الإهداء: |
إلى صوت الفقيد المغيّب الّذي لم يمت... |
إلى محمود درويش. |
1- الحركة الأولى: |
تطير حمامة قلبي |
على بعد بوح... |
وتحتار في أيّ نبض |
من القلب، يحلو لها |
أن تنطّ... |
حمامة قلبي لها أن تعيد اعتباري، |
أن تعيد انتشار السّنين |
إلى مبدإ لا يجيد التّقلّب والاحتيال. |
سأحمل بعض اعتباري، |
ولي أن ألاحق نفسي |
بعار البقيّة من نسل حزن |
تشكّلت الرّوح فيه |
بمثل انشطار الدّموع العصيّة... |
2- الحركة الثّانية: |
أراها – |
ومازلت أحلم بالموج، |
أحلم أن أعتلي دكّة الرّوح بين الجراح، |
فأرقى مليّا على هامة الجوع، |
ومقصلة الميتة المشتهاة بعنف، |
ودرّاقة الاحتراق... |
ومازلت طفلا يؤلّف بين النّجوم |
فتجتاحه رغبة الخوف والانعتاق |
من المائل المتعدّد في شهوة تشتهي |
أن تراق فيمتدّ جذع بحجم الدّموع العتاق – |
بحجم التّخاطر يأتي على صفحة للكلام المجفّف، |
يأتي صباحا، وقد قامت الأغنيات جميعا |
سدودا على تلعة الدمع... |
مازلت أذكر طفلا |
تكوّر خلف الزّجاج، وخلف النّوافذ يختطّ شمسا |
لذاك السّحاب البعيد... البعيد، |
هو الماء – |
هو المطر المتلكّؤ يرسم |
بين الجدار وبين الجدار |
أحابيل رؤيا التّعدد في الحزن – |
رؤيا التّجاذب بين البكاء |
وبين الشّغاف الموشّى |
لذكرى الرّحيل على بيرق |
كان لي في زمان المخاض... |
ومات الحمام جميعا، |
فما عدت طفلا كما كنت. |
خان اعتباري رسوم الجدار، |
وألفيتني – ساعة من نهار – |
أبحث عن كوكب مستعار...!! |
3 – الحركة الثّالثة: |
أراها – |
تمنّيت لو لم يمت / |
لو لم أمت!! |
تمنّيت لو أنّ لي أن أعيد الزّمان |
وأن أستعيد بأمر الكيان |
ملايين ما كان أحرقه الحبّ. |
تمنّيت لو أنّني قد أخذت من العمر |
شيئا بسيطا |
فأعطيت تلك الحمامات دورا |
بقلبي... |
سأحيا: |
نعم، |
مثل باقي السّيول، |
ومثل المحيطات، |
لا شيء يجتاحها |
غير ريح تغيّر أشكالها، |
ومسار شريد بلا شارة |
تعتليه، |
ولا نسبة قد تشير إليه – |
سأحتاج أن أتمنّى |
إذا أحوجتني العبارة للبوح، |
وعزّ البكاء مريرا |
تغافله النّهنهات، |
تريق على شفتيه الشّجون |
خمور التّوادد كي يستقيل |
قليلا عن الجبروت الحزين، |
فتهتزّ في مقلتيه العبارات سكرى، |
ويعتق شوقي النّشيد إلى |
طاقة في ضباب المدينة، |
بين النّدى والهما – |
سأحتاج شيئا من النّفس كي يستريح، |
وكي يرفأ الذّكريات |
كما ترفأ الأمّ في عالم الطّفل |
بعض حبّ وليد... |
4 – الحركة الرّابعة: |
أراها – |
لنبك سويّا، |
وما نحن في الأسوياء |
بأسوأ من صاغ عهدا |
وخان العهود جميعا – |
وما نحن أسوأ: |
وما نحن لو عانقتنا الحياة |
بشكل يليق، |
سوى صحبة ضيّعت موجة |
في مسار الحنين – |
وكانت كمن تقتفي دربها |
في ممرّ الرّمال |
إلى دارة خلّفتها وراء المدار |
وبين المسار الجميل...!! |
سأعلم أنّي أناكف في الشّعر، |
أنّي أصوغ الكلام |
لأحيا بقامة شعر تنامت |
وصارت بحجم الذّباب الشّريد، |
وأنّي أحاول أن أستردّ انعتاقي، |
ونعتنق الآن في الموت |
كما في الحياة – |
