أَجَلٌ وإن طال الزمانُ مُوافي
مدة
قراءة القصيدة :
5 دقائق
.
أَجَلٌ وإن طال الزمانُ مُوافي | أَخْلى يدَيْكَ من الخليلِ الوافِي |
داعٍ إلى حقٍّ أهابَ بخاشعٍ | لبس النذيرَ على هُدًى وعفاف |
ذهب الشبابُ ، فلم يكن رزئي به | دونَ المصابِ بصَفوة الأُلاَّف |
جَللٌ من الأَرزاءِ في أَمثاله | هممُ العزاءِ قليلة ُ الإسعاف |
خفَّتْ له العبراتُ ، وهي أبيَّة ٌ | في حادثاتِ الدهر، غيرُ خِفاف |
ولكلّ ما أَتلفْتَ من مُستكرَمٍ | إلا مودّاتِ الرجالِ تَلاف |
ما أنتِ يا دنيا ؟ أرؤيا نائمٍ | أم ليلُ عرسٍ ، أم بساط سلاف ؟ |
نعماؤكِ الرَّيحانُ ، إلا أنه | مسَّتْ حواشيه نقيعَ زعافي |
مازلتُ أصحبُ فيكِ خلقاً ثابتاً | حتى ظفرتُ بخلقكِ المتنافي |
ذهب الذبيحُ السمحُ مثل سميِّه | طهرَ المكفَّنِ ، طيِّب الألفاف |
كم بات يذبحُ صدرَه لشكاته | أَتُراه يحسبها من الأَضياف؟ |
نَزَلتْ على سَحْرِ السَّماح ونَحْرِه | وتقاَّبتْ في أكرمِ الأكناف |
لَجَّتْ على الصَّدر الرحيبِ وبرِّحَتْ | بالكاظم الغيظِ ، الصَّفوح ، العافي |
ما كان أقسى َ قلبها من علَّة | علقتْ بأرحم حيَّة وشغاف |
قلبٌ لو انتظم القلوبَ حَنانهُ | لم يبْق قاسٍ في الجوانح جافي |
حتى رماه بالمنيَّة فانجلتْ | منْ يبتلي بقضائه ويعافى |
أخنتْ على الفلكِ المدارِ فلم يدرْ | وعلى العباب فقرَّ في الرجّاف |
ومَضَتْ بنارِ العبقريّة ِ، لم تَدَعْ | غيرَ الرَّمادِ، ودارساتِ أَثافي |
حَملوا على الأَكتاف نورَ جلالة ٍ | يذرَ العيونَ حواسدَ الأكتاف |
وتقلَّلدوا النعشَ الكريمَ يتيمة ً | ولكَمْ نعوشٍ في الرقاب زياف |
متمايلَ الأعوادِ ممّا مسَّ من | كرمٍ ، وممّا ضمَّ من أعطاف |
وسَلامُ أَهلٍ وُلَّعٍ وصَحابة ٍ | وإذا جلالُ العبقريّة ِ ضافي |
ويحَ الشبابِ وقد تخطَّرَ بينهم | هل متِّعوا بتمسُّحٍ وطواف ؟ |
لوعاش قدوتهم وربُّ لوائهم | نكسَ اللواءَ لثابتٍ وقَّاف |
فلكَمْ سقاه الودَّ حينَ وِدادُه | حربٌ لأَهل الحكمِ والإشراف |
لا يومَ للأقوامِ حتى ينهضوا | بقوادمٍ من أمسهم وخوافي |
لا يُعْجِبنَّكَ ما ترى من قُبَّة ٍ | ضربوا على موتاهُم، وطِراف |
هجموا على الحقِّ المبينِ بباطلٍ | وعلى سبيل القصدِ بالإسراف |
يبنون دارَ الله كيف بدا لهم | غُرُفاتِ مُثْرٍ، أَو سقيفة َ عافي |
ويُزوِّرون قبورَهم كقصورهم | والأرضُ والرُّفاتُ السافي |
فُجعَتْ رُبى الوادي بواحد أَيكِها | وتجرَّعَت ثُكْلَ الغدير الصافي |
فقدتْ بناناً كالربيع، مُجيدة ً | وشْيَ الرياضِ وصنعَة َ الأَفواف |
إن فاته نسَبُ الرَّضِيِّ فرُبَّما | جريا لغاية سؤددٍ وطراف |
أَو كان دون أَبي الرضيِّ أُبوَّة ً | فلقد أعادَ بيانَ عبد منافِ |
شرفُ العصاميِّين صنعُ نفوسهم | مَن ذا يقيس بهم بني الأَشراف؟ |
قل للمشير إلى أبيهِ وجدهِ | أَعَلِمْتَ للقمرَيْنِ من أَسلاف؟ |
