اخترتَ يومَ الهولِ يومَ وداعِ
مدة
قراءة القصيدة :
3 دقائق
.
اخترتَ يومَ الهولِ يومَ وداعِ | ونعاكَ في عَصْفِ الرياحِ الناعي |
هتف النُّعاة ُ ضُحى ً، فأَوْصَدَ دونهم | جُرحُ الرئيسِ منافذَ الأَسماعِ |
منْ ماتَ في فزعِ القيامة ِ لم يجدْ | قدماً تشيِّع أو حفاوة ساعي |
ما ضرَّ لو صبَرتْ ركابُك ساعة ً | كيف الوقوفُ إذا أهاب الداعي ؟ |
خلِّ الجنئزَ عنك ، لا تحفل بها | ليس الغرورُ لميِّتٍ بمتاع |
سِرْ في لواءِ العبقريّة ِ، وانتظِمْ | شتَّى المواكب فيهِ والأَتباع |
واصعد سماءَ الذكر من أَسبابها | واظهر بفضلٍ كالنهار مُذاع |
فجعَ البيانُ وأهلهُ بمنصوِّر | لَبِقٍ بوشْيِ الممتِعاتِ صَناع |
مَرموقِ أَسبابِ الشبابِ وإن بَدَتْ | للشيب في الفَودِ الأَحَمِّ رَواعي |
تتخيلُ المنظومَ في منثوره | فتراهُ تحت روائِع الأَسجاع |
لم يَجْحَدِ الفُصحَى ، ولم يَهجُم على | أسلوبها ، أو يزرِ بالأوضاع |
لكنْ جرى والعصرَ في مضارها | شوطاً ، فأحرز غاية َ الإبداع |
حرُّ البيانِ ، قديمُه وجديدُه | كالشمسِ جدّة َ رُقعة ٍ وشُعاعِ |
يونانُ لو بيعت بهوميرٍ لما | خسرتْ - لعمركَ - صفقة المبتاع |
يامرسلَ النظراتِ في الدنيا وما | فيها على ضجرٍ وضيقٍ ذراع |
ومُرَقْرِقَ العبراتِ تجري رِقَّة ً | للعالم الباكي من الأوجاع |
مَنْ ضَاقَ بالدنيا فليس حكيمَها | إتّ الحكيمَ بها رحيبُ الباع |
هيَ والزمانُ بأرضهِ وسمائهِ | في لجَّة ِ الأقدارِ نضو شراع |
مَنْ شَذَّ ناداه إليه فردَّهُ | قَدَرٌ كراعٍ سائقٍ بقطاع |
ما خلفهُ إلا مقودٌ طائعٌ | متلفِّت عن كبرياءِ مطاع |
جبارُ ذهنٍ ، أو شديدُ شكيمة ٍ | يمضي مضيَّ العاجزِ المنصاع |
من شوة َ الدنيا إليك فلم تجدْ | في الملكِ غيرَ معذبين جياع ؟ |
أَبكل عينٍ فيه أَو وَجْهٍ ترى | لمحاتِ دمعٍ أَو رسومَ دِماع؟ |
ما هكذا الدنيا، ولكنْ نُقْلة ٌ | دمعُ القَريرِ وعَبْرَة ُ المُلتاع |
لا الفقرُ بالعبراتِ خصَّ ولا الغنى | غِيَرُ الحياة ِ لهنّ حُكْمُ مشاع |
مازالَ في الكوخِ الوضيعِ بواعثٌ | منها، وفي القصرِ الرفيعِ دَواعِي |
في القفرِ حيَّاتٌ يسيِّبها به | حاوي القضاءِ ، وفي الرياضِ أفاعي |
ولَرُبَّ بُؤْسٍ في الحياة ِ مُقنَّعٍ | أربى على بؤسٍ بغير قناع |
يا مصتطفى البلغاءِ ، أيّ يراعة ٍ | فقدوا ؟ وأيّ معلمٍ بيراع ؟ |
اليومَ أَبصرتَ الحياة َ؛ فقلْ لنا | : ماذا وراءَ سرابها اللماع ؟ |
وصِفِ المنونَ؛ فكم قعدْتَ ترى لها | شبحاً بكلِّ قراوة ويفع |
سكن الأحبّة ُ والعدى ، وفرغتَ منْ | حِقْدِ الخُصوم، ومِنْ هوى الأَشياع |
كم غارة ٍ شَنُّوا عليكَ دفعْتَها | تصِلُ الجهودَ فكُنَّ خيرَ دِفاع |
والجهدُ موتٍ في الحياة ِ ثماره | والجهدُ بعدَ الموتِ غيرُ مضاع |
فإذا مضى الجيلُ المرضُ صدوره | وأتى السليمُ جوانبَ الأضلاع |
فافزع إلى الزمن الحكيم؛ فعنده | نقدٌ تنَّزهَ عن هوى ونزاع |
فإذا قضى لك أبتَ من شمِّ العلا | بثَنِيَّة ٍ بَعدَت على الطَّلاع |
وأجلُّ ما فوقَ الترابِ وتحته | قلمٌ عليه جلالة ُ الإجماع |
تلك الأناملُ نام عنهنّ البلى | عطِّلنَ من قلم أشمَّ شجاع |
والجبنُ في قلم البليغِ نظيرهُ | في السيف مَنْقَصَة ٌ وسوءُ سماع |