للهِ قَوْمٌ بِأَكْنَافِ الْحِمَى نَزَلُوا
مدة
قراءة القصيدة :
6 دقائق
.
للهِ قَوْمٌ بِأَكْنَافِ الْحِمَى نَزَلُوا | همُ الأحبّة ُ إن صدّوا وإنْ وصلوا |
وَدَرَّ دَرُّهُمُ مِنْ جِيرَة ٍ مَعَهُمْ | لم يبرحِ القلبُ إنْ ساروا وإنْ نزلوا |
جعلتهمْ لي ولاة ً وارتضيتُ بما | يقضونَ في الحبِّ إنْجاروا وإنْ عدلوا |
هُمُ هُمُ سَادَتِي رَقُّوا قَسَوْا عَطَفُوا | جَفَوْا وَفَوْا خَلَّفُونِي أَنْجُزُوا مَطَلُوا |
ودُّوا فلو هجروا زاروا صفوزا كدروا | قَدْ حَسَّنَ الْحُبُّ عِنْدِي كُلَّمَا فَعَلُوا |
رَعْياً لِمَاضِي زَمَانٍ فُزْتُ فِيْهِ بِهِمْ | وَحَبَّذَا بِالْحِمَى أَيَّامُنَا الأَوَلُ |
عصرٌ كأنَّ الليالي فيه بيض دمى ً | لعسُ الشِّفاه وأوقاتَ الّلقا قُبلُ |
إِذَا الرُّوَاة ُ رَوَوْا عَنْهُ لَنَا خَبَراً | كَأَنَّهُمْ نَقَلُونَا بِالَّذِي نَقَلُوا |
كمْ في القبابِ لديهمْ من محجَّبة ٍ | في الحسنِ والعزِّ يضربُ المثلُ |
بِكْرٌ هِيَ الشَّمْسُ فِي إِشْرَاقِ بَهْجَتِهَا | لو لمْ يجنَّ سناها فرعُها الجثلُ |
وَدُمْيَة ُ الْقَصْرِ لَوْلاَ سِمْطُ مَنْطِقِهَا | وظبية ُ القفرِ لولا الحليُ والعطلُ |
سِيَّانِ بِيْضُ ثَنَايَاهَا إِذَا ضَحِكَتْ | ومبسمُ البرقِ لولا النَّظمُ والرَّتلُ |
يبدو الصَّباحُ فيستحي إذا سفرتْ | عَنِ الْمُحَيَّا فَيَعْلُو وَجْهَهُ الخَجَلُ |
تَخْتَالُ فِي السَّعْي سُكْراً وَهْيَ صاحِيَة ٌ | فَتَنْقُضُ الصَّبْرُ مِنْهَا وَهْيَ تَنْتَقِلُ |
تَغْزُو الْقُلُوبَ بِلَحْظَيْهَا وَمُقْلَتُهَا | لَوْلاَ النُّعَاسُ لَقُلْنَا جَفْنُهَا خَلَلُ |
أَفْدِيهِمِ مِنْ سَرَاة ٍ في جَوَاشِنهِمْ | وفي البراقعِ منهم تلتظي شعلُ |
فُرْسَانُ طَعْنٍ وَضَرْبٍ غَيْرَ أَنَّهُمُ | أمضى سلاحهمِ القاماتُ والمقلُ |
شوسٌ على الشُّوسِ بالبيضِ الِّقاق سط | ـوبالجفونِ على أهل الهوى حملوا |
في غمدِ كلِّ هزبرٍ من ضراغمهمْ | وَعَيْنِ كُلِّ مَهَاة ٍ كَامِنٌ أَجَلُ |
لَمْ ادْرِ مِنْ قَبْلِ أَلْقَى سُودَ أَعْيُنِهِمْ | أنَّ المنية َ من أسمائها الكحلُ |
كلاَّ ولا خلتُ لولا حليُ خرَّدهم | أنَّ الدنانيرَ ممَّا يثمر الأسلُ |
بِالْبِيضِ قَدْ كَلَّلُوا أَقْمَارَهُمْ وَعَلَى | شموسِهِمْ بالدّياجيْ تضربُ الكللُ |
صَبَاحُهُمْ مِنْ وَجُوهِ الْبِيضِ مُنْفَلِقٌ | وليلهمْ منْ قرونِ العينِ منسدلُ |
صانوا منَ الدّرِّ ما حازت مباسمهمْ | وَمَاحَوَوْا مِنْهُ فِي رَاحَاتِهِمْ بَذَلُوا |
سودُ الذّوائبِ والأحداقِ تحسبهمْ | تَعَمَّمُوا بِسَوَادِ اللَّيْلِ وَاكْتَحَلُوا |
يروقُ في أسدهم نظمُ القريضِ وفي | غزلا نهمْ يحسنُ التّشبيبُ والغزلُ |