لو أَن عمراناً نِجارُك لم تَسُدْ | حتى يُشارَ إليك في الأَعراف |
قاضي القضاة جَرَتْ عليه قضيّة ٌ | للموتِ ، ليس لهامن استئناف |
ومصرِّفُ الأحكام موكولٌ إلى | حكم المنيَّة ، ما له من كافي |
ومنادمُ الأملاكِ تحت قبابهم | أَمسى تُنادِمُه ذِئابُ فَيَافي |
في منزلٍ دارت على الصِّيد العلا | فيه الرَّحى ومشتْ على الأرداف |
وأزيلَ من حسن الوجوهِ وعزِّها | ما كان يعبد من وراءِ سِجاف |
من كلِّ لمَّاحِ النعيم تَقلَّبتْ | ديباجتاهُ على بلى وجغاف |
وترى الجماجمَ في الترابِ تماثلتْ | بعدَ العقولِ تماثلِ الأصداف |
وترى العيونَ القاتِلاتِ بنظرة ٍ | مَنهوبَة َ الأَجفانِ والأَسياف |
وتُراعُ من ضَحِكِ الثُّغورِ، وطالما | فتنتْ بحلو تبسُّمٍ وهتاف |
غزت القرونَ الذاهبين غزالة ٌ | دمُهم بذِمّة قرْنِها الرَّعّاف |
يجري القضاءُ بها ، ويجري الدهرُ عن | يدها ، فيا لثلاثة ٍ أحلاف ! |
ترمي البريَّة َ بالحبولِ ، وتارة ً | بحبائلٍ من خَيْطها وكفاف |
نسجتْ ثلاثَ عمائمٍ ، واستحدثتْ | أكفانَ موتى من ثيابِ زفاف |
أأبا الحسين ، تحية ً لثراكَ من | روحٍ وريحانٍ وعذبِ نطاف |
وسلامُ أهلٍ ولَّهٍ وصحابة ٍ | حَسرَى على تلك الخِلالِ لِهاف |
هل في يديَّ سوى قريضٍ خالدٍ | أزجيهِ بين يديكَ للإتحاف ؟ |
ماكان أكرمه عليك ! فهل ترى | أني بعثتُ بأكرمِ الألطاف ؟ |
هذا هو الرَّيحانُ ، إلا أنه | نَفحاتُ تلك الروْضة ِ المِئْناف |
والدُّرُّ ، إلا أن مهدَ يتيمه | بالأمسِ لجَّة ُ بحرك القذَّاف |
أَيامَ أَمرَحُ في غُبارِكَ ناشئاً | نَهْجَ المهار على غُبار خِصاف |
أَتعلَّمُ الغاياتِ كيف تُرامُ في | مضمارِ فضلٍ أو مجالِ قوافي |
يا راكبَ الحدباءِ، خلِّ زِمامَها | ليس السبيلُ على الدليل بِخافي |
دانَ المطيَّ الناسُ، غيرَ مطيَّة ٍ | للحقِّ ، لا عجلَى ، ولا ميجاف |
لا في الجيادِ ، ولا النِّياقِ ، وإنما | خُلِقَتْ بغير حوافرٍ وخِفاف |
تنتاب بالركبانِ منزلة َ الهدى | وتؤمُّ دار الحقِّ والإنصاف |
قد بلغتْ ربَّ المدائنِ ، وانتهتْ | حيثُ انتهيْتَ بصاحبِ الأَحقاف |
نمْ ملءَ جفنك ، فالغدوُّ غوافلٌ | عمّا يَروعك، والعَشِيُّ غوافي |
في مضجع يكفيك من حسناتهِ | أَن ليس جَنْبُك عنه بالمتجافي |
واضحك من الأقدارِ غير معجَّزِ | فاليوم لست لها من الأهداف |
والموتُ كنتَ تخافه بك ظافراً | حتى ظفرت به ، فدعه كفاف |
قُلْ لي بسابقة ِ الوِدادِ: أَقاتِلٌ | هو حين يَنزِلُ بالفَتى ، أَم شافي؟ |
في الأَرضِ من أَبوَيْكَ كنزا رحمة ٍ | وهوًى ، وذلك من جِوارٍ كافي |
وبها شبابك واللِّداتُ ، بكيته | وبكيتهم بالمدمع الذَّرَّاف |
فاذهب كمصباحِ السماءِ ، كلاكما | مال النهار به ، وليس بطافي |
الشمسُ تخلفُ بالنجومِ وأنت بال | آثار ، والأخبار والأوصاف |
غلب الحياة َ فتًى يسدُّ مكانَها | بالذكرِ، فهو لها بَدِيلٌ وافي |