مضى خلفُ الأبرارِ والسيدُ الطهرُ
مدة
قراءة القصيدة :
3 دقائق
.
مضى خلفُ الأبرارِ والسيدُ الطهرُ | فصدرُ العلى منْ قلبهِ بعدهُ صفرُ |
وغيبَ منهُ في الثرى نيرُ الهدى | فغادرتْ ذكاءُ الدين وانكسفَ البدرُ |
وماتَ الندى فلترثهِ ألسنُ الثنا | وليثُ الوغى فلتبكهِ البيضُ والسّمرُ |
فَحَقُّ الْمَعَالِي أَنْ تَشُقَّ جُيُوْبَهَا | عليهِ وتنعاهُ المكارمُ والفخرُ |
هُوَ الْمَاجِدُ الْوَهَّابُ مَا فِي يَمِينِهِ | هُوَ الْعَابِدُ الأَوَّابُ وَالشَّفْعُ وَالْوِتْرُ |
هُوَ الْحُرُّ يَوْمَ الْحَرْبِ تُثْنِي حِرَابُهُ | عليهِ وفي المحرابِ يعرفهُ الذّكرُ |
فَلاَ تَحْسَبَنَّ الدَّهْرَ أَهْلَكَ شَخْصَهُ | ولكنّهُ في موتهِ هلكَ الدّهرُ |
فلو دفنوهُ قومهُ عندَ قدرهِ | لجلَّ ولو أنَّ السّماكَ لهُ قبرُ |
وما دفنهُ في الأرضِ إلا لعلمنا | بِهِ أَنَّهُ كَنْزٌ لَهَا وَلَنَا ذُخْرُ |
وما غسلهُ بالماءِ إلا تطوعاً | وَإِلاَّ فَقُوْلاَ لِي مَتَى نَجُسَ الْبَحْرُ |
فَتى ً يُوْرِدُ الْهِنْدِيَّ وَهْوَ حَدِيْدَة ٌ | ويصدّقُ فيهِ وهوَ منْ علقٍ تبرُ |
فَهَلْ لِفُرُوْضِ الدِّينِ وَالنَّفْلِ حُرْمَة ٌ | وصاحبهُ المعروفُ والجودُ والبرُّ |
تعطّلتِ الأحكامُ بعدَ وفاتهِ | وضاعتْ حدودُ اللهِ والنهيُ والأمرُ |
يعزُّ على المختارِ والصّنوِ رزؤهُ | لعلمها في أنّهُ الولدُ البرُّ |
فَغَيْرُ مَلُومٍ جَازِعٌ لِمُصَابِهِ | ففي مثلِ هذاالخطبِ يسيتقبحُ الصّبرُ |
أجلُّ بني المهديِّ لو أنّهُ ادّعى | وقالَ أنّهُ المهديُّ وازرهُ الخضرُ |
كريمٌ كأنَّ اللهَ أخّرَ موتهُ | لِيَكْسِبَ فِيْهِ الأَجْرَ مَنْ فَاتَهُ بَدْرُ |
فَكَيْفَ رِيَاضُ الْحُزْنِ يَبْسِمُ نَوْرُهَا | وَتَرْجُو حَيَاة ً بَعْدَ مَا هَلَكَ الْقَطْرُ |
وَكَيْفَ نُرَجِّي أَنَّ لِلَيْلِ آخِراً | وَفِي ظُلُمَاتِ الأَرْضِ قَدْ دُفِنَ الْفَجْرُ |
فأيُّ عظامٍ في ثراهُ عظيمة ٍ | تَجِلُّ وَعَنْ إِرْثَائِهَا يَصْغُرُ الْشِّعْرُ |
نصلّيْ عليها وهيَ عنا غنيّة ٌ | ولكنّنا فيها لنا يعظمُ الأجرُ |
وَنُثْنِي عَلَيْهَا رَغْبَة ً فِي ثَنَائِهَا | لِيَعْبَقَ فِي الأَفْوَاهِ مِنْ طِيْبِهَا عِطْرُ |
ترفّعنَ عنْ قدرِ المراثي جلالة ً | وعنْ أدمعِ الباكيْ ولو أنّها درُّ |
فَمَنْ لِلْيَتَامَى وَالأَرَامِلِ بَعْدَهُ | وَمِمَّنْ نَرَجِّي النَّفْعَ إِنْ مَسَّنَا الضُّرُّ |
كَأَنَّ الْوَرَى مِنْ حَوْلِهِ قَبْلَ بَعْثِهِمْ | دَعَاهُمْ مِنَ الأَجْدَاثِ فِي يَوْمِهِ الْحَشْرُ |
لئنْ غدرتْ فيها اللّيالي فإنّها | بكلِّ وفيِّ العهدِ شيمتها الغدرُ |
وَمَا ضَرَّهَا لَوْ أَنَّهَا فِي عَبِيْدِهِ | مِن الْخَلْقِ يُفْدَى ذلِكَ السَّيِّدُ الْحُرُّ |
سرتْ نسمة ُ الرّضوانِ نحوَضريحهِ | ولا زالَ فيها منْ شذا طيبهِ نشرُ |
وفي ذمّة ِ الرّحمنِ خيرُ مودّعٍ | أقامَ لدينا بعدهُ الوجدُ والفكرُ |
تناءى فللدّنيا عليهِ وأهلها | بُكَاءٌ وَحُزْنٌ وَالْجِنَانُ لَهَا بِشْرُ |
دعتهُ لوصلِ الحورِطوبى فزارها | ولمْ يدرِ فيمنْ بعدهُ قتلَ الهجرُ |
فلا يشمتِ الحسّدُ فيهِ فإنّهُ | سَتَرْغَمُهُمْ بِالْمَوْتِ أَبْنَاؤُهُ الْغُرُّ |
لَئِنْ سَلِمَتْ أَبْنَاؤُهُ وَبَنُوهُمُ | فَوَيْلُ الْعِدَا وَلْيَفْرَحَ الذِّئْبُ وَالنَّسْرُ |
فُرٌوعٌ تَسَامَتْ لِلْعُلاَ وَهْوَ أَهْلُهَا | فطابتْ وفي أفنانها أثّرَ الشكرُ |
مُلُوكٌ زَكَتْ أَخْلاَقُهُمْ فَكَأَنَّهُمْ | حدائقُ جناتٍ وأخلاقهمْ زهرُ |
كأنَّ عليّاً بينهمْ بدرُ أربعٍ | عشرٍ أضاءتْ حولهُ أنجمٌ زهرُ |
إِذَا مَا عَلِيٌّ كَانَ فِي الْمَجْدِ وَالْعُلاَ | سَلِيْماً فَلاَ زَيْدٌ يَقُولُ وَلاَ عَمْرُو |
يَهُونُ عَلَيْنَا وَقْعُ كُلِّ مُلِمَّة ٍ | إذا كانَ موجوداً وإنْ فدحَ الأمرُ |
أمولايَ هذا عادة ُ الدهرِ في الورى | وليسَ بهِ خيرٌ يدومُ ولا شرُّ |
فعذراً لما يجنيهِ فيكمْ فكمْ وكمْ | لَهُ عِنْدَكُمْ مِنْ قَبْلُ فَادِحة ٌ وتْرُ |
عسى اللهُ يجزيكَ الثوابَ مضاعفاً | ويعقبُ عسرَ الأمرِ منْ بعدهِ يسرُ |
وَيُلْهِمُكَ الصَّبْرَ الْجَمِيْلَ بِفَضْلِهِ | ويمتدُّ في الحظِّ السعيد لكَ العمرُ |