تمسي القلوبُ ضيوفاً في منازلهمْ | وَلاَ لَهُنَّ سِوَى نِيْرَانِهِمْ نُزُلُ |
همُ الأكارمُ إلا أنّهمْ عربٌ | عِنْدَ الْكِرَائِمِ مِنْهُمْ يَحْسُنُ الْبُخُلُ |
أَمَا وَلُدْنٍ تَثَنَّتْ فِي مَنَاطِقِهِمْ | تحتَ الحديدِ وقُضبٍ فوقها حللُ |
وبيضِ حبّاتِ درٍّ بعضها لفظوا | وَبَعْضَهُنَّ لأعْنَاقِ الدُّمَى جَعَلُوا |
لَوْلاَ عُيُونٌ وَقَامَاتٌ بِنَا فَتَكَتْ | لَمْ نَخْشَ مِنْ وَقْعِ مَا سَلُّوا وَمَا قَتَلُوا |
لاَ أَطْلَعَ اللهُ فَجْراً فِي مَفَارِقِهِمْ | ولا انجلى ليلها عنهمْ ولا أفلوا |
وَا صَحَتْ مِنْ سُلاَفِ الدَّلِّ أَعْيُنُهُمْ | ولا سرى في سواها منهمُ الكسلُ |
لو لا هواهمْ ما أبلى الضّنى جسديْ | وَلاَ شَجَتْنِي رُسُومُ الدَارِ وَالطَّلَلُ |
وَلاَ تَفَرَّقَ قَلْبِي بِالرُّسُومِ كَمَا | تفرّقتْ منْ عليٍّ في الورى الخولُ |
الموسويُّ الّذي مشكاة ُ نسبتهِ | أرحامها بشهابِ الطّورِ تتصلُ |
كريمُ نفسٍ تزانُ المكرماتُ بهِ | وَمِنُهُ تَنْشَأُ بِالدُّنْيَا وَتَنْتَقِلُ |
طودٌ لو أنَّ سرنديباً تبدّلهُ | لِسَاكِنِي الْحَوْزِ بِالرَّاهُونِ مَا قَبِلُوا |
ولو إلى أرضهِ يهوي الهلالُ دجى ً | لَمْ تَرْضَهُ أَنَّهُ مِنْ نَعْلِهَا بَدَلُ |
قرنٌ يميلُ إلى نحوِ الظّبا شغفاً | كأنّهنَّ لديهِ أعينٌ نجلُ |
يَغْشَى العِدَا مِثْلَ مَاضِيهِ وَعَامِلُهُ | يهتزُّ بشراً ويثني عطفهُ الجذلُ |
في طرفِ هنديهِ منْ ضربهِ رمدٌ | وفي عواليهِ منْ خمرِ الطّلا ثملُ |
لَهُ سُيُوفٌ إِذَا مَا النَّصْرُ أَضْحَكَهَا | تبكي الرقابُ وتنعي نفسها الظّللُ |
جِرَاحُهَا وَعُيُونُ الصَّبِّ وَاحِدَة ٌ | لا تلكَ ترقى ولا هاتيكَ تندملُ |
بيضُ الجوانبِ كالأنهارِ منْ لبنٍ | تَظُنُّهَا بِالْوَفَا يَجْرِي بِهَا الْعَسَلُ |
حليفُ بأسٍ إذا اشتدّتْ حميّتهُ | لَوْلاَ نَدَى رَاحَتَيْهِ كَادَ يَشْتَعِلُ |
يَغْزُو الْعَدُوَّ عَلَى بُعْدٍ فَيُدْرِكُهُ | كَالنَّجْمِ يَسْرِي إِلَيْهِ وَالدُّجَى جَمَلُ |
يَكادُ كُلُّ مَكَانٍ حَلَّ سَاحَتَهُ | يقفوهُ شوقاً إليهِ حينَ يرتحلُ |
تَلْقَى مَرَاقِدَ نُورٍ فِي مَوَاطِئِهِ | كأنهُ بأديمِ الشمسِ منتعلُ |
لاَ يُطْمعُ الْخَصْمَ فِيْهِ لِيْنُ جَانِبِهِ | فقدْ تلينُ الأفاعي والقنا الذبلُ |
ولا يغرُّ العدا ما فيهِ منْ كرمٍ | فمحدثُ الصاعقاتِ العارضُ الهطلُ |
يَمَدُّ نَحْوَ الْعُلاَ وَالْمَكْرُمَاتِ يَداً | خُطُوطُهَا لِلْمَنَايَا وَالْمُنَى سُبُلُ |
يدٌ إلى كلِّ مصرٍ منْ أناملها | تَسْرِي الأَيَادِي وَفِيها يَنْزِلُ الأَمَلُ |
كَأَنَّ خَاتَمَهُ يَوْمَ النَّوَالِ بِهَا | قَوْسُ السَّحَابِ الْغَوَادِي حِينَ حَا |
