أبي الله إلا أن يدين لنا الدهر
مدة
قراءة القصيدة :
7 دقائق
.
أبي الله إلا أن يدين لنا الدهر | ويخدمنا في ملكنا العز والنصر |
أبي الله إلا أن يكون لنا الأمر | لِتحيَا بنا الدُّنيا، ويفتخرَ العصرُ |
وتخدُمَنا الأيّامُ فيما نَرُومُهُ | وينقادَ طوعاً في أزِمَّتنا الدّهرُ |
وتخضع أعناق الملوك لعزنا | ويُرهِبَها منّا على بُعدنا الذِّكرُ |
بحيثُ حَلْلنا الأمنُ من كلِّ حادثٍ | وفي سائر الآفاق من بأسنا ذعر |
بطاعتِنا للّه أصبحَ طوعَنا الأ | نامُ، فما يُعصَى لنا فيهمُ أمرُ |
فأيماننا في السلم سحب مواهب | وفي الحَربِ سُحبٌ وبْلُهنَّ دمٌ هَمرُ |
قَضتْ في بني الدُّنيا قضاءَ زمانِها | فَسُرَّ بها شطرٌ، وسِىء بها شَطرُ |
وما في ملوكِ المسلمينَ مُجاهدٌ | سوانا فما يثنيه حر ولا قر |
جعلَنا الجهادَ همَّنا واشتغالَنا | ولم يلهنا عنه السماع ولا الخمر |
دماء العدا أشهى من الراح عندنا | ووقع المواضي فيهم الناي والوتر |
نُواصِلُهم وصلَ الحبيب وهم عِداً | زيارتُهم ينحطَ عنَّا بها الوزرُ |
وثير حشايانا السروج وقمصنا الد | روع ومنصوب الخيام لنا قصر |
ترى الأرض مثل الأفق وهي نجومه | وإن حسدتها عزها الأنجم الزهر |
وهمُّ الملوكِ البيضُ والسُّمُر كالدُّمَى | وهمتنا البيض الصوارم والسمر |
صوارمنا حمر المضارب من دم | قوائِمُها من جُودنا نَضرة ٌ خُضرُ |
نسيرُ إلى الأعداءِ والطّيرُ فوقَنا | لهَا القوتُ من أعدائِنَا، ولنا النَّصرُ |
فبأس يذوب الصخر من حر ناره | ولُطفٌ له بالماءِ ينبجسُ الصَّخرُ |
وجيش إذا لاقى العدو ظننتهم | أسود الشرى عنت لها الأدم والعفر |
تَرى كلَّ شَهمٍ في الوغَى مثلَ سَهْمِه | نفوذاً فما يثنيه خوف ولا كثر |
هم الأسد من بيض الصوارم والقنا | لهُم في الوغَى النّابُ الحديدة ُ والظُّفرُ |
يرَوْن لهم في القتلِ خُلداً، فكيف باللـ | ـقاءِ لقومٍ قتلهُم عندهم عُمْرُ |
إذا نُسبوا كانُوا جميعاً بني أَبٍ | فطعنهم شزر وضربهم هبر |
يظنُّون أنّ الكفرَ عصيانُ أمرِنَا | فما عندهم يوماً لإنعامنا كفر |
لَنَا مِنهمُ إقدامُهُم وولاؤُهمْ | ومنَّا لهم إكرامُم والنَّدى الغَمرُ |
بِنا أُيِّد الإسلامُ، وازدادَ عزّة ً | وذل لنا من بعد عزته الكفر |
قتلنَا البِرنْسَ، حِينَ سارَ بجهله | تَحفُّ به الفُرسانُ والعَسكر المجرُ |
ولم يَبق إلاَّ مَن أَسْرنا، وكيفَ بالبـ | ـقَاءِ لمن أخْنَتْ عليه الظُّبا البُترُ |
وفي سجننا ابن الفنش خير ملوكهم | وإن لم يكن خير لديهم ولا بر |
