أراجعةٌ تلك الليالي كعهدها
مدة
قراءة القصيدة :
دقيقتان
.
أراجعةٌ تلك الليالي كعهدها | إلى الوصلِ أم لا يُرتجى لي رجوعُها |
وصحبة أقوامٍ لِبستُ لِفَقدِهم | ثيابَ حدادٍ مُستَجَدَ خليعُها |
إذا لاحَ لي من نحو بغدادَ بارقٌ | تجافَت جُفُوني واسُتطيرَ هُجُوعُها |
وإن أَخلَفَتها الغادياتُ رُعُودَعا | تُكَلّف تصديقَ الغمامِ دمُوعُها |
سقى جانبي بغدادَ كُلُّ غَمَامةٍ | يُحَاكي دموعَ المستهام هُمُوعُها |
مَعَاهِد من غزلانِ إنسٍ تحاَلَفت | لواحِظُها ألا يُدَاوَى صريعُها |
بها تسَكُنُ النَّفسُ النفورُ ويَغتَدي | بآنسَ مِن قلبِ المقِيمِ نَزِيُعها |
يَحنُّ إليها كلُّ قلبٍ كأنما | يُشَاد بحبَّاتِ القلوبِ ربُوعُها |
فكلُّ ليالي عَيشها زَمَنُ الصَّبا | وكلُّ فصول الدَّهر فيها ربُيعها |
وما زلتُ طَوعَ الحادثاتِ تقُودُني | على حُكمها مُستكرَهاً فأطيعُها |
فلما حللتُ القَصرَ قَصرَ مسرَّتي | تَفَرَّقنَ عني آيساتٍ جُمُوعَها |
بدارٍ بها يَسلَى المشوقُ اشتياقَه | ويأمَنُ رَيبَ الحادثات مَروعُها |
بها مسرحٌ للعين فيما يَرُوقُها | ومُستَروَحٌ للنَّفس مِمَّا يروعُها |
يرى كلُّ قلبٍ بينها ما يَسُرُّه | إذا زَهَرَت أشجارُها وزروعُها |
كأنَّ خريرَ الماء في جَنَبَاتها | رُعُودٌ تلقَّت مُزنَةً تستريعُها |
إذا ضرَبتها الريحُ وانبسطت لها | مُلاءةُ بَدرٍ فَصَّلتها وَشِيعُها |
رأيتُ سيوفاً بين أثناء أدرُعٍ | مُذهَّبةً يَغشَى العيونَ لميعُها |
فمن صنعةِ البدرِ المنيرِ نُصُولُها | ومن نسجِ أنفاسِ الرِّياحِ دُرُوعُها |
صفا عَيشُنا فيها وكادَت لِطِيِبها | تُمازِجُها الأرواحُ لو تستطيعها |