يا أيها الدمعُ الوفيُّ ، بدارِ
مدة
قراءة القصيدة :
4 دقائق
.
يا أيها الدمعُ الوفيُّ ، بدارِ | نقضي حقوقَ الرفقة ِ الأَخيار |
أَنا إن أَهنتُك في ثراهم فالهوى | والعهدُ أن يبكوا بدمعٍ جاري |
هانوا وكانوا الأكرمين ، وعودروا | بالقَفْر بعدَ منازلٍ وديار |
لهفي عليهم؛ أُسْكِنوا دورَ الثرى | من بعد سكنى السمع والأبصار |
أين البشاشة ُ في وسم وجهوهم | والبشرُ للندماءِ والسُّمّار؟ |
كنا من الدنيا بهم في رَوْضة ٍ | مروا بها كنسائم الأسحار |
عطفاً عليهم بالبكاءِ وبالأَسى | فتعهدُ الموتى من الإيثار |
يا غائبينَ وفي الجوانح طيفهم | أَبكيكُمُ من غُيَّبٍ حُضَّار |
بيني وبينكمُ وإن طال المدى | سفرٌ سأزمعُه من الأسفار |
إني أَكادُ أَرى محلِّيَ بينكم | هذا قَرارُكُمُ، وذاك قَراري |
أوَ كلَّما سمح الزمان وبشِّرتْ | مصرٌ بفردٍ في الرجال مَنار |
فُجعَتْ به، فكأَنه وكأَنها | نجمُ الهداية لم يدمْ للساري ؟ |
إنّ المصيبة َ في الأَمين عظيمة ٌ | محمولة ٌ لمشيئة ِ الأقدار |
في أَرْيَحيٍّ ماجدٍ مُسْتَعْظَمٌ | رُزْءُ الممالكِ فيه والأَمصار |
أوفى الرجالِ لعهدهِ ولرأيهِ | وأبرّهم بصديقهِ والجار |
وأَشَدُّهم صَبراً لمعتقَداتِه | وتأَدُّباً لمجادلٍ ومماري |
يَسقي القرائحَ هادئاً مُتواضعاً | كالجَدول المُترقْرِقِ المتواري |
قلْ للسَّماءِ تَغُضُّ من أَقمارها | تحت الترابِ أحاسنُ الأقمار |
من كل وضَّاءِ المآثر فائتٍ | زُهرَ النجومِ بزهْره السيّار |
تمضي الليالي لا تنال كماله | بمعيب نقصٍ أو مَشِينِ سرار |
آثاره بعدَ المواتِ حياته | إنّ الخلودَ الحقَّ بالآثار |
يا منْ تفرَّد بالقضاءِ وعلمهِ | إلا قضاءَ الواحد القهّار |
ما زِلتَ ترجوه، وتخشى سهْمَه | حتَّى رمَى فأَحطْتَ بالأَسرار |
هلا بُعثتَ فكنت أَفصحَ مخْبَراً | عمّا وراءَ الموتِ من لازار؟ |
انفضْ غبارَ الموتِ عنكَ وناجني | فعَسَايَ أَعلمُ ما يكون غُباري |
هذا القضاءُ الجِدُّ، فارْوِ، وهات عن | حكمِ المنية ِ أصدقَ الأخبار |
كلُّ وإن شغفتهُ دنياه هوى ً | يوماً مطلقها طلاقَ نوار |
لله جامعة ٌ نَهضْتَ بأَمرها | هي في المشارقِ مَصدرُ الأَنوار |
أمنية ُ العقلاءِ قد ظفروا بها | بعد اختلافِ حوادثٍ وطواري |
والعقلُ غاية ُ جَرْيه لأَعنَّة ٍ | والجهلُ غاية ُ جريه لعثار |
لو يعلمون عظيمَ ما ترجى له | خرجَ الشحيحُ لها من الدينار |
تشْرِي الممالكُ بالدَّم استقلالَهَا | قوموا اشتروه بفضَّة ٍ ونُضار |
بالعلم يُبنى الملكُ حقَّ بِنائه | وبه تُنال جلائلُ الأَخطار |
ولقد يُشاد عليه من شُمِّ العُلا | ما لا يُشادُ على القنا الخطَّار |
إن كان سَرَّك أَن أَقمتَ جِدارها | قد ساءَها أَن مالَ خيرُ جِدار |
أضحت من الله الكريم بذمّة ٍ | مَرْموقة ِ الأَعوانِ والأَنصار |
كُلِئَتْ بأَنظار العزيزِ، وحُصِّنَتْ | بفؤادَ: فهي مَنيعة الأَسوار |
وإذا العزيزُ أَعارَ أَمراً نظرة ً | فاليمنُ أَعجلُ، والسُّعودُ جَواري |
ماذا رأَيتَ من الحجاب وعُسرِه | فدعوتنا لترفُّقِ ويسارِ ؟ |
رأيٌ بَدا لك لم تجدْه مُخالفاً | ما في الكتاب وسنَّة ِ المختار |
والباسِلان: شجاعُ قلبٍ في الوَغى | وشجاعُ رأيٍ في وغى الأفكار |
أوددتُ لو صارتْ نساءُ النيلِ ما | كانت نساءُ قُضاعة ٍ ونِزار؟ |
يَجمعن في سلم الحياة ِ وحربِها | بأْسَ الرِّجالِ وخَشية َ الأَبكار |
إن الحجابَ سماحة ٌ ويسارة ٌ | لولا وحوشٌ في الرجال ضواري |
جَهِلوا حقيقتَه وحِكْمة حُكمه | فتجاوزوه إلى أَذى ً وضِرار |
يا قبّة الغوري تحتكِ مأتمُ | تَبقى شعائرُه على الأَدهار |
يُحييه قومٌ في القلوب على المدى | إن فاتهم إحياؤه في دار |
هيهات! تُنسَى أُمة ٌ مدفونة ٌ | في أَربعين من الزمان قِصار |
إن شئتَ يوماً أَو أَردت فحقبة ً | كلٌّ يمرُّ كليلة ٍ ونهار |
هاتوا ابنَ ساعدة ً يؤبِّنُ قاسماً | وخذوا المراثِيَ فيه من بَشَّار |
من كلِّ لائقة ٍ لباذخ قدرِه | عصماءَ بينَ قلائد الأشعار |