كأفعالِنَا في أرضِ من حانَ منهُمُ | وقد قُتِلت فرسانُه فهمُ جُزر |
وسلْ عنهُم الوادِي بإقلِيس إنَّه | إلى اليومِ فيه من دمائِهمُ غُدرُ |
هم انتَشروا فيه لردّ رَعِيلنا | فمن تربه يوم المعاد لهم نشر |
ونحنُ أسرنا الجوسَلِين ولم يكُن | ليخْشَى من الأيَّامِ نائِبة ً تَعْرُو |
وكان يظن الغر أنا نبيعه | بمَالٍ، وكم ظَنٍّ به يهِلُك الغِرُّ |
فلما استبحنا ملكه وبلاده | ولم يبَق مالٌ يُستباحُ ولا ثَغْرُ |
كَحلناهُ، نبغى الأجرَ في فِعلِنا بهِ | وفي مثلِ ما قَد نَالَه يُحرز الأجرُ |
ونحن كسرنا البغدوين وما لمن | كَسرنَاه إبلالٌ يُرجَّى ولا جَبْرُ |
له الغَدرُ دِينٌ: ما به صنَع الغَدرُ | |
وقد ضاقت الدنيا عليه برحبها | فلم ينجه بر ولم يحمه بحر |
أفى غدره بالخيل بعد يمينه | بإنجيلِه بين الأَنامِ له عُذْرُ |
دعته إلى نكث اليمين وغدره | بذمَّتِه النَّفسُ الخسيسة ُ والمكْرُ |
وقد كانَ لونُ الخيل شتَّى فأصبحَت | تُعادُ إلينَا، وهي من دَمهِم شُقْرُ |
توهَّم عجزاً حِلمَنا وأناتَنَا | وما العجز إلا ما أتى الجاهل الغمر |
فلما تمادى غيه وضلاله | ولم يثنه عن جهله النهي والزجر |
برزْنَا له كالليِثْ فَارقَ غِيلَه | وعادَتُه كسرُ الفرائس والهَصْرُ |
وسِرنا إليه حين هابَ لقاءَنا | وبان له من بأسنا البؤس والشر |
فولّى يُبارى عائراتِ سِهَامِنَا | وفي سمعه من وقع أسيافنا وقر |
وخلَّى لنا فُرسانَه وحُماتَه | فشطر له قتل وشطر له أسر |
وما تنثني عنه أعنة خيلنا | ولو طار في أفق السماء به النسر |
إلى أن يزور الجوسلين مساهماً | له في دياج ما لليلتها فجر |
ونرتَجِعَ القدسَ المُطهَّر مِنهُم | ويتلى بإذن الله في الصخرة الذكر |
فلم يبق منها في ممالكهم شبر | |
إذا استَغْلقتْ شمُّ الحصونِ فعندنَا | مَفاتحُها: بيضٌ، مضاربُها حُمرُ |
وإنْ بلدٌ عزَّ الملوكَ مَرامُه | ورُمناهُ، ذلَّ الصّعبُ واستُسهِلَ الوعرُ |
وأضحى عليه للسهام وللظبا | ووقع المذاكي الرعد والبرق والقطر |
بنَا استَرجَع اللْهُ البلادَ وأمَّن العـ | ـبادَ، فلا خَوفٌ عليهم ولا قَهرُ |
فتَحنا الرُّهَا حين استباحَ عداتُنا | حماها وسنى ملكها لهم الختر |
جعلْنَا طُلى الفُرسان أغمادَ بِيِضنا | وملَّكنَا أبكارَها الفتكة ُ البكر |
وتلُّ عِزَازٍ، صبّحتهُ جُيوشُنَا | وقد عجزت عنه الأكاسرة الغر |
أتَى ساكنُوها بِالمفاتيحِ طاعَة ً | إلينا ومسراهم إلى بابنا شهر |
