لامية الهمج
مدة
قراءة القصيدة :
4 دقائق
.
خَفَّتْ سُليمى إلى الدِّيار في عَجَلِ | وانتابها قَرَفٌ من شِدَّةِ الثَّمَلِ |
كَمْ حولَها في فَيافي الأرضِ من أَسَدٍ | زالَتْ مُروءَتُه، يُرعى مع الحَمَلِ |
كانتْ تُؤلِّفُ في ليلٍ مَزاعِمَها | أنَّ النُّجومَ غَفَتْ بالقُربِ من زُحَلِ |
لكنَّ سَيِّدَها - والكأسُ مُترعَةٌ - | ضَحَّى بِألفٍ من الزُّعرانِ والهَمَلِ |
فَغادَرتْ حُزْنَها واسْتَعْمَرَتْ وَطَناً | يَغفو على الهَمِّ والتَّشريدِ والوَجَلِ |
حتّى إذا ما بَدَتْ في الروضِ راقِصَةً | والقَدُّ يَلْمَعُ في الآفاقِ كالشُّعَلِ |
قالَتْ لمُكْتَئِبٍ قَدْ كانَ يَعْشَقُها | أكرِمْ بِحافِيَةٍ تَعلو عَلى الدُّولِ |
إذا رَأيْتَ دُروبَ العُمْرِ مُقفِرَةً | ماذا سَتَفْعَلُ يا مَنْحوسُ بالأَمَلِ |
نامَ المُحاربُ قَدْ أعْيَتْهُ حُجَّتُهُ | لمْ يَبْقَ في رَأسِهِ الخاوي سِوى المَلَلِ |
قَدْ جاءَ في زَمَنٍ سادَ الهُراءُ بِهِ | وازدانَ كُلُّ صَوابٍ فيهِ بالخَلَلِ |
واعْتَلَّ بالوَهْمِ لَمْ يَذْكُرْ مَلامِحَهُ | ما يَفْعَلُ العَقْلُ في بَحْرٍ مِنَ الهَبَلِ |
في الصمتِ أُحْجِيَةٌ، في القَولِ أُحْجِيَةٌ | فيما تَردَّدَ بَينَ اليَأْسِ والأملِ |
حامَتْ بَيارِقُنا في السَّفْحِ واعْتَكَفَتْ | فالموتُ في عَمَلٍ، كالمَوْتِ في كَسَلِ |
هذا النَّهيقُ؛ وذا النَّعيقُ مَنْزِلَةٌ | تَسْعى إليها أُنوفُ الناسِ في كَلَلِ |
يَمضي الجميعُ إلى مُسْتَنْقَعٍ أَسِنٍ | فَيَمْزِجونَ أَحَرَّ الطَّعْنِ بالقُبَلِ |
لا تَحْمِلِ الدِّرْعَ في يَدٍ مُضَرَّجَةٍ | وانظرْ لِظَهْرِكَ مِنْ حافٍ وَمُنْتَعِلِ |
إذا جَمَعْتَ فُصولَ الجَهْلِ في كُتُبٍ | فَالغَدْرُ مُقْتَرِنٌ بالظلمِ لَمْ يَحُلِ |
جَحشٌ عَلا فَرَساً فَاشتدَّ ساعِدُهُ | وانْتابَهُ خَبَلٌ في الخَيْلِ والإبِلِ |
ما كُنْتُ أحْسَبُ أنْ يَعْلو لِمَرْتَبَةٍ | حتى رَأَيْتُ نَكيرَ الصَوتِ في الأُوَلِ |
ماذا سَيَفْعَلُ أَفّاقٌ لِخَيْبَتِنا | غَيْرَ السِّباحَةِ في بَحْرٍ مِنَ القَمَلِ |
لا رَدَّهُ اللهُ مِنْ تَرحالِهِ أَبَداً | فالسفحُ مُنْقَلِبٌ في قِمَّةِ الجَبَلِ |
ما كانَ أبصَرَنا والشمسُ ساطِعةٌ | فابشِرْ بِحظِّكَ في الظلماءِ والحَوَلِ |
والخَيْلُ خانِعَةٌ، لِلذَّبْحِ مُذْعِنَةٌ | والروحُ جائِعَةٌ، والشوكُ في المُقَلِ |
مَنْ ذا يُزيِّنُكُمْ؛ يا رَهْطَ فاجِرَةٍ | أَوْدَتْ بِصاحِبِها في أَرْدَأ السُّبُلِ |
يا أمَّةً أَعْدَمَتْ أيَّامَها فَشَلاً | واسْتَحْضَرَتْ كُلَّ ما يودي إلى الفَشَلِ |