فيخذلني البحر يا من تقمّصت في البحر! |
فيخذلني العمر يا من تعدّدت في العمر! |
فيخذلني الدّمع يا من رصدت الدّموع بقلبي، |
وقيّدتني كي أموت وعيناي لم تنطفئ فيهما |
زرقة البحر، |
وعمّدتني للحياة ومازلت أحمل في النّفس |
كلّ الموات الغريب! |
وتخذلني الأغنيات: |
أنا لم أغنّ، ولم أستطع أن أسيغ |
الغناء، ولكنّني مذ سمعت نشيد المساء، |
ومذ داعبتني صباحات يافا |
وكرم الجليل |
وكلّ النّوارس في بيت لحم – |
وما خبّأته الشّوارع من ألف وجد، |
على معبر كان ينتظر القادمين... |
كان ينتظر الغسق البابليّ، |
وينتظر البيت يشرع أبوابه، |
ونافذة في شمال التّطلّع للحلم – |
يا من صنعت على راحة الحلم |
خارطة المبعدين الثّكالى... |
تعلّمت أن أهتدي بالنّشيد، |
وأن أعشق الحرف حدّ التّماثل، |
فامدد يديك إليّ – |
تمهّل على نغمة في امتلاء السّنابل، |
تمهّل قليلا، |
على خطوتين من اللاّزورد المجزّع – |
عمّد حياتي الّتي قتلتني |
بموت جديد...!! |
5 – الحركة الخامسة: |
ومازلت... |
رغم التّداعي، |
ولوثات عمري، |
وما قيل عن زورق |
يستعيد المحارات |
واحدة واحده... |
مازلت رغم الحنين |
إلى ألف عام من الحبو |
في ترّهات تصوغ الخريف |
مجازا إلى باحة في مسار الخرائط، |
سوسنة أحرقت في ضرام التّشكّل |
خمسين حبّا تذرّى على ألف غصن |
جميل – هناك... ومازلت أرسم |
في راحة الكفّ شوقا |
بحجم الخريف الجديد |
وقد جاء من رحلة الألف عام |
بوجه تكثّف فيه الغرام، |
وعينين أغلقتا دون قلبي |
مرايا اللّآلئ – |
أعتقتا رهبتي من إسار المثول |
أمامي، وما |
كنت غير الّذي كنت تعرف: |
- شيخا ترهّل في ربقة العمر، |
قد رمّمته الجراح، |
فعاد يتيما كما كان – |
شيئا تقلّب حتّى الثّمالة |
على جمرتين، وما |
كان للعشق دخل – |
ما كان للحبّ نبض يعيد الخريف |
إلى لوحة في الجدار، |
يعيد المساء الفقيد وقد مال |
ستّينا جرحا – |
يعيد النّساء اللّواتي تخفّين من شوقهنّ |
إليّ...!! |
أراها – |
ومازلت بين النّدى قطرة، |
مازلت بين الهما |
نبضة أسكرتني، |
ومازلت في حضن من عانقتني |
وليدا تعلّم في الحبّ |
كلّ البكاء المسهّد – |
تعلّم كلّ الكلام الّذي لا يقال |
عن العشق تكتبه الأيدي سرّا |
تجلّى على نبضة في الشّفاه...! |
ومازلت أحلم أن أقتفي خطوتي |
للوراء المحال، |
فيعبرني الحلم مثل الرّبيع الموشّى، |
بحملين من صبره واحتراقي... |
ويعزفني الماء للرّاحلين |
من الماء للماء لحنا عتيقا |
فنبكي معا، |
مثل كلّ الحمام الجريح...!! |
6 – الحركة السّادسة: |
● لماذا يكون عليّ – |
أنا الوالغ في الخوف / |
أنا المستهام / |
المعنّى، |
بأن أقتفي أثري |
كلّما فرّخت في جرابي |
المسافات؟! |
● هل كان لي أن أوازي |
بين المسار وبين الجدار، |
وبين الرّحيل المفاجئ – |
يقتصّ ممّن بنى الوجد بارقة |
بارقة... |
ممّن تخلّق في بذرة القمح |
سطرا من الشّعر عمّن رثته المدائن |
من زمن لولبيّ تداعى على كوثل |
في بحار الحضارات – بين الرّحيل |
المفاجئ أعيته هذي القوافل، هذي |