وما كلُّ مَلْكٍ قادِرٍ ذو مَهابة ٍ | ولا كل ساع يستتب له الأمر |
فلم تَحمِه عنَّا الرّجالُ ولا الجُدُر | |
ومِلْنا إلى بُرج الرَّصاصِ وإنَّه | لكاسد لكن الرصاص له قطر |
وأضحت لأنطاكية حارم شجى ً | وفيها لهَا والسَّاكِنينَ بها حَصرُ |
وحصن كفر لاتا وهاب تدانيا | لَنَا، وذُراها للأَنُوقِ به وَكرُ |
وفي حِصن باسُوطَا وقَورَصَ ذَلَّتِ الصّـ | ـعابُ لنا، والنّصرُ يقدمُهُ الصبرُ |
وفامية والبارة استنقذتهما | لنا همَّة ٌ من دونها الفَرعُ والغَفرُ |
وحصن بسرفود وأنب سهلت | لنَا، واستحالَ العُسرُ، وهو لنَا يُسرُ |
وفي تل عمار وفي تل خالد | وفي حِصْن سلقينٍ لمملَكة ٍ قصرُ |
وما مثل راوندان حصن وإنه | لمَمتنعٌ، لو لم يسهل له القَسرُ |
وكم مثلِ هذا من قلاعٍ ومن قرًى | ومُزدَرَعَاتٍ لا يحيطُ بها الحصرُ |
فلما استعدناها من الكفر عنوة ً | ولم يَبقَ في أقطارِهَا لهمُ أَثْرُ |
رددنا على أهل الشآم رباعهم | وأملاكَهُم، فانزاحَ عنهم بها الفَقرُ |
وجاءتهم من بعد يأس وفاقة | وقد مسَّهُم من فقدها البؤْسُ والضُّرُّ |
ومرَ عليها الدَّهرُ، والكُفرُ حاكِمٌ | عليها، وعمرٌ مرَّ من بعدِه عُمْرُ |
فنالهُم من عَوْدِها الخيرُ والغنَى | كما نالنا من ردها الأجر والشكر |
ونحنُ وضعنا المكْسَ عن كلِّ بلدة ٍ | فأصبح مسروراً بمتجره السفر |
وأصبحت الآفاق من عدلنا حمى ً | فكُدر قَطاها لا يُروّعها صَقرُ |
فكيف تُسامِينَا الملوكُ إلى العُلا | وعزمهم سر ووقعاتنا جهر |
وإن وَعدُوا بالغزوِ نَظماً، فهذه | رؤوس أعاديهم بأسيافنا نثر |
سنلقى العدا عنهم ببيض صقالها | هداياهم والبتر يرهفها البتر |
وما قولُنا عن حاجة ٍ، بل يسوءُنا | إذا لم يكن في غزونا لهم أجر |
خزائنُنَا ملأَى ، ومَا هِي ذُخرُنا المُـ | ـعَدُّ، ولكنَّ الثوابَ هو الُّذخْرُ |
ملكنا الذي لم تَحوِهِ كفُّ مالِكٍ | ولم يَعرُنَا تِيهُ الملوكِ ولا الكبرُ |
فنحن ملوك البأس والجود سوقة التـ | ـواضع لا بذخ لدينا ولا فخر |
عزَفنا عنِ الدُّنيا، على وجدِهَا بِنَا | فمنها لنا وصلٌ، ومنّا لها هَجرُ |
وأحسن شيء في الدنا زهد قادر | عليها فما يصبيه ملك ولا وفر |
ولولا سؤال الله عن خلقه الذي | رعيناهم حفظاً إذا ضمنا الحشر |
لمَلْنَا عن الُّدنيا، وقِلنا لها: اغربي | لك الهجر منا ما تمادى بنا العمر |
فما خير ملك أنت عنه محاسب | ومملكة ٍ، من بعدها الموتُ والقبرُ |
فقل لملوك الأرض: ما الفخر في الذي | تعدونه من فعلكم بل كذا الفخر |