تَرْنو إلى شَرَفٍ، والعِلمُ مَنْقَصَةٌ | في ساحةٍ عُمِرَتْ بالجَهلِ والخَطَلِ |
يَغفو عَلى الشوك والأحزانِ مُبْدِعُها | ويَعْتَلي خَيلَها ذو السَّقْطِ والهَزَلِ |
هذي الزهورُ إلى بُؤسٍ سَتَحْمِلُنا | إنْ أيْنَعَتْ في حُقولِ الثَّومِ والبَصَلِ |
(لَقَدْ تَصَبَّرتُ حَتّى لاتَ مُصْطَبَرٍ | والآنَ أَقْحَمُ حتّى لاتَ مُعْتَمَلِ) |
في رَوْضِنا شَجَرٌ لكِنَّ وارِفهُ | نَهْبٌ لِكُلِّ هَوامِ الأرضِ والسِّفَلِ |
نَغفو عَلى كَذِبٍ، نَصْحو عَلى كَذِبٍ | نُمَرِّغُ الوَجْهَ في التَّخْريفِ والخَبَلِ |
حَتَّامَ نَنْتَظِرُ الأغرابَ تَنْصُرُنا | وَيَنْحَني رَأْسُنا في الحادِثِ الجَلَلِ |
ما ظَلَّ مِن أَمْرِنا بَينَ الشُّعوبِ سِوى | بابٍ نُوارِبُهُ للمَوتِ والشَّلَلِ |
كادَ المُسافرُ أنْ يَبْني سَفائِنَهُ | لكنَّ عاصِفةً هبَّتْ مَعَ الخَوَلِ |
فَارْحَلْ وأُفْقُكَ أَوهامٌ مُخادِعَةٌ | وانْثُرْ بِذارَكَ في الصحراءِ والجَمَلِ |
يا ساكِناً خَرَفَ الأَفكارِ عَجرفةً | ماذا تَزيدُ عَنِ الأَقوامِ والمِلَلِ |
ماذا صَنعتَ سِوى الأَحقادِ تَقْتُلُنا | ماذا بَنَيْتَ سِوى التَزييفِ والزَّلَلِ |
انظرْ لِثَوْبِكَ، هَلْ أَلَّفْتَ رُقعتَهُ | وانظرْ لقَلْبِكَ مَجْبولاً مَعَ العِلَلِ |
وانظرْ لقَومِكَ: مَظلومٌ يؤنِّبنا | أو ظالمٌ يَتَحَلّى بالسيفِ والأَسَلِ |
قَدْ أَوْجَدَ الناسُ قانوناً ليُنْصِفَهُمْ | إلا دِيارُكَ فالقانونُ للضَلَلِ |
كَفى تُصَنِّفُ أَوهاماً تُعدِّدُها | والناسُ تَرْحَلُ للمِرِّيخ مِنْ زُحَلِ |
يا مَتْحَفَ الحَشَراتِ، ما تُريدُ بِنا | جَلداً على دُبُرٍ، أمْ صَفْعَةَ القُبُلِ |
أتُحْرِقُ الزهرَ غَضّاً في مَرابِعِنا | وَتَرْتَجي عَسَلاً مِنْ قَطْرَةِ الوَشَلِ |
سَيَهرُبُ النَّحلُ عن أرضِ النِّفاقِ ضُحىً | وَيَغْرَقُ الجَمْعُ في بَحْرٍ مِنَ الوَحَلِ |
وَنَشْتَري بِدُموعِ البُؤسِ نازِلَةً | فَلا نُفَرِّقُ طَعْمَ الزِّفْتِ مِنْ عَسَلِ |
يا أمَّةً تَمْلَأ الأكوانَ جَعْجَعَةً | وَلا نَرى وَجْهَها في ساحَةِ العَمَلِ |
قَوِيُّها يأكلُ الضعيفَ مُسْتَعِراً | وَيَبْتَغي جَنَّةَ الفِردَوسِ بالدَّجَلِ |
تَراهُ يَخْشَعُ في صَلاتِهِ وَجِلاً | وَيَرْتَأي صُحْبَةَ الإبليسِ مَعْ هُبَلِ |
في صَمْتِهِ جَشَعٌ، في قَوْلِهِ طَمَعٌ | يَمشي عَلى جُثَثِ الأصْحابِ كالحَجَلِ |
قَدْ تاجَرَ الناسُ بالأَمجادِ وارتفعوا | أمّا سُليمى فَمَسْعاها إلى عَطَلِ |
رَداءَةُ الرأيِ ساقَتْها إلى سَفَهٍ | فَدَربُها غَبَشٌ في مَوردٍ ضَحِلِ |