها | أبَدَ اللّيَالي، مَدْمَعي وَبُكاؤهُ |
أقْني الحَيَاءَ تَجَمُّلاً لَوْ أنّهُ | يَبْقَى مَعَ الدّمْعِ اللّجُوجِ حَياؤهُ |
وَإذا أعَادَ الحَوْلُ يَوْمَكَ عَادَني | مِثْلَ السّلِيمِ يَعُودُهُ آنَاؤهُ |
داءٌ بقلبي لا يعود طبيبه | يَأساً إليّ، وَلا يُصَابُ دَوَاؤهُ |
فاذهب فلا بقي الزمان وقد هوى | بكَ صَرْفُهُ وَقضَى عَلَيكَ قَضَاؤهُ |