أرشيف الشعر العربي

حُضورٌ في عليائه الأسمى

حُضورٌ في عليائه الأسمى

مدة قراءة القصيدة : 4 دقائق .

هل أنتَ موجودٌ..

كضَوءٍ حائمٍ

في زَحمةِ النُّور النَّهاريِّ

المُشِّعِ على النَّوافذِ

والبعيدِ مِنَ الرُّؤى

أم أنتَ تَسطعُ مِنْ وجودِكَ مثلَ إيقاع الغوايةِ

وانبعاثِ الشَّمسِ في فجرِ العصافيرِ المقبِّلةِ النَّدى

ثَبِّتْ حُضورَكَ كي تثبِّتَ

دورةَ الأبديِّ في الآنيِّ

إنَّكَ تائِهٌ حتَّى يقودكَ في ارتقائِكَ

ما تَقودُ مِنَ المَدى

كُنْ حاضِرًا في كُلِّ رَسمٍ

للمُخيَّلةِ المُحمَّلةِ افتراضِكَ أو مَخاضِكَ

وابتدِأْ مِن ذاتِكَ الصُّغرى لتكتَمِلَ

استدارتُكَ الوَليدةُ بانتفاضِكَ

وانقضاضِكَ الآتي

على ما ليسَ منكَ أَصالةً

في طَورِكَ الكَوْنيِّ

والسُّبلِ الجَديدةْ

صُغْ مِنْ تَجَسُّدكَ التمرُّدَ والتفرُّدَ والتجدُّدَ

واقطفِ الأزهارَ والدَّهَشاتِ

في طَوْرِ احتفائكَ بالسَّليقةِ

في عفويَّةِ الإيقاعِ

في مشيِ الطُّيورِ

ورونقِ الكَلماتِ في حُبٍّ جديدْ

حتّى يفيضَ النَّبضُ إنْ تَجدِ

المَساربَ نحوَ نَبعِ الوَحيِ والمنفى البَعيدِ

لكي تتمسّكَ الأحلامُ بالأنغامِ

وتُنثَرُ الأصداءُ مِن روح الأوائِل والأيائِلِ

والرُعاةِ وأعْينِ الغُزلانِ قافِيَةً

صَلاةً أو نَشيدَ

ولتلتقي بالنُّورِ أَحوالَ اعتناقٍ

أو عَقيدةْ

كي تَرتقي بالنَّفْسِ في لَهبِ المَشاعرِ

في مَعالي الرُّوحِ

في طَوْرِ الطُّموحِ

وَوَقفةِ المُتأمّلِ المَمسوحِ

بالفَجرِ المُطِّلِ مِنَ الغُموضِ إلى الوُضوحِ

فإنَّ خفقاتِ الجُموحِ

تدقُّ أجراسَ القَصيدةْ

إنْ كنتَ تَحْضُرُ

في احتفاءِ العِطرِ بالأنثى

وبالذَكرِ المُحاورِ

فالروائحُ تلتقيكَ وتنتقيكَ وتخلعُ الثوبَ ...الإزارَ

وتطلعُ الأمواجُ مِنْ صَدَفِ الرِداءِ

وتسطعُ الأفواجُ من لهَفِ الخَفاءِ مِنَ الخِباءْ

فَسليقةُ العِطرِ العَراءْ

إنْ كنتَ تَحْضُرُ

بابتداءِ تكوّنِ الأشكالِ

مِن طينِ الخَيالِ

على الأصابعِ

فالمسِ الخديّنِ كالعزفِ

المنَّوَعِ والموزَّعِ

بين أوتارِ اشتهاءاتِ الأُنوثَةِ

وانسجمْ بالَلمسِ مع كلِّ انحدارٍ

مثلَ ماءْ

إنْ كنتَ تَحْضُرُ

في الضِّياءِ وسطرهِ اللألاءِ والوضّاءِ

في طورِ النِداءْ

دقِّق بروحِ الشَّمسِ

لا تدعِ الظِّلالَ تقودُ نوركِ أو تقوُلكَ

أو تَراكْ

إنْ كنتَ تَحْضُرُ في دُموعِ اللَحنِ

أو في دَهشةِ الإصغاءِ

فاصغِ لما تعدى السَّمعَ

وارقصْ على إيقاعِ هذا الكونِ

إنَّ الكَونَ إيقاعٌ

وعزفُ اللهِ حالاتُ السَّماءْ

إن كنتَ تَحْضُرُ

في التذَوُّقِ

فاشتهِ التفّاحةَ الأولى

وذقْ ما لم تذقهُ

بثغركَ البَشَريِّ

أُعصُرْ عناقيدَ الغِوايةَ باشتِهاءْ

إسْكَرْ...

