عبسَ الرَّغيفُ |
كأنني حَجَرُ الرَّحى |
وأنا ابتسَمتُ |
كأنـَّهُ وَضَحُ الضّحى |
هل يصدُقُ الإحساسُ أنـَّكَ |
لستَ أجملَ من خيالِكَ |
حينَ تـُبغِضُكَ الطبيعة ُوالأنوثة ُ |
حين يرفضك العريّ |
وحينَ تسأمُكَ الثيابُ ؟ |
هل كنتَ يا وجهي كثيفَ الشؤمِ |
في عينِ الصّبيةِ |
ليلة ارتـَعَشتْ يداها |
تحجبانكَ عن رؤاها ؟ |
قالَ قمْ وَسَلِ المرايا |
قـِفْ طـَويلاً كي أراني |
كي تراني ربّما حَجَراً ترى |
ولربّما قـَمَراً قبيحاً أو رغيفاً يابِساً |
عبثتْ بهِ الفِئرانُ بعدَ الأصدقاءِ |
لقد تركتَ البابَ مفتوحاً لأعيـُنِهم لألسُنِهم |
وكانَ الكلبُ قِفلَ البابِ يحرُسُ سارقي منّي ! |
ستصدِقكَ المرايا قُمْ إليها |
قبلَ ما يأتي الضـَّبابُ |
. |
عَبَسَ الرَّغيفُ |
كأنني حصّادهُ مذ كانَ سُنبُلة |
ولم أكُ غيرَ تربَتِهِ التي |
صَقَلتْ شحوبَ الصّخرِ |
في حقلِ الغريبِ ، |
أنا الغريبُ أمامَ وجهكَ |
حينَ تنكَمِشُ الملامِحُ ، |
حينَ ترفـُض أن تسُدَّ الجوع |
تأكُلني الغرائِزُ ، |
يمتطي الشـَّبقُ الحصانَ إلى اليبابِ |
أجوعُ أكثرَ ، |
رحتُ أقطعـُهُ فخِفتُ العكس |
خفتُ وخفتُ من مرَضٍ بجسمٍ لا يموتُ ، |
تهيئي بالسّرِّ وانتصبي |
سئمتُ برودة الأحياءِ والجمرَ |
المقنـّعُ بالجليدِ |
. |
تمنـّعي ليذوبَ ملحُ الزاهِدين |
تقشـَّفي من خوفكِ الموروث |
من خطأ الصوابِ |
ذكرتُ اسمكِ |
فانتبذتُ الله في أفواهِ من عبدوهُ . |
هبطَ الظلامُ |
على امتزاجِ البردِ مع دفىء اليدينِ |
على اليدينِ نـَسيتُ أنّ البردَ |
قلـَّصَ موعدي ! |
ورَمى عن الجَسَدِ المـُشفـّى |
فرْوَ ملمَسِها |
ولم يَزلِ الحصانُ رهينَ طيشِ جموحِهِ |
قالت لكَ الدّنيا حَببتـُكَ عاشِقاً ، |
دعني أعِش في جوقةِ الماضي |
ودع بهـْوَ الفضاء لمن تكونَ |
أخفّ منـّي |
لم يكنْ حباً كحبـّكَ إنّما |
زغَبٌ خفيفٌ فوقَ قلبي ، |
غيرَ أنّي قد أتيتُ أقلّ إحباطاً |
من الآتي الذي رَسَمتـْهُ عنقاءُ السعادةِ |
فوقَ ما تركتهُ ناركَ من رمادٍ داكِنٍ |
في أعيـُني |
لكَمِ انتظرنا ساعَة |
يلجُ المسيحُ بها الصليبِ |
فنحتـَفي بالمائِدة ، |
لكَمِ انتظرنا عالماً بحَثوهُ قبلَ ولادَتي |
بـِسِنيِّ عمري الآنَ أضعافاً لِكي |
يهبوهُ في شـَفـَقِ المراهقةِ الشفيفةِ لي |
ولكي تجيءَ لنا بواخِرهُم بأشرعةٍ |
يمزّقها الوباءُ ! |