العمائم تخفي لظى أمسيات الشّتاء |
وراء العيون وبين الحداء الّذي |
كان شيئا أليفا على نهنهنات الحكايات، |
وبين انكفاء المواقد تهرق شاي الصّباح، |
وتختطّ للأمّ يوما لذيذا تلوّنه زقزقات الحمام...؟!! |
● هل كان لي أن أحبّ، |
وأن أستعيد صفاء الغرام، |
ليكفيني بعض زاد لهذا الرّحيل؟!! |
● وهل كان لي أن أراوغ |
كي تنجلي نشوة الدّمع، وكي أستطيع البكاء |
بعيدا؛ |
ولكنّني الآن كي أرسم الدّار في مقلتيّ، |
وأحمل في القلب نخلا روته دمائي |
وصورة من عمّدوني، |
وأسماء من سيّجوا الأرض باللّوز |
والتّين والقمر البابليّ؛ وكي أتعلّم |
صبر الرّجال يكون عليّ بأن أرجئ الدّمع |
حتّى الزّفير الأخير...!! |
7 – الحركة السّابعة: |
أراهم ورائي تماما، |
على رقعة الجرح، |
في ملتقى القلب، |
بين الشّرايين، |
تحت الغشاء المعمّر – |
أوهنه الماء والملح، |
والخوف من همهمات ستولجه |
معبرا ليلكيّا – |
وهم خلف نبضي، |
وهم في انطفاء الدّماء، |
وهم كلّ حلم تجدّدت فيه |
فأيقنت في لحظة ردّدتني |
كلحن سبيّ بأنّ المدائن |
تفّاحة أنضجتها مراقي الغرام – |
وهم خلف نبضي، |
يدارون شيئا، فلا أسمع الهينمات، |
ولا أسمع الموت يلقي |
سلاح المحارب – يمضي حثيثا |
فيمتدّ مثل المدى المتماوج في مقلتيك...!! |
(تفاجأت!! هل طاوعتني الدّموع؟! وكم مرّ في معبر الموت! |
كم راوحتني المشانق بين الحنين وبين الهروب وبين البكاء! |
وكم متّ في حرقة الشّهقات، فكنت أعيش الحياة... |
وكنت أنام قرير الجفون... وأضحك مثل الّذين يموتون ويحيون... |
يهدون للموت أبناءهم – كلّ شيء يطاول ظلّ الجدار، |
وتلك النّخيلات يلقين أحداقهنّ على راحة الشّمس، |
يهدون للموت أحلامهم ثمّ ينأون في ذبذبات الدّخان، |
ليعتادهم حاجز الصّمت – ذكرى التّواجد في اللّيل |
يحمل في الموت سرّ القيام... |
يحمل في الموت شيئا بديلا عن الأرض...!! |
والأرض قد تشترى، فتذكّر – إذا بعثرتك المجازات، |
ألقتك في المعبر اللّولبيّ تمائم خمسين ألف هروب |
من العشق – أن تترك البيت شاهدة للحنين... |
تذكّر بأنّ الحصان يموت ويولد مثل النّبات الغزير ومثل الهواء... |
يموت ويولد في البيت قبل الهروب وبعد الهروب، |
وتنأى المسافات عنّا جميعا، ويبقى الحصان |
ليحرس في القلب بدأ التّشكّل... رقم الشّوارع... |
شكل الخطى، والأماسي الّتي داعبت ليلكا في الفناء الموارب... |
تخفّف إذن – دع كلّ شيء جدير بأن لا يقايض؛ |
ودع قلبك المرمريّ ليعتاد صهوته كلّما أعوزته المكاتيب |
عن رحلة تنتهي بين حدّ وبين الرّصاصه... |
وهذا الحصان هو الأثر المتبقّي: سيحمل موت الجميع – |
سيحمل أوزارنا والجراح الّتي عمّقتها الكوابيس – |
يحمل صمت الرّجال المؤجّل للغرباء الصّغار – |
ويحمل لوز الجليل وبيّارة في الخليل... تذكّر بأنّ الحصان يموت وحيدا، |
ومن دمه الأرض تحيا وتهزم أوزارنا... تهزم أوطاننا الملصقات... |
وتهزم شاهدة لوّثتها الخرافات عن مرزبان تشرّد في الأرض تسعين جيلا، |
فعلّمه التّيه قتل الحصان...!! |
* |
البريمي في: 30 أيلول 2008 |