زَ الْكَمَالَ صَبِيّاً مُنْذُ مَوْلِدِهِ | وَقَامَ بِالْفَضْلِ طِفْلاً قَبْلَ يَنْفَصِلُ |
نَفْسٌ مِنَ الْقُدْسِ في ذَاتٍ مُجَرَّدَة ٍ | بالعزفِ جازَ عليها يصدقُ الرجلُ |
ما لاحَ فوقَ سريرٍ مثلهُ قمرٌ | وَلاَ تَمَطَّى جَواداً قَبْلَهُ جَبَلُ |
ولا تنسّكَ زهداً غيرهُ أسدٌ | وَلاَ تَدَيَّنَ فِي دِينِ الظِّبَا بَطَلُ |
هَلْ عَانَقَ الشَّمْسَ إِلاَّ سَيْفَهُ فَلَقٌ | وَاسْتَغْرَقَ الْبَحْرَ إِلاَّ دِرْعَهُ وَشَلُ |
باهتْ مناقبهُ الدنيا بهِ فعلا | قدراً على سائرِ الأيامِ واستفلوا |
حَكَوهُ خَلْقاً وَمَا حَازُوا خَلاَئِقَهُ | وَالنَّاسُ كَالْوَحْشِ مِنْهَا اللَّيْث |
ُ أَنَّى يُحَاوِلُ فِيْهِ مُدَّعٍ صِفَة ً | وهلْ يحصّلُ طيبَ النرجسِ البصلُ |
ما كلُّ ذي كرمٍ تحوي مكارمهُ | والدرُّ في كلِّ بحرٍ ليسَ يحتمل |
لديهِ أغلى لباسِ المرءِ أخشنهُ | وَأَحْسَنُ الْخَزِّ وَالدِّيبَاجِ مُبْتَذَلُ |
لو باللباسِ بدونِ البأسِ مفتخرٌ | فاقَ البزاة َ بحسنِ الملبسِ الحجلُ |
يَا ابْنَ الأُسُودِ الأُولَى يَوْماً إِذَا حَمَلَتْ | بِالأُفْقِ يُشْفِقُ مِنْهَا الثَّوْرُ والْجَمَلُ |
زَانَتْ بِأَبْنَائِكَ الدُّنْيا وَفِيكَ وَلَوْ | لمْ يولدُوا لمْ تجدْ كفؤاً لها الدولُ |
أنتمْ شموسُ ضحاها بلْ وأنجمها | ليلاً وأوقاتها الأسحارُ والأصلُ |
عنكمْ ومنكمْ رواة ُ المجدِ قدْ أخذوا | علمَ المعاليْ ولولاكمْ بهِ جهلوا |
يَدْرُونَ أَنَّكُمُ حَقّاً أَئِمَّتُهُمْ | ويعلمونَ يقيناً أنّكمْ قبلُ |
إِذَا الْعَيَاءُ كَسَاكُمْ فَضْلَ مَلْبَسِهِ | فأيُّ فخرٍ عليكمْ ليسَ يشتملُ |
أدواكمُ لسقيمِ المجدِ عافية ٌ | لَكِنَّهُنَّ لأَبْحَارِ الثَّنَا عِلَلُ |
كَأَنَّمَا خُلِطَتْ بِالطِّينِ طِينَتُكُمْ | فَنَبْتُهَا لَيْسَ إِلاَّ الْوَرْدُ وَالنَّفَلُ |
مَوْلاَيَ ذَا الصَّوْمُ أَبْقَى أَجْرَهُ وَمَضَى | لَدَيْكَ وَالْفَطْرُ وَالإِقْبَالُ مُقْتَبَلُ |
واسعدْ بعودة ِ عيدٍ عادَ فيهِ لنا | فِيكَ السُّرُورُ وَزَالَ الْهَمُّ وَالْوَجَلُ |
عِيدٌ تَشَرَّفَ يَا ابْنَ الطَّاهِرِينَ بِكُمْ | لِذَا بِهِ مِلَّة ُ الإِسْلاَمِ تَحْتَفِلُ |
فاقَ الزّمانَ كما فقتَ الملوكَ فما | كلاكما سيّدٌ في قومهِ جللُ |
واستجلِ طلعة َ فطرٍ فوقَ غرّتهِ | هلالُ سعدٍ سناهُ منكَ منتحلُ |
شَيْخاً تَأَتَّاكَ كالْعُرْجُونِ مُنْحِنياً | وَأَنْتَ كَالرُّمْحِ رَطِبُ الْعُودِ مُعْتَدِلُ |
رَآكَ بَعْدَ النَّوَى لَيْلاً فَعَادَلَهُ | عمرُ الشّبيبة ِ غضّاً وهوَ مكتحلُ |
ولا برحتَ مطاعَ الأمرِ مقتدراً | يجري القضاءُ بما تقضي ويمتثلُ |