فإنَّ الكَونَ ناياتٌ وخَمرٌ

إنْ أجدتَ الارتِقاءْ

وتدرَّجِ الآنَ الحُضُورَ

الكاسحَ المنثورَ

بين عوالمٍ

أُخرُجْ إليكَ مِنَ الرُكامِ إلى الضِّياءْ

أُسرجْ حِصانَ الوَحْيِ

واحتضنِ البَهاءْ

واشرب مِن النبعِ الخَفيِّ على القِمَمْ

فطموحُكَ الآتي مقامُك في العَدمْ

كثّفْ وصالَكَ

واحتمالَكَ

وانتقالَكَ

هائمًا وعيًا وَفَمْ

إنَّ الثَّواني في تَجليّكَ ارتقاءٌ

بَرقُها عُمْرُ

اصْعَدْ من اللَحظاتِ

نَحوَ تَأبّدِ الأوقاتِ

انّكَ حاضرٌ في كلِّ شَيءٍ

في المكانِ وفي الثواني

والدموعِ على الكمانِ

وفي الأغاني والأماني والمَعاني

فاحتفلْ بحضوركَ الضَّوْئيِّ والآنيِّ والأبديِّ

واهجُرْ قلبكَ المَسكونَ بالوصلِ المقيمِ

لكي تَصِلْ

فالوَصْلُ هَجْرُ

فلترتقِ الآنَ

أنتَ منذُ الآنَ في سَمْتِ الحُضورِ

وصَمتهِ...

ونَشيدهِ الآتي

فقولٌ ثمَّ رأيٌّ ثمَّ فكرُ

وبدأُ سَطرٍ ثُمَّ نَثرٌ ثمَّ شِعرُ

وخوضُ شُربٍ ثُمَّ ريٌّ ثمَّ سُكرُ

وخطوُ سيرٍ ثمَ ركضٌ ثمَ كرُّ

وريشُ جنحٍ ثمَّ صقرٌ ثمَّ نَسْرُ

إزارُ نورٍ ثمَّ دِفءٌ ثمَّ جَمرُ

ودفقُ سيلٍ ثمَّ نهرٌ ثمَّ بحرُ

وصوتُ فردٍ ثمَّ مثنىً ثمَّ كُثْرُ

وبعضُ يومٍ ثمَّ شهرٌ ثمَّ عمرُ

غموضُ لغزٍ ثمَّ كشفٌ ثمَّ سِرُّ

فلترتقِ الآنَ فأنتَ منذُ الآنَ

مُنتصرٌ عليكَ

وأنتَ الآنَ كالقبلاتِ مُستعرٌ ومُشتعلُ

ومنتعلٌ خِفافَ الرّيحِ منتقلُ

ومنطلقٌ برقصتكَ الجديدةِ

فوقَ الجمرِ محتفلُ

ومرتجلُ انتشاءكَ والمَدى قُبَلُ

ومُنشغلٌ بوجدِكَ وانفرادِكَ وانتباهكَ واصطفائِكَ

في صَفائِكَ

يُشرقُ الأجلُ

كبرقٍ ثاقبٍ ليلًا

كخيلٍ تستفزُ جنونَها السُّبلُ

توتَّرْ في خُطى وتَرٍ فإنّكَ هائمٌ ثَمِلُ

فأنتَ الآنَ سَيِّدُ ذاتِكَ العُليا

وأنتَ الآن مشتعِلٌ

ومنتقلٌ

ومرتحلٌ

ومحتفلُ

وأنــــــــت الآنَ

أنــــــت الآنَ

أنــــــتَ الآنَ

تــــَـــكْتَــــمِـــــلُ

اخترنا لك قصائد أخرى للشاعر (سامي مهنا) .

سِفر الحقيقة

جَمالٌ ينحتُ القصيدة

حُضورٌ في عليائه الأسمى


مشكاة أسفل ١