تصاحى وهوَ مخمورُ الجنانِ
مدة
قراءة القصيدة :
5 دقائق
.
تصاحى وهوَ مخمورُ الجنانِ | وَهَلْ يَصْحُو فَتى ً يَهْوَى الْغَوانِي |
وَأَوْرَى وَجْدهُ فَشكا وَورَّى | عَنِ الأَحْدَاقِ فِي نُوَبِ الزَّمانِ |
وَهَلْ فِي النَّائِبَاتِ الْسُّودِشَيءٌ | أَشَدُّ عَلَيْهِ مِنْ حَدَقِ الْحِسَانِ |
وَهَلْ كَذَوَائبِ الفِتْيَانِ مِنْهَا | عليهِ تطاولتْ ظلمُ امتحانِ |
تَدَيَّنَ فِي الْهَوَى العُذْرِيِّ حَتَّى | رأى عزَّ المحبّة ِ بالهوانِ |
أشَدُّ مِنَ الاُسُودِ إِذَا لَقِيهَا | وَفِيهِ عَنِ الْمَهَى فَرَقُ الْجَنَانِ |
فليسَ يفرُّ إلا عنْ قتالٍ | بهِ القاماتُ منْ عددِ الطّعانِ |
إِلاَمَ يَرُومُ سَتْرَ الْحُبِّ فِيهِ | فَتَكْشُفُ عَنْهُ عَثْرَاتُ الْلِّسَانِ |
يُشَبّبُ بالْحُوَيْزَة ِ وَهْوَ صَبٌّ | تَغَزُّلُهُ بِغِزْلاَنِ اللِّقَانِ |
ويَسْفَحُ دَمْعَهُ بالسَّفْحِ شَوْقاً | ويَلْمَعُ مُضْحِكُ الْبَرْقِ اليَمَانَ |
ويطوي السّرَّ منهُ وكيفَ يخفى | وفي عينيهِ عنوانُ العلانِ |
لقدْ شغفتْ حشاشتهُ بنجدٍ | فَهَامَ بِهَا وَحَنَّ إِلَى الْمَجَاني |
رأى حفظَ العهودِ لساكنيها | وضيّعَ قلبهُ بينَ المغاني |
رَهِينُ قُوى ً عَلَى خَدَّيْهِ تَجْرِي | سوابقُ دمعهِ جريَ الرّهانِ |
يَمُرُّ عَلَى حَصَى الْوَادِي فَيبكِي | فَيَنْتَثِرُ العَقِيقُ عَلَى الْجُمَانِ |
وَتَنْفَحُهُ الصَّبَا فَيمِيلُ سُكْراً | كأنَّ بريحها راحَ الدّنانِ |
فَهَلْ مِنْ مُسْعِدٍ لِفَتى ً تَفَانَى | فَادْرَكَهُ الوُجُودُ مِنَ التَّفَانِي |
اذَا قَبَضَ الإِياسُ الرُّوحَ مِنْهُ | بهِ نفخَ الرّجا روحَ التداني |
تُشَبُّ بِقَلْبهِ النِّيرَانُ لَكِنْ | يُشَمُّ مِنَ الحِمَى نَفَسُ الِجْنَانِ |
سقى اللهُ الحمى غيثاً كدمعي | تَسِيلُ بِهِ الْبِطَاحُ بِأُرْجُوَانِ |
ولا برحتْ تجيبُ بهِ ارتياحاً | قَمَارِي الدَّوْحِ اَقْمَارَ القِيَانِ |
حمى ً فيهِ البنودُ تمدُّ منها | على البيضاءِ أجنحة ُ الأماني |
ومرتبعاً بهِ الضّرغامُ يبني | كناسَ الظّبيِ في غابِ اللّدانِ |
تلوحُ عليهِ نارٌ منْ حديدٍ | وَأُخْرَى لِلضُّيُوفِ عَلَى الرِّعَانِ |
فَكَمْ تَزْهُو بِهِ جَنَّاتُ حُسْنٍ | وكمْ تجري عليهِ عيونُ عانِ |
بأجفنِ بيضهِ حمرُ المنايا | وَتَحْتَ قِبَابِهِ بِيَضُ الاَمَانِي |
محلّاً في الملاعبِ منهُ تبدو | كواعبُ كالكواكبِ في قرانِ |
حسانٌ كالشّموعِ ترى عليها | ذوائبها كأعمدة ِ الدّخانِ |
تماثيلٌ تضلّكَ لو تراها | عَذَرْتَ العَاكفِينَ عَلَى المدانِي |
بِرُوحِي غَادَة ٌ مِنْهُنَّ تَبْدُو | إلى قلبي وتنأى عنْ مكاني |
يمثّلها الخيلُ خيالَ طرفي | فَأَبْصِرُها وَتُحْجَبُ عَنْ عِيَانِي |
نقدُّ البيضَ فيجفنٍ نحيفٍ | وَتَفْرِي السَّابِغَاتِ بِغُصْنِ بَانِ |
إِذَا نَبَذَتْ إِلَى سَمْعي كَلاَمَاً | حَسِبْتُ لِسَانهَا نَبَّاذَ حَانِ |
ثَنَايَاهَا كَدُرِّ ثَنَا عَلِيٍ | مرتّلة ً مرتبة َ المعاني |
ومقلتها وعزمتهُ سواءٌ | كِلاَ السَّيْفَيْنِ نَصْلٌ هُنْدُوَاني |