ــ تعلـّمي نسجَ الروايةِ من فراغِكِ ــ |
قالها صمتي ، |
أتعلمُ : حينَ تعرفني ستبعِدكَ |
الحقيقة عن يديَّ فكن غبيّاً أو تغابى |
كي يظلَّ اللوز أخضَرَ في يديكَ |
أخافُ من فجرٍ يجيءُ |
من الرياحِ تقود مركبكَ الخفيفَ |
لشاطىءٍ يوحي بخاتمةِ القصيدةِ ، |
حينَ تعرفني سيبتسمُ الوشاة لأنهم |
دفنوا السحابة في شقوقِ |
الأرضِ قسراً ، |
لا تدعْ عسَسَ الفضول يقضُّ |
نومكَ فالفضوليونَ ماتوا |
إثرَ وخزِ المعرفة ! |
. |
عبسَ الرّغيفُ |
لأنهُ ألِفَ الحياة رهينَ جوعِ الآدميّ |
وسادة ُ الفقراء قبعة ٌ لكل الناسِ يا أمّي ، |
وهاأنا ذا بحضنكِ أستميح العطف لمستهُ |
وهدهدتي كلامُ الله يا أمّي ، |
وغيري من تربّعَ في المحارَةِِ |
يستبيحُ النهدَ حرمتهُ لتأكلَ لحمَ وجهي الطيرُ |
يا أمّي وغيري من لهُ عِنَبي نبيذ ، |
يوسُفٌ لا خيرَ فيهِ لربِّهِ |
إن أنكرَ الرؤيا وأسرَجَ للإيابِ |
على حِصانٍ أهوجٍ مثلي ، |
فلو قد كانَ جرحكِ قدرَ عطفكِ ما بكيتُ |
وما انتبهتُ ، |
أنا الذي لو كانَ نهدُكِ فوقَ ثغري |
ما سكرتُ وما عرفتُ الليلَ يا أمّي |
وغيري من ترفعَ عن لجينٍ وانحنيتُ |
إلى الهشيمٍ الهشِّ آهٍ وانحنيتُ ، |
البرتقالة لي ولكنْ |
خلفَ قشْرتِها حدودي كم ظمئتُ |
ولم يرقّ الحقلُ يا أمّي اشتهيتُ |
ملابسي بالصّيفِ واللحمَ المكشفَ والغزالة َ |
والهُوينى جعـّتي والتبغُ في الشرفاتِ |
يا أمّي اشتهيتُ وما اشتهيتُ |
لآخري غيري ، |
وغيري من تعودُ لهُ الحمامة |
تخطف الدفلى إليهِ عن الجبينِ لكي |
يجيء من القفارِ وكي |
يشاركني يديها والرّغيفَ ، |
حبيبتي روحٌ ملوّنة |
تلوّنُ أبيضي ورمادَ غيري بابتِسامَتِها ، |
تريدُ من الحياةِ حياتها |
وتريدُ طفلاً دونما أبَتٍ |
يلاطِفُ مع هدوءِ الليلِ ليلكـَها اللعوب |
ــ كأنّ مريَمَ لم تزّرْني ــ |
لم تهزّ الجذعَ آهٍ فانحَنى وأنا انتهيتُ |
. |
عَبَسَ الرّغيفُ |
لأنني أدري ويدري أنَّ سرَّ الليلِ شمسٌ |
في سماءٍ لونُ زرقتِها شفيفُ |
عَبَسَ الرّغيفُ |
لأنَ لوني أخضر كصباهُ دوماٌ |
غيرَ أنَّ جبينـَهُ أبَداً خريفُ |
عَبَسَ الرّغيفُ |
وقد ضحِكتُ |
فحكَّ لي جرحاً وغنّـى للبعادِ |
ولم يكنْ بالقلبِ متـّسعٌ لقلبي فامتـقعتُ |
ودندنَ الليلُ اللعينُ خطاهُ في بهوِ الأزقةِ |
فاحترقتُ |
أنا الذي إن غابَ شابَ |
وإن أتى عَبَسَ الرّغيفُ . |