هواهُ إلى المديحِ كما دعتني | كذا التّشبيبُ فيها قدْ دعاني |
حليفُ المكرماتِ أبو حسينٍ | عزيزُ الجارِ ذو المالِ المهنِ |
أخو هممٍ إذا انبعثت فأدنى | مواضيها على هامِ الزّمانِ |
وَأَخْبَارٍ سَرَتْ فَبِكُلِّ أَرْضٍ | لها عبقٌ يضرُّ بكلِّ شانِ |
وأمثالٍ تلذُّ بكلِّ سمعِ | كأنَّ بضربها ضربَ المثاني |
وأخلاقٍ كروضِ المزنِ تحكي | فَوَقَّرَهَا بِرَاسِيَة ِ الجَنَانِ |
خِصَالٌ كَالَّلآلِي نَافَسَتْهَا | عَلَيْهِ قلاَئِدُ البِيضِ الحَصَانِ |
شِهَابُ وَغى ً يَهُزُّ سَرِيَّ نَصْلٍ | وليثُ سرى ً يصولُ بأفعوانِ |
يَرَى وَضَحَ النُّصُولِ فُصُولَ شَيْبٍ | فيخضبها بأحمرَ كالدّهانِ |
تَبَنَّاهُ السَّحَابُ فَكَانَ أَحْرَى | لأَجْلِ عَذَابِهِ فِيما يُعَاني |
وَوَاخاهُ الحُسَامُ فَكَانَ مِنْهُ | بمرتبة ِ القناة ِ منَ السّنانِ |
وحلّتْ منهُ منزلة َ المعالي | فأضحتْ كالخواتمِ في البنانِ |
وحلّى المجدَ في دررِ السّجايا | فَامْسَى وَهْوَ كَالأُفُقِ الْمُزَانِ |
كَسَا تُرْكَ النُّجُومِ مُسُوحَ نَقْعٍ | ورُوِمِيَّ النَّهَارِ بَطَيْلَسَانِ |
وَأَنْبَتَ فِي فُؤَادِ الصُّبْحِ رَوْعاً | فها كافورهُ كالزّعفرانِ |
كَأَنَّ بُنُودَهُ حُجَّابُ كِسْرَى | عَلَى كُلٍّ قَمِيصٌ خُسْرَوانِي |
وَحُمْرُ ظُبَاهُ لِلْمِرّيخِ رَهْطٌ | فَكُلٌّ عَنْدَميُّ اللَّوْنِ قَانِ |
تَوَهَّمَ أَنْ تَمِيدَ الأَرْضُ فِيْهِ | |
وأيقنَ أنَّ بذلَ المالِ يبقي | لهُ بقيا فخلّدهُ بفانِ |
لَقَدْ غَلِطَ الزَّمانُ فَجَادَ فيْهِ | وَأَعْقَمَ بَعْدَهُ فَرْجُ الأَوْانِ |
فلو حملتْمنَ القمرِ الثّريّا | لما كادتْ تجيءُ لهُ بثانِ |
تورّثَ كلَّ فخرٍ منْ أبيهِ | وَكُلَّ تُقى ً وَفَضْلٍ وَامْتَنِان |
كَأنَّهُمَا صَلاَة ُ الفَجْرِ هذَا | لِذَا شَفْعٌ أَو السّبْعُ المَثَانِي |
علا مقدارهُ فحكا عليّاُّ | فشاركهُ بتسمية ٍ وشانِ |
هُمَا نَجْمَانِ بَيْنَهُمَا اشْتِرَاكٌ | لَوِ اقْتَرَنَا لَقُلْنَا الْفَرْقَدَانِ |
فَكَمْ مِنْ نَهْرِ سَابُورٍ تَأَتَّى | لَهُ نَصْرٌ كَيْومِ النَّهرْوَان |
وكم في التّابعينَ لآلِ حربٍ | لهُ منء فتكة ٍ بكرٍ عوانِ |
وَأَشْرَفُ مَالَهُ فِي الدَّهْرِ يَوْمٌ | قَضَى يَوْمَ الصُّفُوفِ بِشَهْرِ كَانِ |
أَلاَ يَا ابْنَ الأَيِمَّة ِ مِنْ قُرَيشٍ | هداة ِ الخلقِ منْ أنسٍ وجانِ |
لَقَدْ أَشْبَهْتُهُمْ حَلْقاً وَخُلْقاً | وحُكْماً بِالْقَضَايَا وَالْبَيَانِ |
ووافيتَ الزّمانَ وكانَ شيخاً | فَعادَ سَوَادُ مَفْرِقِهِ الهِجانِ |
عَرَجْتَ إِلَى المَعَالِي فَوْقَ طِرْفٍ | فَجَارَيْتَ البُرَاقَ عَلَى حِصَانِ |
كَأَنَّكَ فِي الْيَدِ الْبَيْضَاءِ مُوسَى | وَرُمْحُكَ كَالْعَصَا فِي زِيِّ جَانِ |
سِنَانُكَ عَنْ لِسَانِ المَوْتِ أَضْحَى | لَدَى الهَيْجَاءِ أَفْصَحَ تَرْجُمَانِ |
وَسَيْفُكَ لَمْ يَزَلْ إِمَّا سِوَاراً | لِمَلْحَمة ٍ وَإِمَّا طَوْقَ جَانِ |
فَدُمْ حَتَّى يَعُودَ إِلَيْكَ أَمْسٌ | وعشْ حتّى يؤوبَ القارظانِ |
ومتّعكَ الإلهُ بعيدِ فطرٍ | وخصّكَ بالتّحيّة ِ والتّهاني |